أحمد صبحى منصور
قال المذيع : حين أقرأ بمنظور عقلى المكتوب فى العهد القديم عن خلق الكون فى ستة أيام أراه تعبيرا عن ثقافة من كتبوه فى عصرهم . ربما كان هذا ترديدا لموروثات سابقة عن خلق العالم تأثر بها من كتب العهد القديم . ولكن من يقرأ هذا بمنظور إيمانى لا يستعمل عقله ناقدا متفحصا . ما رأيك فى المكتوب فى القرآن عن خلق العالم . هل هو للنظر العقلى النقدى أم لا بد من التسليم به إيمانا به ؟ بمعتى آخر هل يحتاج القرآن ــ مثل العهد القديم ــ الى أن يحجب القارىء عقله وهو يقرأ ما فيه من آيات تتعرض لموضوعات علمية مثل خلق العالم ؟
قال النبى محمد عليه السلام : مجرد وجود آيات فيها إشارات علمية هى دليل على أننى لست من قال هذا القرآن الكريم ولستُ من ألّفه ، بل هو وحى إلاهى . فكيف لرجل عربى فى القرن السابع الميلادى أن يعرف هذا ؟
قال المذيع : انا قلتُ هذا من قبل ، وأريد كلاما جديدا لا أعرفه .
قال النبى محمد عليه السلام : انا قلت من قبل ان للقرآن الكريم منهجا يخالف المنهج الذى سار عليه ما تقول عنه انه العهد القديم . القرآن الكريم ليس كتابا فى التاريخ يحكى تاريخ السابقين بتسلسل زمنى فيه اسماء الأشخاص وتحديد الزمان والمكان ، بل هو كتاب الاهى فى الهداية ويستخدم القصص فى دعوته للهداية ، لذا يتحول القصص التاريخى فيه الى عظة وعبرة تنطبق على البشر فى كل زمان ومكان . ايضا القرآن الكريم ليس كتابا فى العلم فى الطبيعة والكون . صحيح إن فيه إشارات علمية ولكنها فى إطار الدعوة الى الايمان بالخالق جل وعلا الذى أبدع هذا الكون من الذرة الى المجرة . ولهذا لا تأتى الاشارات العلمية فى تسلسل حتى لو كانت فى موضوع واحد مثل خلق السماوات والأرض . يل تأتى متكررة لأن الدعوة تحتاج الى التكرار والتذكير أملا أن يتذكر الغافل وأن يعلم الجاهل وأن يستجيب العاصى .
قال المذيع : ولكن للحقيقة العلمية صيغة محددة . ولو جاءت آية قرآنية بهذه الصيغة المحددة تخاطب العرب فى جاهليتهم لتندروا على القرآن وإعتبروه تخريفا . هكذا يفعل الجاهلون فى عصور التخلف . يعنى مثلا كان الشائع وقت نزول القرآن ان الشمس تدور حول الأرض حسبما يرون . لو قيل لهم غير هذا لاعتبروه جنونا وتندروا عليه.
قال النبى محمد عليه السلام : هنا يتجلى الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، ليس فقط فى الاتيان بالحقيقة العلمية أو بالإشارة اليها ولكن أيضا بطريقة صياغتها حتى يتقبلها البشر مما بلغ جهلهم . وفيما يخص سؤالك عن إعتقادهم الخاطىء بدوار الشمس حول الأرض قال جل وعلا : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) 38 ) يس ) . هى حقيقة علمية أن الشمس تجرى فى فلكها داخل المجرة الى مستقر لها أى موعد قيام الساعة . جىء بهذه الصياغة حتى لا تصدم الجاهلين . واحيانا يؤتى بالحقيقة العلمية بإسلوب تعليمى بسيط لا يصدم الجاهلين .
قال المذيع : أعطنى مثلا
قال النبى محمد عليه السلام : تداخل الليل مع النهار وتداخل النهار مع الليل فيما بين الفجر والصبح وفيما بين المغرب والعشاء هو بسبب دوران الأرض حول محورها ودورانها فى نفس الوقت حول الشمس . فى عصرى كان الناس لا يبتلعون هذا ولا يتصورونه . لذا جاء التعبير عنه ب ( يولج ) الليل فى النار و( يولج ) النهار فى الليل تعبير عن هذا التداخل ، أو بتعبير ( السلخ ) يقول ربى جل وعلا : ( وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ 37 ) يس ) ، أو بتعبير ( التكوير ) كقول ربى جل وعلا : (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) 5 ) الزمر ) . كروية الأرض جاء التعبير عنها بقول ربى جل وعلا : ( وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) 30 ) النازعات ). والأرض ليست كروية تماما بل هى بالبيضة اشبه . والبيضة فى اللسان العربى تعنى ( دحية ).
قال المذيع : وماذا عن الهدف من إيراد الحقائق العلمية ؟
قال النبى محمد عليه السلام : العادة أن الآية العلمية فى القرآن تأتى فى إطار الدعوة للهداية . ويمكن أن تراجع الآيات لتتأكد من هذا . هذا يعنى أن إيراد الحقيقة العلمية أو الإشارة اليها ليست هدفا ، وإنما هى وسيلة للدعوة الى ( لا إله إلا الله ) . إذ يستحيل أن يقوم مخلوق بهذا الابداع فى خلق السماوات والأرض وما بينهما، وبالتالى فلا إله إلا الله ، لأنه لا خالق للسماوات والأرض وما بينهما إلا الله .
قال المذيع : دعنا نعود الى موضوع خلق السماوت والأرض فى القرآن بعد أن عرفناه فى العهد القديم .
قال النبى محمد عليه السلام : بإختصار فإن خلق السماوات والأرض مرتبط بتدمير السماوت والأرض . هناك إنفجار أنتج السماوت والأرض .. ثم سيأتى إنفجار آخر يدمر السماوت والأرض ، وكل هذا بحساب وتقدير لا فكاك منه ولا خروج عليه .
قال المذيع : لا أفهم
قال النبى محمد عليه السلام : الله جل وعلا فطر السماوات والأرض ، يعنى خلقهما من لاشىء ، وبدون مثال سابق . أى خلقهما من نقطة الصفر ، إنفجار أنتجهما .
قال المذيع : وماذا عن إنفجار القيامة ؟
قال النبى محمد عليه السلام : لا نتحدث الان عن إنفجار القيامة الذى هو بعث البشر وبداية اليوم الآخر. نتحدث عن إنفجار تدمير الكون أى إنفجار قيام الساعة.
قال المذيع : لا أفهم ان يكون خلق السماوات والأرض من الصفر ، من لا شىء .
قال النبى محمد عليه السلام : ربما يكون من قطعة من الزمن تفجرت ، وتحولت الى مادة ، وفى كل قطعة من المادة يحيط بها زمنها الخاص .
قال المذيع : كيف توصلت الى هذا ؟
قال النبى محمد عليه السلام : الزمن هو الذى يغلف كل شىء . وبه يسمى رب العزة ما يتعلق بهذا الموضوع ،مثل ( الساعة ) وهى زمن ، واليوم الآخر وهو زمن ويوم البعث ويوم الحشر ويوم القيامة ويوم الحساب . الزمن يغلف كل شىء مع إننا لا نراه . نعيش داخله ولا نراه .
قال المذيع :نعود الى الانفجار الأول . والذى أنتج خلق السماوات والأرض . لا أفهم كيف ينتج عنه العكس وهو تدمير السماوات والأرض .
قال النبى محمد عليه السلام : بإلانفجار الأول نتج كونان ، أحدهما نقيض للآخر
قال المذيع : تعنى سالب وموجب ؟
قال النبى محمد عليه السلام : نعم . ولابد أن يتباعدا ، لأنهما متناقضان ولو إلتقيا سينفجران . لذا يتباعدان ولكن فى شكل قوسى ، وفى النهاية يلتقيان فيصطدمان فيتدمران ويحدث الانفجار الثانى الخاص بقيام الساعة . ثم يليه الانفجار الأخير وهو البعث وبداية اليوم الآخر .
قال المذيع : الانفجار الأول يعنى خلق أرض وسماوت ، ونقيضها أرض وسماوت أخرى، ثم التباعد ، ثم التلاقى والانفجار ونهاية العالم . هل هذا فى القرآن الكريم ؟
قال النبى محمد عليه السلام : نعم ، ولكن
قال المذيع : ولكن ماذا ؟
قال النبى محمد عليه السلام : عليك أن تقرأ القرآن الكريم بمصطلحاته هو وليس بمصطلحات عصرك . لكل عصر مصطلحاته ، والعلم الحديث إخترع مصطلحات لم تكن موجودة.
قال المذيع : هذا مفهوم
قال النبى محمد عليه السلام : قال ربى جل وعلا يخاطب الكافرين يدعوهم الى الهداية : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ) 30 : 32 ) الأنبياء ). يهمنا هنا قوله جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا )
قال المذيع : ما هو المعنى ؟
قال النبى محمد عليه السلام : ( رتقا ) يعى بلا مسام . ( فتقناهما ) : الفتق هو الانفجار . أى كانت السماوات والأرض نقطة واحدة بلا مسام فانفجرتا . هذا هو ما تسمونه بالانفجار الكبير ، مع فارق أنكم تتحدثون عن الكون الذى تعرفونه من الأرض والنجوم والمجرات . وليس عن السماوات السبع . وقلنا أن النجوم والمجرات هى ما بين السماوات والأ رض . الله جل وعلا يخبرنا أن السماوات والأرض معا كانت نقطة بلا مسام فلما إنفجرت هذه النقطة تحولت الى أرض وسماوات سبع وما بينهما من مجرات ونجوم وكواكب .
قال المذيع : ثم ؟
قال النبى محمد عليه السلام : تأتى هنا الزوجية ، أى الشىء ونقيضه ، أو ما تسميه بالموجب والسالب . المصطلح القرآن هو ( الزوجين ) . والسماوت والأرض مخلوقة على أساس الزوجين الموجب والسالب .
قال المذيع : نحن نرى الزوجية فى الكائنات الحية الذكر والأنثى
قال النبى محمد عليه السلام : قال جل وعلا عن البشر ( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى )45 : 46 ) النجم )
قال المذيع : وايضا فى النبات وفى غيره حتى فى الطاقة الكهربائية سالب وموجب .
قال النبى محمد عليه السلام : كل المخلوقات زوجين ، موجب وسالب ، قال ربى جل وعلا ( وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) 12 ) الزخرف ). هذا يشمل كل شىء : ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) 49 ) الذاريات ) يشمل كل شىء نعرفه أو لا نعرفه ، قال ربى جل وعلا : ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) 36 ) يس ).
قال المذيع : يعنى بالتالى فإن السماوت المخلوقة زوجان متناقضان ، وكذلك هناك الأرض التى نعيش عليها وأرض نقيضة لها ، والنجوم والمجرات التى نكتشفها وهناك فى الناحية الأخرى نفس النجوم والمجرات ولكن نقيضة .
قال النبى محمد عليه السلام : هذا عن الزوجية فى السماوات والأرض ، ونفهم أنهما كونان نقيضان ، ولو إلتقى قطب سالب وقطب موجب يصطدمان ويشتعلان ويدمر أحدهما الآخر ، وهو نفس الحال ولكن على نطاق أفظع فيما يخص الكونين.
قال المذيع : ما الذى يمنعهما الان من الاصطدام ؟
قال النبى محمد عليه السلام : توسع الكونين كل منهما ينطلق فى طريق نقيض للآخر .
قال المذيع : هل هذا التوسع مذكور فى القرآن ؟
قال النبى محمد عليه السلام : نعم . يقول ربى جل وعلا : ( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) 47 الذاريات ). أى إن الله جل وعلا بنى السماء بقوة ، ثم يأتى التأكيد باتساع الكون وتمدده باستمرار فيقول جل وعلا : ( وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) 47 الذاريات )، وواضح هنا أن التمدد والتوسع مصاحبا للخلق .
قال المذيع : من الممكن أن يكون التوسع لا نهائيا ، أى ينطلق هذا فى إتجاه مستقيم والآخر فى إتجاه مستقيم ولا يلتقيان ولا يصطدمان .!
قال النبى محمد عليه السلام : ليست هذه إرادة الخالق جل وعلا، بل أراد أن يكون توسعهما فى إتجاه بيضاوى حتى يلتقيا وينفجرا ويدمر كل منهما الآخر. قال جل وعلا : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) 104 ) الأنبياء ). مثلما تفتح كتابا ثم تقفله هكذا هو الخلق ثم تدميره .
قال المذيع : هذا رائع ..
سكت المذيع قليلا ثم قال : هذه الاشارات العلمية عن خلق الكون وتدميره لماذا لم يلتفت اليها المسلمون طيلة القرون الماضية ؟ العالم اليوم يكتشف المادة والمادة النقيضة وأنهما لو إصطدمت ذرة بذرة نقيضة ينجم عنهما إنفجار هائل . فكيف بالسماوت والارض ؟ هذه الآية : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ) 30 : 32 ) الأنبياء ) موجودة فى القرآن دون ان يلتفت اليها المسلمون . هى ليست فقط خطابا للكافرين بالقرآن فى عهدك بل للمسلمين فى هذا العصر ايضا .
قال النبى محمد عليه السلام : إتخذوا هذا القرآن مهجورا . وأنا برىء مما يعملون .