نسرين عظيمي
ولد إحسان يارشتر، الذي ظل يمثل صورة إيران في جامعة كولومبيا على مدى خمسين عاما، في عاصمة إكباتان، محافظة حمدان اليوم، الواقعة على سفح جبل ألواند غرب إيران. توفي والده وهو في سن صغيرة، لكن نبوغه ونهمه للمعرفة كانا واضحين، ونشأ يارشتر ليكون واحدا من أبرز علماء اللغة الفارسية.
وإسهاماته في مجال الدراسات الإيرانية رائعة، لكنه خصص معظم وقته لأبرز إنجازاته – انسكلوبيديا إيرانيكا الأثرية. وكمراجع عام لقلب وروح المشروع العملاق الذي يشارك فيه 1300 باحث دولي، حافظ على إبقاء العمل حيا رغم العقبات التي واجهها لأكثر من أربعة عقود. ولدى سؤاله عما إذا كان يفتقد موطنه، أجاب الباحث البالغ من العمر 93 عاما أن كل ساعة يستيقظ فيها كان يقضيها في دراسة إيران الحقيقية، لذا كيف له أن يفتقد بلاده؟
ومع حضور إيران افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك – ليعلن، كما صرح، عن الوجه الحقيقي لإيران في الاجتماعات والفعاليات والمقابلات – لا يسع المرء سوى الأمل في أن ينقل تنوع الأرض وأهلها، بما في ذلك أربعة ملايين إيراني في العالم أجمع يشكلون الشتات الإيراني.
أنا واحدة من هذه الملايين، الذين لم يتمكن الكثير منهم من العودة إلى مسقط رأسه منذ الثورة عام 1979.
نحن نتألف من زرادشتيين ويهود وأرمن ومسلمين وبهائيين وأنغوش، وصارت لدينا جنسيات جديدة – أصبحنا أميركيين (الغالبية منا)، وكنديين وسويسريين وسويديين وإيطاليين وأستراليين وأتراكا وماليزيين. ونشكل إحدى الجاليات الأكثر ترابطا وتعليما. والتنوع جزء ومكون من حياتنا – على صعيد عالمي. والعائلات مثلي التي تضم موظفين حكوميين في النرويج وأطباء سويديين ومعلمين بريطانيين، وأصحاب شركات أميركيين ومهندسين أمر شائع.
وقد عانى غالبيتنا أيضا من مرارة المنفى والانفصال والشغف لأحبائنا في إيران. وقد تعاملنا مع الجهل الخارجي والخوف والشفقة، وفي بعض الأوقات كنا نخجل من اليأس ونحن نشاهد حكام إيران يطأون حقوق الإنسان الأساسية وترتعد فرائصهم على مدى ثماني سنوات خلال رئاسة أحمدي نجاد اليائسة.
لقد غابت المنطقة التي كانت مهد الحضارة عن المسيرة الكبيرة للإنسانية خلال العقود الأخيرة – غائبة عن الابتكارات العلمية والإنجازات الأدبية والفنية واكتشاف الفضاء والإنجازات الطبية وفي فضاء المنافسة الرياضية أو براءات الاختراع الصناعية. وكان عدد الفائزين بجوائز نوبل ضئيلا للغاية، ويتنافس عدد ضئيل جدا من الطلبة الأجانب للالتحاف بجامعاتها.
من العراق إلى ليبيا، ومن سوريا إلى أفغانستان، ومن مصر إلى باكستان – دفع عدد هائل من الدول في منطقتنا الثمن غاليا لرفضهم التنوع والتعارض الفكري. كان بعض قادتنا طغاة ضعافا أساءوا إدارة اقتصادياتنا.
حينما أسافر حول أنحاء اليابان، عادة ما أسمع سؤالا: «من أين جئت؟»، وحينما أجيب بأنني ولدت في إيران، يبدو الناس في حالة عدم فهم. لم يذهب كثير منهم هناك. لكن في اللحظة التي أشير فيها إلى خلفيتي أو دراساتي أو جنسيتي السويسرية، يصبح الناس ثرثارين فجأة: «سويسرا – التي تنعم بالسلام التام – زارتها ابنتي مؤخرا..».
لماذا يصعب تخيل سماع شخص يصرخ قائلا: «آه يا بغداد! آه يا طهران! آه يا حلب! آه يا كابل! آه يا لاهور! آه يا دمشق! أيتها الدرر القديمة، الفائقة الجمال التي طالما نعمت بالهدوء والسلام التام».
العراق، حيث في عام 2003 بلغ الوهم الذي تقوده الولايات المتحدة والتواطؤ في الشرق الأوسط أقصى مدى، في حالة الدمار والعنف التي يشهدها اليوم يعد تذكرة بالمحصلة التي يمكن أن يفضي إليها ضيق الأفق هذا: شيعة يقاتلون سنة؛ جار يحارب جاره. وما الذي يمكن فعله، خلاف مشاهدة معاناة وتفكك سوريا؟
في عام 2005، حضر غانم الجميلي، السفير العراقي لدى الأردن ومبعوثه الآن لدى المملكة العربية السعودية، مؤتمرا عن الحكم وإعادة الإعمار نظمه مكتبي في هيروشيما. قال الرجل الأنيق والعالم الشهير الذي يملك براءات اختراع في مجال الاتصالات البصرية، إن إنقاذ العراق يمكن أن يأتي من البحث عن نقاط مشتركة وتبني حضارته الضخمة التليدة بأكملها، بدلا من التركيز على جانب محدود – وهو الخلافات الدينية. تتجلى رؤى السفير بشكل أكثر وضوحا جدا اليوم. من خلال سيره في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، ربما يتوقف روحاني أمام صندوق زجاجي، حيث تعرض نسخة من منشور كورش. ويتناول اللوح الصغير الذي نحت في القرن السادس قبل الميلاد قيم التسامح والاحترام والتعددية. النسخة الأصلية الآن في جولة بالولايات المتحدة، بقرض من المتحف البريطاني. أدرك ملك الإمبراطورية الفارسية كورش أن الشمولية والتسوية والبراغماتية قيم تربط الأمم وتضمن الولاء بشكل أفضل بكثير من القوة الغاشمة والآيديولوجية.
تشير تصريحات روحاني إلى أنه يفهم المخاطر. ومصير إيران رهن الشرق الأوسط بأكمله: إما سيكون هناك رخاء مشترك، أو لن يكون هناك أي رخاء على الإطلاق. وهو يمثل رؤية الأغلبية – في إيران وبقية الأنحاء. يمكننا، ولكننا نأمل، أن نستطيع إقناع المتعصبين في طهران والقدس وواشنطن وغيرها، بعدالة وأهمية قضيته.
* مستشارة رفيعة المستوى بمعهد الأمم المتحدة للتدريب والأبحاث (يونيتار) في هيروشيما
* خدمة «نيويورك تايمز»
منقول عن الشرق الاوسط