دعا ذات مرة أحد الرجال الناسَ في قريتنا إلى ذمي ونبذي وطردي من أي مجلس أجلس به , وأضاف بأنني رجلٌ مغبون ومغضوبٌ عليّ ودعا إلى كُرهي وبغضي وإلى الزيادة في الكره والبغض, وفي الحقيقة هذا ليس أولَ رجلٍ يدعو إلى بغضي وكرهي بل سبقه كثيرٌ من الناس وأتتني المسبات والشتائم من أقرب المقربين, حتى غدوتُ رجلا مكروها يتنافس الناسُ في كُرهي وعدائي ويتندرون في لياليهم الحمراء على كتاباتي حتى غدوتُ رجلا وحيدا كئيبا وكأنني إنسانٌ وحيد أعيش في جزيرة شبه معزولة عن العالم الخارجي, وها أنا لا يلقي الناسُ عليّ التحية ويعتبرني الغالبية مجنونا , وبدأت الحملة أولا على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك, ولأن ذاك الرجل كان متنفذا فقد ألغى الصداقة معي قرابة ال200رجل من أقربائي ومعارفي بحجة أن أفكاري ومعتقداتي كلها مسيحية, وفي الحقيقة تألمت جدا بسبب هذه الدعوة, وجزعتُ جدا لأنني بدأتُ أشعرُ أنني إنسان وحيد لا يخالطني الناس ولا يرغبُ أحدٌ منهم بالتعامل معي في كل المجالات,وأيضا لم تكن هذه الدعوة جديدة فأنا فعلا منذ زمن وأنا منبوذ من قِبلِ أصدقائي وأقاربي ومعارفي المحيطين بي من حولي, حزنت في البداية وجزعت كثيرا ولكن شعرت بعد فترة بأنني منبوذ من قِبل الناس ولكنني محبوب من قِبل الله.
فما أجمل من أن يكرهك الناس ويحبك الله! وما أجمله من شعور حين يطردك الناس من بيوتهم ويفتح لك الله بيته على مصراعيه! وما أجمله من شعور أن تجلس في البيت وحدك لا يزورك أحد ولا أنت تزور أحد وليس معك إلا الله تتبادل معه الزيارات, مرة تأتيه عندما يدعوك إلى أحضانه الدافئة ومرة تذهب إليه أنت برجليك وبقلبك وبكل ما فيك من مشاعر وأحاسيس! ما أجمله من شعور حين يبتعدُ عنك الناس ويقتربُ منك الله! وما أجمله من شعور حين يغدر بك الناس والله وحده من يفي لك بكل وعوده! إله تحبه ويحبك وتعظمه ويعظمك وتحترمه ويحترمك! إله صالح في أكل الأزمان وأنيسك وجليسك الوحيد حين لا تجد من تجلس معه, يضحك في وجهك حين تظهر لك الناسُ أنيابها, ويعطيك حين يحرمك أقرب المقربين, يلطف بك ويخاف عليك حين تنوي كل الناس الإيقاع بك, الحملة التي بدأها الناسُ ضدي قابلها الربُ الإله الصالح بحملةٍ مضادة للكراهية, وما أجمله من شعورٍ عندي بالغبطة وبالسرور حين يغلق الناس أبوابهم دوني ويفتح لي الرب كل أبواب رحمته! وما ألذّه وما أطيبه من شعور حين يمنع الناس عني الماء والطعام والدواء ويحرموني من الدعوة إلى موائدهم ويفرش لي الرب مائدته وأحل عليه ضيفا كريما تلقى دعوة حارة من ملك الملوك!, ما أجمله وما أروعه من شعور حين تنبذني الناسُ ويبتعدون عني ويحبني الله الذي ليس كمثله شيء, سعيدٌ بالجلوس معي ويطرب لسماع صوتي كما أطربُ لكل نداءاته, صحيح أنني رجل فقير ولا أملك قوت يومي ولكني غني بالإيمان الكبير الذي زرعه الرب في قلبي, وما أجمله من شعور حين تكون أنت أيضا مثلي يحرمك الناس من الجلوس معهم ومن الصلاة معهم وبنفس الوقت تدخل بيتك وتغلق بابك على نفسك وتصلي لله في جلسة مغلقة لا يكون فيها معك إلا أكبر ملك عرفته البشرية وأعظم مخلص وأفضل معلم! ما أجمله من شعور حين أسمعه وهو يقول لي: تعال يا ثقيل الأحمال وأنا أريحك, تعال يا كثير الديون وأنا أسدد عنك, تعال يا مطرود وأنا أستقبلك, تعال يا كثير العيال وأنا أعيلك, تعال يا محروم وأنا أعطيك, تعال يا مسجون وأنا أحررك, تعال يا متوتر الأعصاب وأنا أهدئ لك من أعصابك, تعال يا خائف وأنا أطمئنك,إنه هو يمشي على الماء كما يمشي على دمائي ويدبُ بخطواته على عظامي ليحمل عني وليتألم بدلا مني, فلا يوجد أحد مثله معي في السلوك لا أبي ولا أمي ولا أولادي, لذلك أحببته أكثر من كل الذين أحبوني ذات يوم أيام كنت طفلا وشابا يافعا.