بيتهوفن وانا وعباس البياتي

rodenyكلما استمع الى السمفونية التاسعة للموسيقار الرائع بيتهوفن او اشاهدها تحاصرني الدموع ولا استطيع كبت جماحها ليس لأن الموسيقا رائعة بل لأن الفرقة التي تعزف في احد الشوارع العامة احاطوهم الاطفال وجلسوا على الارض بانتباه شديد وكأنهم يعرفون بيتهوفن منذ زمن بعيد.
طفلة تسلقت عمود الكهرباء لترى وتسمع بوضوح ولم يكفيها ذلك فاخذت تلوح بيدها راقصة.
ليس هذا فحسب بل ان المتفرجين وهم بالمئات اخذوا يرددون مع الفرقة كلمات السمفونية. كلهم كانوا يرددون بنفس الاحساس.
قال احدهم كنا نحفظها ونحن صغار،انها سمفونية عظيمة.
ثم يأتينا احد المتعفنين ليقول ان الموسيقا حرام ويكتب احدهم على سياج بيته اذا دخلت الموسيقا البيت خرجت الملائكة، ولاندري ماذا كانت تفعل هذه الملائكة في بيت الاخ.
ويأتينا بعد ذلك وقبل يومين معلم في مدرسة ابتدائية ليأمر الاطفال بالوقوف ويبدأ يعلمهم كيفية اللطم ويترك تدريس واجبه الاساسي.
كلما نقارن تخلفنا في القرون الماضية مع مانعانيه الان نجد ان اجدادنا كانوا يعيشون في نعيم رغم ان الخلفاء المتعاقبين لم يدعوا مفكرا او باحثا الا قتلوه.
ثم تأتينا جماعة البخاري ويرددوا الاحاديث التي وردها وهم يعرفون تماما انه لايجيد اللغة العربية ابدا.
أي تزوير للتاريخ بعد ذلك ايها الناس.
منذ قرون ونحن “ضحية قشمرة السلطة” والادهى نشعر بالسعادة لهذه “القشمرة” اذ نجد فيها اشباعا لدواخلنا الشيزوفرينية.
امس تحدثت مع صديق قديم في بغداد ولعنت امامه الطائفية والمحاصصة فرّد :ليس الامر هكذا ياصديقي ،ان الامريكان يريدون تقسيمنا الى 52 دولة عربية كل واحدة اصغر من اسرائيل.
فهل بعد هذا نستمر في الشخير؟ نعم سنظل نشخر الى يوم نقف طابورا امام احدى السفارات في بغداد ونطلب تأشيرة زيارة الى البصرة ونحن في بغداد.
نعم سنظل نلطم على مافات وزوجاتنا تتحسر حين تكتشف انه لاعشاء يكفي لهذه الليلة.
ويظل اولادنا يدرسون في المدارس الطينية ثم يهربون الى الشارع وامام اشارات المرور ليبيعوا المناديل الورقية و”الجكليت” او يحملوا صندوق تلميع الاحذية ليختاروا رصيفا لينتظروا الزبون ولكن النوم سلطان فيتركوا الصندوق ويلتحفوا الرصيف.
لايمكن لنا ان نتغير فهاهم المعتصمون امام بوابات المنطقة الخضراء يألهون الصدر ويتركوا الوطن “يرفس” محتجا.
لم نسمع من أي احد من المعتصمين ان نادى “ليحيا الوطن” و”يسقط السفلة والسرّاق ” بل كلهم يتهجدون بمدح ذلك الشاب الذي لايعرف في امور السياسة الا كما يعرف احدنا اللغة الصينية.
لست ضد ماقام به مقتدى الصدر بل بالعكس فانا احييه لهذه الخطوة ولكن على الناس الا تكرر مآسي التأليه التي ابتلينا بها بدءا من الملك فيصل ثم عبد الكريم قاسم وآخرها صدام حسين.
فاصل في محله:من النكت الطريفة جدا ان عباس البياتي رحمه الله ركض الى المعتصمين طالبا الهدنة وكأنه في حرب ضروس مع الاعداء…..مسخرة.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.