كنت قبل أيام في مدينة الرياض لتقديم واجب العزاء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود وولي ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، وأبناء الفقيد الملك عبد الله بن عبد العزيز طيب الله ثراه.
لقد كانت لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مآثر كبيرة في تطوير المملكة والسير بالمملكة العربية السعودية في جو متلاطم إلى بر الأمان. وقد تذكرت بأسى ما كان يربطني بالملك الراحل من علاقات أخوية وممتازة في جميع المواقع التي توليتها، سواء رئيسا للوزراء أو وزيرا للخارجية وأخيرا رئيسا للجمهورية.
فعندما انتهت الانتخابات النيابية في عام 2002 بفوز الحزب السياسي الذي قمنا بتأسيسه وكان حديث النشأة، وقمت بتشكيل الحكومة التركية الثامنة والخمسين، كان من أوائل من اتصل بي للتهنئة الملك الراحل، كما كان في استقبالي في مطار الرياض عندما قمت بعد أشهر بزيارة الرياض ضمن جولة لي لدول الجوار العراقي قبل حرب عام 2003، وقد نهلت من آرائه العميقة، وللأسف لم تستمر اجتماعات الدول المجاورة للعراق بعد الاجتماع الحادي عشر فيما بعد، مما ضيع الفرصة لإيجاد حل عادل وشامل في الشأن العراقي، وتوالت الأحداث فيه من تناحر مذهبي وعرقي أودى بحياة الكثيرين في هذا البلد المهم.
لقد بادرت فور طلبه مني بالاهتمام بمسألة انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة الدولية، حيث لم تكن موافقة الجمهورية التركية قد اكتملت بعد، وعندما تم ذلك بعث إليّ وزير المالية إبراهيم العساف مبعوثا شخصيا لتقديم الشكر، وتوالت اتصالاتنا فيما بعد؛ إذ لا أذكر أنه لم يبادر لتنفيذ أي طلب ورد إليه من قبلنا حول تسهيل سفر الحجاج الأتراك أو إقامة مواطنينا في المملكة.
قام الملك عبد الله بن عبد العزيز بزيارة تركيا بعد 40 عاما من آخر زيارة ملكية لتركيا قام بها الملك فيصل رحمه الله عام 1966، وكان ذلك في عام 2006، وكان قد زارها قبل ذلك عندما كان وليا للعهد. ولكنه زار أنقرة بعد ذلك بعام أيضا في ثاني زيارة ملكية لتقديم التهنئة عندما تم انتخابي رئيسا للجمهورية التركية. وفي تلك الزيارة كان من دواعي سروري تقليده لي وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، وكنت قد قدمت إليه ميدالية الشرف للدولة.
لقد أوليت اهتماما كبيرا بتطوير علاقاتنا الثنائية مع المملكة العربية السعودية في كل المجالات ضمن اهتمامي الكبير بتطوير علاقاتنا مع دول المنطقة ودول مجلس التعاون الخليجي، وقد تم فعلا توقيع الكثير من الاتفاقيات التي استهدفت مصلحة الطرفين، فقد تم في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2003 تأسيس مجلس رجال الأعمال التركي – السعودي في الرياض، ووقعت غرف الصناعة والتجارة اتفاقيات مماثلة، ثم أعقب ذلك توقيع اتفاقيات تشجيع الاستثمار ومنع الازدواج الضريبي والحد من التهرب الضريبي واتفاق التعاون الأمني، وكانت هذه الاتفاقيات قد شكلت سابقة في المملكة، وقد عملنا على إنجازها مع الملك الراحل، وأعتقد جازما أن العلاقات التركية – السعودية يجب أن تكون منيعة وراسخة وثابتة، وقد لقيت من قادة المملكة هذا الحرص أيضا. وكان لقائي الأخير مع الملك الراحل في موسم الحج الماضي، حيث حرص على الالتقاء بي، وكان متجاوبا في ضرورة الحفاظ على أكمل العلاقات بين البلدين الصديقين.
وأملي كبير في الحفاظ على هذه العلاقات المتوازنة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، فقد لمست منه دائما الحرص على تقوية علاقات المملكة مع جميع دول العالم، وبخاصة مع الدول الشقيقة التي تشترك في الكثير من الآمال وفي الطموح لمستقبل زاهر في هذه المنطقة، والتعاون الوثيق في التصدي للإرهاب والأفكار المتطرفة التي تؤذي مستقبلها.
وكنت قد سعدت فعلا باستضافة الملك سلمان بن عبد العزيز قبل فترة، حيث زار أنقرة بصفته وليا للعهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء وزيرا للدفاع، وقد تم توقيع الكثير من الاتفاقيات الشاملة خلال هذه الزيارة، مثل التعاون في الصناعات الدفاعية والتدريب العسكري والتعاون الجمركي، وأملي كبير في تفعيل هذه الاتفاقيات بما يضاعف من توثيق عرى التعاون بين البلدين الشقيقين.
لقد لمست من الملك سلمان اطلاعه الواسع على مجريات الأمور ونظرته الصائبة في تحليل الوضع الدولي، ويمكنني أن أقول بأن مستقبل مسيرة المملكة العربية السعودية في أمن وأمان بفضل هذا القائد الفذ، ويسعدني أن أرى صديقي سمو الأمير مقرن سندا كبيرا ودعامة قوية في تطوير هذه المسيرة، وأتمنى لجميع إخوتي في المملكة العربية السعودية التوفيق والسداد.
وإذا كانت هناك مقاربات مختلفة بين البلدين في الفترة الأخيرة، فإنني أعبر عن أملي أن تحقق العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية صفحات لامعة في العلاقات المشتركة في زمن وجيز.
مواضيع ذات صلة: الملكة تصاب بالرعب من ذوق حذاء حريم السلطان