الوحوش البشرية موجودة في كل زمان ومكان

sultaninfuneralعدت لتوي من حضور جنازة أندريه زوج صديقة أردنية…
رحل أندريه بلا وداع، توقف قلبه فجأة عن النبض، فقررت روحه أن تترك مركبتها الدنيوية كي تحلق في رحاب كونها…
كان رجلا وديعا، مسالما، محبّا للخير سموحا، وكان وجهه يفيض بكل تلك السمات…….
ربطتني به علاقة طيبة للغاية… كنا نجتمع في بيته على المنسف الأردني بين الحين والآخر.. يبدو أن ثرثراتنا بالعربي كانت تزعجه، إذ لا يفهمها، فلا يجد مهربا منها إلا أنا…. ينزوي بي في أحد أركان غرفة الجلوس ليقرأ عليّ تاريخه من ألفه إلى يائه… ربما كان يرتاح لقدرتي على الإصغاء، وعلى التجاوب مع مشاعره وهو يروي لي قصته.. فلكل منا تاريخ وقصة..
….
أندريه روسي الأصل، لكنه ولد وتربى في تشكوسلوفاكيا، التي فرّ اليها والداه أبّان الثورة الروسيّة… ظل أندريه متعلقا بجذره الروسي، وكانت كلّ أحاديثه تدور حول ذلك الجذر، وحول أحداث الثورة الروسيّة والجرائم التي اُرتكبت خلالها… …. لم ألتقِ به يوما إلا وقصّ عليّ حكاية والديه، وكيف ظل والده معقّدا نفسيّا إلى آخر يوم في حياته.. كان سرّ عقدته يوم دخل دار جاره كي يتفحص أمره بعد أن أختفى وعائلته لعدة أيام فوجده مذبوحا هو وزوجته وأولاده الثمانية.. ذبحهم الثوار لظنهم أنه كان على علاقة مع القياصرة…
كرر على مسمعي تلك الحكاية عشرات المرّات، ربّما لأنها تركت في حياته أثرا كبيرا من خلال العقدة النفسية التي أصابت بها والده..
لم يزر روسيا في حياته، لكنه ظل عاطفيا مرتبطا بها رباطا وثيقا… كان يتقن الروسية كتابة وقراءة، ولم يمضِ صباح إلا ويقرأ الصحف الروسية قاطبة…
….
تعلمت من حكايا أندريه أن الوحوش البشرية موجودة في كل زمان ومكان.. وأن التاريخ يعيد نفسه! وتعلمت منه أيضا أن القلب مربوط بحبل سرّي يشده دوما إلى حيث تغوص شراينه…

اقتربت من التابوت وألقيت نظرة أخيرة على وجهه السمح، ثم وضعت يدي فوق يده وذرفت دمعة… غادرت الكنيسة وعبارة القسيس “طوبى لصانعي السلام” تلاحقني، ولسان حالي يردد: طوبى لأندريه فلقد كان من صانعي السلام!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.