مقدمة
كلّ شيء في هذا الكون يُولد وهو يحمل معهُ بذرة فنائهِ .
إنّها البذرة النقيض للنمو والتطوّر والتوّسع والتقدّم والإزدهار .
بمعنى أدّق هي بذرة الموت , تلك الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل الجدل والنقاش . ( إذا تخطينا طبعاً فكرة المهدي المُنتَظر أو المسيح الحيّ ) !
حتى الكون نفسه يخضع لهذهِ القاعدة (الرهيبة) حسب النظريات الفيزياوية الحديثة .
فهو حالياً ما زال في طور التمدّد والنمو والإتساع .
لكنّهُ في وقتٍ لاحق ,سيهرم ويصيبهُ ثمّةَ فايروس الفناء .
فيبدأ بالإضمحلال والإختفاء التدريجي عن طريق الثقوب السوداء ,التي يتحدّث عنها العلماء على أنّها كواكب لها من ضخامة الكتلة والكثافة العالية ( لكن بحجم صغير مضغوط يُسمى الحجم الحرج ) ما يجعلها تجتذب كلّ جسم أو كوكب يمّر في مدارها الخارجي , فتبتلعهُ إبتلاعاً .. وتتجشأ !
وتفسير ذلك يمّر بنظرية آينشتاين النسبية والزمكان والفوتونات عديمة الكتلة … الخ , ما علينا .
********
كُلّ مَن عليها فانٍ !
الأحياء هي الأخرى , والأفكار والأديان والأحزاب .. تحمل مع ولادتها بذرة فنائها . هذا ينطبق على الفكر الشيوعي مثلما ينطبق على النظام الرأسمالي .
ومراجعة سريعة للتأريخ القريب تؤكد هذا الكلام .
عندما تحدّث كارل ماركس عن الصراع الطبقي داخل المجتمعات وحلمَ بمجتمع شيوعي يسوده العدل والمساواة . نسيّ حينها تأثير طبائع البشر ( الخير والشرّ ) والموارد الإقتصادية المحدودة في هذا الكوكب ,فكانت تلك بذرة فنائهِ خلال قرن واحد تقريباً !
حتى الديمقراطية ذاتها وهي أجمل وأعقل فكرة إنسانية تقريباً , تحمل بذرة فنائها عندما تسمح لأصحاب دعاوي وفتاوي القتل والتدمير من البقاء أحرار طُلقاء يملؤون عقول العامة المُعمّاة بعفنهم وعطونتهم وبضاعتهم الفاسدة .
وقد وصلَ تأثير هؤلاء الى مهد الديمقراطية في دول أوربا الغربية , بحيث يبدو الوقت … وقت نكوص وتراجع عموماً .
كذلك نجد أنّ الحرية والديمقراطية ( المُبالغ فيها ) المُصاحِبة للعمل السياسي والإقتصادي في النظام الرأسمالي تقود لاحقاً الى توليد بذرة الفناء المقصودة .
والدليل الواضح على هذا القول هو ما نراهُ حالياً في الحالة الإقتصادية الأمريكية , وهي مُمثلة الرأسمالية في عالم اليوم .
الصراع ( الديمقراطي ) بين الحزبين الرئيسين يقود الى إعلان الإفلاس الجزئي للحكومة الامريكية . وحزب الشاي ( المتفرّع عن الحزب الجمهوري ) يتشدّد كالعادة مع أوباما الديمقراطي , فلا يُمرّر موافقتهِ على رفع سقف الدَين الحكومي , ما لم يتنازل الرئيس عن مشروعهِ بالتأمين الصحي لذوي الدخل المحدود .
والنتيجة طبعاً غلق بعض مواقع الإنترنت الحكومية والمتنزهات والأماكن السياحية وغيرها أبوابها ,للتخلّص من دفع رواتب موظفيها .
فماذا لو إستمر هذا التنافس والصراع الديمقراطي الى بضعة دورات إنتخابية ؟
أكبر المُعجبين ( من أمثال كاتب هذه الورقة ) بالحالة أو (الحُلم الأمريكي) , سيتوّقع الخراب والإفلاس .. أليس كذلك ؟
إنظر الرابط الأوّل .
*************
الأديان وبذرة الفناء !
كثير من رجال الدين المسيحي , كأنّهم فطنوا لتلك الفكرة , ربّما لأنّهم يتواصلون مع مجتمعاتهم ديمقراطياً (حتى لو كانوا مُكرهين , لا مُختارين) .تراهم اليوم يوافقون على أشياء كانت من سابع المستحيلات والمُحرّمات أو التابوهات الكنسية / الإجهاض ,المثلية الجنسية ,زراعة الأعضاء والإستنساخ … وحتى نظرية ال
Big Bang
أو الإنفجار العظيم .
الدين الإسلامي مثل باقي الأشياء تنطبق عليه تلك الفكرة .
فكم ستطول الفترة وما هي النتائج إذا لم يرضَ الناس في بلادنا بسماع أفكار الآخرين ؟
******
موت يتبعهُ حياة !
مادامت هناك حياة فهناك موت أيضاً , والعكس صحيح .
معناها الموت ليس نهاية المطاف , بل هناك ولادة جديدة على الدوام .
و كونَنا هذا عندما يصبح (( كهلاً )) ثُمّ يفنى تكون قد نشأت أكوان اُخرى , ربّما هي الآن في مرحلة التكوين .
والفيزيائي
Roger Penrose
وهو بروفيسور في جامعة إكسفورد ويعتبر أحد اشهر المُنظريين الفيزيائيين اليوم تحدّث عن نظرية
conformal cyclic model
وحسبها سيمتد التاريخ الكسمولوجي ( أو تعاليم تغيّر الكون ) الى ماوراء نقطة الانفجار العظيم .
وأنّ كوناً ثابتاً عديم التغيير لا وجود لهُ . إنّما هو كون يكون إمّا في حالة إنكماش أو حالة تمدّد !
صحيح أنّ نظرية الدورة الكونية (حيث إنفجار عظيم يعقب إنفجاراً عظيماً آخر) , تشترط أنّ جميع الاجسام التي تمتلك كتلة تختفي كتلتها.
لكن هذا الامر ممكن تفسيره عن طريق تخيّل إمتصاصها من قبل ثقب أسود أولاً … ثم إختفاء الثقب الأسود نفسه ببطء بسبب إنبعاث أشعة هوكنغ عنها . ( العالم ستيفن هوكنغ مكتشف تلك الأشعة / وهي أشعة حرارية تصدر عن الثقوب السوداء نتيجة لظواهر كمومية / ويكيبيديا )
بذلك تختفي كل الكتل وتتحول الى فوتونات لاتملك أيّة كتلة ,إنظر الرابط الثاني !
*****
الخلاصة :
فكرة الفرنسي (( جون لامارك )) صاحب كتاب فلسفة الحيوان , تقول : إنّ أعضاء الإنسان في حالة تطوّر دائم , وما لا يُستعمل يضمر وينتهي !
كالعضلة التي لا تُستعمل نهائياً , أوالدماغ عند غالبية الأشياخ والمشايخ .
إنّما الذي يُستخدم دوماً ونحتاجهُ في حياتنا يتطوّر على الدوام ,العلم مثلاً !
الآن / بماذا تفيدنا الأديان ؟ وكيف نستعملها لمصلحة الإنسان ؟
عملياً في الغرب أصبحوا بلا حاجة الى الأديان .
لأنّهم عملوا وبنوا حضارتهم وعلمهم ليصلوا الى ما هم فيه من رفاهية تُغنيهم عن تمنّي الموت , أملاً في جنّة الخُلد والحور العين .
بينما شعوبنا مازالت مستهلكة لمنتجات الغرب بمختلف أنواعها ويريدون في نفس الوقت الإحتفاظ بالأديان دون المساس بها .
فكيف يصّح ذلك ؟
أغلب الظنّ عندي لو شاء القوم الإحتفاظ بالأديان فعليهم قبول إدخال التطوّر عليها … كي لا تموت كالعضلة المُهمَلة !
وفيما يخّص ( الدين أو الفكر الإسلامي ) , فهناك قول شهير وخطير جداً ينسبهُ البعض الى النبيّ نفسه , مفادهُ : (( أنّ كل جديد بدعة )) .
والنصّ المفصّل يقول :
(( إيّاكم ومُحدثات الأمور . فإنّ كُلّ مُحدثة بِدعة . وكُلّ بِدعة ضَلالة
وكُلّ ضلالة في النار )) .. طيّب كيف سنقبل بكل مخترعات الحياة ؟
والغريب في الأمر أنّ مشايخ الإسلام يُفسرون ( المُحدثة ) و ( البدعة ) بكلّ جديد لم يكن موجود زمن الرسول نفسه .لكنّهم يتلاعبون بالأمر حسب مصالحهم الخاصة .
حيث لا يعتبرون ( الكهرباء مثلاً ) وهو سرّ حياة الناس في العصر الراهن بما فيها عباداتهم .. بدعة أو مُحدثة !
فيستغلونهُ مع التلفاز والكومبيوتر والسيارة وباقي الأشياء . وجميعها مُخترعات ( أو مُحدّثات ) أجنبية كافرة , أبشع إستغلال في الحج والصوم والصلاة ,وأكيد في النوم والراحة والإستمتاع بملذات الحياة .
بينما يعتبرون قول طائفة منهم (حيّ على خير العمل) , أو الإحتفال بعيد الحُبّ أو ما شابه .. بِدَعْ تستوجب القتل أو النار !
وأغرب من ذلك قولهم : (نحنُ قوم نُحّب الموت أكثر ممّا يُحبّ أعدائنا الحياة ).فهل سمعتم أكثر من هذا العَبَط ؟
ألم أقل لكم كلّ شيء يولد وهو يحمل داخله بذرة فنائهِ ؟
على كُلٍ , إن كان ولابُدَ من الموت في النهاية , فلنمثت في الوقت المناسب ( نيتشه ) .
بعد أن نسعد في هذه الحياة , ونُعمّر هذهِ الأرض ما إستطعنا إلى ذلك سبيلا !
********
الروابط
الأول / فشل محادثات الموازنة بين أوباما والكونغرس
http://www.bbc.co.uk/arabic/business/2013/10/131003_us_shutdown_obama.shtml
الرابط الثاني / الفيزياء والكون : حمدي الراشدي 2011
http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/kosmos/kosmos-0088.htm
تحياتي لكم
رعد الحافظ
5 إكتوبر 2013