هكذا قيل لنا عندما قدمنا قراءتنا السابقة ( للوثيقة، بل ولعديد من الوثائق السابقة) التي قدمتها اللجنة العليا للمفاوضات، حيث تستفيض هذه الوثائق بعرض مراحل الحل وشروطه ، لكنها تقفز على الحلقة المركزية للحل ( وهو الغاء ما تمثله الرمزية الأسدية للاوطنية بل والاستيطانية الأجنبية عن (انتماء وهوية إلى سوريا)، بل ومعاداة الشعب والوطن بوصفه الهدف الأساسي لبنائها دولتها (الطائفية العسكرية الأمنية ) وأنه لا قيمة لدى الشعب السوري لأي حديث بالوضع الأمني والعسكري، مادامت الأسدية باقية كرمز لهذه الهيكلة المشوهة لسوريا وطنيا وسياسيا وثقافيا، وما دامت كل التطورات في العملية السياسية تسير باتجاه القبول ببقاء الأسدية مؤقتا أو مطولا أمريكيا واوربيا ،بل وحتى القبول من قبل أصدقائنا الأقرب والأخلص (تركيا ) ….
كنا نعتقد قبل الثورة، أن خطر اللعب على وحدة الهوية الوطنية السورية وتمزيقها والتآمر عليها دوليا، سيتأتى من قبل لعب الغرب الأوربي والأمريكي على الهوية (الآرامية –السوريانية) ، وأن هذا الخطرلن يتأتى من الأخوة الأكراد الذين نعتقد أنهم جزء عضوي لا يتجزأ من الهوية الوطنية الثقافية السورية (الإسلامية ) ، أكثر من السريان المستبعدين عن دورهم كجذور أصلية راسخة في التاريخ الذي لا خلاف على حول وجودهم التاريخي الأصلي في المنطقة قبل العرب والكورد والاسلام ، لكن الوعي المدني العقلاني والموروث التاريخي الحضاري الذي منح (سوريا اسمها)، وحرصهم عليه كعمق تاريخي جذوري لهويتهم الحريصين على حفظها (كهوية سورية ) وعدم مسها بسوء حتى ولو اقترنت بالعربية ( السورية العربية) فهو احتضان عربي لها وحفظ لها ولكيانها السوري، وذلك جنبهم التفريط الشعبوي التهريجي في الشعارية ( البيككية ) الزاعمة أن الكرد أصل العالم قبل آدم إلى حواء، وأن سوريا ليست عربية ما لم تقله فئة سريانية، رغم أن ذلك يمكن أن يكون مفهوما أكثر من الرفض الكردي لعروبة سوريا الأكثرية الشعبية على الأقل كأمريكا المكونة من عشرات القوميا والجنسيات …بل هي سورية كردية ، أو هي لا شيء !!!!
المشكلة أن العرب والكورد لا يدركون أهمية سوريا (الطبيعية -التاريخية ) قبل الإسلام، بمثابتها أيقونة تاريخية وحضارية للحضارة الإنسانية ،لكونها احتضنت ولادة المسيح، واحتضنت اللغة الرامية التي تذهب بعض تيارات الفقه الإسلامي ،إلى أن لغة يوم القيامة والجنة هي لغة المسيح (الأرامية ) ، وأن العرب والكورد لا يقدرون أن ما يتحدث عنه العالم عن اللوحة الفسيفسائية لسوريا، ليس بسبب وجود العرب والكورد كشعوب إسلامية ، بل بسبب وجود السريان كشعب أصلي تاريخي يملك موروثا حضاريا مختلفا مغنيا للتراث الإسلامي بعربه وأكراده، حيث له لغة ديانة المسيح الأرامية التي كانت اللغة العالمية لعصرها ، التي تشكل الجذر الثقافي للحضارة العالمية الغربية اليوم بالتوازي مع لغة الفلسفة اليونانية ، التي نقلها المترجمون السريان للعربية ، فأنتجت عصر النهضة العربية الاسلامية الأول بعد مكتبة المأمون ومترجميه السريان في القرن الرابع الهجري، وهو قرن النهضة الفكرية الإسلامية الإسلامية الأولى حسب تسمية المستشرق الكبير (آدم متز) ..
نحن العرب ساهمنا بهذه اللوحة الفسيفسائية السورية من خلال حملنا للرسالة الإسلامية فكرا وفتحا حربيا عالميا لسوريا وللعالم ، كما وشارك العرب في المحطة الثانية وهي لوحة الثقافة ( فلسفة وعلوما وفكرا وأدبا) في القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي الذي يعترف به علماء الغرب بأن جائزة نوبل لو كانت موجودة في القرن العاشر الميلادي لحصدها العرب المسلمون ……..
بينما أخوتنا الأكراد لم يشاركوا في صناعة هذه الحضارة السورية ( العربية –الأرامية ) ثقافيا وفكريا وادبيا وحضاريا، بما فيها عسكريا الذي أسس في العصر الأموي أهم امبراطورية في التاريخ العالمي، وقد واصل الأخوة الكرد في مراحل لاحقة هذا الموروث الإسلامي العربي العسكري من خلال إسرة الأيوبيين ، والدور المميز لصلاح الدين في عبقريته العسكرية وسلوكه العسكري الحضاري مع الغزوات الصليبة الذي أبهرهم بعقله وفكرة السياسي المتسامح المنفتح على الآخر الأجنبي الأوربي، رغم أنه كان شرقيا استبداديا نحو حريات الفكر والتعبيرلدى شعوبه الاسلامية، وتلك هي سمة ستبقى ثابتة عربيا واسلاميا حتى عصرنا الراهن من خلال النموذج الأرقى عربيا لصورة القائد الديكتاتور في عصرنا الحديث وهو (جمال عبد الناصر ) .