النبي لوط رائد الشذوذ الجنسي : ـ

لو أطلقنا على من لا يتوافق مع المعايير الثقافية السائدة للممارسة الجنسية ( السويّة ) في مجتمع بعينه لفظ ( شاذ جنسياً ) فإنّ النبي ( لوط ) بدوره يستحق هذا اللقب ، فلوط وأقلية إتّبعته خالفوا المعايير السائدة للمارسة الجنسية ( السويّة ) في مجتمع النبي لوط والمتمثلة في المثلية وفي إعتبار الغيرية شذوذاً جنسياً ، حيث رفض لوط وأقليةً إتّبعته أن يُمارسوا المثلية التي كان يمارسها أغلبية أفراد ذلك المجتمع ( قوم لوط ) ، وفضّلوا ـ أي لوط وأتباعه الأقلية ـ ممارسة الجنس الغيري ، وبالتالي فقد إستحقوا ـ وفقاً لمنطق مُتهمي المثليين اليوم بالشذوذ ـ أن يُوصفوا بالشذوذ الجنسي ، وذلك كي يتسق رافضوا المثلية اليوم من منطلقات دينية مع أنفسهم ، حيث عليهم أن يعتبروا النبي لوط شاذ جنسياً .

فأولى محاججات هؤلاء التي يُبرِّرون بها نعت المثليين بالشذوذ ـ رغم الماخذ الكثيرة من قِبل الحقوقيين على المسمى ـ هي أنّ هؤلاء المثليين خالفوا ما درج عليه غالبية الناس ، وخالفوا المعايير الثقافية المُتعارف عليها للممارسة الجنسية ( السويّة ) ، تماماً كما فعل لوط عندما رفض أن يخضع لمعايير قومه الجنسية ( السويّة )، وأصرّ على شذوذه ( غيريته الجنسية ) . بل ونجد أنّ لوط ـ والذي يُحتفى به من قِبل الخطاب الديني الرافض للمثلية اليوم ـ قد ذهب إلى ما لم يذهب إليه مناصروا المثلية اليوم ، حيث دعى النبي لوط الاخرين ـ وهم الأغلبية ـ إلى مفارقة ميولهم الجنسية المثلية وتحويلها إلى ميول غيرية ، بينما مثليوا اليوم فقط وفقط يُطالبون بالإعتراف بحقهم في ممارسة الجنس المثلي ، دون أن يُطالبوا ـ كما فعل لوط ـ بأن يُصبح الجميع مثليين مثلهم .

وما فعله قوم لوط عندما حاولوا أن يُكرِهوا لوطاً وأتباعه على ممارسة المثلية وتغيير ميولهم الجنسية ، هو ذاته ما يفعله اليوم المناهضون والمطهِدين لحقوق المثليين عندما يحاولون أن يفرضوا عليهم ميولاً جنسية غيرية ، وبالتالي فهم ـ أي المناهضون لحقوق المثليين ـ كقوم لوط ، يستحقون الخسف والدمار لو إتّبعنا منطق عمل قوانيين العدالة الإلهية. وهكذا نجد أنّ الخطاب الديني يتناقض مع نفسه بخصوص موقفه من المثلية ، فهو يدفع بحُجّة الأغلبية في رفضه للمثلية الجنسية ، بينما يستند مرجعياً إلى قصّة أبطالها أقلية ثارت في وجه نمط بعينه درج عليه الغالبية . وبالطبع فالخطاب الديني لا يستند في تحريمه وتجريمه للمثلية إلى تلك الحُجّة فحسب ، وإنّما إلى عدّدٍ من الحُجّج سأوردها تالياً موضِّحاً تهافتها بالنسبة لي على الأقل .

فالخطاب المناهض لتلك الحقوق يستند أحيانا إلى حُجّة المحافظة على بقاء الجنس البشري وحمايته من الإنقراض، الأمر الذي يتناقض ـ حسب وجهة نظره ـ والسّماح للمثليين بممارسة الجنس المثلي ، والحقيقة فإنّ المثليين ظلُّوا رغم القمع التاريخي الدموي والبشع الذي تعرضوا له يُمارسون المثلية لالافٍ من السنيين ، ولم يشهد التاريخ الإنساني غياباً للمثليين قط ، ورغم هذا لم ينقرض الجنس البشري ، فالمثلية ليست مرضاً وبائياً مُعدِياً ، ورغم وجود المثلية والمثليين وما باتوا يحظون به من حقوق في عدّدٍ من بلدان العالم إلاّ أنّ مشكلة الكثافة السكانية والتي باتت تُهدِّد موارد كوكب الأرض بالإنقراض لا زالت موجودة ناهيك عن إنقراض الجنس البشري ، فضلاً عن أنّ الولادة اليوم مُتاحة حتى للمثليين والمثليات ، إذ لم تعد الخِلفة مُقتصرة على الممارسة الجنسية ، وإنّما ثمّة تقنيات بات يلجأ لها كثير من المثليين والمثليات للإنجاب دون الإضطرار إلى الممارسة الجنسية الغيرية .

و حتى لو سلّمنا جدلاً بالحُجّة السخيفة تلك التي تقول بأنّ المثلية تُهدِّد بإنقراض الجنس البشري فهذا بدوره لا يمنح الحق أخلاقياً في حرمان المثليين من المتعة الجنسية ، وإنّما يُمكن أن يتم إلزامهم بالإنجاب عبر التقنيات الحديثة التي لا تحتاج للجنس لو خيف على الجنس البشري من الإنقراض وهو أمرٌ مستبعد كما قلنا على ضوء مشاكل إزدحام كوكب الأرض بالبشر الذين بات عددهم يتضاعف عاماً بعد عام على نحوٍ خطير جداً حدا ببعض الدول إلى تحديد عدد محدد للمواليد لكل أسرة ، و الغريب أنّ إنتشار الأسلحة ـ نووية أو غيرها ـ يُهدِّد بدوره وعلى نحوٍ أسرع وأخطر بإنقراض الجنس البشري بل ودمار كوكب الأرض، ورغم ذلك لم نسمع الجماعات الدينية الرسالية تدعوا إلى منع إستخدام الأسلحة أو الفتك بالمسلحين ، بل إنّنا على العكس من ذلك رأيناها تستخدم تلك الأسلحة في الجهاد وفي مختلف عملياتها ( الإرهابية ) .

من حق الجميع أن يستخدموا أعضاهم ـ تناسلية أو غير تناسلية ـ على النحو الذي يروق لهم ، دون أن يتهمهم الاخرون بالشذوذ أو أن يَحُلوا بينهم وبين إستخدامهم لعضوٍ ما على النحو الذي يروق لهم ، فالساق تُستخدم من قِبل الجميع للمشي حسب ما تعارف عليه البشر تاريخياً، لكن حينما يستخدمها البعض للعب كرة القدم فإنّنا ـ رغم أنّه إستخدام بدا لأوّل مرّة عند إكتشاف لعبة كرة القدم إستخداماً مُغايراً لما تعارف عليه الجميع من إستخدامات الساق ـ لم نسمع بمن وصف لاعبي كرة القدم الأوائل هؤلاء بأنّهم شواذ . وبالتالي لا حقّ لأحدٍ في أن يُحدِّد لاخر ما يفعل بأجهزته التناسلية ، أو أين يضعها ، أو يصفه بالشذوذ بناءً على إستخدام عضوه التناسلي على نحو غير مألوف بلنسبة لنا طالما لم يؤذي بذلك غيره أو يُكرهه على شئ .

يُتّهم المثليون عادةً من قِبل المناهضين لحقوقهم بأنّهم مرضى نفسيين ، وأنّ المثلية الجنسية هي مرض نفسي ، وبالطبع فتهم الجنون أو تهمة الإصابة بمرض نفسي يُمكن أن تُوجّه ـ في ظل غياب المعيار وفي ظل الإستخدام العشوائي لكلمة مريض نفسي ـ إلى موقف هؤلاء المناهضون للمثلية الجنسية بدورهم بوصف موقفهم هذا هو موقف نفسي مريض وهوسي من حق الإنسان في البحث عن ما يُشبع لذته ورغبته الجنسية ، وذلك طالما نحن لا نملك معيار مُحدّد لما هو مرض نفسي وما هو ليس مرضاً غير نفسي على نحو كلي ودقيق وشامل ، فالمجنون هو مجنون من وجهة نظر الغالبية ووفقاً لتعريفهم هم للوعي ، ولكن حُجّة الغالبية تلك تواجه عدة إشكاليات عرضنا لها أعلاه وسنعرض لها لاحقاً ، فالغالبية ليست معياراً للصحّة المنطقية أو الأخلاقية .

فلا يجب أن ننسى أنّ غالبية البشر ذات يوم أقرّوا بأخلاقية إمتلاك العبيد وإستعباد البشر ، كما أنّ الأنبياء والفلاسفة بل والعلماء المتخصصون على مر العصور وإلى اليوم صنفوا وأُتهموا بأنّهم مرضى نفسيين وإتهموا بالجنون ، وحتى لو سملّنا جدلاً بأنّ المثليون هم مرضى نفسيون ، فهل من حقِّ أحدٍ أو هل يستطيع أحد أن يحُول بين مريض وبين أعراض مرضه ؟ فالمجنون الذي يحلوا له مثلاً أن يقفز ويضحك هل يحق للاخرين منعه من ذلك ؟ هل يحق للاخرين محاكمة المريض النفسي أو قتله أو إضطهاده كما يحدث للمثليين حتى من قبل الزاعمين بأنّهم مرضى نفسيين ؟ . عموماً منذ القرن الماضي قامت جمعية الأمراض النفسية الأمريكية بحذف المثلية الجنسية من قائمة الأمراض النفسية وإعتبارها هوية وإختيار . فضلاً عن الأبحاث الطبِّية العديدة التي تتحدث عن عديد من حالات المثلية ذات البعد البيولوجي المتعلق بالجينات .

ترد كلمة ( فطرة ) بكثرة على لسان المناهضين لحقوق المثليين الجنسيين ، حيث يزعمون بأنّ المثلية ضد الفطرة الإنسانية ، دون أن يضع لنا هؤلاء تعريفاً لماهية الفطرة ، وقد نجدهم في غالب الأحيان يلجأون مرّةً أُخرى إلى معيار الأغلبية لتحديد الفطرة من اللا فطرة ، وهو معيار كما أوضحنا غير منطقي إطلاقاً ، وطالما ان مصطلح ( فطرة ) مصطلح فضفاض وغير منطقي وغير مُحدّد إلاّ بمعيار الأغلبية الباهت فلا يمكن أن نبني على أساسه تشريعاً قانونياً تقتضي مخالفته العقوبة ، حيثُ يمكن لكِّل من لا يحلوا له ممارسة بعينها صدرت من خصيمٍ لهُ أن يُصنِّفها بوصفها ممارسة لا فطرية ويزج بخصمه في متاهات النيابات العامة .

ولأضرب هنا مثلاً بما يُسمى ( دين الفطرة ) ، حيث أتباع أيّ دين يعتقدون أنّ دينهم هو دين الفطرة ، ولو فتحنا المجال للقانون ليُعاقب على كلِّ ما يخالف الفطرة كما يدعو لذلك مناهضوا المثلية الجنسية ، فسنجد أتباع أيّ دين يريدون معاقبة أو سجن أتباع الدين المخالف لدينهم بوصفه ديناً مخالفاً للفطرة ، لذلك فحتى لو سلّمنا جدلاً بأنّ المثلية مخالفة للفطرة حسب إعتقاد البعض ـ بغض النظر عن عدّدهم ـ فلا يحق لأحدهم بناءً على هذا الإعتقاد أن يُعاقِب أو يمنع المثلية ، وله فقط أن يتحدث في إطار التعبير عن الرأي عن رأيه في المثلية ، لا أن يُصادر حقوق المثليين أو يُعاقبهم أو يمنعهم من ممارسة مثليتهم .

إذاً ليس هناك مبرِّر عقلاني أو منطقي أو أخلاقي لتجريم المثلية أو معاقبة المثليين أو عدم الإعتراف والإقرار بحقوقهم ، بإستثاء المبرِّر الديني الميتافيزيقي الذي لا يصلح لوحده لصياغة قانون جزائي أو عقابي ، فالذي لا يصلي أو يصوم نهار رمضان عقابه على الله لا على القانون الجنائي ، كما أنّ المبرِّر الديني يقتصر فقط على أتباع الدين ولا يتعدى من هم خارج إطار الدين والغير خاضعين لتعالميه ، فالدين مُلزِم لأتباعه فقط ، وعلى نحو ذاتي لا قانوني .

حرمان المثليين والمثليات جنسياً من ممارسة الجنس المثلي يعادل جريمة الختان وجريمة الخصاء ، فكلّ تلك الممارسات المتخلفة الغرض منها حرمان الإنسان من إشباع رغباته الجنسية حتى لو لم يؤذي أحداً ، أوإجباره على مقدار محدّد وضئيل من الإشباع الجنسي كما في حالتي الختان وعند إجبار المثليين على عدم ممارسة المثلية ، أو بشكل كلِّي مثل الخصاء والختان الفرعوني ، ولن تُجدي هنا مسألة الأغلبية كما أوضحنا ، فلو خضع الإنسان لفكرة الأغلبية لما كان هناك أديان ولا فلسفات ولا تغيير ، ولكانت حياة الإنسان سلسلة طويلة من الجمود عند مرحلة بعينها ، ولقُضي على مبدأ التطور أساس الحضارة الإنسانية .
فالأديان والفلسفات الكبرى بدأت على يد أقلية أُتُّهِمت بالهرطقة والتجديف والشذوذ عن القطيع . كما لا يجب ان ننسى أنّ الحقوق لا تخضع لرأي الأغلبية ، فحقوق (س ) من البشر هي حقوق حتى ولو رفض الأغلبية الإقرار بها ، فالزنوج بالولايات المتحدة الأمريكية كان من حقهم أخلاقياً ومنطقياً منذ الخمسينات من القرن الماضي وما قبلها أن يتمتعوا بكافة الحقوق الطبيعية والمدنية رغم إعتراض غالبية الأمريكيين آنذاك على تمتعهم بحقوقهم ، ولو كانت الحقوق تخضع لمبدأ الأغلبية لربّما لم ينل السود حقوقهم إلى اليوم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !

محمد ميرغني – مفكر حر

About محمد ميرغني

محمد ميرغني ، كاتب ليبرالي من السودان ،يعمل كمهندس معماري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

One Response to النبي لوط رائد الشذوذ الجنسي : ـ

  1. عبدالله says:

    جميل ان تغرد خارج السرب وتقول الي انت عاوزو
    لكن انت بتلعب على القانون من منطلق انو ما حق
    وفي مرات تانية بتمسك في القانون وبتقول ده هو الحق
    يعني الي بيعجبك قانون ولي ما عاجبك ماقانون وبتحول تفندو بقوانين انت زاتك رافضه
    لو اغلب الناس بقو مثليين وقلة غيريين انت مع مين رح تكون في افكارك؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.