بيت سلمان رشدي الذهبي

رواية سلمان رشدي الأخيره عنوانها ( البيت الذهبي ) مكونه من 380 صفحه من القطع المتوسط , أصدرتها كل من دار ( راندوم هاوس ) للنشر و دار ( فنتج ) للنشر في وقت واحد وبيعت النسخه بسعر 28,99 دولار أمريكي وهي رواية سلمان رشدي الرابعة عشرة

السير احمد سلمان رشدی من مواليد 19 حزيران 1947 وهو روائي هندي من كشمير بريطاني الجنسيه والمقال . فازت روايته الثانية ( أطفال منتصف الليل) عام 1981 بجائزة بوكير واعتبرت ( أفضل رواية لجميع الفائزين ) في مناسبتين منفصلتين : بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين , والأربعين لجائزة بوكير

يتم وصف الكثير من رواياته في شبه القارة الهندية أنها تجمع بين الواقعية السحرية مع الخيال التاريخي لإن عمله يهتم بالعديد من العلاقات والاضطرابات والهجرة والصراع بين الحضارات الشرقية والغربية

كانت روايته الرابعة الملحمية ( الآيات الشيطانية ) 1988 موضوع جدل كبير بين المسلمين بسبب الفصل الأخير الموجود فيها ( فتح مكه ) رغم أن كل ما ورد في هذا الفصل حقيقي وصحيح 100% تثبت صحته سورة الشعراء الوارده في القرآن الكريم .. لكن أغلب المسلمين لا يعرفون حقيقة دينهم وحين يسمعون الحقيقة يستهجنون ولهذا ثارت ضده احتجاجات من المسلمين في عدة بلدان . أما موقف الخميني ضده بفتوى داعية إلى اغتياله التي صدرت في 14 شباط 1989 فهي ليست بسبب إساءة الروايه للإسلام ولكن لأنها صورت شخصية الخميني نفسه بصورة كاريكاتوريه في الفصل ( الإمام ) لهذا وضعت الحكومة البريطانية رشدي تحت حماية الشرطة

عام 1983 انتخب رشدي زميلاً للجمعية الملكية للأدب وهي المنظمة الأدبية العليا في المملكة المتحدة . عين كمدير للفنون والآداب في فرنسا في يناير 1999. في حزيران عام 2007 منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب ( فارس ) لخدماته للأدب فحمل من وقتها لقب ( سير ) . عام 2008 صنفته مجلة تايمز بالمرتبه الثالثه عشره على قائمة أكبر 50 كاتباً بريطانيا منذ عام 1945

منذ عام 2000 يعيش رشدي في الولايات المتحدة . درّس في جامعة إيموري ثم تم تعيينه كاتباً مقيماً متميزاً في معهد آرثر كارتر للصحافة بجامعة نيويورك في عام 2015

كان التناسخ موضوعا كبيراً دائما ً عند سلمان رشدي في رواية الآيات الشيطانية بعد أن أنقذ بطله الهندي النجم السينمائي ( إسماعيل نجم الدين _ الملقب : غبرييل فريشتا ) من طائرة انفجرت فوق إنكلترا فتحول بطريقة سحرية إلى ملاك فإذا كان التناسخ بمفهومه الهندوسي أو مفهومه البوذي أسلوباً مهماً في بناء الشخصيات في الآيات الشيطانيه وهو تحول الروح من جسد الى آخر اذا لم تنعتق منه وتتحرر الى النيرفانا . فهذا الأسلوب في البناء سيلازم سلمان رشدي لأربعة عقود من الكتابة الروائيه وإن كان في كتاباته اللاحقه لا يعتمد على التناسخ بمظهره الديني لكنه يحول الشخصيات من نمط الى آخر رغم بقائها تحمل نفس الروح . في روايته ( أطفال منتصف الليل ) 1981 هناك ولادة جديدة للأمم , في تحول اسماعيل نجم الدين الى غبرييل فريشتا في الآيات الشيطانيه 1988 , في ( مالك سولانكا ) بطل رواية ( الغضب الشديد ) 2001 في محاولته الهرب من الماضي وإعادة تشكيل نفسه على الفور بصورة مغايره , وصولاً الى البيت الذهبي روايته 14 الجامحة و المندفعه . سلمان رشدي يعيد تكرار عملية التحول في موضوعه عن الولايات المتحده الأمريكيه المعاصرة

تنقسم رواية البيت الذهبي إلى ثلاثة أجزاء ، وتبدأ من التفاؤل غير الحقيقي الذي كان يشاع في عهد أوباما وتنتهي مع انتخاب رجل لم تذكر الروايه اسمه على أنه ( ترامب ) ولكن يشار إليه باسم ( جوكر) . ورغم أن الروايه تتحدث عن القتل في الحياة الحديثة – صعود حزب الشاي ، وسياسة ما بعد الحقيقة ، وخبث أصحاب المليارات – لكن قلقها الرئيسي هو فقدان الذاكرة التاريخي الخطير في جوهر الهوية الأمريكية كلها بسبب التناقض الحاد والتام بين ما يجرى حقيقة على الأرض وما يشاع زوراً في الإعلام ويتم تداوله على ألسنة المسؤولين ثم تعيد الجماهير تكراره فتتحول الهوية الى طبل مليء بالهواء

في مركز الروايه مهاجر هندي صاحب ممتلكات خرافية الحجم , مع ماضي مظلم مجهول يأتي إلى أمريكا ويغير اسمه إلى ( نيرون يوليوس الذهبي ) مع 3 أبناء ذكور . سلمان رشدي لا يحتاج الى الواقعية السحرية التي إستعملها في الآيات الشيطانية لتحويله : هو ( تابولا راسا الحلم الأمريكي ) . مصطلح ( تابولا راسا ) عبارة لاتينية غالباً ما تترجم ( لائحه فارغه ) وهي تشير الى التابولا الرومانيه قطعة معدن تشبه الصينيه وعليها طبقة كثيفة من الشمع تتم الكتابة عليها بواسطة الحفر بقلم أو سكين أو مسمار وعند الإنتهاء من الكتابه يمكن تسخين المعدن فيذوب الشمع وتمحى الكتابه ويمكن إستبدالها بكتابة جديده .. شيء يشبه السبوره التي نكتب عليها بالطباشير ثم نمحو .. وكذلك الأشخاص في الحلم الأمريكي .. يمكن أن يبدأوا من المجهول بناء حياة مغايرة تماماً .. بنفس أشخاصهم.

نيرون يوليوس الذهبي يوصي أبناءه : اذا سألك أحد فقل أننا ( من أي مكان ) أو ( في أي مكان ) أو ( من مكان ما ) فنحن نؤمن بالناس ، والاحتيال ، وإعادة اختراع ، وشكل التحول وهذا يعني أننا أمريكيون
حسب هذه القاعده التي نصح بها الأب سيختار الأبناء أيضا أسماء جديدة لهم من التاريخ الكلاسيكي والأساطير ، الأكبران اللذان يطلقان على نفسيهما أسماء من الكتاب الرومانيين ( بترونيوس ومختصره : بيتا ) و ( أبوليوس ومختصره : أبو ) أما الأصغر فيختار لنفسه إسم ديونيسيوس ومختصره : دي ) . لكن بيتا مصاب بمرض التوحد ومعتمد في كل حياته على أخيه الأوسط أبو وهو فنان يمتلك جشع أمريكا لأكل اللحوم وهو لا يتورع عن أي شيء.. حتى لو كان النوم مع زوجة أخيه الأكبر المصاب بالتوحد , الإبن الأصغر دي هو شخص ( جنس ثالث ) وحين تنظر إليه لا تكاد تتميز جنسه بسهوله , حين تتحدث عنه شخصية الراوي في الروايه تطلق عليه إشارة ( هو ) لكنك حين تراقب أفعاله وكلماته لا تكاد تتميز بنفسك هل هو رجل أم إمراه

كعادة سلمان رشدي في كل رواياته , أن يضمنها عدداً كبيراً من القصص الصغيره , وفي البيت الذهبي أيضاً لديه وفره من القصص والحكايات الفرعيه التي تشير الى أحداث سياسيه او أفلام أو مقاطع أدبيه أو ثقافات شعبيه وهو إنجاز كبير يحسب للروايه يقوم سلمان رشدي بواسطته بأمور ممتعه تدور على أطراف الحكايه تشد الإنتباه بينما هو يجذبنا الى المركز لمتابعة ماضي وحاضر وتطورات نيرون الذهبي وأولاده

شخصية الراوي في هذه الروايه هو جيران عائلة نيرون يوليوس الذهبي , وهو بلجيكي مهاجر يدعى رينيه يعمل مخرجاً ومنتجاً للأفلام يكرس نفسه للأسره الذهبيه فيصبح صديقاً للأب وأبنائه في محاولة منه لكشف ماضي العائله لتحويله الى فيلم سينمائي يتحدث عن أسرة تريد محو كل ماضيها وكانها قادمة من المجهول ولا تريد أن تكون متصلة بشيء من تاريخها لهذا حين يبدأ السرد فهو يتحدث عن حاضر العائله وكلما تقدمنا في الروايه يعود بنا الى تفاصيل عن الماضي تتكشف له يوماً بعد يوم

رواية البيت الذهبي هي الروايه الثانيه لسلمان رشدي عن الولايات المتحده الأمريكيه منذ إنتقاله للحياة في نيويورك عام 2000 فراويته السابقه ( الغضب الشديد ) صدرت عام 2001 تتحدث عن مالك سولانكا وهو هندي من مومباي مليونير ومتعلم , متخرج من كامبريدج يبحث عن هروب من نفسه . في البداية هرب من حياته الأكاديمية من خلال غمر نفسه في عالم صناعة المنمنمات ثم عرضها في ( ريجسموسيوم أمستردام ) في نهاية المطاف صنع دمية تسمى ( الدماغ الصغير ) وترك الأكاديمية وعمل في التلفزيون , ومع ذلك، فإن عدم الرضا عن شعبية الدماغ الصغير عمل على إشعال شياطين غضب أعمق داخل حياة سولانكا ، مما أدى إلى الهرب بشق النفس من قتل زوجته وطفله , ومن أجل الهرب يسافر سولانكا إلى نيويورك على أمل أن يفقد نفسه وشياطينه في أمريكا لكنه يجد في النهايه أنه مجبر على مواجهة نفسه . في رواية الغضب الشديد تشعر انك تعيش في أجواء روما القديمه , أما في رواية البيت الذهبي وهي الرواية الأمريكية الثانية لرشدي منذ انتقاله إلى نيويورك . البيت الذهبي مليء بالمراجع الكلاسيكية مع عبارات شكسبيريه , وحين يضعف عقل نيرون لا يبدو عليه أنه ذلك الإمبراطور الروماني الجبار المجنون بل يصبح أكثر شبهاً بالملك لير

على الرغم من أن هناك القليل من الواقعية السحرية التي إستخدمها رشدي في البيت الذهبي ، لكنه بالتأكيد لا يهدف الكتابه بواقعية . نيرون يصبح أكثر شبهاً بالشخصيه الكارتونيه ( بوند الشرير ) لها دفعه رشدي الى الزواج من امرأة شابة طموحة قال عنها نيرون : امرأة تصبح السيدة الذهبية هي إكسير الحياة ، تحول شعر الرجل الى أسوّد مرة أخرى ، وتصغر له كرشه .. ولكن يا رجل هل شاهدت صورها في مجلة بلاي بوي ؟ بالطبع شاهدتها .. لا تخجل .. لماذا يخجل المرء؟
زوجته الوحش المثيره ( فاسيليسا ) ليست بعيدة عن الكارتوني ( بوند الشرير ) سواء من حيث كونها لاعبة جمباز روسيه ارتفعت من الفقر وعينها دون هوادة على السلطة . في هذا المونولوج إشاره واضحه الى السيده ميلانيا ترامب دون ذكر إسمها في الروايه

الكثير من نجاح رواية البيت الذهبي يكمن في روح الدعابة الموجوده فيها وفي قوة سردها الروائي و خيالها المترامي الأطراف وأحيانا في سوء إنضباطها ، إلى جانب طاقة متوهجة للأدب المنثور الذي يحوله سلمان رشدي الى الروايه الأكثر متعة وإيذاء لأمريكا

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.