مهما تحاشيت الكلام في السياسه فلابد أن تمر عليها وأنت تتحدث في أي شأن , لأن الحياة كل لا يتجزأ
خمسينات القرن الماضي بدأت أموال النفط تدر على الخزينه العراقيه أموالاً طائله جعلت حكومة الملك فيصل الثاني ونوري السعيد تفكر بجديه في إعمار البلاد وبدأت فعلاً بمشروع إعمار بغداد
الخطوه الأولى في هذا المشروع كانت دراسة التخطيط الحضري والإقليمي لمدينة بغداد لإيجاد الحل لواحده من مشاكلها المستفحله وهي مشكلة أطراف المدينه وسكان مدن الصفيح فيها , فمنذ عقود كان أهل القرى والأرياف قد شدوا العزم على ترك مزارعهم وقراهم والرحيل الى بغداد للعمل فيها كخدم وفراشين وغيرها من الأعمل المتدنيه وشعارهم في هذا يقول : بغداد حايطها تمر فلش وأكل خستاوي
هجرة الريف الى المدينه تشكل ضغطاً إجتماعياً على سكان المدن بضغطها على قيم التحرر ونقلها أخلاق وقيم الريف الى المدينه بما يشوبها من انغلاق فكري واحادية رؤيه للأمور لكنها من الجانب البيئي تشكل أكبر عبء على المدينه , فهؤلاء الوافدين يشكلون عبئاً على الشوارع والمواصلات والأسواق والمرافق العامه كالحدائق والملاعب والمقاهي والمطاعم والسينمات
توصل مشروع إعمار بغداد الى القضاء على مدن الصفيح ببناء وحدات سكنيه بسيطه وتوزيعها على سكان مدن الصفيح في مشروع يوسع مدينة بغداد ولا يخرب ديموغرافيتها فبنيت المناطق التي تمت تسميتها بعد الانقلاب العسكري في 14 تموز 1958 بأسماء ( الثوره , الشعله , الحريه , العامل , البياع ) وبدأ العمل بإنشائها منذ أيام نوري السعيد
الى جانب الشروع في حل معضلة مدن الصفيح أقر مشروع إعمار مدينة بغداد تطوير مدينة بغداد لجعلها في مصافي المدن المتقدمه من حيث العمران ولهذا دعت الحكومة العراقيه مشاهير المعماريين العالميين في الدول الغربيه للتباحث فيما يمكن عمله من أمثال : والتر غوربيوس , ليو كوربوزيه , أوسكار نيمير و فرانك ليلويد رايت
تسلم فرانك ليلويد رايت وهو معماري أمريكي التكليف ببناء دار الأوبرا العراقيه في مكان يقع في قلب العاصمه , لكنه فضل لها موقعاً آخر وسط دجله في جزيرة أم الخنازير وكان التكليف في بداية عام 1957 لكنه تأخر في البدء بالتنفيذ لأن مشاريع السيطره على فيضان نهر دجله لم تكن قد تكاملت بعد , على أي حال كان قد رسم خطة تحويل جزيرة أم الخنازير الى مركز ثقافي متكامل , وعند عودته الى الولايات المتحده الأمريكيه رسم مشروع بناية جامعة بغداد , لكن مشروعه لجامعة بغداد لم يقر وإنما تم إعتماد التصميم الذي وضعه والتر غوربيوس
يوم 14 تموز 1958 وقعت الطامه الكبرى , إستعمل الأمريكان جمال عبد الناصر وكميل شمعون ورشيد كرامي و10 آلاف مارينز أمريكي أنزلوهم في بيروت , وثله من العسكر الحمقى العراقيين تقودهم السفاره المصريه في بغداد , فقتلوا العائله المالكه , وأخرجوا النفوذ البريطاني من العراق , وحولوا العراق منذ يومها من مستعمره بريطانيه الى مستعمره أمريكيه تحت مسمى : إستقلال
فرق الإستعمار الأمريكي عن الإستعمار البريطاني أنه لا يتواجد على الأرض , يقلب نظام الحكم ويعين حكومه عميله ترعى مصالحه , ويغادر ثم يملأ البلد بالإنقلابات والحروب
عندما أصبح العراق مستعمره أمريكيه كان أول ما قاموا به هو إيقاف العمل بمشروع إعمار بغداد , ولكن كيف يتم ذلك ونحن بالصلاة على النبي أصبحنا دوله ( مستقله ) مثلما يشاع ويقال ؟ وكيف يتم الحصول على الدعم الجماهيري لعملية وقف إعمار عاصمة بلد ؟
قام عبد الكريم قاسم بإعلان وقف عمليات الإعمار مدعياً أن إشباع الجياع أهم من الإعمار , ومصداقية لصدق كلامه وهب ما كان غيره قد بناه .. وزع الوحدات السكنيه التي بناها نوري السعيد على سكان مدن الصفيح فحمله هؤلاء على الأعناق وأوصلوه الى مرتبة الألوهيه , وأصبح مشروع إعمار بغداد في طي النسيان
حكومة العسكر التي تسيدت على العراق بعد 1958 رغم إيقافها لمشروع إعمار العاصمه أرادت أن تبدو بمظهر البانيه , لهذا أكملت شق وتبليط شارع الجمهوريه , ثم إستجدت من مؤسسة كولبنكيان الخيريه ( السيد كالوست كولبنكيان توفي عام 1956 ومؤسسته الخيريه هي التي تدير أمواله وريعها ) فقامت المؤسسه بالتصدق على العراق بتمويل مشروعين : الأول هو بناية ( قاعة كولبنكيان للفن الحديث ) في ساحة الطيران حيث قام الزعيم عبد الكريم قاسم بوضع حجر أساس القاعه , ثم افتتاح القاعه في إحتفالين مهيبين مع أن المنجز تحقق بأموال صدقه وبأيادي معماريه غير عراقيه
المشروع الثاني الذي وضع قاسم حجر أساسه وكان بتمويل من مؤسسه المرحوم كولبنكيان كان ( ملعب الشعب والقاعه الرياضيه المغلقه المجاوره له ) . إنقض عبد السلام عارف فقتل عبد الكريم قاسم ولم يمنحه فرصة إفتتاح هذا المشروع عند نهايته , ملعب الشعب تم إفتتاحه 1966 في زمن عبد الرحمن عارف , القاعه الرياضيه تأخر إفتتاحها الى أيام حكم أحمد حسن البكر وإفتتحها السيد طارق عزيز الذي كان وقتها وزيراَ للشباب
المنجز الوحيد الذي حققناه من الإستقلال المزعوم هو بناية جامعة بغداد في الجادريه , أخرجت حكومة العسكر وثائق المغفور له الباشا نوري السعيد وموافقاتها على خطة بناء جامعة بغداد وفق الرسم الهندسي الذي صممه المعماري والتر غوربيوس .. وعهدت بهذا التصميم الى المعماري الأمريكي فرانك ليلويد رايت لتنفيذه …
لم نتوصل الى من موّل مشروع البناء , وهل كان صدقة علينا أم هو مشروع من حر مال العراق , وهذا هو كل ما جنيناه مما يسمى : إستقلال
يخيّط فمي شوك
بكيت …
…… ولكن ,, من يفهم حزني ؟؟