الموت و اللحظات الاخيرة في حياة الانسان

cgrl1

الموت هو الحقيقة الوحيدة التي يخاف و يهرب منها الانسان في حين انه يقضي جل اوقات حياته مدعيا البحث عن الحقيقة،الانسان يتغاضى عن ذكر الموت فقط ليهدأ من روعه و يعيش على هواه و يبرر الظلم و العدوان و المحرمات لنفسه و يطمئنها، لكنه في قرارة وعيه يعتقد اعتقادا كليا انه يوجد شيء ما سوف يحصل بعد حين، بعد افتراق روحه عن جسده.

من الحقائق العلمية التي صدمتني ان اول شيء يبدا بالتحلل و الفناء بعد موت الانسان هي الاعضاء التناسلية و من بعدها البطن، جزئين في الانسان قتل و دمر و ظلم و اغتصب حقوق الاخرين كي يرضي غرورهما و نهمهما و ها هما يتركانه من الوهلات الاولى من خروج روحه.

لا يوجد زائر من تلك الحياة الجديدة يطلعنا على تفاصيل ما راى، يخبرنا ماذا نفعل كي لا نكون اشقياء عند موتنا كما نحن الان في حياتنا هذه, تابعت موضوع الموت في الاديان السماوية وجدت انه باستثناء الاسلام لم تغص الاديان الاخرى في تفاصيل الموت فقط اخبروا بوجود حياة من بعده، اما الدين الاسلامي فتوجد فيه تفاصيل دقيقة عن موت الانسان و خروج روحه و ما سيحصل له بعد مفارقته هذه الحياة.

2

لاحظ صديقي القارئ عندما يكون الانسان في انقطاع من هذه الدنيا تبدا روحه تخرج من قدميه كي لا ينهض و يركض من هول ما يراه، و يصيبه تشويش في مخه و يشل لسانه كي لا يروي ما تراه عيناه للمحيطين به، العضو الوحيد الذي يكون في اقصى فعاليته هو العين، أنظر الى بؤبؤة عين شخص يحتضر تراها كبيرة جدا و حدقة العين متسعة بعدة اضعاف عن حدقة عين انسان عادي.

في الدقائق الاخيرة في حياة الانسان يصبح نظر و ادراك المرء كالحديد يمر شريط حياته امام عينيه بحلوها و مرها بسوءها و خيرها، الذي يسهل خروج روحك راضية مطمئنة من جسدك و يخفف عنك آلام الموت ان يكون شريط حياتك مليء بالمحبة و مساعدة الناس مهما كان دينهم و جنسهم و لونهم و مذهبهم، و من التعاسة ان ترى اخر اللحظات تذكرك انك كنت مفسدا و ظالما مؤذيا لمن لا حول و لا قوة لهم بطشت بهم و اضنكت معاشهم.

في الثواني النهائية من حياتك تجد نفسك وحيدا لا يوجد احد يسمعك و لايشعر بك ربما يكون جمع كثير من حولك لكن لا يفكرون و لا يرون و لا يحسون بما انت فيه، سيأتي يوم يصرخ قلبك باعلى صوته لكن لن تجد من يسمعه لا امك و لا ابوك و لا خليلتك و لا زوجك و لا اطفالك و لا اصدقائك و لا اقاربك.

3

الكل سيموت و سوف يأتي يوم تكون الارض خالية من الفن و الادب و الاختراعات و شركات الموضة و الاحذية و العطور و الاكل و الشرب و الجنس من كل شيء اغرانا في حياتنا، حتى الشمس التي كانت تجعلنا نقف لها بصمت و اجلال في شروقها و غروبها ستكون في نهاية المطاف شيء لا يذكر, زرقة السماء لن تزيل التوتر و الهم عن قلوب توقفت عن النبض، رائحة التراب الزكية بعد هطول زغات المطر عليه في يوم خريفي لن تداعب مشجات انوف توقفت عن الشم، القصيدة ستبقى وحيدة و الحكمة سوف تشتاق لمن يفهمها، كل شيء سيصبح بلا معنى لان الذي كان يضيف اليها معنى قد مات و انتقل الى حياة اخرى كي يعطيها معنى اخر.

الانسان يكره الحديث عن الموت لانه حقيقة مرة، لا يقدر الرجل ان يتصور زوجته بعد مماته و هي في حضن شخص اخر تسمعه كلمات الحب و الغرام بعد ان كانت تقسم له باغلظ الايمان انها لم و لن تحب غيره, و المراة ايضا ليس بمقدورها ان تتصور زوجها يهدي وردة حمراء لغيرها و ينظم اجمل و ارق القصائد فيها بعد ان كان يقول لها انت وردة قلبي الوحيدة، لا يريد الانسان ان يرى ماله و ثروته التي كافح من اجلها بالحلال و الحرام ستكون وبال عليه في قبره و نعيما لعشيق زوجته او لورثة سيشتمونه و يلعنونه سرا و علانية، لا يريد الانسان ان يفكر انه سوف ياتي يوم يبقى فيه وحيدا تحت التراب لا مؤنس له و لا خليل، جسده الذي اعتنى به طوال سنوات حياته سوف يكون طعاما للدود و الحشرات. لا توجد دموع يذرفها كي يهدا من وحشته و غربته لا يوجد قلب يزرف الاهات و لا صوت يعبر عن الالام.

ختاما:

صديقي القارئ لم اقصد بسطوري اعلاه ان اثبط عزيمتك في الحياة و ان تعيش من اجل الموت، بل من منطلق ان يكون الموت رادعا لي و لك من ان نكون ظالمين مستبدين نتللذذ بحياة سعيدة على حساب معاناة و تعاساة الاخرين، ان يجعلنا الموت اكثر احساسا و شعور و وعيا بآلام الاخرين في وقت عجزت الفلسفة و الادب و الفن و الموسيقى ان تجعلنا كذلك، لا تستغرب ان قلت لك ان سيرة اعتى الطغاة و المستبدين تروي انهم كانوا يهلعون من ذكر الموت و يقل عدوانهم عند تفكيرهم به، و المبدعين و المخترعين يزداد عطائهم عند تفكيرهم بالموت و الحياة بعده، و لك ان تتبع سيرة حياة هتلر و ستالين و صدام حسين و اديسون و انشتاين و نيتشه و جارلز ديكنز و اوسكار وايلد كي يتضح لك صحة ما نرمي اليه.

mahdi.m.abdulla@gmail.com

المصدر ايلاف

About مهدي مجيد عبدالله

مهدي مجيد عبدالله كاتب عراقي
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.