** القانون الجنائي الايراني الجديد وتشريع القمع بكل صنوفه
الحقوقي صافي الياسري
هذا القانون محاولة لتلميع الاحكام القمعية التي شرعها وتوسيع سلطة القضاة واجتهاداتهم الفردية والنيل من حقوق المواطنين الجنائيه ولا يعني تعديل بعض الاغلاط التي وقع فيها تشريع القانون الجنائي القديم أي اصلاح او تغيير جذري بل انه انما يسير مسارا قمعيا بمساحات اوسع ويتلافى أي كابح لفقراته ومواده.
ففي رؤية نقدية للقانون الجنائي الجديد الذي وافق عليه مجلس صيانة الدستور في يناير/كانون الثاني 2012، وهو مجلس غير منتخب يتكون من 12 فقيهًا دينيًا مكلفا بالتدقيق في جميع التشريعات لضمان توافقها مع الدستور الإيراني والشريعة الإسلامية بحسب توصيف المهمة المناطة به وهو توصيف شكلي فالحقيقة شيء اخر جوهرها تبييض صفحة النظام واجهزته وسلوكياته القمعية ، نجد ان المجلس وافق على النص النهائي للقانون الجنائي المعدّل. والتعديلات التي أدخلت على القانون الجنائي الإسلامي ( بحسب التسمية الرسمية )، بما في ذلك 737 مادة و204 مُذكرة تعالج مسائل مختلفة تتراوح بين الاختصاص القضائي الخارجي وتطبيق وتنفيذ العقوبات، وصفها مسؤولون إيرانيون بإنها مجموعة جديدة من القوانين المُحسّنة ( عند القراءة النقدية لمواد القانون فان توصيف المحسنة يغدو ضحكا على الذقون )، واستشهدوا بها بشكل متكرر باعتبارها مثالا على محاولات الحكومة الجادة للامتثال لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان. (ملف حقوق الانسان الايراني يضم 62 قرار ادانة بانتهاك النظام صدرت عن مجلس الامن الدولي فعن اي التزامات يتحدثون ؟؟ )
ومع ذلك، فان العديد من الأحكام القانونية التي تثير إشكاليات في القانون الجنائي القديم لم يشملها أي تغيير، وأدت بعض التعديلات إلى إضعاف الحقوق الجنائية للأشخاص المتهمين والمدانين. وفي الكثير من الحالات. تتجاهل المواد القانونية الجديدة المخاوف الجدية المتعلقة بخطورة الأحكام الجنائية ومدى توافقها مع القانون الدولي. وسوف تعطي بعض المواد القانونية، التي قال مسؤولون إيرانيون إنها تنطوي على تحسينات، سوف تعطي للقضاة صلاحيات أكبر لإصدار عقوبات فيها انتهاك واضح لحقوق المتهمين.
صحيح أن المشرّع الإيراني أدخل تحسينات على عدد محدود من المسائل التي يتضمنها القانون الجنائي. وعلى سبيل المثال، تم إلغاء عقوبة الإعدام في حق المذنبين من الأطفال (وتعريفهم يشمل أي شخص متهم بارتكاب جريمة وعمره دون 18 سنة) ( لكن هذا ليس صحيحا واقعيا فتعريف الطفل على وفق عقلية فقهاء ولاية الفقيه ينزل باعمارهم دون السن المعتبرة دوليا الى السن التي يسميها السن الشرعية كما سنرى ) والأحكام القانونية الجديدة المتعلقة بـ “الجرائم التقديرية”، والتي تتضمن عقوبات تنص عليها اغلب قوانين الأمن القومي الإيراني التي يتم بموجبها مقاضاة وإدانة المعارضين السياسيين في المحاكم الثورية، فقد بقيت في معظمها دون تغيير يُذكر.
إضافة إلى ذلك، ومن بين عدة سلبيات أخرى، حافظ القانون الجنائي الجديد على عقوبة الإعدام، بما في ذلك في حق الأطفال في بعض الظروف الخاصة. كما فشل القانون الجنائي الجديد في تغيير القوانين التي تنص على عقوبات خطيرة، بما في ذلك عقوبة الإعدام، وبعض العقوبات التي ترقى إلى التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة، مثل الرجم والجلد والبتر. كما أبقت التعديلات على أحكام تمييزية ضدّ المرأة والأقليات الدينية.
وخلافًا لتأكيد السلطات الإيرانية بشكل متكرر على أن التعديلات التي أدخلت على القانون الجنائي تحظر إعدام الأطفال دون 18 سنة، يُبقي القانون الجديد على عقوبة الإعدام في حق الأطفال في ظروف معينة تخضع لتقدير القاضي ؟؟.
ومع ذلك فان القانون الجديد يربط بشكل واضح بين سنّ المسؤولية الجنائية وسنّ الرشد أو البلوغ كما تحدده الشريعة الإسلامية، والذي يقدره الفقه الإيراني بوصول الفتاة إلى سنّ تسع سنوات (ثماني سنوات وتسعة أشهر بالتقويم القمري) والطفل إلى 15 سنة (14 سنة وسبعة أشهر بالتقويم القمري). وذلك يعني إنه مازال يمكن للقاضي إصدار حكم الإعدام في حق طفلة لا يتجاوز عمرها تسع سنوات أو طفل عمره 15 سنة بعد إدانتهم بارتكاب “جريمة ضدّ الله” (جرائم الحد) ، أو جريمة تخضع للعدالة الانتقامية، مثل اللواط أو القتل، إذا رأى أن الطفل كان يعي طبيعة وعواقب الجريمة التي ارتكبها.
وكما هو الحال في القانون الجنائي القديم، تنصّ التعديلات الجديدة على عقوبة الإعدام على أعمال لا تُعتبر جرائم أصلا أو لا يمكن تصنيفها ضمن “أخطر الجرائم “عادة ما ينتج عنها الموت كما يحددها القانون الدولي. وتواصل الأحكام القانونية الجديدة تجريم بعض أنواع العلاقات الجنسية المختلطة والمثلية بالتراضي خارج إطار الزواج واعتبارها زنًا أو لواطًا يستوجب عقوبة الإعدام. وتشمل الجرائم الأخرى التي تفرض عليها الأحكام القانونية الجديدة عقوبة الإعدام حيازة أو بيع المخدرات غير المشروعة، والإساءة إلى النبي محمد، وابنته فاطمة، أو أي من الأئمة الشيعة الاثني عشر.
كما يوجد عيب آخر في القانون الجنائي الجديد يتمثل في السماح للقضاة باعتماد تشريعات غير مقننة لإدانة الأشخاص وفرض عقوبات عليهم. وعلى سبيل المثال، وخلافًا للقانون القديم، تسمح التعديلات الجديدة بشكل علني للقضاة بالاعتماد على المصادر الدينية، بما في ذلك الشريعة والفتاوى الصادرة عن كبار رجال الدين الشيعة، لإدانة شخص ما بالكفر أو الحكم على شخص مدان بالزنا بالرجم. ويتم تطبيق ذلك رغم أن القانون الجنائي لا ينص على جريمة الزنا وأن الرجم كشكل من أشكال عقاب الزاني لم يعد موجودًا في الأحكام القانونية الجديدة. ورغم تقلّص عدد الأشخاص الذين ماتوا بسبب إقامة الحدّ أو عقوبات الكفر في السنوات الأخيرة نسبيا ؛ إلا أن النصوص القانونية الجديدة لم تحظر مثل هذه الممارسات.
كما تسمح الأحكام القانونية الجديدة للقضاة بالاعتماد على “معرفتهم” ليس فقط لحل إشكالات تتعلق بالقوانين الجاري العمل بها، وإنما أيضًا لتحديد الوقائع والأدلة. وعملا بالأحكام القانونية القديمة، كان القضاة ينتهكون هذا النص القانوني ويعتمدون على أدلة كان من المستحيل الوصول إليها لإثبات الإدانة أو البراءة، بما في ذلك الاعترافات التي تُنتزع باستعمال التعذيب الجسدي والضغط النفسي الرهيب. إضافة إلى ذلك، كان القضاة أحيانًا يعتمدون على هذا الحكم القانوني كطريقة لاستعمال معايير مستقاة من الشريعة غير المقننة لتحديد براءة أو إدانة المتهم. وليس من الواضح ما إذا كانت المواد القانونية الجديدة التي تعرّف “معرفة القاضي” تمنع استعمال القوانين غير المشرعة للبت في الإدانة.
ويُعتبر التعديل الذي أدخل على المادة 287 من أكثر التعديلات المثيرة للقلق، وهي مادة تُعرّف جريمة الإفساد في الأرض التي تستوجب عقوبة الإعدام. وقام المشرعون بتوسيع تعريف هذه الجريمة بشكل كبير بعد أن كانت تُستعمل في الماضي لمقاضاة الأشخاص الذين توجد مزاعم حول انخراطهم في المقاومة المسلحة أو الإرهاب ضدّ الدولة، وأصبحت تشمل أنشطة أخرى غير معرّفة بشكل جيّد من قبيل “ترويج الأكاذيب”، و”تشغيل أو إدارة مراكز الفساد والدعارة” أو “الإضرار بالاقتصاد الوطني” وقد تم اعتبار هذه الجرائم “تهديدًا كبيرًا للنظام العام وأمن الأمة”. إضافة إلى ذلك، ولأن هذه الجريمة تعتبر “جريمة ضدّ الله” تقتضي تطبيق عقوبات تحددها الشريعة، فانه يُسمح للقضاة والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية بمنح عفو للأشخاص المدانين أو تخفيف الأحكام الصادرة في حقهم، وهو ما يتنافى مع القانون الدولي.
وقامت السلطات منذ يناير/كانون الثاني 2012، عملا بالقانون الجنائي الجديد، بإعدام ما لا يقل عن 36 شخصًا بتهم “محاربة الله” [الحرابة] أو “الإفساد في الأرض” بسبب مزاعم بارتباطهم بمجموعات مسلحة أو إرهابية. كما يوجد ما لا يقل عن 28 سجينًا كرديًا ينتظرون الإعدام ( تم اعدامهم فيما بعد ) بتهم مختلفة تتعلق بالأمن القومي، بما في ذلك “محاربة الله” الحرابة. وتعتقد هيومن رايتس ووتش أن في العديد من هذه الحالات قامت السلطات القضائية الإيرانية بإدانة وإعدام أشخاص فقط لأنهم كانوا معارضين سياسيين، وليس لأنهم ارتكبوا أعمالا إرهابية.
كما فشلت الأحكام القانونية الجديدة في تعديل أي من القوانين الفضفاضة والغامضة المتعلقة بالأمن القومي التي تفرض عقوبات قاسية على الأشخاص الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع. ويستعمل المدعون العامون والمحاكم الثورية هذه القوانين بشكل منتظم لاستهداف المنتقدين والمعارضين السياسيين ومضايقتهم وسجنهم وإسكاتهم.
وتشمل العيوب الأخرى الموجودة في القانون الجنائي الجديد المحافظة على الإجراءات العقابية التي ترقى إلى التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة وغير الإنسانية للأفراد المدانين ببعض الجرائم، بما في ذلك الجلد، واعتماد أحكام تمييزية ضدّ المرأة والأقليات الدينية في ما يتعلق بتنفيذ العقوبات، والقصاص، والتعويضات، واستعمال الأدلة في المحاكم. وتشمل المواد القانونية التمييزية اختلاف معاملة الأطفال عن معاملة البنات في ما يتعلق بـ “سنّ الرشد” وتبعات ذلك من حيث المسؤولية الجنائية، والعقوبات الأكثر قسوة بما في ذلك الإعدام بحق المتهمين غير المسلمين الذين تثبت إدانتهم بعلاقات جنسية مثلية.
يبرز تقييم أحكام القانون الجنائي الجديد في إيران بشكل واضح فشل هذه الأحكام التي وافق عليها المشرعون الإيرانيون في معالجة مسائل حقوق الإنسان المثيرة للقلق فيما يتعلق بإدارة المنظومة القضائية الإيرانية. وفي ضوء هذا الفشل، دعت وتدعو هيومن رايتس ووتش الحكومة الإيرانية إلى تعليق أهم الأحكام القانونية الواردة في القانون الجنائي التي تنتهك حقوق المتهمين الجنائيين بشكل فوري، وسنّ تشريعات مطابقة لالتزاماتها تجاه القانون الدولي.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :