بؤس الديقراطية…؟!
أكرم هواس
بعد ايام قليلة سيعقد التيار الديمقراطي العراقي مؤتمره في كوبنهاغن…العاصمة الدانماركية…هذا التيار هو تشكيل حديث يحمل الكثير من الامال و التفاؤل و الطموح في زمن يختلط فيه كل شيء مع متناقضاته التاريخية بحيث النكسة و الانتصار تؤمان … و كذا تصبح الولادة و الاندثار …وسط هذه التقاذفات و الامواج تبرز هناك مجموعة من المثقفين تبذل جهودا حثيثة لانتاج بديل اسمه التيار الديمقراطي…. الا ان هذ التيار… شأنه شأن الاشياء الاخرى… ظل لحد الان… شيئا هلاميا صافيا…مثل الماء تماما….الذي رغم اهميته العظمى.. هو دون طعم أو رائحة أو لون أو شكل أو هوية… و ان كان وزنه النوعي… مثل كل الحركات في زمن العولمة و هيمنة الغرب … هو الديمقراطية… هكذا دون تعريف و دون اهداف و دون رؤية واضحة لما يمكن ان يعني التطور الديمقراطي في مجتمعات… و منها المجتمع العراقي… تحمل من تراكمات تاريخية من الاجحاف و الظلم … للافراد و الجماعات الاجتماعية و السياسية و الثقافية و كذا المبادرات الاقتصادية… خارج ارادة النخب السلطوية.
هدف هذه المقالة ليس وضع جدول اعمال لهذا الاجتماع و انما المساهمة المتواضعة في مستوى المناقشات التي اعتقد انها لابد ان تأخذ بنظر الاعتبار البعد المفاهيمي و المعرفي بجانب الابعاد الاخرى و منها السياسية و الاقتصادية…. و في هذا الصدد فان واحدا من اهم المفاهيم التي ينبغي مناقشتها هو مفهوم الديمقراطية نفسه و علاقة ذلك بالواقع العراقي….
هل يمكن نقد الديمقراطية بشكل ديمقراطي… او بشكل ادق …هل يمكن ان يكون المرأ ديمقراطيا الى ذلك الحد الذي ينتقد فيه نفسه و ما يؤمن به و وصفه بأنه شيء بائس؟…هل هذا نوع من النقد الذاتي الذي يشكل واحدا من المرتكزات العلمية كما انه احد اهم شعارات الفكر الماركسي… ام انه نوع من الجلد الذاتي الذي يعد اعترافا بالعجز؟… ربما هذا وذاك… بل ربما شيء اخر و هو اعتراف بان الواقع اكبر من قدرة الفكر على التواصل و الفهم…!!!
لكن سواء اكان الامر يتعلق بالامر بالنقد الذاتي او جلد الذات و الاعتراف بان الواقع اكبر من قدرة الفكر فان ما يترتب على ذلك اهم بكثير… بكلام اخر… فان الاعتراف بأن الديمقراطية بائسة اهم من نقدها بشكل ديمقراطي…لان ذلك يعني بشكل مباشر البحث عن بديل… ثم ماذا يمكن ان يسمى ذلك البديل… بل ما هي الاليات و المفاهيم التي يمكن ان تعتمد في ذلك؟ هل الديمقراطية ذاتها؟ ربما…و لكن الا يعني ذلك الدوران في دائرة البؤس؟
ربما يعتبر البعض هذا الاسئلة سخيفة و مضحكة لسبب بسيط و هو ان الديمقراطية تتضمن اليات التقييم و التقويم او التغيير الذاتي… ولكن هل يمكن تحمل كل النتائج التي تأتي بها الديمقراطية بروح ديمراطية؟ …هناك اساب تاريخية مرة… لا اريد ان اكرر ما يعرفه الجميع من ان هتلر و موسيليني جاءا الى الحكم بطريق ديمقراطي… كما ان الاتحاد السوفيتي و يوغوسلافيا قد تم تفكيكهما على اسس ديمقراطية…و كذا جرى تقسيم جيكوسلوفاكيا … و اخيرا السودان على ذات الاسس.
الان… السؤال هل يقبل العراقيون تقسيم بلدهم الى دول او دويلات… سميها ما شئت..؟ لماذا يعترض الكثيرون على مركزية رؤية نوري المالكي و يصفونها بالتوجه الدكتاتوري؟ الا يشكل هذا و ذاك خيارا ديمقراطيا؟ نوري المالكي لم يستولي على الحكم على طريق الدبابات بل جاء باختيار شعبي و اليات ديمقراطية… ربما يعترض البعض ان قائمته لم تفوز… هذا صحيح… لكن يبقي ذلك ضمن التفاصيل و ليس الاساس و هو استخدام اليات الديمقراطية التي توفر مساحة كبيرة لاستراتيجيات الخداع و الكذب و التلاعب و غيرها من اساليب السياسة غير الاخلاقية…
هذا ينطبق ايضا على ما يجري على قدم و ساق من افراز طائفي و قومي و اثني مما يؤسس لتقسيم العراق بشكل (ديمقراطي سلمي) حيث يتوصل الجميع في مرحلة قد لا تكون بعيدة…الى منتهى… بان الحل الوحيد الممكن ديمقراطيا هو (التجاوب مع مطالب الجماهير) التي تم حشدها و اقناعها مسبقا… في التقسيم…!! اذا حدث و هو امر قد يحدث نظرا للتطورات المتلاحقة ضمن اطار الفوضى الخلاقة في الشرق الاوسط… حينها… هل يمكن لاحد ان يدعي ان ذلك ليس تطورا ديمقراطيا في المجتمع و ان عمل الاحزاب و الجهات الاخرى المؤثرة ليس عملا ديمقراطيا؟
ازاء هذا التطور (الديمقراطي) في البلد… يبرز السؤال المهم و الذي يشكل …احد التحديات اما التيار الديمقراطي … هو كيف يمكن التعامل… هل يجب الوقوف ضد هذا التطور و الاعتراف بأنه اكبر من الرؤى الديمقراطية… ام ان يجب دعم هذا التطور و بالتالي الاعتراف ببؤس الديمقراطية …لانها قادت الى نسف الحلم العراقي و بالتالي حلم بناء تيار ديمقراطي عراقي؟
تحد اخر يحتل اهمية كبرى في هذه المرحلة هو تحدي العلاقة بين الثورة و الديمقراطية…. شخصيا كنت قد كتبت بعض المساهمات و كذلك فعل الاف المثقفين غيري…لكن من المؤكد ان هناك الكثير مما يمكن مناقشته في هذا الامر…و اعتقد ان الساحة العراقية هي واحدة من النماذج المتقدمة في هذا الشأن فالبلد يغص بالاحزاب و الحركات و الكل يدعي الديمقراطية لكن الواقع يؤشر الى ان اغلب القوى المؤثرة هي قوى ما تزال تتعامل مع بعضها البعض على الاسس الثورية العسكريتارية التي كانت سائدة في مرحلة اواسط القرن الماضي.
التحدي الان هو … هل يمكن للتيار الديمقراطية ان يوجد توليفة بين الثورة و الديمقراطية بشكل تضمن من جهة تحولا او تغييرا جذريا في اللاسس الاجتماعية و الثقافية و منها الثقافة السياسية و من جهة ثانية تحافظ على التطور السلمي في المجتمع؟…. لاشك ان مشكلة القوى المؤثرة على الساحة العراقية لا تكمن فقط في التعامل البيني و انما ايضا تعاملها مع القضايا الحيوية التي تمس حياة الناس في المجتمع… و لعل واحدا من اهم مرتكزات مشكلة هذه القوى المؤثرة هو بنيتها الداخلية التي ماتزال تعتمد الاليات غير الديمقراطية و المستندة اساسا الى مبدأ القوة و الخطوط العمودية في علاقاتها.
و هنا تبرز اهمية الاهداف و الهوية الاخلاقية للتيار الديمقراطي الذي لا شك انه يطرح نفسه بديلا لهذه القوى…. كذلك تبرز ايضا اليات عمله و الطريقة التي يطرح بها نفسه بديلا لقوى سياسية تتمتع بهيمنة فكرية و اقتصادية و سياسية مكنتها من خلق ثقافة علاقاتية تمتد الى سنوات طويلة و تتسع على اشكال و شبكات مصالح غاية في التعقيد….
و عليه فان التحدي الحقيقي امام التيارالديمقراطي ليس هو طرح مبادئ يتغنى بها الجميع … بل في طرح ما يمكن ان يفكك هذه الشبكات المعقدة و التاريخية و يستطيع ان يقنع الافراد الذين ربطت مصالهم و اسسهم الفكرية و الثقافية بشبكات هذه القوة الكبرى على الساحة العراقية ببديل يضمن لهم مصالحهم ضمن اطار مجتمعي اوسع و في ظل علاقات سلمية بعيدة عن الصراعات.
و هذا يقودنا مرة اخرى الى اهمية مناقشة المفاهيم المعرفية و علاقتها بالواقع…. لكن هذا يقودنا الى تحد ثالث يتعلق بعلاقات التيار مع القوى الاخرى المتواجدة على الساحة العراقية…. مما لاشك فيه ان اطلاق النار على الجميع يعتبرا واحدا من اهم الاخطاء و الخطايا في عالم السياسية… اذا لابد من الاحتفاظ بمستوى من العلاقات مع القوى الاخرى رغم عدم وجود توافق فكري … او على الاقل الاحتفاظ ببعض الاصدقاء رغم الاختلافات و الخلافات… السؤال المهم هو … هل ان مثل هذه العلاقات تعتبر نوعا من البراغماتية النفعية التي تدخل ضمن اطار التفريق بين الاخلاق و السياسة… ام انها واحدة من الاليات الديمقراطية… اي براغماتية الحلول الوسطى التي توفر ديمومة للاصلاح السلمي؟….حتى نكون دقة… كيف يمكن فهم هذه الاشكاليات فيما يتعلق بواقع التطور الاجتماعي السياسي في العراق؟
من المؤكد ان هناك قضايا مفاهيمية كثيرة اخرى مثل الديمقراطية و القومية… الديمقراطية و الدين… الديمقراطية و الماركسية… الديمقراطية و الفرد و المجتمع… الديمقراطية و العولمة….الخ… السؤال الذي لا مفر منه… و لكني اكتفي هنا و اتمنى للمؤتمر النجاح…و اشكر مرة اخرى كل الجهود التي بذلت و التي ستبذل في بلورة شيء نتمنى ان يكون بديلا…