يزعم أهل القرآن أن الله يحفظ القرآن من التحريف ولا يمكن تغيير كلماته. والقرآن نفسه يقول على لسان الله (لا تبديل لكلمات الله) (يونس 64). فهل صدق كاتب القرآن في زعمه هذا؟ تخبرنا كتب التراث أن محمداً عندما كان يأتيه الوحي كان يطلب من أحد القلائل الذين كانوا يعرفون الكتابة أن يكتب له الآيات الجديدة على جريد النخل وعلى العظام وما تيسر لهم. ولا بد أن نضع في اعتبارنا أن اللغة العربية في تلك الأيام كانت في بداية تطورها ولم تكن كتابتها متفقاً عليها، ولم تكن بها نقاط ولا علامات ترقيم، ولا تعرف الألف في وسط الكلمة. وحتى اليوم في مصحف عثمان نجد كلمة مثل “عاليها” تُكتب “عليها” ويُضاف ألف صغير فوق حرف العين. ولذلك كان يسهل على القارئ أن يخلط بين الكلمات فيقرأ الياء غير المنقطة تاءً أو ثاءً أو باء، كما حدث مع القارئ المشهور الذي قرأ (إذ جمعناهم ليوم لا زيت فيه) بدل ( لا ريب فيه) فسُمي “الزيات”.
فدعونا الآن نستعرض بعض الكلمات التي أخطاء كُتاب الوحي في نسخها على الجريد والعظام:
عندما تحدث عن بنات الحور في سورة الرحمن، قال (فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان) (الرحمن 56). ولسان العرب يقول: “يُقال طمثت المرأة إذا حاضت، فهي طامث. والطامث في لغتهم تعني الحائض. وطمث البعير: عقله. وما طمث هذه الناقة حبلٌ: يعني ما مسها عقال”. فواضح أن كلمة “يطمثهن” هنا خالفت المعنى المتعارف عليه للكلمة، ولذلك حاول المفسرون إضافة معنًى جديدٍ للكلمة، فقالوا “طمثها يعني افتضها” ولكن ثعلبة قال “الأصل الحيض، ثم جُعل للنكاح”. واعتقد أنه جُعل للنكاح بعد ظهور هذه الآية. ولابد أن الكلمة الأصلية في الآية كانت (لم يطئهن أنس قبلهم ولا جان)، ولعدم وجود النقاط قرأها القراء لم يطمثهن، فأصبحت كذلك في مصحف عثمان. وعلينا أن نتذكر أن كُتب الفقه الإسلامي كلها تقول عن الجماع الوطء، والرجل يطأ المرأة وما إلى ذلك.
وعندما تحدث عن موسى وبني إسرائيل بعد الخروج من مصر وهم في طريقهم إلى بلاد كنعان التي وعدهم بها ربهم، قال (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظةً وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوةٍ وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ساريكم دار الفاسقين) (الأعراف 145). والمعنى هنا لا يستقيم إطلاقاً إذ أن ربهم كان قد وعد إبراهيم تمليكه أرض كنعان له ولأحفاده إلى يوم القيامة. فبدل كلمة (سأريكم) غير المنقطة، كان يجب أن يكتب كاتب القرآن (سأورثكم)، فتصبح الآية (سأورثكم ديار الفاسقين). وهذا المعنى أكثر ملاءمةً لوعد يهوه لإبراهيم من أنه سوف يعطيه أرض كنعان له ولأحفاده إلى يوم يبعثون. والقرآن نفسه يقول في آية أخرى (ونريد أن نمّن على الذين استضعفوا في الأرض فنجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين) (القصص 5). فإذاً ما دام سيجعلهم الوارثين كان لا بد أن يقول لهم (سأورثكم ديار الفاسقين).
(أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) ( الجاثية 31). كلمة “اجترح” تأتي من الأصل (ج ر ح). والعرب تقول “جرح الشاهد” إذا طعن فيه. ويقولون أُستجرحت الأحاديث إذا فسدت وقلّ صحاحها. واجترح الشيء أو جرحه: كسبه” (لسان العرب). والإنسان في العادة لا يكسب السيئات لأنها عمل مكروه، إنما يرتكبها أو يقترفها، ويكسب الحسنات. فالكلمة غير المنقطة في الآية لا بد أنها كانت (أم حسب الذين اقترفوا السيئات) بدل اجترحوا. ناسخ الآيات قد خلط بين الجيم والقاف وبين الحاء والفاء نسبةً لسوء الخط على العظام وجريد النخل.
(وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون) (الأنعام 100). وكلنا يعرف أن كلمة “خرق” تعني ثقبَ أو مزّقَ الشيء، أي جعل به ثقباً أو خُرماً. والعرب تقول: شيء خارق للعادة، يعني أمور خارج نطاق المتعارف عليه، كالمعجزات مثلاً. وهم يقولون “اتسع الخرق على الراتق” إذا أصبح الشيء صعباً (أبجد العلوم للقنوجي) والخرق كذلك تعني معاداتك إمامك، كما يقول ابن كثير في البداية والنهاية. فكيف يخرقون لله بنين وبنات. لابد أن الكلمة كانت “وخلقوا” واختلط الأمر على الناسخ فكتب “وخرقوا”.
(ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا ( البقرة 246). الفعل “عسى” من أفعال المقاربة والرجاء ويُعتبر من أخوات “كان”. مثلاً في الآية (عسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا)، تصبح شبه الجملة “أن تكرهوا” بمثابة “كرهكم” وتكون كلمة “كرهكم” اسم “كان”. فكلمة “عسيتم” في الآية أعلاه لا مكان لها من الإعراب. فلابد أن الآية كانت (هل حسبتم إن كتب عليكم القتال) أو (هل عصيتم إن كتب عليكم القتال) حتى يستقيم المعنى المراد من الجملة.
( ولو أن قرآنا سُيرت به الجبال أو قُطعت به الأرض أو كُلم به الموتى بل لله الأمر جميعاً أفلم يايئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله ( الرعد 31). أولاً الجملة ركيكة للغاية لأن الحرف “لو” من حروف الشرط ولا بد لها من جملة شرط وجواب للشرط. مثلاً نقول “لو تأنى العامل ما ندم”. ولكن في الآية أعلاه نجد جملة الشرط تقول (لو أن قرآناً سُيرت به الجبال وقُطعت به الأرض أو كُلم به الموتى) ولكنا لا نجد جواب هذا الشرط. ثو أن كلمة “يأيئس” كلمة غريبة على اللغة العربية، لأن الكلمة الصحيحة هي ييأس، من اليأس، كأن نقول لا تيأس من رحمة الله. فلابد أن الكلمة الصحيحة في الآية كانت (أفلم يأنس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا). فكلمة “يأنس” تعني “يعلم، أو يعرف”. فنحن مثلاً نقول “من يأنس في نفسه الكفاءة فليتقدم للوظيفة”. أي من يعرف في نفسه الكفاءة. وبذا تصبح الآية (أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً).
(يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسحِ الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير) (المجادلة 11). فعل الأمر “إنشزوا” مشتقة من “نشز” وهو المكان المرتفع، ونَشَزَ تعني ارتفع. فمثلاً نقول “كان يقف على نشزٍ من الأرض”. ونقول “المرأة تنشز” إذا استعصت على زوجها (القاموس المحيط). فبذا تصبح كلمة “إنشزوا” غريبة جداً في الآية التي تتحدث عن المجالس. فلا بد أن الكلمة الأصلية كانت (إذا قيل انتشروا فانتشروا) أي تفرقوا من المجلس.
وعندما كان يتحدث عن موسى قال له (واصتنعتك لنفسي) (طه 41). ومن الغريب أن يصطنع الله موسى لنفسه. لا بد أن الكلمة الأصلية كانت (واصطفيتك لنفسي). خاصةً وأن القرآن يقول في آية أخرى (إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) (آل عمران 33).
( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) (الزمر 53). عندما نقول لشخص “قل” فإن الجملة التي تلي كلمة قل هي التي يقولها المتحدث. فمثلاً في هذه الآية يجب على محمد أن يقول (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم). وبالطبع محمد لا يستطيع أن يقول يا عبادي لأنه ليس الله. فلا بد أن الآية كانت (قل لعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم).
(وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) (الشورى 25). الحرف “عن” في غير مكانه هنا. فلو قلنا “يستلم الجائزة عن محمد” فإننا نعني أن شخصاً آخراً سوف يستلم الجائزة بالإنابة عن محمد. فكيف يقبل الله التوبة بالإنابة عن عباده. الكلمة الأصلية لا بد كانت (يقبل التوبة من عباده). وهكذا يقول جلال الدين السيوطي في كتابه “الإتقان في علوم القرآن”.
(من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيب فيها ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكن له كفلٌ منها وكان الله على شيء مقيتا) (النساء 85). كلمة “مقيت” من الأصل (م ق ت) وتعني كره. ونقول “مقيت” يعني بغيض وممقوت. ومقى الطست مقياً يعني جلّاه (النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير). والمقيت: المقتدر، الحفيظ/ كما يقول لسان العرب. ولا شك أن ابن منظور أتى بهذا المعنى في لسان العرب لينقذ القرآن من هفوة وقع فيها، لأن القرآن نفسه يقول (إنه كان فاحشةً ومقتاً وساء سبيلا) (النساء 22). فالمقت هو كره الشيء. فكيف يكون الله مقيتا؟ فلابد أن الكلمة الأصلية كانت (وكان الله على كل شيء مثيبا) أي يثيب على كل الأفعال، واختلط الأمر على الناسخ فكتب مقيتا.
(إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) (الأنبياء 98). أعتقد أنه من الواضح للجميع أن كلمة “حصب” خطأ نسخي، والكلمة الأصلية هي “حطب”
(أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارةً أخرى فيرسل عليكم قاصفاً من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً) (الإسراء 69). كلمة “قاصف” تعني الزحام. يقول القاموس المحيط “قاصفون يعني مزدحمون؟ بعضهم يقصف بعضاً لفرط الزحام؟ ورعدٌ قاصف: له صوت عالي. أما لسان العرب فيقول: قصف الشيء قصفاً يعني كسره. ويقول السيوطي في كتاب المزهر: القصف يعني اللهو واللعب.
كل هذه المعاني لا تنسجم مع مضمون الآية التي تقول إنه يرسل عليهم ريحاً فيغرقهم. والغرق يكون بالأمواج الهائلة التي تثيرها الرياح فتقلب المركب ويغرق راكبوه. وفي اعتقادي أن الكلمة الأصلية كانت (فيرسل عليكم عاصفاً من الريح). والقرآن يقول في آية أخرى (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتهم ريح عاصف وجاءهم الموج) (يونس 22). ولهذا غرق يونس وابتلعه الحوت
(إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) (النساء 117). إذا ازلنا النقاط من كلمة “إناثا” يمكننا أن نتخيل أن الناسخ احتار في الكلمة وفكر ثم قدر وقال لابد أنه يقصد اللات والعزى، فكتب إناثاً. ولكن عرب الجزيرة وقتها كانوا بجانب اللات والعزى يعبدون هُبل وبعل وآلهة عديدة مذكرة الأسماء. ولابد أن الكلمة المقصودة في الآية هي “أوثانا” فتصبح الآية (إن يدعون من دون الله إلا أوثانا).
(عاليهم ثياب من سندس خضر واستبرق وحُلّوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهورا) (الإنسان 21). لا يحتاج القاريء إلى جهد كبير ليعرف أن الألف زائدة في كلمة “عاليهم” والمقصود هو “عليهم”. وقد قرأتها عائشة “عليهم”
(ولما سُقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ) (الأعراف 149). كلمة “أُسقط” من الجذع (س ق ط). نقول سقط الولد ونعني أنه يسقط من بطن أمه قبل تمامه. ونقول سقط المتاع: أي سفاسف الأمور. وأُسقط اسم الرجل من الإسناد، وأُسقط في يده (ابجد العلوم للقنوجي). فشبه الجملة (ولما سُقط في أيديهم) لا تتماهى مع اللغة العربية التي كانت شائعة وقت ظهور القرآن. فلا بد أن الكلمة الأصلية كانت (ولما أُسقط في أيديهم) أي عندما يئسوا.
يتضح من الأمثلة أعلاه أن القرآن غير محصّن من التحريف الذي يرمي به المسلمون كُتب الأديان الأخرى. فالكل صناعة بشرية بها أخطاء واضحة للعيان.
تحية طيبة .. أستاذي العزيز كامل النجار لطالما بحثت عن مؤلفاتك واخيرا حصلت عليها واستدليت على صفحتك الموقرة في الفيس بوك اتمنى ان تطرح مقالات جديدة يا سيدي فانا من اشد المعجبين بكم وبتحليلكم العلمي الدقيق المنطقي الذي به نستنير من وحي العقول المتنورة .. مع حبي واحترامي