بقلم: آدم دانيال هومه.
انتعلتُ خِفاف الهواءِ
ويمّمتُ وجهيَ صوبَ القرى الغافياتِ على ساعدِ النهرِ
تحتَ ظلالِ النجوم
تراءت أمامي البيوتُ التي شادها الهاربونَ من الموتِ
فوق سفوح الجبالِ
وفوق حوافي الوهادِ
وحيث الينابيعُ زاخرةٌ بهدير المياه
وحيث النواعيرُ تشدو بأعذبِ لحنٍ يشنّفُ آذانَ كلِّ الشحاريرِ
تصغي الحساسينُ مذهولةً
وتلك الطبيعةُ مزدانةٌ بالتلاوينِ من كلّ صنفٍ وعطرٍ وطيب
ليهتفَ ربُّ السماواتِ: يا جنّةً في رحابِ الضياء
ويا كنفَ الأمِّ… ويا حضنَ قلبِ الحبيب
ويا همسةَ الزهرِ للطلِّ بعد انحسارِ المساء
هنيئاً لمن باتَ يشدو بذكراكِ ليلَ نهار
ومن لم يزلْ يكتوي بلظى الحسراتِ
ليرجعَ يوماً إلى عشِّهِ المخمليّ المطلِّ على جنَّةِ الأرضِ
بينَ رموشِ الجبال.
رأيتُ البلابلَ فوقَ الغصونِ تسبّحُ باسمِ الملاكِ المهاجرِ نحو الغروب
فينهملُ الغيثُ فوقَ شفاهِ الأزاهيرِ
ترتعشُ الأرضُ جذلى
وتعرضُ خلجانَها ومفاتِنَها لبخورِ السماء
فينهمرُ الحبُّ من خافقِ اللهِ
بينَ قلوبِ البشرْ
فتزهرُ أرضُ اليباب
وترتعشُ القبّراتُ على سُررِ الثلجِ
تنمو السنابلُ فوقَ الغيوم
وينضجُ خبزُ المساكينِ في موقدِ الأمنيات
يعودُ المشرّدُ بعد الفراقِ الطويلِ إلى أرضهِ
يحملُ قلبَهُ بينَ يديهِ
يعصرُهُ الشوقُ والوجدُ
والدمعُ ينهلُّ من مقلتيهِ حنيناً إلى موطنِ الذكريات.
ورفرفتُ كالطيرِ فوقَ القبابِ
وفوقَ الهضابِ
وفوقَ غصونِ الرياح
تنقلتُ في روضةِ الأفقِ حيثُ تقودُ رعاةُ الرعودِ قطيعَ السحاب
حططتُ على حائطِ الحُلمِ قبلَ انبلاجِ الصباح
وقفتُ على بابِ عشتارَ أصغي لهمسِ الملائكةِ الغابرين
شممتُ أريجَ البخورِ المقدّسِ من معبدِ آنو
أهرقتُ عطرَ التسابيحِ في هيكلِ إيّا
وقدّمتُ فيضاً من الصلواتِ على مذبحِ شمّش
نذرت لأنليلَ باقةَ وردٍ وفلٍّ
وحزمةَ أقحوان
وأشعلتُ فوقَ مدارجِ معبدِ آشورَ كلِّ شموعِ المجرّات
وحين وقفتُ على سورِ بابلَ قبلَ شروقِ الصباح
تمنّيتُ أن أتحوّلَ نجماً يشعُّ إلى أبدِ الدهرِ فوق ربوعِ العراق.
انتعلتُ خِفاف الرياح
توجهتُ نحو السماء
لأجلو الأعاجيبَ والبيّناتِ التي صاغها الأنبياء
فلم ألقَ غيرَ نثارِ الأكاذيبِ
لغوَ المجانينِ
صرعى الأساطيرِ والترَّهات
وعدتُ أجرجرُ خلفيَ نعشَ الخرافاتِ … لفّقها الواهمون
وصدّقها التافهون.
adamhomeh&hotmail.com