ما حدث مع أهالي قرية كفر برعم المهجرة هو استمرار لفكر احتلالي يتناقض مع كل الأعراف الدولية، وحتى مع قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية.
كفر برعم لمن لا يعلم هي قرية مسيحية مارونية تجاور جبل الجرمق الفلسطيني الشاهق، منذ سنوات يتواصل اعتصام اهل برعم في قريتهم مطالبين بتنفيذ قرار المحكمة العليا الذي صدر في سنوات الخمسين، القاضي بإرجاعهم (القرار شمل أيضا مهجري اقرت وهي قرية مسيحية كاثوليكية جرى معها نفس الشيء) الى بلدتهم كما جرى الاتفاق مع الجيش الاسرائيلي الذي اخرجهم من برعم، بالاتفاق معهم ان الأمر لن يتجاوز أسبوع او أسبوعين عام 1948، فخرجوا الى قرية الجش المجاورة، وتركوا كل اغراضهم ومخزونات طعامهم في منازلهم، بل والكثير من الغنم والبقر، على أساس وعد الجيش. ثم قام الجيش بهدم قرية برعم (وطبعا قرية اقرت أيضا) بالقصف الجوي، وأعلنت الحكومة اراضي القرية منطقة عسكرية مغلقة لمنع عودة اهلها.
توجه البراعمة لمحكمة العدل العليا التي اقرت حقهم بالعودة حسب الاتفاق مع الجيش، كممثل لحكومة إسرائيل، لكن قوانين الأراضي الغريبة عجيبة في دولة اسرائيل وكثرتها وكأنها إمبراطورية لا تغيب الشمس عن اراضيها، وقفت سدا مانعا ضد قرار محكمتها العليا. اذ اقر قانون التفافي على المحكمة العليا بتوكيل وزير المالية بوضع يده على أراضي للصالح العام.
طبعا معظم أراضي قرية كفر برعم كما شرح لي كبار العمر، لم تزل غير مستغلة من الكيبوتسات التي أقيمت على أراضي القرية. وهم طالبوا ويطالبون ان تعاد لهم الاراضي غير المستغلة، كحل وسط واولي!!
لكن لا حياة لمن تنادي.
لذا يعتصم العشرات من أهل برعم، من الجيل الذي هُجر حتى الجيل الذي ورث التهجير، في بلدتهم. ويقيمون صلواتهم أسبوعيا، واحتفالات اعيادهم ومناسباتهم من الافراح الى الاتراح في كنيسة القرية التي قاموا بترميمها. واعادوا بناء المقبرة وتوسيعها وليس بدون صدام مع دائرة أراضي إسرائيل.
يواصل البراعمة الاعتصام والإصرار على البقاء في ارضهم وإعادة بناء كفر برعم بما تبقى لهم من ارض لم تصادر للكيبوتسات حولهم او لبقر الكيبوتسات.
وزير عدل سابق، اثناء لقاء للتشاور مع البراعمة حول حل يرضيهم، عبر عن قلقه عن مصير ابقار الكيبوتسات التي ترعى في اراضي القرية المهملة والتي لم تزرع منذ هجر أصحابها إلى قرية الجش المجاورة. ما العمل إذا أعيدت للبراعمة الأراضي غير المستغلة للكيبوتسات؟ تساءل: “كيف ستحل مشكلة ايجاد مراع لبقر الكيبوتسات؟!” رد عليه البرعمي ابراهيم عيسى (ابو الرايق -عمره اليوم أكثر من 80 سنة):” هل البقر اهم من الإنسان؟ ارجعونا لقريتنا ونتعهد ان نشترى لهم العلف على حسابنا”.
هذه الاجابة غير المتوقعة والقاطعة، أزعلت الوزير الذي كان يعتبر من اليسار الاسرائيلي ومن تيار السلام مع الشعب الفلسطيني، ولكن ليس للسلام مع الفلسطينيين من اهل البلاد. لأن مراعي بقر الكيبوتسات أكثر أهمية من حقوق المواطن ألفلسطيني في “اسرائيل الديمقراطية” !!
(المادة من كتاب: يوميات نصراوي)