صوت العراق: كاظم فنجان الحمامي
صارت قطعان الحمير (أعزكم الله) هي التي تصنع الحدث هذه الأيام, فمن سوريا إلى اليمن إلى المغرب, مروراً بعرب الشيخ متعب, وعرب الشيخ فرهود, وعرب الشيخ مكرود.
أصبحت الحمير هي الحيوانات المتهمة بالغباء, والمتهمة بتأخير عجلة النمو العربي, والمتهمة بمنعها من الدوران, وحرمانها من فرص التقدم, ثم أضافوا للحمير تهمة جديدة زعموا فيها أنها باتت ترتكب الجرائم الإرهابية الموازية لجرائم التخلف, تمثلت بممارستها العض والرفس ضد الأقوام العربية الآمنة المطمئنة, وتمثلت أيضاً بممارسة العصيان والوقوف المتعمد في طريق المركبات الحديثة المسرعة, فصدرت القرارات تترا من المحاكم العربية بإعدامها رمياً بالرصاص بعد ثبوت الوقائع المسجلة ضدها بالجرم المشهود, وبعد ثبوت ارتكابها جرائم أخرى مخلة بقواعد الدواب والمطايا والبهائم.
في اليمن قرر أهالي إحدى القرى التابعة لمحافظة (إب) إنزال القصاص (العادل), والحكم بإعدام الحمار أبن الحمار الذي تورط بالاعتداء على أسرة يمنية مؤلفة من خمسة أشخاص, فانهال عليهم رفساً وركلاً وعضاً, وفي اليوم المقرر لتنفيذ الحكم, اقتادوا الحمار المتمرد إلى ساحة مفتوحة وسط القرية, وقرئوا عليه قرار الحكم وحيثياته, ثم أمطروه بوابل من رصاصهم, فسقط مضرجاً بدمه, على مرأى ومسمع من قطعان الحمير والبغال, التي آثرت الصمت, معلنة انسحابها الفوري إلى مرابطها من دون أن تنهق نهقة واحدة, في الوقت الذي تعالت فيه زغاريد نساء القرية, وعبَّر زعماؤها عن فرحتهم الغامرة بهذا النصر المؤزر.
ترى بعض القبائل اليمنية أن هذه الواقعة ستكون عبرة للحمير والبغال والخيول, حتى لا تفكر مرة أخرى بالتطاول على الإنسان العربي, وترى جمعيات الرفق بالحيوان أنها لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى هذا التعسف اليمني غير المسبوق ضد سلالة الحمير الحميرية.
وفي المغرب العربي, تحررت الحمير من الرباط, وسارت في شباط, وسط شوارع الرباط, في مسيرة عارمة نظمها حزب الاستقلال, للتنديد بغباء التدابير الحكومية, وطريقتها المرفوضة في التعامل مع مشاكل المواطنين, انتهت المسيرة بمقتل شخص واحد, وسقوط عشرات الجرحى, وكانت الحمير هي المتهمة بارتكاب هذه الفوضى.
سارعت الحكومة المغربية إلى اتخاذ الإجراءات الأمنية الاحترازية اللازمة للحد من تهور الحمير واستهتارها, فمنعتها من دخول العاصمة (الرباط) إلا بترخيص من المنظمات المعنية.
في أمريكا صعدت الحمير إلى الطوابق العليا في البيت الأبيض, وفي سوريا ارتكب المسلحون النظاميون مجزرة جماعية للحمير البرية , التي لا ذنب لها البتة, فهي أولا وأخيرا من الحمير الشامية الصحيحة النسب, لم تهدد الأمن القومي, ولم تلتحق بركب المعارضة, ولا تحمل السلاح, ولم تفكر في يوم من الأيام بأي محاولة اغتيال, ولا يمكن التغرير بها وتوريطها بعمليات التجسس, ولا تريد أن تفهم تقلبات الأوضاع في المدن العربية, لكنها وعلى الرغم من جهلها التام تعرضت للإبادة الجماعية في لقطات مصوره شاهدها الناس على شاشات التلفاز.
ربما يقول قائل: ما لنا نشفق على الحمير, ونتجاهل قوافل الناس الأبرياء الذين مزقت أجسادهم العبوات الناسفة, ودمرت منازلهم المتفجرات المدوية, وقتلتهم العربات المفخخة, فنقول له: أن الذين خططوا لتفجير الناس, وحرضوا على ارتكاب هذه المجازر الدامية, والأفعال الشنيعة, يعدون في تصنيفات الكائنات الحية أقل مرتبة من الحمير والبغال, وأدنى مستوى من الضباع والخنازير, وأتفه من الذباب والديدان الضارة, ولسنا مغالين إذا قلنا أنهم من جنس الشياطين والأبالسة..
ربنا مسّنا الضر, وأنت أرحم الراحمين