النجباء.. قصة الفصيل العراقي الذي يساعد إيران على فتح طريق إلى دمشق

رويترز
في أواخر مايو أيار زار رجل دين عراقي يدعى أكرم الكعبي مقاتلين في بلدة عراقية مقفرة قرب الحدود السورية.
والكعبي هو الأمين العام لفصيل شيعي يسمى حركة حزب الله النجباء وكان يرتدي زيا مموها وأم المقاتلين للصلاة على سجاجيد مفروشة على الأرض المتربة. ويظهر مقطع فيديو مقاتلين مدججين بالسلاح يحرسونه.
كان هذا في بلدة القيروان التي استعادتها حركة النجباء من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية. قاتلت عناصر حركة النجباء أيضا على الجانب الآخر من الحدود في سوريا دعما للرئيس السوري بشار الأسد في الحرب ضد الدولة الإسلامية وجماعات أخرى.
ويبلغ عدد مقاتلي الحركة نحو عشرة آلاف وهي الآن واحدة من أهم الفصائل في العراق. وعلى الرغم من أنها مكونة من عراقيين فإنها موالية لإيران ويقول النائب العراقي شكوان عبد الله والعميد المتقاعد بالجيش اللبناني إلياس فرحات ومسؤولون آخرون سابقون وحاليون في العراق إن الحركة تساعد طهران في إنشاء طريق إمداد إلى دمشق عبر العراق. ويمر الطريق عبر سلسلة من المدن الصغيرة بما في ذلك القيروان. ولفتح الطريق تتوغل فصائل مدعومة من إيران في جنوب شرق سوريا قرب الحدود مع العراق حيث تتمركز القوات الأمريكية.
وتعتبر حركة النجباء مثالا على سعي إيران لتوسيع النفوذ الشيعي في العراق والمنطقة. في الثمانينيات خاضت إيران الشيعية حربا ضد العراق الذي كان يحكمه السنة على الرغم من أنهم أقلية بين السكان. لكن بعد سقوط صدام حسين سيطرت الأغلبية الشيعية على الحكومة في العراق.
منذ ذلك الحين زادت قوة العلاقات بين الحكومتين اللتين يقودهما الشيعة في طهران وبغداد واكتسبت إيران مزيدا من النفوذ بالعراق. وتلعب أموال إيران ودعمها الديني دورا كبيرا الآن في نفوذ الحكومة العراقية.
قال الكعبي مرارا إن حركة النجباء متحالفة مع إيران. وفي الخريف الماضي نقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن الكعبي قوله إن الجماعة تتبع نهج ولاية الفقيه وهي الأساس الفكري الذي يقوم عليه نظام الحكم الديني في إيران.
وقال مسؤولون عراقيون حاليون وسابقون لرويترز إنهم يشعرون بالقلق من أن حركة النجباء ستساعد إيران في تحقيق تقدم استراتيجي حاسم.
وقال فرحات العميد المتقاعد بالجيش اللبناني ”إذا تمكنت إيران من فتح هذا الطريق فسوف تتمكن من الوصول إلى حزب الله في لبنان عبر العراق وسوريا“.
وأعلنت إيران التي تساند الأسد أنها تريد أن يمتد نفوذها عبر العراق إلى حلفائها في دمشق وما بعدها إلى حزب الله الشيعي في لبنان والذي لطالما دعمته.
وقال مستشار أمني يعمل مع عدد من الحكومات في الشرق الأوسط إن إيران بحاجة إلى طريق بري يتيح توصيل الإمدادات إلى دمشق من أجل الصراع في سوريا.
وأضاف المستشار الذي طلب عدم نشر اسمه لحساسية القضية ”تكلفة النقل الجوي بالنسبة للفصائل باهظة. نقل القوات والإمدادات الخفيفة سهل لكن من الصعب تحميل الأسلحة الثقيلة على الطائرات“.
ومضى قائلا ”الهدف هو فتح طريق على الجانبين من أجل الإمدادات اللوجيستية… يريدون إدخال قطع المدفعية والصواريخ والمعدات الثقيلة مثل الجرافات“.
في العراق تقاتل حركة النجباء تحت مظلة قوات الحشد الشعبي التي تضم عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة. في العام الماضي أقر البرلمان العراقي قانونا يضع هؤلاء المقاتلين تحت سيطرة الحكومة العراقية.
لكن مسؤولين حاليين وسابقين في العراق وأعضاء فصائل مسلحة يقولون إن الحرس الثوري الإيراني سلح ودرب الكثير من هذه الفصائل.
وامتنع ممثل بمكتب للحرس الثوري الإيراني في طهران عن التعليق على حركة النجباء.
ولم يتحدث رئيس الوزراء حيدر العبادي وغيره من كبار المسؤولين العراقيين علنا عن حركة النجباء أو الطريق الجديد. لكن بعض العناصر داخل الائتلاف الحكومي العراقي تريد أن تنأى بالعراق عن إيران.
إياد علاوي أحد نواب الرئيس وهو شيعي لكن له رؤية قومية ويريد أن يمنع امتداد الصراع في سوريا إلى العراق. وقال في مقابلة ”يجب أن تمنعهم حكومة العراق (الفصائل الشيعية) من الذهاب إلى سوريا. لا يفترض أن نوفر مقاتلين لدعم نظام دكتاتوري في سوريا“.
حين طلب منه التعليق على انتقال الفصائل المدعومة من إيران إلى جنوب شرق سوريا قرب مكان تمركز القوات الأمريكية قال الكولونيل ريان ديلون المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويحارب الدولة الإسلامية ”يحتفظ التحالف بحق حماية نفسه وشركائه السوريين الذين يخضعون للتدقيق من أي تهديد“.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية ”ما زالت الولايات المتحدة قلقة بشدة بشأن أنشطة النظام الإيراني الخبيثة في أنحاء الشرق الأوسط التي تقوض الاستقرار الإقليمي“.
لم يكن الطريق الحالي الذي تسعى إيران لفتحه هو خيارها الأول. وقال النائب عبد الله عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي لرويترز إنه بعد أن تدخلت إيران في الصراع السوري عام 2011 بفترة وجيزة حاول الإيرانيون فتح خط للإمدادات اللوجيستية عبر المنطقة الكردية في شمال العراق إلى سوريا. لكن عبد الله وهو عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق قال إن البرزاني تصدى لهذه الخطوة.
وقال عبد الله إن الطريق الجديد لا يمر بالمنطقة الكردية لكن هذا لا يمنع أنه يمكن أن يزعزع استقرار البلاد.
وأضاف ”كل الجماعات في العراق بخلاف الشيعة ستكون معرضة لتهديد إذا تمكنت إيران من إنشاء هذا الطريق“.
تدريب إيراني
منذ فترة طويلة تصر الولايات المتحدة أن الكعبي يقاتل لحساب إيران حتى من قبل أن يصبح أمينا عاما لحركة النجباء. في عام 2008 حين كان الكعبي يعمل مع فصيل آخر صنفته وزارة الخزانة الأمريكية فردا يهدد سلام واستقرار العراق. وجمدت واشنطن أي أصول للكعبي تقع في نطاق سلطة الولايات المتحدة ومنعت المواطنين الأمريكيين من التعامل معه.
وكون الكعبي فيما بعد فصيله الخاص وخلال الصراع في سوريا تبلورت حركة النجباء كقوة مقاتلة. في البداية حشدت الحركة المقاتلين للدفاع عن ضريح السيدة زينب إلى الجنوب من دمشق عام 2013. ثم تعمق دور النجباء في الصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال مسؤول كبير بالحكومة العراقية سابقا ”أصبح تنظيم داعش فرصة للكثير من هؤلاء. حين جاءت داعش أصبح هناك احتياج لهم“.
وأضاف ”ازدهروا ووسعوا نطاق الجماعة: مزيد من الأسلحة ومزيد من الأموال ومزيد من الناس. المال كان يأتي من إيران“.
وقال هاشم الموسوي المتحدث باسم حركة النجباء إن الحركة لم تجد أي دعم من العراق أو الولايات المتحدة أو الدول العربية أو الإسلامية باستثناء إيران مشيرا إلى أن طهران دعمت العراق بالسلاح والمستشارين.
وذكر المستشار الأمني أن بعض أعضاء حركة النجباء يقاتلون بدافع من التدين لكن الكثير منهم من الفقراء الشيعة الذين ينتمون لمنطقة جنوب العراق وتغريهم الرواتب التي تصل إلى 1500 دولار شهريا تقدمها إيران.
وقال ممثل الحرس الثوري الإيراني إنه لا يستطيع مناقشة صلة إيران بحركة النجباء.
ويقول المستشار الأمني إن مقاتلي الحركة الذين يتلقون تدريبا يرسلون إلى دمشق في رحلات مباشرة من بغداد أو النجف. ويتجه الآخرون للحصول على دورة تدريبية لمدة ثلاثة أشهر في جنوب العراق تركز على استخدام الرشاشات الثقيلة والقذائف الصاروخية وبنادق القناصة.
وأضاف أن البعض يتدربون مع حزب الله في لبنان ثم يعبرون بريا إلى سوريا. في إيران يوجد تدريب متخصص على نزع الألغام والاتصالات وتشغيل الطائرات بلا طيار. وقال الكعبي إن جماعته تستخدم الطائرات بدون طيار من طراز ياسر وهي النسخة الإيرانية من الطائرة سكان إيجل التي تنتجها شركة بوينج وتستخدم في الاستطلاع.
وامتنع المتحدث باسم حركة النجباء عن التعليق على التدريب قائلا إنها مسألة عسكرية سرية.
لقطات للقتال
سمحت الأموال الإيرانية لحركة النجباء بإطلاق قناة فضائية خاصة بها تحمل اسم قناة النجباء الفضائية. وتبث لقطات معدة بعناية للقتال وبرامج إخبارية وأغنيات تحث على القتال لإثارة حماس المؤيدين.
في 2014 أصدرت حركة النجباء أغنية مهداة إلى قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وهو الجناح الذي يشرف على العمليات خارج حدود إيران. تشيد الأغنية المصورة بسليماني لمحاربته الجيش الأمريكي والدولة الإسلامية وتتخللها لقطات لمقاتلي النجباء يطلقون النار من رشاشات.
وتظهر صور ومقاطع فيديو نشرتها مواقع إخبارية إيرانية متشددة وموقع النجباء على الإنترنت سليماني والكعبي فيما تقول المواقع الإلكترونية إنها مواقع على الجبهة في سوريا. ولم يتسن لرويترز التأكد من وجود المواقع في سوريا.
وتظهر مقاطع فيديو نشرت على الإنترنت في 2016 عروضا عسكرية للنجباء حول حلب ظهرت فيها ناقلات جند مدرعة وصواريخ مضادة للدبابات وشاحنات صغيرة تحمل مدافع رشاشة ثقيلة. تظهر مقاطع أخرى أعضاء حركة النجباء يخوضون اشتباكات في الشوارع بجنوب حلب.
وقال المتحدث باسم حركة النجباء إن نحو 500 من عناصرها قتلوا في المعارك في سوريا والعراق. وتؤبن الحركة قتلى الحرب بمنشورات على الإنترنت وفي أبريل نيسان الماضي علقت لافتة كبيرة تشيد فيها بشهدائها قرب بوابة جامعة بغداد.
وبعد جهود حركة النجباء في حلب وجهت إيران الدعوة إلى الكعبي للقيام بزيارة رفيعة المستوى. أجرت معه البرامج التلفزيونية الشهيرة مقابلات واجتمع مع كبار المسؤولين مثل رئيس البرلمان علي لاريجاني والقائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي. كما اجتمع مع الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في زيارة منفصلة.
كتيبة ”الجولان“
تتطلع الحركة إلى ما هو أبعد من الصراع في سوريا والعراق. في مارس آذار أعلنت تشكيل كتيبة من أجل ”الجولان“ لإجبار إسرائيل على الانسحاب من هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1981.
 وقال وزير المخابرات الإسرائيلي إسرائيل كاتس لصحيفة جيروزالم بوست بعد الإعلان عن ذلك إن هذه الخطوة “تزيد حدة التهديد الذي يمثله وجود إيران وحزب الله في سوريا عموما وعلى الجانب السوري من مرتفعات الجولان على وجه الخصوص.
لكن السؤال المهم بالنسبة للعراق وسوريا هو ماذا سيكون وضع حركة النجباء والجماعات الشيعية المسلحة المماثلة إذا انسحب تنظيم الدولة الإسلامية من البلدين وهو ما يبدو مرجحا.
قال خامنئي في أواخر يونيو حزيران إنه ينبغي عدم القيام بأي محاولات لإضعاف قوات الحشد الشعبي. وقال خامنئ خلال اجتماع مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في طهران وفقا لتقرير نشره الموقع الرسمي للزعيم الأعلى على الإنترنت ”اعتراض الأمريكيين على قوات الحشد الشعبي سببه أنهم يريدون أن يفقد العراق مكونا مهما من مكونات قوته“. وأضاف ”لا تثق بالأمريكيين تحت أي ظرف“.
تتجلى التوترات بين إيران والولايات المتحدة في المواجهات بين القوات الأمريكية والفصائل المدعومة من إيران في المناطق الأوسع من سوريا والعراق. في منتصف مايو أيار قصفت الولايات المتحدة قافلة قالت إنها لمقاتلين موالين للحكومة السورية كانت تتحرك قرب قاعدة أمريكية في التنف بجنوب سوريا. وذكرت مواقع إخبارية إيرانية ومواقع إلكترونية تابعة لفصائل مسلحة أن مقاتلي الفصائل الشيعية المتحالفين مع إيران انتقلوا إلى المنطقة في ذلك الحين.
واستهدفت الولايات المتحدة قوات في نفس المنطقة مرتين أخريين في يونيو حزيران كما أسقطت طائرة مسلحة بدون طيار في جنوب شرق سوريا. وقال مسؤول أمريكي إن من المرجح أن الطائرة إيرانية الصنع. وأطلقت النار على قوات سورية دربتها الولايات المتحدة.
في منتصف يونيو حزيران ذكرت تقارير نشرها موقع النجباء الإلكتروني ومواقع إيرانية إخبارية أن مقاتلي الحركة انتشروا في جنوب شرق سوريا ومعهم شاحنات مزودة بمدافع آلية ثقيلة. ونشرت حركة النجباء صورا على الإنترنت لقوافلها على طرق سريعة قرب الحدود العراقية.
وقال المستشار الأمني الدولي ”الأمريكيون والمقاتلون الشيعة في مرمى مدفعية بعضهما البعض الآن في سوريا“.
ومع اقتراب إيران من تحقيق هدف فتح طريق بري عبر العراق إلى سوريا يظهر حلفاؤها الشيعة مزيدا من الحزم. في أوائل أغسطس آب بعث الكعبي بخطاب نشره موقع النجباء إلى زعيم حزب الله اللبناني عبر فيه عن تضامن الشيعة.
وقال الكعبي ”معركتنا ومصيرنا ومستقبلنا واحد وحربنا مع الثالوث المشؤوم وأذنابهم وأتباعهم ومجنديهم من الدواعش وجبهة النصرة في سوريا والعراق واحدة وان تعددت ساحاتها وجبهاتها وعناوينها… ومن هنا نؤكد ونعلن وقوفنا التام المترجم لصرختك المدوية ضد العدو الصهيوني الغاصب“.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.