كتابنا هذا اليوم للمؤلف البريطاني الجنسية والإقامة _ الباكستاني الأصل ( طارق علي ) حيث سأقدم للقاريء الكريم كتابا قل نظيره في تفسير الواقع السياسي والإجتماعي للمنطقة العربية بشكل عام والعراق بشكل خاص , لمدة تقع ما بين سقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى _ حتى سقوط بغداد عام 2003 .
العنوان الكامل للكتاب هو : ( سيناريو جديد لسنة الإحتلال الأولى _ بوش في بابل , إعادة إستعمار العراق ) . الكتاب مكون من 262 صفحة من القطع المتوسط ومن إصدار ( فيرسو ) مطابع لندن ونيويورك 2004 .
قام طارق علي بإهداء الكتاب : (( الى عائشة ورفاقها _ الجيل الجديد في المسيرة )) . وهم ثلة من أطفال عراق اليوم … نساء المستقبل ورجاله .
محتويات الكتاب :
# إيضاح .
# المقدمة : حياة مع العدو .
# عرس بنات آوى .
# الصفوة الحاكمة المبتزة .
# العقداء والشيوعيون
# البعثية , صدام والجمهورية .
# الحرب والسيطرة .
# السيطرة والمقاومة .
# سيناريو ميريديان الدامي .
# ملحق : كريستوفر هيتكنز وحرب الخليج الولى .
# الفهارس .
في المقدمة , يذكر لنا طارق علي أن العراقيين الذين يعايشون الإحتلال الأمريكي بعد عام من بدايته .. يشبه حالهم حال الفلسطينيين الذين يعايشون الإحتلال الإسرائيلي بعد حوالي 60 عاما من وقوعه .. موت وخراب , خوف وهلع , وهكذا هو واقع أن تحيا مع عدو . حين تتطلع الى صور الدمار لا تكاد تميز بين خراب عراقي .. أو خراب فلسطيني .
بإعتبار طارق علي بريطاني الجنسية والإقامة , فهو يلوم رئيس وزرائه توني بلير على كل ما يقع في العراق من جرائم , تستهدف المدنيين العزل , وبضمنهم أطفال العراق , ويقول (( إذا كان توني بلير قد حمل طفلا عراقيا أمام عدسات المصورين في إحدى زياراته للعراق .. فكم من طفل بريء وقعت عليه جريمة الحرب , دون أن ترصد تلك الجريمة أية كاميرا ؟؟ ))
(( كم طفل عراقي مات .. أو عاش ما هو أقسى من الموت في ظل جريمة الحرب هذه ؟؟
وكم منهم من أجبره تشرد الحرب وجوعها .. لأن يعيش في المزابل ؟ أنتم تقتلونهم أطفالا اليوم … فقط من أجل أن لا تجدونهم أمامكم غدا .. نساءا ورجالا يقاومونكم .. ويقاومون سياساتكم .. كما فعل من قبل آباؤهم وأعمامهم وأخوالهم )) .
وللتدليل على عجز الحكومات العربية وشعاراتها أن تفعل أي شيء لأطفال العراق وفلسطين , يستشهد لنا طارق علي بقصيدة نزار قباني ( أطفال الحجارة ) فيكتبها مترجمة الى الإنكليزية حيث تقول :
بهروا الدنيا..
وما في يدهم إلا الحجاره..
وأضاؤوا كالقناديلِ، وجاؤوا كالبشاره
قاوموا.. وانفجروا.. واستشهدوا..
وبقينا دبباً قطبيةً
صُفِّحت أجسادُها ضدَّ الحراره..
قاتَلوا عنّا إلى أن قُتلوا..
وجلسنا في مقاهينا.. كبصَّاق المحارة
واحدٌ يبحثُ منّا عن تجارة..
واحدٌ.. يطلبُ ملياراً جديداً..
وزواجاً رابعاً..
ونهوداً صقلتهنَّ الحضارة..
واحدٌ.. يبحثُ في لندنَ عن قصرٍ منيفٍ
واحدٌ.. يعملُ سمسارَ سلاح..
واحدٌ.. يطلبُ في الباراتِ ثاره..
واحدٌ.. يبحثُ عن عرشٍ وجيشٍ وإمارة..
آهِ.. يا جيلَ الخياناتِ..
ويا جيلَ العمولات..
ويا جيلَ النفاياتِ
ويا جيلَ الدعارة..
سوفَ يجتاحُكَ – مهما أبطأَ التاريخُ –
أطفالُ الحجاره ..
# في الفصل (( عرس بنات آوى )) يحدثنا طارق علي أنه عشية الهجوم على العراق في 2003 .. كان قد إتصل في لندن بصديقه الشاعر العراقي ( سعدي يوسف ) ثم إلتقيا في أحدى مقاهي حي سوهو .. وكان الحديث عن العراق وبغداد التي لم يرها سعدي يوسف منذ عدة عقود .
يتم الحديث عن بغداد التي سقطت قبل تسعة قرون على يد المغول .. قيل أن سبب سقوطها أن خليفتها كان غارقاً في ملذاته , وقيل أن الوزير العلقمي ( الشيعي ) هو الذي تآمر مع المغول على بغداد .. وقيل أن ( الكرد ) هم الذين ساعدوا القوات المغولية الغازية للوصول الى مبتغاها , ولكن مهما يكن من أمر فإن الجيش المغولي كان قد دخل بغداد .. فقتل أهاليها .. وأحرق مكتباتها , وسرق مقتنايتها وجواهرها … بالضبط كما يفعل المغول الجدد وهم يدخلون بغداد عام 2003 .. فيقتلون ويحرقون .. وتحت سمعهم وبصرهم تخرب وتسرق المتاحف والمكتبات والبنوك والمؤسسات .
نخب العراق المثقفة ومنذ تأسيس العراق الحديث كانت تناكف السلطات العميلة أو المحتلة .. فتلك هي مواقف الجواهري معلنة في كل قصائده .. وهذا الدكتور عبد الرحمن منيف ( والدته عراقية ) يحدثنا عن التلاحم العربي في حرب تحرير فلسطين عام 1948 , والألم الذي شعر به العرب من مسرحية تلك الحرب التي تم تزويدهم فيها بسلاح فاسد أو تنظيم وصولهم الى الحرب بعد أن كان اليهود قد سيطروا على كل شيء .
اليوم وفي العام 2003 عشية الحرب يكتب سعدي يوسف من لندن قصيدة الى مظفر النواب في دمشق عنوانها ( عرس بنات آوى ) يقول فيها :
أ مُظَفّرُ النوّاب
ماذا سوف نفعلُ ، يا رفيقَ العُمْرِ ؟
عرسُ بناتِ آوى … أنتَ تعرفُهُ قديماً :
نحن نجلسُ في المساءِ الرّطبِ تحتَ سقيفة القصبِ ؛
الوسائدُ والحشايا من نَديفِ الصوفِ
والشايُ الذي ما ذقتُ طعماً ، مثله ، من بعدُ ،
والناسُ …
الظلامُ يجيءُ ، مثل كلامنا ، متمهِّلاً
والنخلُ أزرقُ
والدخانُ من المواقدِ كالشميمِ ،
كأنّ هذا الكونَ يبدأُ …
فجأةً ، تتناثرُ الضحكاتُ ، بين النخلِ والحَلْفاءِ :
عرسُ بناتِ آوى !
أ مظفّر النوّاب
ليس اليوم كالأمسِ .. الحقيقةُ مثل حُلمِ الطفل
نحن اليومَ ندخلُ فندقاً للعرسِ
عرسِ بناتِ آوى
أنتَ تقرأُ في صحائفهم قوائمَهم
فتقرأ :
يمرّونَ بالدَّهنا خفافاً عِيابُهُم ويخرجْنَ من دارِينَ بُجْرَ الحقائبِ
على حينِ ألهى الناسَ جُلُّ أمورِهم فَنَدْلاً زُرَيقُ المالَ ندْلَ الثعالبِ
أ مظفّرُ النوّاب
دعنا نتّفقْ …
أنا سوف أذهبُ نائباً عنكَ
الشآمُ بعيدةٌ
والفندقُ السرِّيُّ أبعَدُ …
سوف أبصقُ في وجوه بناتِ آوى
سوف أبصقُ في صحائفهم
وأبصقُ في قوائمهم
وأُعلِنُ أننا أهلُ العراقِ
ودوحةُ النَّسَبِ
وأُعلِنُ أننا الأعلَونَ تحتَ سقيفةِ القصبِ …
# في الفصل الذي عنوانه ( الصفوة الحاكمة المبتزة ) , يحدثنا طارق علي عن العراق منذ معاهدة سايكس بيكو . فقد أصبح العراق عندها ( جزئياً ) تحت الإنتداب البريطاني , حين عينت بريطانيا الملك فيصل الأول ملكاً على الشام من دمشق التي لفرنسا عليها سلطة غير مباشرة , عندها قام الفرنسيون من أجل الحفاظ على مصالحهم بتحريك الشوام ضد حكومة الملك فيصل الجديدة .
بنهاية الحرب العالمية الأولى عقد مؤتمر سان ريمو وتم توقيع معاهدة الإستبدال بين كل من بريطانيا وفرنسا وتركيا . عندها تم منح تركيا لواء الإسكندرونة إستبدالا لولاية الموصل التي تطالب بها تركيا , في حين أفردت فرنسا سلطتها كاملة على الشام عدا ( فلسطين والأردن ) اللذين بقيا تحت السيطرة البريطانية الى حين . فيما صار لبريطانيا إنتداب كامل على العراق بولاياته الموصل وبغداد والبصرة . وبعد معاهدة الإستبدال لم يعد للملك فيصل الأول مكان في الشام فقررت بريطانيا ترحيله من الشام ملكاً ًعلى العراق , يصاحبه الضابط العراقي جعفر العسكري بوظيفة مستشار قيادة .
عكس ما يشاع عن محبة الناس للملك فيصل .. فقد رأى العراقيون فيصل رجلا غريبا نصبه عليهم البريطانيون , وكان هو في قرارة نفسه يشعر أنه ملك مخلوع عن عرش الشام , ولا قاعدة له في العراق , من ناحية أخرى فأخوه الملك عبد الله الذي عينته بريطانيا ملكا على شرق الأردن كان حانقا على البريطانيين أنهم عينوا فيصل على عرش العراق وشتان ما بين عرش العراق الغني .. وعرش الأردن الفقير .. كل هذه العوامل ساعدت على أن يندفع فيصل الأول في خدمة مصالح بريطانيا دون قيد أو شرط فقد كان البريطانيون بالنسبة له الطرف الوحيد المعول عليه من أجل أن لا يفقد عرشه من جديد .
وبدأ فيصل الأول الإعتماد على ( نوري السعيد ) نسيب جعفر العسكري لكن النجاحات التي أحرزتها ( البلشفية ) ذلك الوقت جعلت مهمة الملك ونوري السعيد في غاية التعقيد . ولهذا فقد كان الملك يعلن في كثير من تصريحاته (( أنا سند للسياسة البريطانية )) .. لقد كان مكروها من العراقيين ويكفيه أنه في السنوات الثلاث الأولى من حكمه كانت خطب الجمعة في مساجد العراق تلهج بالدعاء لسلفه الخليفة في إسطنبول .
عند وفاة فيصل الأول عام 1933 خلفه على العرش إبنه غازي , وكان عمره 21 سنة , سرعان ما تبين أنه متناغم مع النازية والمتطرفين القوميين العرب , ولم يتقاطع مع نوري السعيد وحده .. ولكن حتى مع غريم نوري السعيد .. ياسين الهاشمي الذي كان يومها رئيسا لوزراء غازي . إستعمل غازي إذاعة تبث من قصر الزهور , كان يغازل بها التوجهات الألمانية .. ويتحدث عن أحقية العراق بالكويت .. لذلك لم يدم حكمه طويلا .. بعد 3 سنوات من حكمه أصدر البريطانيون تعليماتهم الى نوري السعيد بتصفيته في حادث سيارة مفبرك .. ثم شهدت الملكة عالية , ودون أن تقسم على شهادتها , أن الملك غازي كان قد أوصى أنه لو وقع له مكروه فإن أخاها عبد الإله هو من ينبغي أن يكون وصيا على عرش الملك فيصل الثاني الطفل … إحترمت إرادة الملكة فصار أخوها وصيا على عرش ولدها .. وهكذا تمكن البريطانيون من تنصيب شخص ضعيف متعطش للحكم مثل عبد الإله .. وصيا على عرش العراق ليتمكنوا من حكم العراق بواسطة السفارة البريطانية والوزارات العراقية الموالية لها .
سرعان ما مضت الأيام .. وجاء قرار تقسيم فلسطين متماشيا مع المصلحة الأمريكية وبالضد من رغبة بريطانيا ومساعيها في الهيمنة الكاملة على بلاد الشام .
ماذا فعل الحزب الشيوعي في العراق ؟ إعترف بقرار التقسيم لسبب بسيط واحد هو أن حكومة الإتحاد السوفييتي كانت قد إعترفت بهذا القرار . فسجلتها الحكومة البريطانية على شيوعيي العراق نقطة ستحاسبهم عليها فيما بعد .
سرعان ما أحل البريطانيون في العراق معاهدة 1948 ( بورتسموث ) محل معاهدة 1930 عندها وقعت إنتفاضة الجسر التي راح ضحيتها العديد من شباب العراق وطلائع مثقفيه .. وكان الحزب الشيوعي العراقي هو الذي أجج هذه الإنتفاضة وأدارها … عندها صار حساب الشيوعيين العراقيين مع الحكومة البريطانية وأدواتها في العراق عسيرا … لذلك تم إعتقال فهد ورفاقه من قيادات الحزب الشيوعي العراقي وإعدامهم جزاءا على فعلين : الأول الإعتراف بتقسيم فلسطين الذي كان ضد رغبة بريطانيا , والثاني إثارة الأوضاع في العراق ضد الوجود البريطاني ومن والاه من ساسة العراق .
الفصلان المقبلان هما : ( العقداء والشيوعيون ) و ( البعثية : صدام والجمهورية ) هما أهم فصلين في الكتاب , لكني وجدت طارق علي يفصل حركة الأحزاب الشيوعية في العراق بخاصة وبلاد العرب بعامة عن حركة حزب البعث العربي الإشتراكي داخل نفس المجتمع العربي والعراقي , كما أنه كشيوعي تروتسكي ولديه العديد من الأصدقاء العراقيين الشيوعيين , فهو يصور الشيوعيين بتعاطف كبير .. ولست مهتمة بذلك بقدر كبير, لكن الذي يهمني هو سرد الحقيقة التاريخية بموضوعية بعيدة عن مشاعر الحب والكراهية , فبعد كل الذي وقع علينا من حقنا أن نفهم الحقائق مثلما هي لعلنا بعد ذلك نتلمس طريقا جديدا للخلاص . ولذلك فإني سأقوم بتفكيك هذين الفصلين وعرضهما في لحمة مشتركة ترتبط بتسلسل تاريخي منظم .. وسأمنح لنفسي حرية إعادة قراءة هذه الحقبة التاريخية بمنظور يفسر الحقائق التاريخية الماضية إعتمادا على النتائج العلقمية المذاق التي نتجرعها في يومنا الحالي , وليس بناءا على شعارات خداع الشعوب التي إستخدمت لسوقنا الى حروب بالنيابة لتحقيق مصالح الغرباء الطامعين بالمنطقة .
منذ وضع الأمريكان آمالهم على منطقة الشرق الأوسط , تيقنوا أن عليهم قتال البريطانيين والفرنسيين والروس لإستخلاص المنطقة من أيديهم . البريطانيون والفرنسيون كانوا يستحوذون على الأرض بحكم مقررات سايكس بيكو وسان ريمو .. لكن الروس كانوا يستحوذون على العقول والقلوب بالمباديء الشيوعية التي بدأت تنتشر في العالم كما تنتشر النار في الهشيم .
بالنسبة للمشرق العربي .. صحيح أن البريطانيين والفرنسيين كانوا موجودين على أرضه .. لكن الطلائع الشيوعية كانت قوية وفاعلة , وفي حالة نجاحها في تغيير الأوضاع في بلدانها , فإنها ستحول المشرق العربي الى تابع سوفييتي خصوصا أن هذه الأحزاب الشيوعية العربية لم تكن تعمل بنهج مستقل ولكن تتبنى مقررات السياسة السوفييتية كما رأينا في موقف الحزب الشيوعي العراقي من قضية تقسيم فلسطين .
بناءا على ذلك كان لابد من وجود حزب علماني لكنه قومي وليس أممي يستوعب المثقفين العرب لكنه يبعد عن أذهانهم تماما الفكرة الشيوعية أو أية علاقة مع الإتحاد السوفييتي .. وهكذا تأسس حزب البعث عام 1944 على يد ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وهما من المثقفين الشوام الدارسين في جامعة السوربون الفرنسية ويوازنان بين المفاهيم الماركسية والنظرة القومية , ثم تحول إسمه الى ( حزب البعث العربي الإشتراكي ) بعد توحده مع الحزب العربي الإشتراكي 1952 الذي كان يقوده أكرم حوراني .
لن أتحدث عن ( عمالة ) حزب البعث العربي الإشتراكي مثلما يحاول البعض أن يبرهن حين يتكلم عن وجود شخصيات عملت ك ( ضباط إتصال ) بين المخابرات الأمريكية وحزب البعث مثل ( إيلي زغيب ) و ( علي عبد السلام ) ولكن دعونا نتأمل الأحداث التي وقعت وتقع في المشرق العربي بفعل وجود حزب البعث .. فسواء علم البعثيون أم لم يعلموا .. جميع هذه الأحداث في خدمة المخطط الأمريكي وكما سنرى .
شركة أرامكو النفطية الأمريكية وبناء على إكتشاف كميات مهولة من النفط في نجد والحجاز , أسست ( المملكة العربية السعودية ) عام 1932 .. ثم قام الأمريكان بإشعال ثورة الجزائر على الفرنسيين لنفس السبب , وفي عام 1947 أسسوا إسرائيل لتكون ركيزة لهم في المشرق العربي , وفي العام 1952 قلبوا نظام الحكم في مصر لطرد البريطانيين والفرنسيين منها , عام 1956 وقعت حرب السويس وهي حرب مدبرة أمريكيا لطرد الفرنسيين من قناة السويس وإجلاء القوات البريطانية عن مصر تلك المهمة التي لم تنجح مباشرة عند الإطاحة بحكم فاروق . أما في العام 1957 فكان ينبغي على الأمريكان قتال الشيوعيين في المشرق العربي ( العراق والشام ) بضرب الشيوعيين بأية وسيلة ممكنة .
الدكتور خالد علي الصالح رحمه الله ( وقد كانت تربطني به زمالة عمل تدريسي في جامعة الفاتح في ليبيا إضافة الى جيرة سكن طيبة معه ومع الدكتورة الفاضلة زوجته ) يقول في كتابه ( على طريق النوايا الطيبة ) في الصفحة 76 إن ميشيل عفلق أبلغه شخصيا في لقاء عاصف بينهما بعد عدة أيام من 14 تموز 1958 (( إن وحدة سوريا مع مصر جاءت إنقاذاً لسوريا من خطر الشيوعيين )) . فكيف تم التخطيط لذلك ( الإنقاذ ) ؟
من أجل وضع المواطن السوري في حالة تهديد تجعل تفكيره بالوحدة مع مصر حلا جذريا لكل مشاكله , كان ينبغي تذكيره بوجود الخطر الصهيوني وحالة الحرب مع إسرائيل في الجبهة الجنوبية ، وتخويفه من الجار الشمالي التركي بزعم تهديد بهجوم تركي على الاراضي السورية ولهذا فالسوريون بحاجة الى حكومة قوية تشبه حكومة مصر الجمهورية . وعليه فخلال حرب السويس عام 1956 ، أظهر السوريون مشاعر تضامن فياضة مع مصر ، لدرجة أن الحكومة السورية قامت بنفسها بتدمير خطوط نقل النفط العراقي التي تعود لبريطانيا والمارة عبر الأراضي السورية الى البحر المتوسط , وتجاوبا مع شعارات الوحدة التي ينادى بها عبد الناصر صار حلم المواطن السوري أن يتوحد مع مصر . ولزيادة تطمين المواطن السوري أن مصر هي الراعية والحامية ..أرسلت مصر خلال عام 1957 ، بعض الوحدات العسكرية المصرية الى ميناء اللاذقية في رسالة الى تركيا بأن أي عدوان على سوريا سيكون بمثابة عدوان على مصر أيضا . وإمعاناً في تهديد السوريين فقد إدعى نوري السعيد محاولة ضم سوريا الى ( حلف بغداد ) الذي تأسس بإعلان واشنطون مبدأ ايزنهاور عام 1957 تحت شعار منع المنطقة من الوقوع في براثن النفوذ السوفيتي . كما لم تكن علاقات سوريا على ما يرام مع حكومة كميل شمعون في لبنان ، و لم تكن في حالة وفاق مع الحكم الهاشمي في الأردن . في ظل هذه الأجواء .. وصل المجلس العسكري السوري الى السلطة .
عام 1955 وصل الرئيس السوري ( شكري القوتلي ) الى الحكم , لكن المجلس العسكري كان هوالحاكم الفعلي في سوريا , وكان مكونا من خليط من كبار الضباط ذوي الاتجاهات السياسية المختلفة , فهناك البعثيون والشيوعيون والمستقلون ، شعر البعثيون أن الشيوعيين لهم الغلبة في هذا المجلس العسكري بحكم أن قائد المجلس العسكري ( عفيف البرزي ) كان شيوعيا وهو القائد الأعلى للمليشيا الشيوعية المسلحة ( المقاومة الشعبية ) , تم نشر إشاعة في سوريا أن عفيف البرزي يعارض في قيام الوحدة مع مصر , وهذا ضد تطلعات المواطن السوري الذي كان قد أُعد لهذه الوحدة إعدادا , فتوترت الأجواء في المجتمع السوري , لذلك سارع عفيف البرزي الى دعوة أعضاء المجلس العسكري الى عقد إجتماع عاجل . وكان الحل الذي فرضه عليه المجلس ، هو التوجه السريع الى مصر وعرض مشروع الوحدة الإندماجية الفورية على عبدالناصر . إستقل أعضاء المجلس الطائرة التي نقلتهم الى مصرعلى الفور طالبين الوحدة الإندماجية الفورية . فإشترط عبدالناصر شرطين لإتمام الوحدة الإندماجية الفورية :
الأول : حل الأحزاب السياسية السورية ، إذ أنه لم يكن معقولا أن تظل الأحزاب في سوريا قائمة ، في حين أن النظام السياسي في جمهورية مصر كان قد حل الأحزاب ويعمل بنظام الحزب الواحد .
والثاني : هو إبعاد العسكريين ذوي التوجهات السياسية والأيديولوجية الواضحة عن الجيش السوري لتحويله الى جيش محترف بعيدا عن العقائد السياسية كما هو حال الجيش المصري .
تم إعلان تأسيس الجمهورية العربية المتحدة يوم الأول من شباط عام 1958 , وبذلك نجح البعثيون السوريون في حل تنظيمات الحزب الشيوعي في سوريا ونزع سلاح مليشياته ( المقاومة الشعبية ) .
مباشرة بدأ الهتاف الى ضم العراق الى هذه الوحدة الإندماجية .. شعارات تتطابق مع ميول الجماهير .. يتم من خلالها تنفيذ أجندات خفية .
وللموضوعية .. لم تكن العائلة المالكة في العراق مستهدفة شخصيا بهذه الوحدة .. فهي عائلة مستعدة لتنفيذ توجيهات من يبقيها في الحكم , ولا حكومة نوري السعيد كانت مستهدفة بهذه الوحدة أيضا لأن حلف بغداد ( السنتو ) الذي يقوده نوري السعيد ما هو إلا تجسيد لإعلان واشنطون لمبدأ ايزنهاور عام 1957 تحت شعار منع المنطقة من الوقوع في براثن النفوذ السوفيتي , وها هو نوري السعيد يقول بنفسه في الجلسة المشتركة لمجلسَي الأعيان والنواب العراقيَّين في 30 آذار 1955 :
(( إن في العراق من الشمال إلى أقصى الجنوب حقول نفط مهمة لا يمكن إذا وقعت الحرب ـ لا سمح الله ـ أن لا نتوقع غارات جوية على هذه المناطق ، فضلاً عن العاصمة والمدن الكبيرة . وليس في الإمكان أن نتصور أن العراق بمفرده يستطيع أن يدفع الغارات الجوية عنه , مهما عملنا في سبيل تقوية القوة الجوية العراقية . حتى ولا الحكومة البريطانية لوحدها قادرة على القيام بهذا العمل لصد الغارات الجوية عن بلادها . لذلك، منحت للحكومة الأمريكية كل التسهيلات وسمحت لها باستعمال مطاراتها العسكرية وإن العراقيين الذين زاروا بريطانيا ربما شاهدوا المطارات الأمريكية والقوات الأمريكية في بريطانيا … وعليه فأول أمر ، كان علينا أن نتباحث فيه هو مدى التعاون في الجو لدفع الغارات الجوية التي قد لا تشبه الغارات الجوية القديمة خصوصاً إذا استعملت القنابل الذرية . ولا يمكن أن نتصورأن القوة العراقية وحدها تستطيع أن تدفع هذه الغارات وتحمي العراق منها يضاف إلى ذلك تأمين التعاون السريع الفعال مع القوة الجوية البريطانية عند وقوع الاعتداء على العراق )) .
إذن .. مالذي كان مطلوباً من العراقيين القيام به فيما لو وقع الإنقلاب على الملكية ؟.. وتمت الوحدة مع مصر وسوريا ؟
المطلوب منهم :
# أولا : إخراج البريطانيين من العراق .
# ثانيا : تصفية الشيوعيين العراقيين .
قلنا إن الوحدة الإندماجية بين سوريا ومصر وقعت يوم الأول من شباط 1958 .. ولم تمض غير خمسة أشهر ونصف بالضبط لتفتح السفارة المصرية في بغداد أبوابها فجرا لتوزيع المنشورات وصور جمال عبد الناصر فقد كان ذلك الوقت هو فجر يوم 14 تموز 1958 .
بعد ساعات قلائل تمت تصفية العائلة المالكة في العراق ورئيس الوزراء رئيس حلف بغداد نوري السعيد في إنقلاب عسكري أمريكي من أول أهدافه إخراج البريطانيين من العراق حتى لو كان الثمن ذبح العائلة المالكة العراقية أو تصفية سياسي محنك مثل نوري السعيد كان سيخدم السياسة الأمريكية خدمة عظيمة لو أنه بقي على قيد الحياة .
كان هناك قلق أمريكي أن يحصل في العراق ما حصل في مصر بعد إسقاط الملكية .. وهو أن تبقى القواعد البريطانية على أرض العراق حتى بعد زوال الملكية . ولذلك فمن أجل إشعار البريطانيين بالتهديد العسكري .. كان على الأمريكان إيجاد عذر يمكنهم من نقل قواتهم العسكرية الى أقرب نقطة ممكنة من حدود العراق , ليتدخلوا عسكريا إذا تطلب الأمر , فتم لهم ذلك من خلال المسرحية التي أعدت للرئيس اللبناني كميل شمعون .
الرئيس اللبناني كميل شمعون كانت فترته الرئاسية قد شارفت على الإنتهاء .. أوعز إليه وهو من أشد المناصرين لمشروع أيزنهاور في الشرق الأوسط , بترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية , وما أن لاقى معارضة من قبل القوى السياسية اللبنانية .. حتى قام بإستدعاء القوات الأمريكية الى لبنان لحفظ الأمن والنظام فيها بما عرف بإسم ( أحداث يوليو في لبنان 1958 ) التي تزامنت تماما مع الإطاحة بالملكية في العراق , رد الأمريكان على طلبه بإنزال فوري لقوات تدخل سريع فى لبنان .
وفي اليوم التالى لوصولها أرسلت الإدارة الأمريكية نائب وزير الخارجية الأمريكي روبرت ميرفى إلى بيروت حيث بقي فيها شهرا .. أشرف فيه على تسلم القيادة العراقية الجديدة لمهامها كاملة ومغادرة البريطانيين للعراق بالكامل .. ثم ولذر الرماد في العيون .. هدأ روبرت ميرفى الأوضاع في لبنان بإنتخاب ( فؤاد شهاب ) رئيسا لجمهورية لبنان ثم عاد الى الولايات المتحدة الأمريكية . لزيادة التحقق من هذا الموضوع بإمكان القاريء الكريم العودة الى مصدر إضافي هو كتاب ( حرب خروشوف الباردة صفحة 183 ) .
الحكومة العراقية الجديدة كانت تضم شخصيات من مختلف الأحزاب العراقية .. وقد واجهت هذه الحكومة تحديا جديا منذ أيامها الأولى يتمثل في مطالبة القوميين لهذه الحكومة بالوحدة الفورية مع مصر على غرار ما كان قد حصل قبل أشهر بين سوريا ومصر ومن أهم الشخصيات التي كانت تطالب بهذه الوحدة وتناكف عبد الكريم قاسم حولها هي شخصية عبد السلام عارف الذي كان واحدا من ضباط الإنقلاب على العائلة المالكة العراقية .
عبد الكريم قاسم كضابط محترف قاد العديد من التنظيمات السرية العسكرية العراقية المناهضة للحكم الملكي والوجود البريطاني في العراق , كان يرى أن الوحدة العربية ليست مشروعا عاطفيا يمكن أن تنتسب إليه بالرغبة الجامحة , وإنما بالعمل السياسي والإقتصادي والتنظيمي المحكم .. وإلا فإن تجربة الوحدة لن تنجح . والعراق الخارج توا من تحت إحتلال بريطاني مقيت , ليس بحاجة الى تجربة فاشلة جديدة لن يدفع ثمنها غير العراقيين أنفسهم .
ومن زاوية أهم فإن حل الأحزاب العراقية كشرط من شروط الإنضمام الى هذه الوحدة ما كان في صالح العملية السياسية التي يراد لها أن تكون ناضجة في العراق .
ومن منظور آخر فإن الشعب العراقي لم يكن , ولن يكون في أي وقت من تاريخه , بحاجة الى وجود ضباط مصريين على أرضه من شاكلة أنور السادات و عبد الحكيم عامر اللذين عاثا فسادا في اليمن ومن ثم واصلا نفس نهجهما في سوريا بعد الوحدة الإندماجية معها .
أضف الى ذلك أن هذه الوحدة لو حصلت فستعني تصفية الجيش العراقي من الضباط الحزبيين البارزين من مختلف الأحزاب العاملة في العراق , لتحويله الى ( جيش محترف ) كما حصل في سوريا بعد الإندماج , وليس من مصلحة الشعب ولا الجيش العراقي , عند تصفيته من هؤلاء الضباط أن يتحول الى قوة ضاربة لا تمتلك قرارها بيدها .
يضاف الى كل ذلك أن أخبار التنكيل والمتابعة التي يتعرض لها الشيوعيون في سوريا بعد الوحدة الإندماجية مع مصر , لم تكن أخبارا طيبة يرتجى تكرارها في العراق . من أجل كل هذه النقاط وحتى لا تتعرض جمهورية العراق الى مؤامرة ( وحدة إرتجالية ) لحل أحزابها وتصفية جيشها فإن عبد الكريم قاسم وبعد 17 يوم من قيام الجمهورية قام بتشكيل الميليشيا المسلحة ( المقاومة الشعبية ) في الأول من آب 1958 وربطها بوزارة الدفاع مباشرة ليتمكن من المناورة بها فيما لو تعرضت الجمهورية الى أي طاريء .
بعد عشرين يوما من تأسيس المقاومة الشعبية , بلغ عدد المتطوعين إليها 11 ألف شاب وفتاة , أغلبهم من الشيوعيين الذين كانوا يؤازرون هذه المليشيا بكل قوة .. لسبب خاص بالشيوعيين أنفسهم هو خشيتهم على أنفسهم وتنظيماتهم الحزبية أن يقع لهم ما يحصل الأن في سوريا على يد القوميين والوحدويين السوريين والمصريين .
طموح عبد السلام عارف الى الوحدة بأي ثمن مع مصر , جعله يقوم بممارسات وإتصالات وتخطيطات داخل القيادة العراقية , ويطلق عبارات كالتي قالها لعبد الناصر في دمشق ونقلت الى عبد الكريم قاسم ( بأنه سيقتل عبد الكريم قاسم برصاصة لا يزيد ثمنها عن عشرين فلسا اذا وقف عبد الكريم قاسم في طريق الوحدة الفورية ) جعلت عبد الكريم قاسم يصدر أمرا بإعتقاله وإحالته الى محكمة حكمت بطرده من الجيش وإعدامه شنقا .
ورغم أن عبد الكريم قاسم كان قد أوقف تنفيذ قرار المحكمة إلا أن القوميين الذين كان يوحى لهم من خارج العراق .. من الجمهورية العربية المتحدة بالتحديد .. كانوا قد فسروا هذا الأمر على أنه إستهداف لهم لأن عبد الكريم قاسم كما إدعوا .. قد مال الى الشيوعيين .
إستقال محمد مهدي كبة من مجلس السيادة ، والوزراء القوميون في الحكومة بتاريخ 6 / 2 / 1959 وهم محمد صديق شنشل وفؤاد الركابي وجابر عمر وناجي طالب بالاضافة الى وزيرين مستقلين هما محمد صالح محمود ( تركماني ) وبابا علي الشيخ محمود ( كردي ) . في نفس الوقت بدأت مجموعة من الضباط القوميين بالإعداد لإنقلاب على عبد الكريم قاسم مستمدين الدعم من الجمهورية العربية المتحدة . وهم ناظم الطبقجلي ( آمر الفرقة الثانية / كركوك) و محمود عزيز ( معاون آمر اللواء الخامس / الموصل ) و عزيز أحمد شهاب ( معاون آمر الفرقة الثانية / كركوك) و رفعت الحاج سري ( رئيس الاستخبارات العسكرية ) و عبد الجواد حميد ( آمر للسرية الثانية / الكتيبة الثالثة / اللواء الخامس / الموصل ) و عبد الوهاب الشواف ( آمر اللواء الخامس / الموصل ) …… وغيرهم .
تنظيم إنقلابي بهذا الإرتجال وبهذه السعة .. لابد أن تصل أخباره الى الحكومة .. وكانت خطة الإنقلاب أن يعلن عبد الوهاب الشواف تمرده في الموصل , على الفور يعلن بقية الضباط تمردهم .. فتساندهم قوة مغاوير من الجمهورية العربية المتحدة تلتحق بهم على الفور فتسود الفوضى ويسقط حكم عبد الكريم قاسم .
ولأن هذه الخطة كانت مكشوفة لوزارة الدفاع في بغداد فقد تم الإعلان عن تجمع ل ( أنصار السلم ) يعقد في الموصل يوم 6 آذار , عندها بدأ الشيوعيون وأفراد المقاومة الشعبية بالتوافد على الموصل . حينها تلقى الشيوعيون من قياداتهم الحزبية تعليمات تقول : ( إذا ما ترددت الحكومة عن أمر , فإن عليكم أن تقمعوا بأنفسكم أية مؤامرة ضد الجمهورية بكل ما تمتلكون من قوة ووسائل ) . وفي ضوء كل ما تقدم أعلاه تكون هذه التعليمات مفهومة من قبلنا ومبررة للشيوعيين , فقد كانت هذه المعركة بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت .
يوم 8 آذار 1959 أي بعد ثمانية أشهر ونصف من إنبثاق العراق كجمهورية .. أذاعت إذاعة الموصل بيان تمرد الشواف .. وقد واجه التمرد الفشل منذ بدايته ، فمحطة البث التي أرسلتها الجمهورية العربية المتحدة للمتمردين كانت غير صالحة للعمل ووصلت متأخرة , أما بيان التمرد فلم يكن مصادق عليه من قبل الضباط في بغداد ، ولم يتجاوب مع الشواف أحد من خارج مدينة الموصل غير حاميتي عقرة والعمادية ، أما رفعت الحاج سري رئيس الإستخبارات العسكرية فلم يحرك ساكنا لأنه كان مراقبا من قبل عبد الكريم قاسم والشيوعيين ، وتم عند الخامسة عصرا إجبار ناظم الطبقجلي على إعلان تأييده لحكومة عبد الكريم قاسم , أما الجمهورية العربية المتحدة فلم ترسل مغاويرا أو تقدم غطاءا جويا للمتمردين كما وعدت … فقد صار رأي الجمهورية العربية المتحدة .. أنه إذا فشل التمرد العسكري في إسقاط عبد الكريم قاسم … فإن المجازر التي ستقع بين المدنيين قد تكون كفيلة بذلك . وهكذا وبكل أسف وقعت صفحة قذرة من صفحات المجازر في تاريخ العراق الطافح بالدم . وبتدخل الكرد إندلع العنف من الموصل الى كركوك .
قام ( سلام عادل ) بعد إخماد تمرد الموصل وبتاريخ 31 / 3 / 1959 بكتابة رسالة مفتوحة الى عبد الكريم قاسم طالبه فيها بعلاقات أوثق مما هي عليه بين الحكومة والحزب الشيوعي .. ثم وجهت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي نداءا منشورا في الصحف بتاريخ 29 / 4/ 1959 طالبت فيه بالمشاركة في الحكم محددة حصتها بأربعة حقائب وزارية بضمنها وزارة الداخلية , غير أن عبد الكريم قاسم لم يستجب لهذه المطالب .. لأن رفقة النضال والشراكة في الوطن لا تعني المطالبة بإمتياز , قدر ما تعني تحملا للمسؤولية .
حين تمت السيطرة على الأوضاع أحيل الضباط المتمردون الى المحاكمة .. وحكم على قسم منهم بالإعدام رميا بالرصاص ونفذ الحكم في منطقة أم الطبول في بغداد بتاريخ 20 / 9 /1959 . عندها قررت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي في إجتماعها بتاريخ 1 / 10 / 1959 الموافقة على تنفيذ عملية إغتيال لعبدالكريم قاسم وتمت تسمية الذين سيقومون بهذه العملية وهم كل من : صدام حسين المجيد , عبدالوهاب الغريري , سمير النجم , عبدالكريم الشيخلي , حاتم العزاوي , أحمد طه العزوز .
في يوم التنفيذ وعند حوالي السادسة مساء مر موكب عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد في رحلته اليومية بعد نهاية عمله في وزارة الدفاع متوجها الى داره في ساحة الأندلس , ولم يكن المنفذون يحملون أي هوية أو أي ما يدل على شخصياتهم .. حين مر الموكب أمطروه بزخات الرصاص فجرح الزعيم ومات سائقه وعمت الفوضى والذعر في الشارع , ورغم أني كنت وقتها بعمر 5 سنوات إلا أن المشهد ما زال عالقا في ذهني فقد كنت مع عمتي ساعتها نتسوق من ( شارع النهر ) وما أن خرجنا الى شارع الرشيد حتى حصل الرمي أمام أنظارنا .
عندما سقط عبد الوهاب الغريري وتأكدت مجموعته أن الزعيم أصيب إصابات بالغة تؤكد موته , فروا هاربين الى الشوارع الفرعية الضيقة وضاعوا بين الناس . في نفس الليلة تم التوصل الى أسماء الفاعلين , أما كيف ؟ فإن عبد الوهاب الغريري كان يرتدي سترة على جيبها الداخلي علامة مشغل الخياط السوري في بغداد ( سليم سلامه ) الذي قام بخياطتها .. ومن سجل الخياط تم التوصل الى عبد الوهاب الغريري .. وبقية الذين معه . وبعد عدة أيام ظهرت صور الزعيم من المستشفى يلقى كلمة قصيرة جدا الى الشعب ليبرهن على سلامته .. عندها علت الزغاريد من دار الإذاعة مع أغنية مائدة نزهت ( الحمد لله على السلامة .. ريسنا رفـّت أعلامه ) .
مشكلة الحدود بين مملكة العراق وسلطنة نجد ومشيخة الكويت , ليست مشكلة جديدة , فمشيخة الكويت وجزء كبير من سلطنة نجد كان يقع ضمن الحدود الإدارية لولاية البصرة الواقعة تحت الحكم العثماني . حين سيطر البريطانيون على المنطقة بعد سايكس بيكو وسان ريمو , إقتطعوا أجزاءا من ولاية البصرة ألحقت بسلطنة نجد , فيما تم توقيع إتفاقية بريطانية عام 1899 مع الشيخ مبارك الصباح فصلت الكويت عن ولاية البصرة .
الملك فيصل الأول لم يكن راضيا عن هذا وطالب بحدود لا تقل عمقا عن 200 ميل جنوب الفرات , لذلك حين عقد إجتماع في ميناء العقير النجدي بين السير بيرسي كوكس و الميجور مور المعتمد السياسي البريطاني في الكويت , مع وزير المواصلات والأشغال العراقي صبيح بك ممثلا عن العراق , والسلطان عبد العزيز آل سعود سلطان نجد , لمناقشة ترسيم الحدود , لم يتوصل الإجتماع الى نتيجة , لذلك قام بيرسي كوكس برسم خط باللون الأحمر على الخريطة الموضوعة أمامه , معتبرا ذلك حدودا تم فرضها على الجميع , فتم توقيع ( بروتوكول العقير) 1922.
ولتلافي الجدل والخلاف بين العراق وكل من نجد والكويت , فقد تقرر فصل منطقتين محايدتين الأولى بين العراق ومشيخة الكويت والثانية بين العراق وسلطنة نجد يتم البت بشأنهما فيما بعد . وبقي الخلاف مستمرا الى أن وصل الملك غازي الى الحكم بعد وفاة أبيه .
تقربا من القوميين العرب وكراهية في بريطانيا وسياساتها .. كان غازي يغازل النازية من إذاعة قصر الزهور .. وينادي بأحقية العراق بمحمية الكويت البريطانية .. ولم يقتصر الأمر على الكلام فقط , إنما أعطى الأوامر الى بعض القطعات العسكرية للتحرك عبر الحدود , لذلك تمت المعاجلة بقتله في حادث سيارة مفبرك . أعطى البريطانيون أوامرهم الى نوري السعيد .. فتم تنفيذ الأمر .
وقعَّت بريطانيا مع محمية الكويت معاهدة جديدة سميت بمعاهدة الإستقلال أحلت محل الإتفاقية القديمة التي كانت قد وقعت عام 1889 فقام عبد الكريم قاسم على الفور بإرسال رسالة تهنئة كان محتواها يهنيء الكويتيين بإستقلالهم ويطالبهم بالعودة الى حضن العراق من جديد .
تطورت الأمور بحدة بعد هذه الرسالة فقد كتب شيخ الكويت الى المعتمد البريطاني يطالبه ببقاء القوات البريطانية في الكويت فرد قاسم بتصعيد كلامي وعسكري جعل البريطانيين لا يكتفون بقوتهم الموجودة في الكويت وإنما طالبوا بقوة مكونة من 5 آلاف جندي تم سحبهم على الفور من القاعدة البريطانية في عدن . لم يعترض عبدالناصر على الإنزال البريطاني الجديد في الكويت , لكنه إمعانا في الموقف المناويء لعبد الكريم قاسم , فرض على الجامعة العربية قبول الكويت في عضويتها في 20 تموز 1961 , ثم أرسلت مصر جيوشها تحت غطاء الجامعة العربية لتقف على حدود العراق تحت ذريعة حماية الكويت من هجوم عراقي محتمل .
في هذه الفترة وقعت ( مفاجأة ) ربما لم يحسب القوميون الوحدويون حسابها .. لقد وقع ما يثبت صواب رأي عبد الكريم قاسم بشأن الوحدة … فقد إنفضت الوحدة الإندماجية بين مصر وسوريا على إثر إنقلاب عسكري أوصل مأمون الكزبري الى رئاسة وزراء سوريا بتاريخ 29 / 9 / 1961 ثم توالت الإنقلابات لتوصل عزت النص وناظم القدسي وخالد العظم ولؤي الأتاسي بالتتابع الى رئاسة وزراء سوريا حتى وصول أمين الحافظ رئيسا لجمهورية سوريا الذي حكم من 27 / 7 / 1963 ولغاية 23 / 2 / 1966 ليطيح به نور الدين الأتاسي بإنقلاب عسكري بتاريتخ 24 / 2 / 1966 .
إن دلت هذه الإنقلابات على شيء فإنما تدل على أن ( الوحدة ) كانت قد أطاحت بالبنية السياسية لدولة سوريا , لذلك أعقب الوحدة كل هذا التخبط . يقول الدكتور خالد على الصالح في كتابه ( على طريق النوايا الطيبة ) ص 111 أن ميشيل عفلق بعد فشل تجربة الوحدة كان يندد بدكتاتورية عبد الناصر , وكيف أنه أطلق أجهزة الأمن والمخابرات والمباحث , وكيف أنه لم تكن توجد ديمقراطية في دولة الوحدة .
في ظل هذه الأجواء تصاعدت الخطب الإنفعالية بين ناصر وقاسم .. وقد وصلت الى حد الشتائم في كثير من الأحيان الى أن وصلنا الى صباح يوم 14 رمضان 1963 , كان يوم جمعة بارد يصادف 8 شباط .. عند الصباح أذيع بيان رقم واحد من دار الإذاعة العراقية حيث ذكر أن وزارة الدفاع التي يتواجد فيها عبد الكريم قاسم كانت محاصرة , وأن الإنقلابيين قد إستولوا على دار الإذاعة , إستمرت الأناشيد العسكرية وأناشيد العروبة وفي اليوم التالي تلي علينا البيان الذي ذكر إعدام عبد الكريم قاسم حيث أظهروا جثته على كرسي وقد رمي بالرصاص في إستوديو الموسيقى التابع لإذاعة بغداد المجاور مباشرة لغرفة آمر قوة الإذاعة , وأحد الحرس يمسكه من شعر رأسه ويطوحه يمنة ويسرة .. ثُم أعقبها المونولوجست المصري محمد شكوكو بمونولوج الزعيم الهمشري ( يا من حكم فينا وظلم , وكم إفتريت وكم وكم , وتبيع فينا وتشتري , أهلا وسهلا بالزعيم الهمشري ) ثم أعقب ذلك شريط سينمائي مسجل على إستعجال حيث لم يكن يوجد فيديو في العراق بعد , عنوانه ( هدايا أخذها قاسم ) .
ما أقسى الذاكرة .. في تلك الأيام كنت طالبة في الصف الثاني الإبتدائي .. يوم الخميس السابق لإعدام قاسم وأثناء رفعة العلم .. أنشد طلبة مدرستي المختلطة نشيد ( عبد الكريم كل القلوب تهواك .. عبد الكريم رب العباد يرعاك ) مؤكد أننا لم نكن نعرف أننا ننشدها لرجل سيقتل بعد يوم ونصف .
ما كان يعاب على قاسم ومليشيا المقاومة الشعبية .. قام به على الفور الإنقلابيون الجدد بفئتيهم : القوميون والبعثيون . فقد أسسوا مليشيا ( الحرس القومي ) التي نشرت الرعب بين العراقيين .. إعتقالات وتعذيب وإعدامات كيفية بعد محاكمات صورية .. كانت الصفحة القذرة الدامية الثانية في حياة العراق الجمهوري . وبدأت المناداة بالوحدة الثلاثية مع مصر.. وهنا كان على البعثيين أن يتدبروا أمرهم لأنهم لا يريدون تكرار نفس تجربتهم السابقة مع عبد الناصر .
رئيس الوزراء في العراق هو أحمد حسن البكر أما وزير الدفاع فهو صالح مهدي عماش وكلاهما بعثيان , عدا عن أحد عشر وزيرا بعثيا آخرين , وهذا معناه أن مفاتيح الحكم الفعلية في العراق بيد البعثيين . لذلك كان ينبغي التعجيل في تدبر أمر سوريا , وبعد شهر واحد أي يوم 8 آذار 1963 وقع إنقلاب عسكري بعثي في سوريا أوصل لؤي الأتاسي الى منصب رئيس المجلس الثوري السوري , وبهذا وصل حزب البعث الى الحكم في كل من العراق وسوريا . فتم الإعلان عن مشروع الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق في 17 / 4 / 1963 في القاهرة .
رغم توقيع مشروع الوحدة , توالت في دمشق عملية تسريح الضباط الوحدويين ، مما تسبب في تفجر الحملات الإعلامية بين الناصريين والبعثيين . وبينما تحدثت صحيفة البعث في دمشق عن أخطاء عهد الوحدة , فقد كانت الأهرام القاهرية معنية بتأشير محاولة البعث السيطرة على الحكم في سوريا . وقد شعر صلاح البيطار أن مقالات الأهرام هي ما يألب الناس عليه شخصيا بقصد إسقاط حكومته حيث استقال من حكومته نواب من : الجبهة العربية المتحدة , والوحدويين الإشتراكيين , والقوميين العرب .
يوم 18 / 7 / 1963 وقع إنقلاب ناصري فاشل في دمشق بقيادة العقيد جاسم علوان , على الفور نفذت العديد من أحكام الإعدام بعدد من المتهمين بالمشاركة فيه . وكرد فعل أعلن عبد الناصر في 26 / 7 إنسحاب مصر من إتفاق الوحدة الثلاثية . رد البعثيون السوريون على ذلك بإنتخاب أمين الحافظ رئيسا لجمهورية سوريا يوم 27 / 7 / 1963 .
أسقط في يد عبد السلام عارف المهووس بعبد الناصر وقد خرجت من يد ناصر سطوة حكم ثلاثة أقطار عربية بإسم الوحدة .. لذلك لم يعد عارف يطيق البعثيين . من ناحية ثانية فربما هؤلاء البعثيون الذين يشكلون ( رئيس وزراء العراق + 12 وزير ) قد ينقضون عليه هو شخصيا في ليلة ظلماء فيطيحون به وتتشكل وحدة ثنائية بين العراق وسوريا .. من يدري !!؟ لذلك قرر التخلص منهم في أقرب سانحة .
حين بحثت في أوليات ( ردة تشرين ) 18 / 11 / 1963 وبعض القليل المتوفر من المعلومات , وجدت أنه قد تم تعليق ماحصل برقبة ( علي صالح السعدي ) وكان حينها وزيرا للإرشارد بإعتباره ( متطرفا ) بعثيا إنقلب عليه رفيقه البعثي ( المعتدل ) حازم جواد .. ولذلك داهمت مجموعة بعثية مسلحة موالية لحازم جواد يقودها ( محمد المهداوي ) مقر إجتماع عام للحزب وإقتادت علي صالح السعدي وجماعته الى المطار وحملتهم في طائرة الى مدريد .. فوجدها عبد السلام عارف ( وهو غير بعثي ) فرصة لإقالة أحمد حسن البكر من رئاسة الوزارة ومعه الوزراء البعثيين وبضمنهم حازم جواد والمسلحين الموالين له , ثم القيام بحملة إعتقالات واسعة بين البعثيين للحيلولة دون قيامهم بأي فعل من شأنه الإطاحة به أو السيطرة التامة على الدولة العراقية .
ماهي الأوليات التي أوصلت حازم جواد ( 27 سنة ) الى مثل هذا العمل ؟ هل كان قراره وحده ؟ أم أن هناك ( جهات ) دفعته بشكل مباشر أو غير مباشر إليه ؟ لا أحد يدري , لكن إستقالته بعدها من العمل الحزبي تماما .. تعني الكثير .
ميشيل عفلق .. إصطحب معه أمين الحافظ وقدما الى بغداد للتفاهم مع عبد السلام عارف لعله يتراجع عن رأيه في إقصاء البعثيين , وحين لم تنفع المفاهمة .. عقب ميشيل عفلق على الأمر بأنه ( خلافات زعامة ) زعامة من يقصد ؟ زعامة البعثيين ؟ أم زعامة عبد السلام عارف ؟ أم زعامة عبد الناصر ؟ الأمر يبدو غامضا جدا بعد 46 سنة من وقوعه .
أول جمهورية وراثية في الوطن العربي كانت جمهورية الأخوين عارف . توفي الرئيس عبد السلام عارف في حادث سقوط طائرة هليكوبتر روسية غامض , كان يستقلها هو وبعض وزرائه ومرافقيه في البصرة يوم 13 / 4 / 1966 . عبد الرحمن عارف في حياة أخيه كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش . لذلك وقف العسكريون وبتزكية من عبد الناصر الى جانب فكرة إنتخابه خلفا لأخيه من أجل الإستمرار بنفس النهج الذي إنتهجه أخوه المتوفي .
الحكوميون المدنيون فضلوا إنتخاب رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز من أجل الإنفتاح السياسي وإقامة النظام البرلماني . أما جمال عبد الناصر فقد كان يفضل وصول عبد الرحمن عارف الى الحكم لعل إستمرار نفس النهج يعين في تحقيق الوحدة الثلاثية .. وهكذا وصل عبد الرحمن عارف الى الحكم …. فترة حكمه كانت ضعيفة .. ولسنا هنا في مجال تقييمها , ولكن عودة الى كتاب بوش في بابل ومؤلفه طارق علي حيث يذكر أنه رغم ذهاب سلطة البعثيين من العراق منذ ما يسمى ب ( ردة تشرين ) إلا أن الشيوعيين كانوا يعانون الأمرين في العهد العارفي على يد القوميين .
وعلى سبيل المثال لا الحصر يذكر لنا حكاية عن مجموعة من الشيوعيين ( خالد أحمد زكي و أمير الركابي و نجم محمود ) الذين جسدت شخصياتهم رواية حيدر حيدر ( وليمة لأعشاب البحر ) .. شخصيات الرواية : مهيار الباهلي كان يمثل أمير الركابي , أما مهدي جواد فهو نجم محمود , خالد أحمد زكي يظهر في الرواية بنفس إسمه . أحداث الرواية في مدينة عنابة الجزائرية وتتحدث عن إعتصام المجموعة الشيوعية في الهور قرب الناصرية في العراق .. حيث يقتل خالد أحمد زكي ويعتقل الباقون .. ويحكم عليهم بالإعدام في عهد عبد الرحمن عارف .. لكن وقوع إنقلاب 17 تموز 1968 قبل أسبوع من إعدامهم يؤدي الى إطلاق سراحهم ضمن العفو العام الذي صدر بعد الإنقلاب .. الأفكار الشيوعية في الرواية , وذكريات الأحداث التي وقعت في الناصرية في العراق هي التي أثارت حفيظة المصريين على الرواية .. بعد عشرين سنة من أول صدورها .. وليس حسبما زُعِم .. أنها تحوي على تجديف أو كلام خارج .
كل الدراسات الرصينة تشير الى أن أهم عاملين يربطان مجتمع الشرق الأوسط هما : العروبة والإسلام . لذلك كان يخطط للتجارب الوحدوية العربية الفاشلة من أجل تسقيط عامل العروبة . وبقيت الآن لدى الدوائر الإمبريالية ( نقلتان ) على رقعة شطرنج الشرق الأوسط لتسقط العروبة تماما , وليبدأ الإعداد على الفور لنصب الرقعة من أجل تسقيط الإسلام .
# النقلة ما قبل الأخيرة هي حرب حزيران 1967 فقد وقعت الحرب خلال ستة أيام لتؤدي الى نكسة مدمرة أسقطت الحلم العربي بإسترداد فلسطين ودحر الصهاينة وتحرير بيت المقدس , مثلما أسقطت الناصرية وشعاراتها الوحدوية , ومثلما دكت الإجماع العربي .
بعد هزيمة حزيران مباشرة بدأت الدوائر الإمبريالية بالإعداد لتسقيط الإسلام بتهيئة المنطقة منذ الآن لهذا الدور , حيث سيتم منذ هذه الفترة العمل على تأسيس ( الهلال الشيعي ) الذي يتأمل الإمبرياليون مقاتلته مع بقية الفرق والطوائف من المسلمين .. وعندها وكما إنتهى دور العروبة في جمع شمل المنطقة .. كذلك سينتهي دور الإسلام .
17 تموز 1968 وقع الإنقلاب البعثي الثاني في العراق وحاز على السلطة .
30 تموز 1968 جرت تنقية الحكومة البعثية من العناصر التي إضطرت للتحالف معها لإنجاح إنقلاب ما قبل أسبوعين . مثلما فعل حازم جواد بعلي صالح السعدي وجماعته .. كذلك فعل صدام حسين بعبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود ومجموعتهما . دعاهم أحمد حسن البكر الى وليمة غداء , فدخل عليهم صدام حسين ومن معه مسلحين وإقتادوهم الى المطار حيث حملتهم الطائرة الى لندن . وفي حين أن خطة حازم جواد كانت فاشلة لأنها أسقطت حكم البعث في العراق عام 1963 فإن خطة صدام حسين كانت ناجحة لأنها أمنت للبعثيين حكم العراق دون منازع .
نخرج من العراق الآن ونتوجه الى سوريا .. كيف أصبحت الحكومة السورية ( علوية ) ؟ وهل كان ذلك إعتباطا ؟ أم هناك دور مخطط لهذه الحكومة كي تؤديه ؟
في انقلاب أديب الشيشكلي الثاني 1950 تم تعيين أكرم حوراني وزيرا للدفاع . وكانت تلك فرصته الكبيرة لإدخال المئات من البعثيين إلى الكلية الحربية ليتخرجوا منها ضباطا كان لهم دور عظيم في الإنقلابات التي حصلت في سورية قبل قيام الوحدة مع مصر في عام 1958 . ودور حيوي في انقلاب آذار عام 1963 الذي أوصل البعثيين إلى الحكم .
صلاح جديد .. الذي أصبح مديرا لإدارة شؤون الضباط عمد الى تسريح العديد من الضباط غير البعثيين ، وإستدعاء الكثيرمن ضباط الخدمة الإحتياط البعثيين المسرحين للخدمة في العهد الجديد لأنه يثق بهم . وقد كان جميع هؤلاء من طوائف شيعية مختلفة ، ومن العلويين على الأكثر ، وكان حافظ الأسد واحدا منهم .
في الإنقلابات والتصفيات التي وقعت في الستينيات تم التخلص من معظم الضباط غير العلويين . حيث تم التخلص من الضباط الدروز مثل وزير الدفاع حمد عبيد ، والعقيد فهد الشاعر ، والرائد سليم حاطوم . كما تم التخلص من ضباط الطائفة الإسماعيلية ومن أبرزهم عبد الكريم الجندي الذي قيل أنه إنتحر عام 1968 . حين حل عام 1970 كانت قيادات الجيش السوري بيد العلويين .
حين نصل الى هذه النقطة سنجد أن الوقت قد حان لتكون التصفية بين ضباط الطائفة العلوية نفسها . صلاح جديد كان يقود الجناح المدني في حزب البعث ، أما حافظ أسد فهو وزير الدفاع . عند صراعهما على السلطة تغلب حافظ أسد وأبعد صلاح جديد عن الحزب و السياسة واعتقله هو وآخرين في تشرين الثاني 1970 ولم يخرج من السجن إلا ميتاً عام 1994 .
بالعودة الى العراق ففي العام 1970 أقرت حكومة العراق بالحكم الذاتي للكرد , لكن الإتفاق حول عائدية كركوك مزق ذلك الإقرار مما دفع الحكومة العراقية الى إعلان الحكم الذاتي للكرد من جانب واحد عام 1974 .. شاه إيران كان يدعم تمرد الكرد بالسلاح , وللتورية على مواقفه يزودهم بسلاح سوفييتي يتم الإدعاء أنهم تسلموه من إسرائيل التي غنمته من العرب في حرب 1967 من أجل ذلك وقّع صدام حسين مع شاه إيران إتفاقية الجزائر عام 1975 رغم إجحافها بحقوق العراق , من أجل إجبار الشاه على وقف دعمه للكرد .
لغرض تصفية الشيوعيين فقد قامت الحكومة العراقية بأمور شتى من أجل شق صفوف الشيوعيين وأغلبنا يتذكر إعترافات عزيز الحاج عام 1972 . كان المطلوب الآن تهميش أو إقصاء الشيوعيين العراقيين لتهيأة الساحة للمرحلة المقبلة , ولذلك فقد أدخل الحزب الشيوعي العراقي الى تنظيم ( الجبهة الوطنية العراقية ) من أجل إجباره على العمل تحت أنظار الحكومة ثم ما لبثت الحكومة ان أعدمت 31 شيوعيا داخل القوات المسلحة وطردت هذا الحزب من تنظيم الجبهة وحلت تنظيماته ولا حقت منتسبيه .. يقول طارق علي عن ذلك في الصفحة 121 إن الحكومة بينت أنها كانت قد حذرت الحزب مرارا من عواقب بعص تصرفاته لكنه لم يلتزم , لذلك كانت ( مجبرة ) على إتخاذ هكذا قرار .
من ينظر الى أحداث التاريخ بإعتبارها نقاطا مستقلة بذاتها فهو واهم لأن حركة التاريخ عبارة عن مجموعة نقاط مؤثرة ومتأثرة ببعضها . في أيلول الأسود 1970 طرد الملك حسين التنظيمات الفلسطينية من الأردن تأمينا لأمن الأردن وأمن إسرائيل معا , عندها توجه الفلسطينيون الى لبنان . عام 1973 وقعت حرب تشرين التي كان مخططا لها إعادة سيناء الى المصريين لإنهاء الصراع على الجبهة المصرية .
لكن أنهاء الصراع على الجبهة المصرية كان يعني بالنسبة الى إسرائيل ( نهاية الصراع العربي الإسرائيلي ) وهو حلم صعب المنال مادام الفلسطينيون متمركزون في لبنان . ولهذا كان ينبغي إشعال القتال في لبنان من أجل إخراج الفلسطينيين منها . لذلك إندلعت المناوشات 1975 بين اليمين اللبناني مع اليسار الذي يساند الوجود الفلسطيني في لبنان مما أسفر عن تشكيل جبهة قتال بينهما .
ثم إندلع بينهما القتال مرة أخرى عام 1977 أسفر عن وصول ( قوة الردع ) الى لبنان وهي قوة أسستها الجامعة العربية من قوات سورية بالأساس ضمت إليها قوات رمزية من لبنان والسعودية والسودان واليمن والإمارات ووضعتها تحت قيادة المقدم سامي الخطيب وأرسلتها الى لبنان ( لحفظ الأمن وحقن الدماء ) كما قيل , لكنها في الحقيقة كانت تهيئة لإجتياح إسرائيل لجنوب لبنان وإحتلاله .
# النقلة الختامية على رقعة شطرنج الشرق الأوسط التي أطاحت تماما بالعروبة كعامل أساسي لتوحيد تطلعات المنطقة كانت ( رحلة العار ) التي أقدم عليها الرئيس المصري السادات في تشرين الثاني 1977 . حيث إستقبله مناحيم بيغن للتفاوض حول إتفاقية سلام مصرية إسرائيلية منفردة .
بعد هذه الزيارة مباشرة إدعت إسرائيل أن ( قوة الردع ) بالإضافة الى الفلسطينيين , يتمركزون على حدودها وأنهم قد يهاجمونها ردا على الإتفاق مع السادات .. فهاجمت جنوب لبنان وإحتلته في 4 آذار 1978 .
17 أيلول 1978 وقع السادات إتفاقية كامب ديفيد .
16 كانون ثاني 1979 أطاح الأمريكان بشاه إيران . وأحلوا محله حكومة إسلامية تحلم ( بتصدير ثورتها ) الى العالم .
17 تموز 1979 إستولى صدام على السلطة في العراق . وكان إقصاؤه لأحمد حسن البكر وإعدامه ل ( الرفاق ) الموالين لحافظ أسد بمثابة ( تعميد بالدم ) للإنشقاق الحزبي بين العراق وسوريا .. ذلك أن كل واحد من هذين الشقين سيقوم بمهمة مختلفة تتناقض تماما مع ما سيقوم به الشق الثاني , ولذلك فلا يجوز أن يلتقيا أبدا .
22 أيلول 1980 إندلعت الحرب العراقية الإيرانية التي إستمرت 8 سنوات وكان الغرض الحقيقي منها هو التعجيل بتشكيل ( الهلال الشيعي ) الذي يمتد من جنوب لبنان وحتى مضيق هرمز . رغم أن صدام كان يسميها حربا ( عربية فارسية ) فإن الخميني دعاها حرب تصدير ( ثورة إسلامية ) الى العراق ومحاربة الإستكبار الذي يمثله حزب البعث .
في نفس الوقت الذي سمّت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العراقية الايرانيه بإسم ( حرب إحتواء مزدوج ) وزودت فيها كل من العراق وإيران بمعلومات حيوية عن الطرف الآخر , فقد كان الغرض من هذه الحرب هو هدم الطرفين دون أن يكون لأحد منهما القدرة على أن يحسم الموقف لصالحه ضد الطرف الآخر .
وعلى قدر ما كان الحزب في العراق يضرب عميقا وقاسيا في عمق الأراضي الإيرانية .. على قدر ما كان الحزب في سوريا يدعم ويتآلف مع الأحزاب الشيعية التي أسستها إيران في لبنان .. وعلى قدر ما كان صدام والحزب في العراق يدعمان الفلسطينيين .. على قدر ما كان السوريون يناهضونهم ويضربونهم .
على الأقل فإن الجيش السوري في العام 1976 ساند قوات اليمين اللبناني للقيام بمجزرة مخيم تل الزعتر بحق اللاجئين الفلسطينيين أودت بحياة 3000 لاجىء , وكان السوريون وراء حرب المخيمات التي وجهت ضد منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة أمل .
أما حين حصل السوريون على تفويض الجامعة العربية في مؤتمر الطائف 1989 للتدخل في لبنان فقد أنتهى التفويض بسيطرة سوريا على لبنان ونهاية الحرب الأهلية 1990 . ومنذ ذلك التاريخ ترفض سوريا مغادرة لبنان وتدعم الأحزاب التي أسستها ايران في لبنان الى أن أوصلتها لتكون جزءا من الحكومة اللبنانية .
نفس العام 1990 قام صدام بغزو الكويت , من أهم الأسباب التي حتمت إجتياح صدام للكويت ضمن الأجندة الأمريكية هو إنهاء علاقة التخادم بين العراق من جهة والسعودية ودول الخليج من جهة أخرى , عندها ولتعميق الهوة قامت ( الشرعية الدولية ) بتأسيس حلف من 33 دولة بضمنها مصر وسوريا ليستعمل القوة الغاشمة ضد العراقيين ( العزل والمسلحين ) بحجة إخراج صدام من الكويت .
وصل الديمقراطي بيل كلينتون الى البيت الأبيض الأمريكي بين عامي 1993 – 2001 كانت فترة عقوبات إقتصادية قاسية جدا على العراق , وفترة مفاوضات مع الفلسطينيين لم تتوصل في النهاية الى إحراز أي نتيجة .
بوصول الجمهوري بوش الإبن الى البيت الأبيض .. قام بثلاث خطوات مهمة لتأصيل الخلاف الطائفي إستعدادا لإستعماله في فترة لاحقة في ضرب المسلمين بعضهم ببعض .
الخطوة الأولى _ إزاحة صدام حسين والبعث من العراق 2003 وتسليم الحكم الى حزب الدعوة المدعوم إيرانيا , ثم إعدام صدام بجريرة 184 فرد من حزب الدعوة تم إعدامهم في فترة حكم صدام , رغم أن فترة حكمه كانت مليئة بقضايا أخرى ضد السنة والشيوعيين والكرد ورفاقه البعثيين .. إلا أن هدف تأصيل العداء الطائفي هو الذي أدى الى إستعجال إعدامه بهذه القضية دون غيرها .
الخطوة الثانية _ إخراج سوريا من لبنان ( بالطبل البلدي ) كما يقول المصريون . فعلى غرار التفجيرات التي حدثت لبرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك والتي أدت الى إعلان الولايات المتحدة الأمريكية ( الحرب على الإرهاب ) فقد وقع إنفجار مدوي في لبنان إستهدف رئيس الوزراء رفيق الحريري ( المدعوم بشدة وقوة من قبل السعودية ) وإتهام سوريا بالضلوع في مقتله ( لم يثبت ذلك قطعيا حتى اليوم ) لتأصيل الخلاف الطائفي أيضا , رغم أن حكومة سوريا تعرف تماما ما هي ( الشرعية الدولية ) وسبق لها أن قاتلت العراقيين وهم عرب مسلمون من أجل هذه الشرعية , وكان يمكن التفاوض معها وإجبارها على مغادرة لبنان دون وقوع مجزرة الحريري الإستعراضية .
الخطوة الثالثة _ مذابح غزة الأخيرة بين إسرائيل وحماس المدعومة إيرانيا ومنظمة التحرير المدعومة مصريا .. وتصعيد التشنج الكبير بين حزب الله والحكومة المصرية .. هذا التصعيد الذي يراد منه التأسيس منذ الآن للخلاف الطائفي على الجبهة المصرية .
متى ستنفجر الحرب الإسلامية _ الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط ؟ ليس بعيد .. ربما مباشرة حين يصل الى البيت الأبيض الرئيس الجمهوري المقبل .
وأي طائفة إسلامية ستنتصر فيها ؟ .. ولا طائفة .
تحارب صدام والخميني 8 سنوات وخرجا منها ( لا غالب ولا مغلوب ) وعليه فالحرب المقبلة (( لن )) يكون هدفها الأمريكي تغليب فئة على أخرى .. وإنما تكريس الفرقة الطائفية فقط , وساعتها فكل من عنده مسجد أو حسينية أو تكية .. سيرفع عليها علم .. ويعلنها دولة مستقلة . وسيسقط الإسلاميون بعضهم بعضا كما فعلت الأحزاب القومية والعروبية والوحدوية والأممية من قبل .
إذن عماذا يتباحث الملوك والزعماء والرؤساء العرب في إجتماعاتهم فيما بينهم .. أو في إجتماعاتهم مع القيادات الأوربية والأمريكية ؟ وهل يدرون ما نحن مقبلون عليه ؟ بكل هذا البشر والسعادة التي تعلوا وجوههم ؟ الجواب على هذا السؤال يعطي الحق للشاعر العراقي مظفر النواب لكي يصرخ بقصيدته المنشورة مترجمة الى الإنكليزية على الصفحات 422 _ 425 من كتاب طارق علي ( بوش في بابل )
قممْ
قممْ
قممْ…
معزى على غنمْ
جلالة الكبشِ
على سمو نعجةٍ
على حمارٍ
بالقِدم
وتبدأ الجلسة
لا
ولن
ولم.
وتـنـتـهـي فدا خصاكم سيدي
والدفعُ كمْ؟!
ويفشخ البغل على الحضور
حافريهِ
لا .. نعم
وينزل المولود
نصف عورةٍ
ونصف فم.
مباركٌ.. مبارك
وبالرفاه والبنين
أبرقوا لهيئة الأمم
أما قمم.
كمب على كمب
أبا كمباتكم
على أبيكم
جائـفـيـن
تغلق الأنوفَ منكم الرِمَمْ.
وعنزةٌ
مصابة برعشة
في وسط القاعة بالت نفسها
فأعجب الحضور..
صفقوا..
وحلقوا..
بالت لهم ثانية
واستعر الهتاف..
كيف بالت هكذا..!!
وحدقوا
وحللوا
وأجلوا
ومحصوا
ومصمصوا
وشخت الذمم.
وا هبلتكم أمهاتكم
هذا دمٌ أم ليس دمْ؟؟!
يا قمة الأزياء
يا قمة الأزياء
سُوّدت وجوهكم
من قمةٍ.
ما أقبح الكروش من أمامكم
وأقبح الكروش من ورائكم
ومن يشابه كرشه فما ظَلَمْ.
قممْ.. قممْ.. قممْ
قممْ.
معزى على غنم
مضرطةٌ لها نغمْ
تنعقد القمة
لا تنعقد القمةُ
لا.. تنعقدُ القمة
أيْ تـُفـو على أول من فيها
إلى آخر من فيها
من الملوك.. والشيوخ.. والخَدَم ميسون البياتي – مفكر حر؟