بالروح بالدم نفديك ياأمطار

في روسيا مدينة بعيدة عن جدا عن عاصمتها موسكو تتميز بدرجة حرارة (ناقص 63) على مدار السنة، والناس الذين يعيشون فيها لم يتأففوا ولا مرة في حياتهم فالمجاري غير مسدودة و”الشفلات” تعمل على “كشط” الثلوج وايادي عمال البلدية لاتفارقها “المساحي”.

طبعا لا أحد يتمنى ان تكون بغداد مثلها، لأنها مدينة عذراء تغرق بالمطر الذي يهطل عليها في ايام محددة بالسنة.. بغداد لن تستحم منذ زمن بعيد لأن قانون البنى التحتية او الفوقية مايزال يشخر في احد ادراج المقتدر اسامة النجيفي وبالتالي فبغداد ابتليت باطفال يتعلمون الان كيف يكتبون موضوعا في مادة الانشاء والتعبير.

ترى من المعني او الجهة السؤولة التي يخاطبها يجلس في اعلى هرم منطقة الخدمات العامة حين يطالب بضرورة الاهتمام بمشاكل المواطنين؟ اذا كان لايخاطب احدا او يخاطب شبحا فالاجدر ان يسكت او يعمل بصمت.

رحل صابر العيساوي امين بغداد بعد ان فضحته جيوبه التي تساقطت منها الدولارات وهو يتنزه امام تمثال معروف الرصافي وسمع رنينها وجاء منشدا للانشاء والتعبيربدلا له يدعى عبد الحسين المرشدي.

هذا المرشدي ايها السادة يطالب الاشباح بضرورة الاهتمام بمشاكل المواطنين وهو يعتلي ،كما قلت، اعلى كرسي في الخدمات، فقد اوعز ليلة امس الى مدير العلاقات العامة ان ينشر تصريحه التالي ولا ينسى ان يبعث بنسخة منه الى اكاديمية الانشاء والتعبير التي افتتحت مؤخرا في مبنى البرطمان بعد ان كان لها الفرع الوحيد في مبنى مجلس الوزراء.

دبّج هذا المدير المعروف بخبرته في “التسفيط” مايلي:

“ان امين بغداد اكد ضرورة ايلاء شكاوى المواطنين الاهمية والعمل على تسريع اجراءات حلها من دون تأخير من خلال اعتماد آليات سلسة وواضحة “.

واعجب الامين بهذه العبارة حتى انه صرف له مكافأة مجزية على كلمات .. ايلاء..آليات سلسة وواضحة..تسريع اجراءات حلها.

خويه ابو علي ،يرحم والديك منو تخاطب بهذه العبارات؟ هل تخاطب نفسك باعتبارك المسؤول الاول عن شكاوى اهالي بغداد ام تخاطب الطنطل؟.

هل يصح خوية ابو علي بعد مرور اكثر من 10 سنوات والمجاري طافحة بسبب وجود كتل اسمنتية داخل انابيب التصريف؟ بعد ماعايزة الا تكولون هذه الكتل الاسمنتية هي من بقايا العهد الديكتاتوري السابق ولابد من شمولها بقانون الاجتثاث.

ويكمل مدير علاقاتك العامة كلماته الانشائية ليقول:

ان ” المرشدي شدد ايضا على قيام الدوائر البلدية بالاهتمام بشكاوى المواطنين التي ترد اليهم مباشرة او من خلال وسائل الاعلام المتعلقة بخدمات النظافة والطرق والماء والمجاري وتوجيه الاقسام المعنية بالتحرك السريع لحلها وانجازها وفق سقف زمني محدد “.

هم زين بعد كل هاي السنين تشددّون على قيام دوائر الخدمات بواجبها المقدس. ولكننا نعتقد ان وزير البلديات سوف يحتج لتدخلكم السافر،اقصد ما لابس حجاب، في اختصاصات دوائره وسيعلن على الملأ ان ذلك يعتبر تجاوزا دستوريا وسيقاضي الجهة المسؤولة والى ذلك الحين سيصيح “على عنادك ماراح نقوم بأي خدمة حتى يوم القيامة.”

ويرد عليك المرشدي من خلال مدير علاقاته الانشائي بان:

” امين بغداد خصص يوم الخميس من كل اسبوع موعدا لاستقبال المواطنين بشكل مباشر للاستماع الى آرائهم ومشكلاتهم ومقترحاتهم الى جانب مقابلات السادة الوكلاء والمديرين العامين للدوائر البلدية “.

شفت ياوزير البلديات كيف “طرق” عليك المرشدي.. شفت شلون راح يفتح ديوانية في الامانة ويستمع الى شكاوى الناس وقانون البنى التحتية كما قلنا مازال يشخر هناك.

ارجوك لا تغار منه ياوزير البلديات وتفتح ديوانية في مقر الوزارة وتستمع الى مقترحات اهل الجبايش والقرنة وهور الحمار فنحن بصراحة نخاف عليك من امراض ضغط الدم العالي والسكر وارتفاع درجة الحرارة القاتل وهبوط في دقات القلب.

فاصل مفرح: اروع خبر قرأه اولاد الملحة امس الاول هو ان الامطار ارجعت العافية الى الاهوار بعد ان نشفوها اولاد الحرام.

بالروح بالدم نفديك ياأمطار. تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.