بحثاً عن الفردوس الأرضي في تل أبيب :ـ

المهاجرون إلى اسرائيل ظلوا لفترة طويلة محل جدل أخلاقي عاصف منذ إندلاع النزاعات الأهلية في مختلف أرجاء البلاد ، imgisraelفعمد النظام إلى إدنتهم مباشرةً بوصفهم خونة و عملاء ، بل وغض الطرف عن عمليات القتل المنظم التي تستهدفهم دون إنذار من قبل قوات حرس الحدود المصرية ، بينما حذا البعض من المعارضين حذواً شبيهاً بحذو النظام ، فسلّم بلا أخلاقية الهجرة إلى إسرائيل بيد أنه طفق يُبرر للمهاجرين إليها هجرتهم لكن مع التسليم بكونها جريمة أخلاقية ، فالهجرة حسب ظنهم ـ على لا أخلاقيتها ـ إلا أنها جاءت بسبب المعاناة الإقتصادية وإنعدام الإستقرار والأمن في البلاد ، فبالتالي خيانة هؤلاء المهاجرون مبررة حسب رأي هؤلاء . لكننا في المحصلة النهائية نجد إعتراف مضمر أو معلن لدى الجميع بلا أخلاقية الهجرة إلى إسرائيل بما فيهم المبررين لتلك الهجرة ، بل نجد هذا الفريق يستخدم هجرة البعض إلى إسرائيل كشاهد إدانة للنظام دون أن يتطرق ـ هذا الفريق ـ إلى الهجرات التي تُيمم وجهها شطر الخليج العربي وأوروبا ، مما يوحي بأن الإعتراض من جانبه مصبوب على دفع النظام لأفراد شعبه للهجرة إلى إسرائيل وليس دفعهم للهجرة عموماً من أرض الوطن.

وبالتالي فهم ـ النظام وبعض المعارضين له والذين يبتزونه بهجرة البعض إلى إسرائيل كونها دليل على فشله ـ جميعا مشتركون في تجريم الهجرة إلى إسرائيل و إدانتها أخلاقياً ، لكنهما ـ النظام وتلك المعارضة ـ يختلفان في كون هل لتلك الجريمة مبرر أم لا ، فالحكومة ترى أن لا مبرر لتلك الهجرة حتى ولو كانت طائراتها تقصف المدنيين بالصواريخ والقنابل ، ومليشياتها تحرق القرى وترتكب أبشع المجازر بأهالي المناطق التي تعاني من النزاعات . بينما المعارضة ترى أن الهجرة إلى إسرائيل جريمة أخلاقية نعم ، لكن لها مبررها وهو البحث عن الأمن والإستقرار والحياة الكريمة . بدورها
ذات الجدل الأخلاقي العاصف يدور ما إن يُجاهِر مثقف أو مسؤول سياسي أو فنان أو أديب بنيته زيارة إسرائيل أو يُعرب عن تطلّعه لذلك ، أو حتى يتجاسر على التلميح بأنه لا إشكال لديه في التطبيع مع إسرائيل ، إذ سرعان ما تنتاشه الأسهم الصدئة وتنهال عليه من كل حدبٍ وصوب ، و تُثار العواصف الهائجة بوجهه ، وتتكالب عليه تهم ( التخوين والعمالة وبيع القضية …) كما تتكالب الأكلة على قصعتها ، وذلك بدعوى العداء التاريخي و الديني و الإنساني ضد الصهيونية بوصفها حركة عنصرية تدير دولة عنصرية ، وعادةً ما تُرفض التبريرات التي تُساق من قِبل الفنان أو المثقف أو السياسي الذي يُعرِب عن رغبته بزيارة إسرئيل أو تطبيع دولته معها ، حتى لو كانت التبريرات تتمثل بدوافع إقتصادية أو ثقافية أو حتى دبلوماسية .

ويكفي أن تنشر شائعة تفيد بأن سلعة تجارية ما ، أو منتوج معرفي أو نظرية علمية ما ، صاحبها يهودي أو ذو أصول يهودية حتى تجد تلك السلعة قد حوربت على منابر المساجد وإختفت من على أرفف السوبرماركت ، وأن النظرية ـ حتى ولو صحت تجريبياً ـ قد منع تدريسها في المدارس و الجامعات مصحوبةً بزفة هائلة من التحذيرات والتنبيهات والتكفيرات التي تحذر الجميع من خطرها على المجتمع كونها مصممة بالأساس للنيل من وحدة أفراده وقيمهم ودينهم ، ولابأس بالإشارة هنا إلى أهم النظريات في القرن الماضي وقبل الماضي والتي كان لمن هم من ذوي أصول يهودية القدح المعلى في صياغتها( الفرويدية أو مدرسة التحليل النفسي، الماركسية وغيرهما ) فكل تلك نظريات يهودية تستهدف العروبة والإسلام وقيمهما من قبل أحفاد القردة والخنازير الذين لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم .
.
على الصعيد الشخصي لا أرى من مبرر أو سبب منطقي وعقلاني لرفض التعامل مع إسرائيل أو عدم الهجرة إليها أو التبادل التجاري والثقافي معها ، فالتعامل بين الدول لا يتم بصورة إنتقائية ، أي لايكون بإختيار الدول ذات السلوك ( المهذب ) والمحترم والتي تُراعي في سلوكها هذا حقوق الإنسان والمواثيق الدولية ، حيث نتعامل مع تلك الدول ونقطع علاقاتنا مع الدول التي لا تسلك مثل ذلك السلوك ، بل يتم التعامل مع الدول وبناء العلاقات على أساس المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة ، صحيح أنه غالبا ما يتم مقاطعة إقتصادية (( لبعض )) الدول التي لا تراعي حقوق الإنسان من قبل الدول الكبرى ( أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي )ولكن تأتي تلك العقوبات في الغالب كنوع من الضغط الذي تمارسه تلك الدول بغرض الحصول على تنازلات ومكاسب من بعض الدول المغضوب عليها أو تدجينها وقص أجنحتها وإعادتها إلى الحظيرة .

بالطبع لا أغفل أهمية الدور الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني والضغوطات التي تمارسها على حكومات دولها لمقاطعة الدول التي لا تراعي حقوق الإنسان ، لكن هذا التأثير يتوقف مداه متى ما تعارضت مصالح دولهم مع تلك المقاطعة الإقتصادية ولا أدل على ذلك من الإنتقائية التي تفرض بها تلك العقوبات ، فأنظمة الصين والسعودية ومصر ودول الخليج مثلاً رغم إنتهاكهم لحقوق الإنسان إلا أنه لا عقوبات عليهم من قِبل الدول الكبرى ، بينما إيران وكوريا الشمالية تُفرض عليهما عقوبات مغلظة ، الأمر الذي يعني أن العلاقات مع الدول تُبنى على أساس المصالح كما أسلفنا ، لا على أساس الإلتزام بحقوق الإنسان كما هو معلن من قبل البعض
.
بالطبع سلوك الدول الأوروبية وأمريكا ليسا معياراً للحكم على أخلاقية أو معقولية أو مشروعية مثل ذلك التعامل بين الدول و الذي يتم على أساس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة ، لكننا أوردنا ذلك كرد على من يحتج بأن لحقوق الإنسان دور فعلي أو أساسي في رسم السياسات الخارجية لدول العالم ، ولكن المحاججة الكبرى التي نسوقها للرد على هؤلاء الذين قرروا أن يكون التعامل مع الدول على أساس مدى إحترامها لحقوق الإنسان هو أنهم لم يعيبوا على حماس ـ التي تتبنى وبراديكالية دعائية خط مقاطعة ومحاربة إسرائيل ـ تعاملها مع دول مستبدة ولا تُراعي حقوق الإنسان مثل إيران وسوريا و( جنوب لبنان ) و السودان الذي يرتكب نظامه جرائم تطهير عرقي بدارفور أبشع بما لايُقارن مع ما فعلته وتفعله إسرائيل بغزة ، ومعظم المعترضون على التطبيع مع إسرائيل لا يمانعون في إمضاء عقود العمل بالسعودية التي تُضرب بها النساء ويُمنعن من السفر من دون محرم ومن قيادة السيارات . بالتالي فلا يحق لهم من باب الإتساق مع الذات أن يُعيبوا على غيرهم تعامله مع دولة مثل إسرائيل بدورها تنتهك حقوق الإنسان .

فعلى الذين يريدون أن يبنو علاقاتهم مع دول العالم على أساس الإلتزام بحقوق الإنسان والأخلاق الحميدة ـ وهو موقف مشروع وأتمنى أن يوفقوا فيه ـ ويرفضون بتلك المسوغات التطبيع مع إسرائيل أن ينسجموا مع دعوتهم تلك ويدعون دولهم كذلك لمقاطعة الصين وروسيا وكوريا الشمالية وغالب دول العالم الثالث وأفريقيا والشرق الأوسط ، بل وكل دول الإتحاد الأوروبي بسبب موقفها من القضية الفلسطينية الداعم للجانب الإسرائيلي ، بإختصار عليهم ـ كي لا يتناقضوا مع ذواتهم ـ أن يُقاطعوا ثُلثي دول العالم تقريبا و يجعلوا من دولتهم التي يدعون إليها شيئاً أشبه بكهوف تورا بورا أو جحور يأجوج ومأجوج ، فمن غير الأخلاقي أيضاً أن يتم التعاطي مع مسوغات ومبررات رفض التطبيع مع إسرائيل بشكل إنتقائي ، وأعني المسوغات الأخلاقية ، رغم تشابه المعطيات ، ففي معظم دول العالم اليوم نجد إنتهاكات صارخة لحقوق الإنسان كما أسلفنا القول .
.
خلاصة القول هو أننا غير ملزمون بتبرير الهجرة أخلاقياً إلى إسرائيل بدعوى ضيف الرزق في السودان أو إنعدام الأمن والإستقرار ، وإنما نحن ملزمون بالبحث عن أسباب الهجرة إلى خارج الوطن بشكل عام سواء كانت الهجرة إلى إسرائيل المدنسة أو إلى مكة المكرمة ، فضلاً عن أن الهجرة حق إنساني أصيل سواء كانت هجرة إلى دين أو دنيا أو امرأة يصيبها ، فحتى مع توفر الإستقرار والأمن وفرص العمل داخل البلاد فإنه يحق للجميع الهجرة إلى أي مكان بالعالم ، ناهيك عن الحق في البحث عن الأمن والإستقرار ولو على حساب العداءات التاريخية والعرقية الغبية ذات الطابع الهتافي الساذج مثل تلك العداوة التي تربطنا مع إسرائيل ، وتوارثنا أحقادها كما توارثنا الحقد على كل مغاير ومختلف عنا . .

و تذكروا دائما قبل أن تُصدعوا رؤوسنا بأهمية المقاطعة الثقافية والسياسية والإقتصادية لإسرائيل أنكم ومعظم أبناء شعوبكم أكثر الناس تنافساً للحصول على اللوتري ( الهجرة إلى أمريكا ) ، أمريكا أكبر داعم لإسرائيل بالعالم ، والتي أحاطت بنشأتها ذات الظروف المحيطة بتكون ونشأت إسرائيل ، فهي أبادت بدورها الهنود الحمر كما تحاول أن تفعل إسرائيل اليوم بالفلسطينيين، وهي فى قلب معقل الإمبريالية الذهبى , وكما وصفتها رجاء بن سلامة و ناطحات سحابها لا تزال تحمل أثار دماء مجازر إبادة الهنود الحمُر , و فى كل طُوبة من بناياتهم أثار إنقلاب عسكرى دموى فى دول العالم الثالث , وفى كل شبر على أسفلتهم الأسود الناعم أثار برميل نفط منهوب من دول الخليج ، ورغم ذلك هي مرجعية علمية لبحوثنا ومصدر متعة سينمائية وروائية ودرامية بالنسبة لنا ناهيك عن كونها قبلة لكل شاب طموح وفرصة ذهبية لتحقيق جميع أحلامه ، فلماذا تتشطرون على إسرائيل وتركعون على عتبات أمريكا ( عينكم للفيل وتطعنو في ضلوا ! ) لذلك أيها السادة عدائكم ومقاطعتكم لإسرائيل هو فقط عداء سيكولجي ذو طابع عصابي وليست مقاطعة منطقية أو عقلانية وإلا رأيناكم ترفضون الهجرة إلى أمريكا التي تتجاوز في السوء إسرائيل تاريخيا ..
قدموا بدائلكم المتمثلة في مقاطعة دول العالم التي تنتهك حقوق الإنسان ولكن تصالحوا معها ، وبالنسبة للهجرة إلى إسرائيل أو إلى أي مكان بالعلم فأنا أويدها تماماً وأرى أن علينا ـ طالما عجزت أنظمتنا عن توفير حياة كريمة لهؤلاء المهاجرين ـ العمل على إنهاء التمييز الواقع على المهاجرين في مختلف دول العالم ، في إسرائيل والخليج وغيرهما .

ختاماً فأنا لا أدافع عن إسرائيل أو شرعيتها أو ممارساتها ، أنا أدعوا لعدم التناقض مع الذات وعدم الهوس والفجور بالخصومة لدرجة التناقض مع الذات وأدعوا لإحترام الإنسان وخياراته وحقوقه مهما تعارضت مع ثوابتنا وعداءاتنا وقيمنا ،لا سيما حقه في البحث عن حياة كريمة على أي أرض تتقبله وتوفر له تعليم ومأكل وملبس ومشرب ومسكن وتحافظ على حقوقه وحقوق أبنائه وأسرته كاملة .

وتذكروا أن التاريخ مليئ بمآسي الشعوب الحاضرة وجرائم أجددها ومؤسسي دولها ، ومايسمى بالوطن العربي ذاته تشكل عبر سلسلة من الفتوحات او الغزوات التي قام بها العرب بإسم الإسلام وهي ذات الحجج التي يبرر بها اليهود اليوم تعديهم على أرض الفلسطيين ، أي بإسم الدين والرب ووعوده .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !

محمد ميرغني – مفكر حر

About محمد ميرغني

محمد ميرغني ، كاتب ليبرالي من السودان ،يعمل كمهندس معماري
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.