تدور في أوساط سورية معارضة متنوعة حوارات يومية عن الجهة التي ستفيد من ضرب “داعش”. هناك رأي يقول إن النظام وإيران ستفيدان وحدهما من ذلك، بينما يقول رأي آخر إن الضربة ستكون محكمة سياسيّاً وعسكريّاً، كي لا يفيد منها أحد غير المشاركين فيها كالتحالف الدولي، وفي الوقت الملائم: الجيش الحر.
إذا كان من الصعب تحديد الجهة التي ستفيد من ضرب “داعش” في سورية، فإن هناك جهات عراقية أفادت من الضربات التي أصابت التنظيم الإرهابي، وغطتها عراقيّاً المرجعية الشيعية وهيئة علماء المسلمين، وأيدها الكرد، ومعظم أحزاب البرلمان والجيش.
أما في سورية ، حيث المعركة ضد الإرهاب تالية في أهميتها للمعركة ضده في العراق، كما قال أوباما، فثمة غموض في خطط التحالف والأحداث الميدانية، وهناك بلبلة ترتبت على سياسات أميركية تنتقل من الركود والسلبية إلى وضعٍ، يختلف في طبيعته وأبعاده ومقاصده، من غير المعلوم بعد إلى أين سيصل، وخلال أي زمن، مع أن مجرد دخول أميركا النشط إلى الصراع السوري يغير أدوار المنخرطين فيه، فكيف إن كان يثير الانطباع بأن سياساتها ستتحول من قوة عطالة إلى قوة عصفٍ، يرجح أن تبدل، أيضاً، أدوار الفاعلين ورهاناتهم في الساحة السورية: شاركوا في الحرب ضد الإرهاب، أم لم يشاركوا فيها.
ثمّة ملاحظة عن هوية من سيفيد من ضربات التحالف، هي أن “داعش” حاضر بقوة في المناطق التي كان الجيش الحر قد حررها، وأخرجه من معظمها، وغير موجود أو ضعيف الوجود في مناطق النظام. والآن: هل يفيد ضرب “داعش” في مناطق قوته النظام، الذي أخرج منها، أم الجيش الحر الذي يقاتل “داعش”، ويفضي إضعافه إلى تقويته؟ وهل ضربه في مناطق النظام، حيث هو ضعيف، سيفيده مع أنه بالكاد موجود فيها! منطقيّاً: ستضعف ضربات التحالف “داعش”، وتقوي الجيش الحر، إذا عرفت قياداته وقواته كيف تبقى بعيدة عن صراعات الائتلاف والمعارضات السياسية، وبادرت إلى تنظم صفوفها وتعزيز أوضاعها، وعرفت كيف تفيد من الحرب ضد الإرهابيين، لكي تستعيد المناطق التي انتزعوها منه، وتسترد، أيضاً، من انضموا إليهم من عناصره. إذا ما حدث هذا، يرجح أن تتغير معادلات الصراع، وإن بصورة تدريجية، وأن يتراجع دور “داعش” بانحسار مساحات ومناطق سيطرته، وأن يبرز من جديد التناقض الذي كرسته الثورة بين البديل الديمقراطي والنظام، الذي تلاشى مع تراجع الجيش إلى 10% من مجمل الأرض السورية، يقع بين جيش النظام في الوسط والجنوب، و”داعش” في الشمال.
من المستبعد، في الوقت نفسه، ذهاب عائد الحرب ضد “داعش” إلى النظام الذي تحالف معه، واستخدمه في مناطق وقع طرده منها، فطرد الجيش الحر من معظمها، وفرض عليه قتالاً يوميّاً على جبهتين، أرهقه وأضعفه. ثم، كيف يمكن لنظامٍ رفض العالم مشاركته في الحرب ضد “داعش” الإفادة من ضربه، إذا كانت أنشطته وأهدافه تتكامل، اليوم، أيضاً مع أنشطته وأهدافه، وكان إضعافه يعد بالضرورة إضعافاً له؟ وفي النهاية، كيف يقوي ضرب “داعش” النظام، إذا كان سيسقط رهانه الاستراتيجي على الإرهاب، لتبييض صفحته الدولية، وجعله خياراً إجباريّاً بالنسبة إلى العالم؟
هناك، أخيراً، مشروع دولي لتسليح الجيش الحر وتدريبه، لن يتحقق في حالتين: إذا شارك النظام في الحرب ضد الإرهاب، أو أحبطت قيادات المعارضة المشروع الدولي، بنقل صراعاتها إلى صفوف الجيش الحر، وإبقائه أسير ضعفه وانقساماته، بدل توحيده وتقويته.