بغداد.. من آخر والي مملوك الى آخر والي عثماني ((الجزء الاول))
بقلم ; عضيد جواد الخميسي
حكم المماليك في العراق 1775 ـــ1831م. وأدى ضعف السلطة المركزية، والانحسار الفعلي للوجود العثماني المباشر عن أقاليم عديدة، إلى قيام سلطات محلية قوية تمكنت من ملء الفراغ الناجم عن ذلك الانحسار، فظهرت سلطة المماليك في العراق. وتميزت فترة حكم المماليك بتعاقب ولاة مماليك على السلطة في بغداد، وظهور دور ملحوظ للقوى الأوروبية في إسناد ترشيح أحد الأغوات المماليك لولاية بغداد ممن يجدون في تعيينه ما يحقق لهم مزيدًا من المصالح في العراق، الأمر الذي أضاف عاملاً جديدًا في إبقاء السلطة بيد المماليك وترسيخ السيطرة العثمانية غير المباشرة، فكان تعيين سليمان باشا الكبير سنة 1780م بدعم كل من المقيم البريطاني في البصرة والسفير البريطاني في إسطنبول. كما جاء تعيين خلفه علي باشا سنة 1802م بتدخل من المقيم البريطاني في بغداد، بينما وصل سليمان باشا الملقب بالصغير إلى الحكم سنة 1808م بمساندة ودعم من الفرنسيين، وكان آخر الولاة داود باشا. وقد استطاعت الدولة العثمانية القضاء على المماليك إثر معركة وقعت بين الطرفين في تشرين الاول/ أكتوبر 1810م. وظلت الأسر المحلية في العراق تحكم بموجب فرمانات من السلطة العثمانية كأسرة( الجليلي) في الموصل وأسرة( البابانيين) في السليمانية. وقد عينت الدولة العثمانية الوالي علي رضا باشا واليًا على بغداد وعمل على توطيد نفوذه في البلاد. وقد عملت بريطانيا على توطيد نفوذها في العراق، فأوفدت بعثات تقوم بأعمال المسح والتخطيط خلال الفترة (1830-1860م).
داود باشا
داود باشا هو آخر ولاة المماليك الذين حكموا مدينة بغداد، ولد داود في . جورجيا(1767ــــ1851) وأختطف من أهله عندما كان في سن الثالثة عشر وجيء به الى بغداد وعرض للبيع، فإشتراه أحد الميسورين من وجهاء بغداد وهو( مصطفى بك الربيعي)،وبدوره باعه الى غيره بعد عدة أيام وصار بعدها داود ينتقل من شخص لأخر حتى إنتهى به المطاف إلى الوالي( سليمان باشا الكبير) ،وخضع داود للتعليم والتدريب اسوة بمجوعة المماليك في قصر الوالي . تدرج داود في المناصب الادارية ورفّع الى مقام عالٍ وهو منصب المهردار ,, اي حامل الختم ,, بعدها تزوج داود إحدى بنات الوالي سليمان باشا . وبعد وفاة الوالي ،تمكن داود من الاستحواذ على حكم ولاية بغداد بمساندة زوجته بعد صراع مرير مع خصومه واعدائه ..
في أوائل عام 1818 م إستغل الشاهزادة حاكم كرمنشاه نزاعا وقع بين أمراء آل بابان في منطقة كردستان، وقام الشاهزادة بتوجيه ثلاثة جيوش يستهدف بها احتلال مدينة بغداد أحدها من جهة السليمانية والثاني من جهة مندلي والثالثة من جهة بدره وجصان ، ولأجل هذا حاول داود باشا استرضاء الشاهزادة حاكم كرمنشاه حيث قام بالإبقاء على شاه بابان حاكما على السليمانية ، وبعد مراسلات ومفاوضات ما بين داود باشا والشاهزادة استمرت قرابة الشهرين تم عقد الصلح بينهما . لم يستمر الصلح الذي عقد ما بين الطرفين طويلا ، ففي سنة 1821 إلتجأ عبد الله باشا بابان وهو أحد امراء الأسرة البابانية الحاكمة في منطقة كردستان إلى الشاهزادة في مدينة كرمنشاه لإاصدار الأخير أمرا بتعينه حاكما على السليمانية بدلا من أخيه المعين من قبل داود باشا ، وقد أخذ عبد الله باشا بابان بمهاجمة حدود الدولة العثمانية من جهة بلدة خانقين، ثم توجه بعذئذ بقوة كبيرة نحو مدينة السليمانية بغية احتلالها، وقد إنضم إليه ,,خسرو بك ,,رئيس عشيرة الجاف ونتيجة لهذه التطورات أرسل داود باشا إلى السلطان العثماني في اسطنبول يطلب فيه مساعدته بارسال قوات لدحر هذا الهجوم ، وقد أرسل السلطان العثماني قوات اسناد تتألف من خمسة عشر ألف الباني، فأضاف داود باشا هذه القوات إلى قواته وفي شهر تشرين الأول من سنة 1821 جرت معركة ما بين الجيش العثماني المرسل من قبل داود باشا والذي كان بقيادة الكهية ,,محمد آغا,, وبين قوات عبد الله باشا بابان المدعومة من قبل قوات الشاهزادة بالقرب من مدينة السليمانية وقد إنتهت المعركة بهزيمة الجيش العثماني . و بعد هزيمة الجيش العثماني في هذه المعركة إنفتح الطريق أمام جيش الشاهزادة للتقدم نحو بغداد ،وعند وصول جيش الشاهزادة بالقرب من قرية هبهب(حالياً ناحية في ديالى) الواقعة بالقرب من بغداد أخذ المئات من السكان القاطنين في مدينة بغداد بالهرب نحو المدن المجاورة كالفلوجة والحلة ، وعند وصول جيش الشاهزادة بالقرب من خان بني سعد والتي تقع على بعد 25 كم شرق بغداد ، قامت بعض العشائر بالقيام السلب والنهب على القرى المجاورة لمدينة بغداد. وفي تلك الآونة بالذات كان وباء الهيضة(الكوليرا) قد وصل إلى بغداد ثم أخذ يسري نحو الشمال، فأنتشر هذا الوباء في صفوف جيش الشاهزادة حاكم كرمنشاه وقد أصب الشاهزادة كذلك بهذا المرض . وكان انتشار هذا الوباء في صفوف جيش الشاهزادة الدور الحاسم في عدم استمراره بالتقدم نحو بغداد فأرسل إلى الشيخ,, موسى كاشف الغطاء,, والذي كان يتولى الزعامة الدينية في مدينة النجف ونجح الشيخ كاشف الغطاء في التوسط ما بين الفريقين المتحاربين، ولم يكد الشاهزادة يصل إلى كرمنشاه حتى مات وتولى بعده مقاليد الحكم إبنه,, حسين ميرزا,, والذي حاول من أن يهاجم بغداد كما فعل والده وقد قام بتجهيز جيش ضخم لهذا الغرض ، وعند وصول الجيش بالقرب من بلدة شهربان(المقدادية) الواقعة إلى الشرق من مدينة بغداد أخذ وباء الهيضة يهدد الجيش كما فعل في المرة الأولى مما إضطره إلى الإنسحاب والعودة إلى كرمنشاه من جديد . بعد ان فشل داود باشا في الاستيلاء على بلاد فارس وبعد أن تبينت نوازعه الاستقلالية، وجه إليه,, السلطان محمود الثاني ,,حملة عسكرية بقيادة ,,علي رضا باشا اللازر,, في عام 1830 م، فاستسلم داود باشا، وصالح قائد الجيش على أن يسلمه بغداد ويرحل إلى الآستانة وبهذا الانكسار انتهى حكم المماليك وحقبته في بغداد. بعدها أُرسل داود باشا من قبل ,,السلطان عبد المجيد,, شيخاً على ,,الحرم المكّي,, في عام 1844 م، وتفرّغ هناك للعبادة والتدريس إلى أن توفي، ودفن في البقيع.
اما اهم ماانجزه الوالي داود باشا ، اصداره اول صحيفة في بغداد باسم [ جرنال العراق ] باللغتين العربية والتركية .
إهتم داود باشا بتقوية الجيش وتدريبه على النظم الحديثة ولأجل ذلك قام باستقدام ضابط فرنسي اسمه,, المسيو ديفو,, وكان ديفو من الضباط الذين خدموا في جيش نابليون بونابرت وترك فرنسا بعد سقوط بونابرت. وكان ديفو يعمل قبل استقدامه من قبل داود باشا يعمل في تدريب جيش الشاهزادة في كرمنشاه . كما إشترى داود باشا مصنعا للبنادق من أوروبا وجلب الفنيين لإدارته، كما أسس مصانع المنسوجات لتفي بحاجات الجيش .
في عام 1831 تولى ,,علي رضا باشا,, منصب الوالي بعد عزل داود باشا من منصبه والذي كان يعد آخر حكام المماليك في العراق إلى سقوطها في يوم 11 أذارـــ مارس من سنة 1917 من قبل الإمبراطورية البريطانية وهروب,, خليل باشا,, ومن معه من قادة الجيش العثماني والذي كان آخر والي عليها خلال الحرب العالمية الأولى. وقد دامت هذه الحقبة الزمنية حوالي 86 عاما وخلال هذه الفترة الزمنية تولى بغداد عددا من الولاة العثمانيين .
الوالي علي رضا باشا(1831ــــ1842)
علي رضا باشا أو كما كان يسمى بعلي باشا هو أول الولاة الذين حكموا بغداد بعد القضاء على حكم المماليك في العراق في سنة 1831 ، وقد دامت مدة ولايته على بغداد حوالي إحدى عشر عاما ما بين عامي 1831 إلى عام 1842 وتمثل ولايته بداية عهد جديد في العراق هو عهد العودة إلى طاعة الدولة العثمانية بعد سنين من الحكم الشبه مستقل عن حكم الدولة العثمانية. علي رضا باشا هو من أهل مدينة,, طرابزون ,,الواقعة على البحر الأسود ويعتبر هو أحد اتباع الطريقة البكتاشية .
وقد قام علي باشا بعد وصوله إلى بغداد بتصفية ماتبقى من المماليك الموجودين في العراق وذلك بالقيام بمذبحة شاملة ضدهم كالتي قام بها والي مصر,, محمد علي باشا,, بعد توليه الحكم هناك. و كان لعلي باشا ثلاثة معاونين كانوا يساعدوه في الحكم وهم كل من,, علي آغا اليسرجي و,,عبد القادر بن زيادة الموصلي ,,و,,علي أفندي الذي اشتهر في بغداد باسم,, الملا علي الخصي,, ولم يكن هؤلاء المعاونين الثلاثة يحسنون معاملة أهالي المدينة ابدا. وفي 28 أيار/مايو من عام 1832 اندلعت في بغداد احتجاجات شعبية بقيادة ,,عبد الغني آل جميل,, وكانت بسبب مطالبة آل جميل لرجال الحكومة بالكف عن الأعمال الوحشية والاساءة للناس ولكن الولاة لم يستجيبوا لندائه، وسميت الاحتجاجات، بحركة( المفتي عبد الغني آل جميل) ، وعبد الغني آل جميل ، وهو مفتي بغداد ومن علمائها المعروفين تقلد مناصب دينية وسياسية وكان له الوجاهة والزعامة في الأوساط العراقية، وأصل نسبه من سوريا ، وسكنت عائلته منطقة حديثة في العراق، وبعدها سكنت في بغداد، وكان شاعراً وكاتباً وفقيهاً ومحدثاً ، وهو من مواليد بغداد 1780 وان السبب المباشر في إعلانه الحركة هو أن إحدى نساء المماليك وهي أرملة,, رضوان آغا,, وكانت سيدة من أسرة نقيب مندلي قد التجأت إلى المفتي عبد الغني تحتمي عنده من مطاردة رجال الوالي علي رضا، وأودعت لديه طفلها البالغ من العمر ستة سنوات، غير أن هؤلاء لم يحترموا حماية المفتي لها، وكانت هذه الحادثة من جملة أسباب عميقة وراء هذه الحركة منها أحساس الناس بالتعسف والجور الذي كان يمارسه رجال الوالي علي رضا، وبدأت هذه الحركة في 29 حزيران 1832م، في حي باب الشيخ والذي كان هذا الحي من أكثر الأحياء تحسساً، وأنضم الناس إلى جانب المفتي الذي ترأس بشخصه مئات الرجال المدججين بالسلاح وكان نزول المفتي إلى الشارع يعد أولى خطوات المقاومة المنظمة لأهل بغداد ضد العثمانيين، وكان له مجلساً للوعظ والأرشاد في (مسجد آل جميل) في محلة[ قنبر علي] في بغداد. وأقام مجلسهِ من بعدهِ أولاده وأحفاده . توفي المفتي عبد الغني آل جميل في بغداد ودفن رفاته في جامع ال جميل في محلة قنبر علي في مايو/ايار1863م..
تمكن الوالي علي باشا من القضاء على هذه الحركة الشعبية التي اجتاحت بغداد. وكان علي باشا هو أول والي عثماني يسمح بإقامة مجالس العزاء علانية وذلك في عام 1832 عندما حضر الوالي مجلس عزاء لدى إحدى الأسر الشيعية . وفي سنة 1835 جرى انتخاب المختارين لمحلات بغداد فصار لكل محلة مختار أول وثاني مع إمام يقوم بشؤون الزواج بالاتفاق مع المختارين ..
نزاع العشائر]] تعتبر عشيرة عنزة إحدى عشائر العراق البدوية القوية، إذ جاءت من نجد من عهد قريب. وفي صيف عام 1832 عندما كانت عشيرة شمّر تهدد بغداد ارسل الوالي علي باشا بطلب عشيرة عنزة لكي يستعين بها لقتالها. وعند وصول عشيرة عنزة انسحبت شمّر من المناطق المجاورة لبغداد من دون قتال، وبقيت عنزة بالقرب من بغداد تطالب الوالي بالمكافأة التي وعدها بهم أثناء قدومهم لقتال شمّر. وتوترت بعدها العلاقة ما بين الوالي وعنزة، اضطر علي باشا عندها بالإستعانة بشمر لقتالهم. ثم نشبت يوم 12 تشرين الثاني 1834 معركة طاحنة بالقرب من بغداد بين عنزة وبين جيش علي باشا تسانده شمر. وقد إنتصرت عنزة في المعركة إلا أنهم تركوا جيش الوالي العثماني، وراحوا يطاردون خصومهم من شمّر. وبعد انتهاء المعركة أصبحت المناطق المحيطة ببغداد في حالة من الفوضى وفقدان الأمن فقد سيطرت عشيرة عنزة على القرى والطرق المحيطة هناك.
وبينما الفوضى سائدة خارج اسوار مدينة بغداد بدأ التوتر داخل بغداد بين جيش الوالي علي باشا وعشيرة عقيل، والتي تسكن في منطقة الكرخ على الجانب الغربي من بغداد. وسبب هذا التوتر هو اشتراك افراد من عشيرة عقيل في السلب والنهب التي كانت تعم المناطق المحيطة ببغداد، فنشبت يوم 4 كانون الأول من سنة 1834 معركة بين كلا الجانبين وإستمرت حتى حلول المساء حيث إنتهت بانتصار جيش الوالي. وبعد المعركة قام جنود الوالي بنهب الكرخ من دور واسواق واشعلوا النيران في الأسواق. فإمتلأت الرصافة والتي تقع على الجانب الشرقي من بغداد باللاجئين من القاطنين في الكرخ .
محمد نجيب باشا (1842ــــ 1849)
في شهر نيسان/ ابريل نُقِل علي رضا باشا إلى الشام وحل محله في ولاية بغداد الوالي محمد نجيب باشا الذي وصلها في شهر ايلول/ سبتمبر، وبما أن الوالي الجديد كان ميالا في علاقاته مع القناصل المعتمدين في بغداد وخصوصا القنصل البريطاني، مما سبب غيرة وامتعاض القنصل الفرنسي في بغداد,, البارون دي فيمار,,، حيث كانت علاقات الطرفين تمر خلالها بمرحلة شد وجذب . واستمرت العلاقة المتوترة بين الوالي والقنصل الفرنسي إلى أن تحسنت في صيف 1844. واستمرت جيدة إلى أن حل عيد الفطر يوم 3 تشرين الأول 1845 عندما وجد القنصل الفرنسي أن القنصل البريطاني قد سبقه إلى تهنئة الوالي ،ففسر الأمر على انه تواطؤ من الوالي لأهانة كرامة فرنسا ، فعمد إلى إرسال مستشاره ليقوم بمراسم التهنئة بدلا عنه. فأثار ذلك غضب محمد نجيب باشا. وبلغت أزمة العلاقات بين الوالي والقنصل الفرنسي ذروتها في 1846 حين إقتحم جنود مدججون بالسلاح مبنى القنصلية الفرنسية ،ورفض الوالي معاقبة هؤلاء الجنود المقتحمين ، فتطور الأمر حتى طلبت السفارة الفرنسية في إسطنبول من الباب العالي بتوجيه توبيخ صارم للوالي محمد نجيب باشا ، . مما جعل محمد نجيب باشا يقيم حفلة استقبال على شرف القنصل الفرنسي، وأعترف له بالأولوية على القنصل البريطاني .
[[ الدعوة البابية ]]
ظهرت الدعوة البابية في مدينة شيراز سنة 1844 بظهور الباب وهو (علي بن محمد رضا الشيرازي). وبعد انتشار الدعوة في بلاد فارس أرسل الباب أحد حروف الحي وهو( الملا علي البسطامي) إلى العراق ، حيث وصل مدينتي كربلاء والنجف ليبشر بالدعوة الجديدة، وبعد جدل مع علماء النجف القي القبض عليه وسيق به مخفورا إلى بغداد ، فأدخل إلى الوالي محمد نجيب باشا الذي عمد إلى عقد مجلس عام لمحاكمته مؤلف من علماء الشيعة والسنة معا، وهو أول مجلس في الدولة العثمانية يجتمع فيه علماء الطائفتين معا ، وقد إرتج المجتمع البغدادي عند سماعه بإنعقاد هذا المجلس وراجت مختلف الإشاعات حوله، وظن عوام الناس من أن علماء كلا الطائفتين لا يمكنهما الاجتماع إلا بوجود سبب آخر وهو النظر في قضية( أبو بكر وعلي) وقد انشغل العوام من سكان بغداد بالمجادلة التي جرت ما بين( حسن كاشف الغطاء وابي ثناء الآلوسي) واختلفت الروايات حول ماحل بالملا علي البسطامي فقيل من إنه سيق إلى إسطنبول فمات في الطريق جراء مرض أصابه وفي رواية أخرى إنه مات مقتولا .
وكان لمجيء( زرين تاج)[ قرة العين القزوينية (1815 – 1852 م) نسبتها إلى قزوين. هي زريّن تاج بنت ملاّ صالح القزويني، مولدها في قزوين وتوفيت في طهران. كانت تلقي الدروس في مدينة كربلاء عام 1843 م. كانت داعية بابية قوية، وقد أعدمت لأجل ذلك. لها شعر بالعربية والفارسية، وأحيانًا تخلط بينهما في القصيدة الواحدة.] مجيئها إلى العراق، كان له الاثر الأكبر في انتشار هذه الدعوة، حيث انتقلت مع حاشيتها في آب 1846 إلى الكاظمية ، وأستقبلت هناك استقبالا حافلا وذاع صيتها في بغداد فأخذ الكثير من سكانها من الشيعة وغيرهم يفدون إليها لسماع دروسها ومحاضراتها، وقد مكثت في بغداد حوالي ستة أشهر ثم عادت إلى كربلاء في يوم 8 شباط من عام 1847 بمناسبة زيارة الأربعين ، .ولكنها لم تمكث طويلا إذ سرعان ماعادت إلى بغداد بعد أن دب الخلاف بينها وبين( الملا أحمد الخراساني) والذي كان يتولى رعاية بيت كاظم الرشتي فاجبرت على العودة إلى بغداد ، وقد ظلت زرين تاج تلقي دروسها في بغداد مدة غير يسيرة ولكن يبدوا من إن خصومها في كربلاء لم يسكتوا عنها ولا سيما (الميرزا محمد حسن جوهر) رئيس الشيخية (هي مدرسة فكرية شيعية اثنا عشرية) ، واخذوا يبذلون جهودهم لتحريض حكومة الولاية ضدها، وقد تم لهم ماارادوا إذ تم وضع زرين تاج تحت الإقامة الجبرية في بيت أبو ثناء الآلوسي قرابة الشهرين، وبعدها أطلق سراحها وأخرجت من العراق.
[مظاهرة في باب الشيخ الثانية ]
تعتبر محلة باب الشيخ من محلات بغداد مثلها مثل مدينة كربلاء وغيرها من المدن التي تحتوي على العتبات المقدسة من حيث كونها حرما آمنا يلجأ إليها الهاربون من الحكومة فلا تستطيع الحكومة من إلقاء القبض عليهم . وفي صيف 1847 خرجت مظاهرة معادية للحكومة من تلك المحلة واتجهت نحو محلة( باب المعظم) ومن هناك إتجهت نحو( بستان النجيبية) حيث كان الوالي يقيم في مسكنه الصيفي، لكن سرعان ماسيطر الوالي محمد نجيب باشا على الموقف والقضاء عليها، بعدها أصدر الوالي أوامره بإبعاد خطيب الحضرة القادرية( محمد أمين الواعظ) وأخيه السيد خطاب إلى البصرة إذ أتهمهما بأنهما كانا من المحركين للمظاهرة .
وفي تموز 1849 عزل نجيب باشا من منصبه وحل محله عبد الكريم باشا. وقد عزل هذا بدوره في شهر كانون الأول 1850 وحل محله الوالي محمد وجيه باشا، ثم عزل هذا أيضا بعد مضي سنة واحدة وحل محله نامق باشا .
محمد نامق باشا (1851 – 1852)
سياسي عثماني يعد من أهم رجال الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر خدم عند خمس سلاطين عثمانيين وعمل مستشارا لدى اربعة منهم. انشئ الأكاديمية الحربية العثمانية وشغل منصب والي بغداد مرتين كما شغل منصب سرعسكر (وزير الحربية) ومنصب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) في الدولة العثمانية. .وقد كان نامق باشا قبل تعينه بمنصب والي بغداد ، كان مشيرا في فيلق العراق ، وقد اختلف مع الوالي محمد وجيه باشا حول الطريقة التي ينبغي أن يحكم بها العراق وبالأخص بموضوع ثورة العشائر بمنطقة الفرات الأوسط وقد أدى هذا الأمر إلى استقالة محمد وجيه باشا بعد تأييد إسطنبول لرأي نامق باشا في معاملة ثورة العشائر التي نشبت آنذاك .
إمتاز نامق باشا بشدته في الحكم وكان أيضا بنفس الشدة على الأجانب الساكنين. وقد عزل نامق باشا من منصبه بعد مشكلة حدثت مع صيرفي مسيحي يحمل الرعوية الفرنسية عندما لم يترجل هذا الصيرفي من حصانه عند مرور موكب نامق باشا، فتعرض للضرب من جنود الوالي، وقد أدت هذه الحادثة إلى عزل الوالي .
رشيد باشا (الكوزلكلي) [1852 ـــ 1857]
في شهر آب/ أغسطس من عام 1852 صدر الفرمان بإسناد ولاية بغداد إلى رشيد باشا الملقب( الكوزلكلي) أي صاحب النظارات، وسماه العراقيون[ بأبو المناظر] . ،وقد إرتاب البغداديون من إسلام الوالي الجديد لأنه ولد من أبوين مسيحين في جورجيا، وبقي عدة سنوات في فرنسا بعد إيفاده من الدولة العثمانية للتخصص في الفنون المدفعية، ولكونه يطالع الكتاب المقدس ولاسيما( إنجيل توما )، ولكي يبعد عن نفسه تلك الشبهة شرع بتعمير جامع من ماله الخاص ، وقد أخذ الوالي الجديد بدفع رواتب الموظفين المدنيين والعساكر المتأخرة والتي لم تدفع منذ عهد الوالي علي رضا باشا . وفي عام 1853 وقعت حرب القرم بين العثمانيون والروس، وعند وصول نبأ إعلان الحرب إلى بغداد جمع الوالي اعيان بغداد وعلمائها وطلب منهم ان يجمعوا التبرعات من الأهالي لمعونة الدولة ، وقد قرر المجلس من أن يدفع الموسر من الأهالي مبلغ الف قرش، والمتوسط مائة قرش، والفقير خمسة وعشرين قرشا، وكذلك فرض على كل بيت رسم مقطوع قدره 100 قرش. . وعندما إشتدت الحرب وطال أمدها نشرت إشاعات في بغداد مفادها من إن( الشاه القاجاري ـــ شاهنشاه ايران) قد تحالف مع الروس وإنه يحشد جنوده لمهاجمة العراق ، ،وقد ارتفعت الأسعار في بغداد والمناطق المحيطة بها واضطرب الأهالي نتيجة هذه الأخبار. وأخذت الحكومة في بغداد تتشدد في طلب المجندين حتى الذين قد تم إعفائهم منها لاسباب صحية . وفي اواخر عام 1853 وصل خبر إلى القنصل البريطاني مفاده من إن الشاه قد ترك مسألة مهاجمة الحدود الشرقية للدولة العثمانية وذلك بتحريض من إمام جمعة طهران ، وفي منتصف آب 1857 توفي الوالي رشيد باشا بعد التهاب في حنجرته . فعينت الدولة العثمانية عمر باشا واليا على بغداد، ويعتبر عمر باشا قائدا عسكريا اشتهر في حرب القرم. وكان أهم الأحداث التي واجهت بغداد في عهد هذا الوالي هي مسالة التجنيد الإجباري الذي يطلق عليه في ذلك الحين اسم( عسكر نظام).وقد كانت خطة الوالي عمر باشا في أن يشرع بتنفيذ خطته بالتجنيد الإجباري في مدينة بغداد، فإذا نجح في خطته سعى لتنفيذها إلى باقي مناطق الولاية. وقد نجح الوالي عمر باشا بتجنيد أهالي مدينة بغداد بعد أن قام بتوزيع مبالغ مالية كبيرة على أعيان ووجهاء بغداد بغية إقناعهم بفكرة التجنيد الإجباري. وقد تم عزل عمر باشا سنة 1859، ثم تولى بعده كلا من مصطفى نوري باشا(1859ـــ1861) وأحمد توفيق باشا(1861ـــ1861) دامت ولايته سبعة أشهر فقط .
ولاية نامق باشا الثانية(1862ــــ 1867)
تولى نامق باشا منصب والي بغداد للمرة الثانية، وقد استمرت مدة ولايته زهاء خمسة سنوات . وقد أمر نامق باشا بعد وصوله إلى بغداد بعزل (الجلواز أحمد آغا) وقد كان هذا الجلواز بمنصب التفكجي باشي الذي كان يسيء معاملة الأهالي من سكان المدينة. وقد قام نامق باشا بالقضاء على الأشقياء والذين كانوا يحترفون اللصوصية وكذلك على كل شخص يخل بالأمن العام، وأن يساق إلى القلعة ويسجل هناك في سلك الجندية ثم يساق إلى اليمن والذي كان أشبه بالمنفى في تلك الأيام .ومن ثم تولي بغداد (تقي الدين باشاــــ 1867ــــ1869) .
دخلت بغداد مرحلة جديدة من التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشقيه الفكري والثقافي . منذ تولي مدحت باشا زمام السلطة في بغداد سنة 1869
ومع كل ماذكر ، فان هناك من الولاة ممن كان لهم دور في احداث بعض الاصلاحات على الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي ، ومن ابرزهم -;-
الوالي مدحت باشا (1869ــــ 1872م)
ولد احمد شفيق مدحت سنة 1822 في اسطنبول وشهرته مدحت باشا وكان والده يعمل قاضيا ، وعرف عن مدحت باشا الجدية والمثابرة منذ صغره ،اذ اكمل تعليمه في المدرسة العرفانية النموذجية في اسطنبول 1838 ثم انتقل الى مدرسة الخوجة واستمر في الدراسة حتى عام 1841، عيّن كاتبا وهو في الثامنة عشر من عمره ، ولقد تدرج بالوظائف حتى اوكلت اليه الدولة اعادة الاستقرار لاقليم البلقان في فترة اضطراباتها ،وارسل كذلك للتحقيق في احداث البلغار واصلاح شؤونها ،فكانت هذه النشاطات سببا في ترقيته الى مرتبة وزير ، ثم الى رئاسة شورى الدولة .
صدر الفرمان السلطاني بتعيين مدحت باشا واليا على بغداد سنة 1869 بعد عزل الوالي تقي الدين باشا(1867ـــ 1869) كما عهدت اليه قيادة الفيلق السادس ، وامتدت ولايته على ولايتي الموصل والبصرة .
ولقد كان لتعيين الوالي مدحت باشا واليا على العراق عدة اسباب قد ياتي في مقدمتها-;-
1. ابعاد مدحت باشا عن اسطنبول بعد تزايد شعبيته على اثر الخلافات التي دارت بينه وبين الصدر الاعظم (رئيس الوزراء)، كما ان هناك من يرى ان مدحت باشا قد اظهر رغبته في ولاية بغداد للابتعاد عن اسطنبول التي اضحت مركزا للصراع والتنافس على المراكز والسلطة .
2. رغبة السلطان عبد العزيز في تهيئة مدحت باشا لتولي مهام ومناصب عليا في الدولة .
3. اهمية المرحلة الزمنية وضروراتها التي فرضت على الدولة العثمانية ، في جعل العراق طريق بري دوليا لمنافسة قناة السويس ، التي هي خارج اطار سيطرتها ، لمواجهة نشاط الغرب في منطقة نفوذها .
4.النفوذ البريطاني في المنطقة، والذي صار يشكل تهديدا لمصالح الدولة العثمانية ، ومحاولة بسط نفوذها على منطقة الخليج ، وهذا الامر بحاجة الى قيادة سياسية قوية ،وشخصية مؤثرة ، ومدحت باشا خير من يمكن اختياره لهذه المهمة .
5. الاهمال الذي شهده العراق بولاياته الثلاث من الولاة السابقين ، والذي اثر بصورة مباشرة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، والذي يؤثر بدوره على واردات الدولة العثمانية من الضرائب والمكوس ، بل هو في الحقيقة عبأ كبيرا ، بما تتحمله الخزينة ،لتجهيز الحملات العسكرية لمواجهة عصيان القبائل والعشائر وتحديهما للسلطتين المركزية والمحلية ، قد يكون هذا سببا في التفكير بشخصية مدحت باشا لايجاد حلول لتلك المشاكل المستعصية .
6. كما ان تزايد النشاط الايراني على الحدود العراقية ، وتاليب القبائل والعشائر ضد السلطات ، فضلا عن عدم التزام الجانب الايراني بمقررات لجنة ترسيم الحدود ، وكذلك باتفاقية(ارضروم) ، يستدعي وجود قيادة قادرة على اظهار قوة الدولة العثمانية ، اضافة الى تمتعها بقدر عال من الدبلوماسية السياسية ،ومدحت باشا كان يمثل الرجل المناسب في المكان المناسب .
لقد كان ظهور الوالي مدحت باشا على الساحة السياسية والاجتماعية الاثر الكبير في احداث انتقالة نوعية في جملة الاعمال والمشاريع والتوجهات الاقتصادية ، ومن بينها -;-
ــــ انشاء اول مدرسة حديثة للذكور .
ــــ انشاء اول مدرسة للصانيع للايتام .
ــــ شيد مستشفى للغرباء في جانب الكرخ .
ـــــ اسس شركة ترامواي الكاظمية (عربات تجرها الخيول على سكة) .
ـــــ شيّد عدة بنايات جديدة لاستخدامها كمقرات للحكومة .
ـــــ شيّد جسرا جديدا للمشاة في بغداد .
ـــــ انشأ اول حديقة عامة (النجيبية) ،للترفيه عن العوائل البغدادية .
ـــــ انشأ مشروع مد انابيب الماء الى بعض محلات بغداد .
ـــــ اكساء بعض شوارع بغداد الرئيسة بالاسفلت ، والتي تقع فيها المقرات الحكومية .
ــــ انشاء خان كبير(فندق) للزوار والمسافرين .
ــــ كما ان هناك انجازا على درجة كبيرة من الاهمية الا وهو [ تسجيل النفوس] ، اذ تمت في سنة 1869 اول عملية اصدار وثائق في قيد السجل العام لتثبيت البيانات الخاصة عن كل شخص ، او بما يسمى البطاقة الشخصية . وان كان قد استخدم الشدة ضد الذين كانوا يعارضون هذه الخطوة .
. . وفي عهد مدحت باشا اكتمل بناء القشلة التي كان الوالي الأسبق نامق باشا قد شرع ببناءها. وفي عهده تم إصدار جريدة الزوراء بالغتين العربية والتركية …
ومهما كانت الاعمال والمنجزات التي قام بها الوالي مدحت باشا ، فهي بالحقيقة لاتخلو من عمليات فساد ورشاوى وعلى جميع الاصعدة ،كون القائمين على تلك المشاريع لايهمهم غير منفعتهم الشخصية ، وتحقيق مآربهم باية وسيلة وباقصى مايمكن ، وهذا ليس بغريب على نمط الحكم في بغداد ،فالقائمين والمشرفين على تلك المشاريع هم من الاتراك وهم غرباء ،لذا لم يهتموا بمصالح الناس ولا بما ينفعهم ، ولهذا نجد جميع المشاريع التي انجزت هي فاشلة ولم يستفد منها ، حيث ان ماانجز تهاوى بعد سنة او سنتين على الاغلب .
ثم تولى بغداد الوالي رؤوف باشا (1872ــــ1873) ، وجاء من بعده الوالي رديف باشا (1873ــــ1875) . وفي سنة 1876 تولى السلطان عبد الحميد الثاني مقاليد السلطة في الدولة العثمانية خلفا لأخوه السلطان مراد وكان والي بغداد أثناء تولي عبد الحميد الحكم هو عبد الرحمن باشا (1875ـــ1877) وفي سنة 1877 نقل هذا الوالي إلى ديار بكر وحل محله في الولاية عاكف باشا(1877ـــ1878) ،وفي سنة 1878 عين قدري باشا واليا على بغداد ولم يمض على تعين الوالي الجديد سوى ثمانية أشهر حتى عين بمنصب وزير الداخلية لدى الدولة العثمانية ، تولى عبد الرحمن باشا ثانية(1879ـــ1880) منصب والي بغداد وفي عهده حدثت مجاعة كبرى في المناطق التي تعرف حاليا كردستان العراق وقد سميت تلك السنة ببغداد بسنة [البرسيمة] وذلك بسبب إن كثيرا من الأكراد قد جاءوا إلى بغداد هربا من المجاعة وهم يصرخون,, برسيمة برسيمة,, اي[ جوعان باللغة الكردية] . وقد عزل الوالي عبد الرحمن باشا في سنة 1880 بعد فشله في حل قضية تمرد[ آل السعدون] في الجنوب وحل محله في الولاية الوالي تقي الدين باشا(1880ـــ1887) . أحيل تقي الدين باشا إلى التقاعد في عام 1887 وحل محله في منصب الولاية الوالي مصطفى عاصم باشا (1887ــــ1889) وقد دامت مدة ولايته زهاء ثلاث سنوات كانت مليئة بالإحداث…((يتبـــــع))