الليالي الخمسة 8

الليالي الخمسة 8

محمد الرديني

ملاحق منفصلة

ما قاله احد اولاد العسكر بعد ذلك.
“الخارطة  اين هي …. خارطة ، حرية ، حب  خارطة”.
استيقظ فجأة على احساس بالبرودة الناعمة تتلوى على صدغه ومقدمة رأسه  فتح عينيه بصعوبة اصطدمتا بوجه زوجته ذات الوجه المكتنز البريء
ماذا حدث
قالها بصعوبة وهو ينظر الى سقف الغرفة العاري
– انها الحمى وستزول عنك قريبا
قالت ذلك زوجته وهي تعيد قطعة القماش الى اناء الماء البارد.
من اين جاءت هذه الحمى اللعينة، لم اكن اشكو شيئا حتى يوم امس.
البارحة كنا نشاهد في التلفزيون فيلما اجنبيا عن عاهرة احبت رساما ولكنك لم تكمل الفيلم  فقد صرخت فجأة ووقعت على الارض، وبعدها سمعتك تهذي عن شيء اسمه الخارطة او الحرية، لا اعرف.
قال وهو يحاول ان يجعل الامر طبيعيا:
انه الهذيان مرة اخرى يجب ان الجأ للطبيب فهذه الحالة لم تعد تطاق.
حسنا، ارتح الان وسنفكر غدا فيما يجب عمله
كان صوتها جافا لايبعث على الحيوية، ان الذي لم يعتد عليه يشعر ان صاحبته تغالب النعاس وهي تحكي.
كان يعتقد قبل سنوات طويلة ان ذلك الصوت النعاسي هو الذي سوف ينقذه من هذا التوتر الحاد منذ الصباح الباكر وحتى آخر رشفة عرق يجرعها قبل ان ينام، نعم هي هادئة لايبدو عليها انها تنشغل بشيء حتى لو قالوا لها ان السماء تمطر ذهبا او ان رجالا طويلي القامة مفتولي العضلات قد قاموا بسرقة جثث الموتى من مقبرة النجف من اجل ان يبيعوا حفر المقابر على انها جديدة لم تسكن بعد.
كان من السهل عليه ان يلتجأ اليها ويسحبها الى حضنه وهما تحت شجرة وارفة على كورنيش الاعظمية  وهذا ما حدث بالضبط،كان من السهل ان يقول لها

احبك ولكن بمقدار لاني ببساطة مجنون بالتوتر او بالاصح لا اعرف ماذا اريد سوى اني مضطرب وارى الحياة بعين واحدة.
ويسمعها تتحسر، ربما لانها تخيلته بعين واحدة ، بالتأكيد ستصاب بالرعب اذ كيف لها ان تتزوج من شاب اعور وهي بالكاد اكملت عشرين سنة من عمرها , لا، ان هذا الامر لايجوز,عليها ان تقنعه بان عينيه سليمتان وما يفكر به هو بعض من خيالات الشباب او ربما بقايا المراهقة.
يتمشيان على كورنيش الاعظمية وقد اختارا وقت المغيب حيث ينتشر باعة الفستق وشعر بنات. وعرق السوس.
يكمل:
احلم ببلاد بعيدة عن هذا المكان ،اريد ان آخذك معي الى جزيرة لم تطأها قدما انسان، وهناك يمكن لنا ان نكتشف اشياء كثيرة .
تضحك بنعاس ايضا وتقول في غير تلهف
وماذا يمكن ان نكتشف ؟ يكمل دون ان يسمع تعليقها :
سنحتاج الى سنوات طويلة حتى نعرف بعض ما اكتشفنا… سنحاول قبل ان نعرف بدايات ونهايات انهار هذه الجزيرة وقبل ان نتذوق فاكهتها وننام على ارضها ان نحب بعضنا بقوة، ان نلتصق كل ليلة مع بعض.
يصمت قليلا ثم  يتابع ولكن بانتباه اكثر:
هاهي الطيور تعود الى اعشاشها الان ، بعض اناث الطيور قوية جدا، تبذل في النهار طاقة عجيبة من اجل توفير الطعام لصغارها وربما تتعرض للموت على يد صياد لعين او طير مفترس ولكن هذا لايهم , المهم ان تعود الى عشها ومعها طعام كاف للصغار المنتظرين
حين تراقبين هذه الاناث لن تجدي اقوى منها ولكنها حين تعود الى العش في المساء تهدأ قليلا ولا يمض وقت حتى يرفع ذكرها جناحه الايمن لتأتي هذه الانثى القوية وتعجن نفسها، تتكوم كرة صغيرة وهي تندحس تحت الجناح الذي يغلق عليها برفق وتنام حتى الصباح.
لم تقل شيئا في ذلك اليوم وحتى في اليوم التالي لم يصدر منها اي تعليق ، فيما بعد اكتشفت ان ذلك كان صمتا لامبرر له .
في يوم آخر كانا يتمشيان بموازاة نهر القناة، لم تزل اناث الطيور تبحث عن طعامها او هكذا خيل اليه فالوقت عصرا ونور الشمس يسطع في سماء صافية
قال لها وهو يرفس النباتات الصغيرة بقدمه:
الحلم هو ركيزة انسان هذه الارض، يستند عليه دائما، ينام على وسوساته تخيلي لو ان آدم لم يحلم بطعم التفاحة لما التقينا انا وانت في هذا المكان.
تضحك ضحكة قصيرة تعقبها بصمت من ينتظر اكمال الحديث كان يعجبه فيها هذا الاصغاء، هي الوحيدة التي كانت تصغي اليه وهو ينتشي لذلك ، انها نشوة لا مثيل لها حين تشعر ان احدهم يصغي اليك حتى ولو كنت تثرثر في لاشيء.
قال لها  ضاحكا:
ماذا تفعلين لو رآنا اخوك في هذا المكان
ولم ينتظر جوابها بل اطلق ضحكة عالية ثم همس:
اني احس انه وراءنا الان.
انتفضت، اصطبغ وجهها المكتنز بصفرة واضحة
لم تجب بل ظلت تلتفت وراءها بين حين وآخر
اكمل:
لا اعرف ان ابني كوخا، رأيتهم كيف يفعلون ذلك في الافلام ولكن لاعليك ساتعلم ، ساستعين بالانترنت والمكتبة التي تلتصق بداري , المهم اني سأتعلم وستكونين معي  اتخيلك تضحكين وانا احمل كومة الحطب واعواد اليوكالبتوس وارميها تحت قدميك لاهثا وحين استراح قليلا ابدأ في تطبيق اولى المعلومات التي قرأتها في احد مواقع الانترنت وفي الليل انتظرك تأتين الي،
– تطلبين ان تتوسدي ذراعي تحاولين ان تفتعلي النوم وانا اتركك تفعلين ما يحلو لك ولم تمض الا ساعة حتى تستيقظين واكون انا في اشد حالات الوعي اطلب منك وانا كلي نشوة ان نكتشف مواقع الخارطة , خارطة جسدينا  انا اومىء او ادوس باصبعي على موقع ما وانت تجوسين باصبعك على موقع في جسدي  لاادري ماذا سيحدث ولكن الامر لايخلو من النشوة وربما نحس حينها اننا اصبحنا قريبين وقد ندخل في مغارة سحيقة او نهبط من على جبل عال او نظل معلقين في السماء تتقاذفنا رياح قوية تجبرنا على ان نغمض اعيننا ولكننا مانزال ملتصقين مع بعض.
يطل عليها، يراها مستيقظة تصغي اليه منتظرة ان يدخل اصابعه في تلافيف شعرها وهو يحكي:
لدينا من العمر سنوات طويلة نستطيع بها ان نكتشف كل يوم مواقع جديدة على خارطتنا… اوه , انه عمل جبار ومحبط فحين نكتشف كل المواقع يكون الموت وعندها نكون قد عرفنا سر الحياة ولكن يالبؤس ما نعرف، نكون قد متنا وانتهى الامر.
في ليلة الدخلة وقفا متقابلين، كانت الغرفة شبه عارية
بحثا عن سرير يناما عليه فلم يجدا ، ابتسم في وجهها وقعت عينيه على بطانية مرمية في احدى زوايا الغرفة التقطها وفرشها على الارض واومىء اليها بحركة مسرحية  كما يفعل الامراء للاميرات في  حفلات الاستقبال الملكية.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.