المسيح عيسى بن مريم كان مندائيا وليس يهوديا

د نوري المراديsabiaa
يصر التواتوسياسيين على القول بأن المسيح ولد في مدينة الناصرة الشرق متوسطية، وانّه عاش في حاتور (مصر الحالية) في يفاعته وشبابه. لكن التاريخ الحاتوري (المصري) الأدق في تفاصيله، التي تذكر أحيانا حتى ملابس الفرعون، هذا التاريخ يخلو تماما من أية إشارة إلى المسيح، كما خلا قبله من أية إشارة عن وجود إبراهيم وموسى. والمثبوت أيضا إن مدينة الناصرة الفلسطينية الحالية نشأت عام 300م أي بعد وفاة المسيح بما يقارب 270 سنة.
فكيف الحل؟!
وأستسمح القارئ عذرا على تسميتي مصر الحالية (وقسمها الأعلى تحديدا) بإسمها الهيوفليفي الأصل (حاتور) وليس بإسمها العموري السومري (مصر) الذي أخذته حين حكمها منس بن سرجون الأكدي العظيم وأسس فيها حكم السلالات (وادل، الأصل السومري للحضارة الفرعونية) أعدت لمصر العليا الحالية إسمها القديم (حاتور) تجنبا للإلتباس الذي بني على صرخة السيد هاليفي الذي تسبب في محو إسم مصر الحقيقية عن موقعها الحقيقي.
يشير التاريخ بأن غالبية الأنبياء العظام، إن لم يكن جميعهم على الأطلاق، من أصل شنعاري. وشنعار هو الإسم الأقدم لوادي الرافدين وهو تقطيعا (( سين آر )) الذي يعني سهل أو مرج الإله سين، أي مرج أو سهل القمر، أعز وأحب الآلهة في التراث الشنعاري. وربما لاحظ القارئ ومن خلال الكتابات السابقة إني أعشق هذا الإسم – شنعار.
حتى الرسول الكريم محمد (ص) لو تتبعنا أثره فهو أيضا من أصل شنعاري، بدليل قول الإمام علي (ك) نحن من قريش وقريش من النبط والنبط من كوثى.
والأنباط هم فلاحو ميسان (ياقوت الحموي) وكوثى موقعان، واحد مندرس قرب الكوت والآخر الكوفة الحالية، وهي الأصل والمقصودة بحديث الإمام علي. كما إن أصلي قبائل العرب، عدنان وقحطان، عراقيان (خليل الجندي، حقيقة الديانة اليزيدية) وهما إلى اليوم معروفان في العشائر اليزيدية بإسمي: آدون وقاتان. وآدون من منطقة الطيب شرقي دجلة، وقاتان كما أفترض، وليس هنا المجال لذكر السبب، من منطقة الفرات. كما يأتي الشمسانيون بالدرجة الثالثة في الترتيب العشائري اليزيدي، وربما هذه يلمح إلى أصل عبد شمس. وعبدشمس ونوفل والمطلب وهاشم هم أبناء عبدمناف (المغيرة). والرسول محمد هو بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف.
ناهيك عن أن الأنبياء الأقدم، تموز وإيلي وجوديا وأيوب وجلجامش وحمورابي وأخناتون وغيرهم ممن لا نعرف هل هم خارج أم ضمن العدد الذي أشار إليه الرسول محمد (ص) بقوله بأن لله 124000 نبي ورسول. ونحن نعلم وبدون ذكر البراهين أن زرادشت فارسيا وعاش شرقي شنعار ثم إنتقل إلى بابل مثلما نعلم أن النبي ماني كان بابليا وأنّ أباه كان مندائيا (صابئيا) وهو ذاته شب على عقيدة المنداء (خزعل الماجدي، المعتقدات الآرامية). ومن هنا يجوز القول بأن مذاهب التوحيد ومن ثم التفريد ومن ثم الثنوية والتثليث ،،الخ كلها مذاهب شنعارية، نشأت في سهل الرافدين ومنه إنتشرت. ناهيك عن إن جميع قصص التراث اللاهوتي وبلا إستشناء حدثت في شنعار، أو تشكلت أسطوريا بناءً على بيئة وأعراف شنعار. وهو ما تشير إليه الأرخيولوجيا أيضا.
لكن غموضا ما يكتنف صبابة وشباب ثلاثة من أشهر رموز التوحيد والتفريد وهم: الفرعون أخناتون(1375 – 1358قم)، النبي يحيى بن زكريّا والنبي عيسى بن ماريا( عشية القرن الميلادي). فأين عاش هؤلاء وأين ظهرت أولى كشوفاتهم؟؟
وبالقدر الذي يخص المناسبة الجليلة – ميلاد سيدنا المسيح، فسأترك الحديث عن آخناتون وأتناول فقط النبين يحيى وعيسى (ع ع ).
تتطور الأمم والحضارات فتصل حدا من التألق تهفت بعده وتنتهي. وقبيل النهاية والإنغلاق، قد يظهر المنقذون. وقد مرت الديانة المندائة بفترة من التألق الشديد حتى قال الأب غريغوريوس المالطي أن (( جميع العالم كان على ديانتهم )) لكنه تألق بدأ يهفت بيتغلق المنداء على أنفسهم، حسب ديدن التطور. وقد ظهر المنقذ الأخير والمجدد في هذه الديانة، يحيى بن زكريا، وحاول، لكنه، فشل ماديا، ونجح روحيا.
وحين تنهار السياسية يلجأ المرء إلى الدين ليبحث عن ذاته وواقعه. وهذا الذي حدث في شنعار في منتصف الألف الأخير قبل الميلاد. فالبعث السياسي الاشوري الذي أراده حزقيال ومن ثم عزرا، لم يتم، لكن الديانة الآشوري (أو حقيقة الدينقومية الآشورية الجنوبية – الإيهودية) عمت الجسد الشنعاري وإحتوت العرفانيات الإبراهيمية التي حملها العبران حين إلتحقوا بالجيش الآشوري المندحر. إحتوى تلك العرفانيات وأرجعها إلى خانة الأعراف وحسب. وإشتد مع هذا العداء بين المنداء وهذا الدين القومي الصاعد بزخم شديد، وإستمرت الحال خمسة قرون تقريبا بين أخذ وشد، حتى ظهر النبي المندائي يحيى بن زكريا، الذي قال مرة: ((إن الإسرائيليين يرشون دمهم على وجوههم، ويختتنون ويعبدون أدوناي ويترك الأزواج زوجاتهم ويضاجعون غيرهن، والنساء الحاضنات يضاجعن أزواجهن، لقد ظلوا عن المذهب شوطا وإختلقوا كتابا لأنفسهم، أقول لكم أيتها الصفوة المختارة لا شأن لكم مع هؤلاء العبيد، لا تختلطوا مع الإيهود، الذين لا يتفقون على كلمة واحدة، كل الممل والنحل تخرج منهم)) (الرسالة الخامسة من كتاب كنزايمينا – أصول الصابئة ص103) فمن هو يحيى بن زكريا ومن هو تلميذه، أو متعمده عيسى بن ماريا؟؟
إن البراهين التي تستند إليها الطروحات التوراتوسياسية عن يهودية المسيح، وشرق متوسطيته هي ولادته في الناصرا، علاقته بيوحنا المعمدان، مدينة أورشليم، تعميده في نهر الأردن، الحكم الروماني الذي تم خلاله محاكمة المسيح وإعدامه.
فمن من هذه القصص يثبت للنقد، ومن منها يثبت أنه تم على ساحل البحر المتوسط؟!
يكاد يجمع المنداء والمسيحيون بأن يحيى بن زكريا هو يوحنا المعمدان. وحقيقة فيوحنا ينطق أراميا وسريانيا على شكل (يهانا) وهو الإسم الذي يتلازم مندائيا مع إسم يحيى (ويجوز كتابته يحيا أيضا) حيث يقال: ((يهيا يهانا )) والتي تقال عربيا (( يحيى يوحنا )). والقصة المتوارثة عن يهيا هي ذاتها المتوارثة عن يهانا (يوحنا) الذي حملت به أمه السيدة أليزابث (أو أنشيبا) وهي في الثامنة والثمانين، وولدته وهي في التاسعة والثمانين وإلتقته وهو في الثانية والعشرين، أي وهي في الـ 111 من عمرها. ويوحنّا قبـّلها حين إلتقاها بفمها، فعاب أصحابه عليه هذا الفعل فقال: هي حملتني في رحمها وليس عيبا أن أقبلها بفمها.
ومن إنجيل لوقا نجد أن: (( وقد كهن في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن إسمه زكريا من فرقة أبيا وإمرأته من بنات هرون إسمها ألياصبات. ولم يكن لهما ولد ولما كان زكريا يصلي ويبخر المعبد ظهر له جبرائيل ملاك الرب وقال له إن أمرأتك ألياصبات، ستلد ولدا وإسمه يوحنا، وسيمتلىء من بطن أمه بروح القدس ويرد الكثير من بني إسرائيل إلى الرب إلههم )). ومن مجمل الأناجيل الأخرى نجد: (( وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية وجاءه الفريتسيين والصادوقين وإعتمدوا في الأردن. وجاء المسيح ليعتمد فقال له يوحنا أنا محتاج أن أتعمد منك، لكن المسيح أصر فعمده فإرتفع المسيح إلى السماء ورأى روح الله نازلا مثل حمامة وسمع صوتا قائلا هذا هو إبني الذي به سررت)).
وهرون المذكور هنا، هو أخو ماريا أم المسيح كما يفترض. أو هي نسبت إليه كناية حيث ورد في القرآن (( يا أخت هرون ))
ومن كتاب ((دراشا د يهيا)) أي: تعاليم يحيى، نجد أن: (( نجما شوهد يسطع على الكاهن زكريا العجوز وزوجته وعلى أورشليم وبيت المقدس. ولم يستطع أحد تفسير الحلم فأرسلوا رسالة بيد طاب يامين إلى لولخ الكاهن في مدينته. ولولخ فسر الحلم وكتبه برسالة وختمها. فقرأ زكريا الرسالة وخاف وقرأها كاهن آخر فوجد فيها مكتوبا أنه يا كهنة اليهود إن إنشيو المرأة العاقر ستلد ولدا إسمه يهيا يهانا وسوف يعمد في مياه أورشليم الجارية وسيصبح رسولا لله، وإن نطفته أرسلت من العرش إلى رحم أنشيوي (وتسمى عند اليهود ألياصبات وعند النصارى إليزابث). وكان زكريا قد بلغ الثانية والتسعين بينما أنشيوي في الثانية والثمانين عاما. وكانت عاقرا. وولد يحيى في أورشليم. وأراد اليهود إطلاق إسم يهودي عليه فرفضت أنشيوي وكان كلامها ثقيلا عليهم لكن الله أراد ليحيى أن ينشأ على التعاليم الصابئية. لذا أرسل الملاك أنش أثرا إلى أورشليم وأخذ يحيى إلى الجبل الأبيض المسمى بروان طورا (وبروان تعني خمسة) حيث عمده الله وعاش على حليب الأشجار. وفي سن السابعة تعلم الأبجدية الصابئية وفي سن الخامسة عشر تعلم القافية والتعاليم الصابئية حتى تمكن من الدين الصائبي. وفي سن الثانية والعشرين أمره الله أن يعود إلى أورشليم ويعلن دعوته. ولهذا السبب وضع تحت تصرفه زورقا ركبه سيدنا يحيى وتوجه به إلى أورشليم فوصلها في الساعة السابعة من يوم الأحد. وإنتشر الخبر وتكلمت الشمس أيضا به. وجاءت أنشوي إلى الشاطئ حيث يوجد يحيى فقفز لها وأحتضنها. وعاب عليه الملاك أنش أثرارا أنه يحتضن إمرأة غريبة، فقال له يحيى إنها أمي. وقد أرسل الله يحيى لينقذ الشعب الصابئي، وعندما رأى أن الظروف مواتية بدأ دعوة إحياء الدين الصابئي، بعد ما طوى تعاليمها النسيان. وقد بقي يحيى 42 عاما منشغلا في تعميد الناس كما طهر المجذومين وشفى أمراضا كثيرة، وسمي من عند الله بالنبي الصادق أو (( أشليها أدشراري)) باللغة الآرامية. وفي مساء أحد الأيام جاءه الملاك مندادهي المقرب إلى العرش على هيئة طفل إبن ثلاث سنوات وطلب منه أن يعمده، لكنه إعتذر بحلول المساء حيث لا تقضي الديانة بالتعميد إلا نهارا. فأنجلى الليل بقدرة الرب وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى النهر ووجد ذلك الطفل إبن ثلاث سنوات. فإنحني يحيى على الماء ليتوضأ لكنه من الكبر لم يستطع النهوض فأرسل إليه الطفل نظره وإذا بالماء هاج وماج وظهرت اليابسة تحت قدمي يحيى. فنظر إلى الطفل وقال له من أنت ولم هاج الماء منك؟ فقال الطفل أريد أن تعمدني لأذهب إلي بيتي. فقال له يحيى كيف أعمدك وقد إختفى الماء. فقال الطفل هناك ماء في الجانب الآخر، فذهبا سوية على سطح الماء وظهر النور على الطفل، وسأل يحيى الطفل ثانية فصاحت أسماك البحر وقالت: وجودك مبارك يا ملك مندادهي مبارك المكان الذي جئت منه ومقدس ومبارك المكان الذي تذهب إليه، ثم كررت الطيور الكلمات ذاتها، عند ذاك أدرك يحيى أن هذا الطفل هو ملكا مندادهي خليل الله. وقال الطفل ثانية عمدني، فقال له يحي من أكون حتى أعمدك، أنا الذي يجب أن أتعمد على يديك، إني كلما أعمد أحدا ألفظ إسمك بعد إسم الله المبارك وأنت صاحب كل مراسيم التعميد. عن ذاك إعترف الملاك ليحيى وقال له أنه مأمور أن يعرج بروحه إلى السماء. ففرح يحيى لأن مهامه على الأرض إنتهت وطالب الملاك بالتعجيل لأخذ روحه. فإنتزعها من جسده وحررها وعندما إرتفعت شاهدت جسد يحيى مطروحا على الشاطئ، فحزنت، فوبخها الملاك قائلا: أحزنتي على اللحم والدم والعظم الذي حررتك منها، إذا رغبت سأعيدك، فقالت الروح إني حزينة على أهلي فلا معيل لهم غيري. فقال لها الملاك إن الله سيحرس أولادك. وبعد موت يحيى إضطهد اليهود الصابئة فإضطر 60000 ناصورائي بقيادة الملك الإيراني أردوان الأشكاني وسكنوا جبل ماداي بقرب حران. وبعد أن رأى أنش أثرى ما يفعله اليهود بالصابئة، عمل سبعة منجنيقات وأوكلها لسبعة أشخاص وهاجموا أورشليم فدمروها وإنتهت مملكة اليهود فيها. والأشخاص الموكلون هم: زازي وحكم بغداد، والثاني فافا وحكم حوالي نهر دجلة، والثالث أنش وحكم أعالي دجلة، والرابع أنوش وحكم جوار الفرات، والخامس أبرخ وحكم سورا والسادس أنصاو وحكم جبل كلازلخ والسابع سوخ منداي وحكم ضفاف النهر الذي ينبع من جبل بروان )). (الصابئة المندائيون ص74 – 80)
المهم ومن هذا النص ليس من شك أن يوحنا المعدان هو يحيى بن زكريا. كما إن الكلمة بروان تعني خمسة. وناصورائي من الكلمة الأكدية (ناصورا) التي تعني حارس الدين، وهي الآن رتبة كهونتية لدى الصابئة. أما لولخ، فهي قرية لاتزال قائمة إلى اليوم بها بئر زمزم اليزيدي وحجر اللات الأبيض. كما إن سورا قرية 30كم شرق عماديا العراقية. وماداي هي مادي التي تتركز أساسا هول قرية فرز شرقي العمارة ومنها أصلا كلمة مادان – معدان). هذا مع ملاحظة أي أورسليم يقصد النص، حيث هي قرب نهر جار (القدس الحالية ليس قربها نهر) كما إن زورقا جاء بحيى من الجبل إلى أورشليم، الأمر الممكن فقط إذا تحدثنا عن أورشليم (دار السلام، الإسم الأول لمدينة أور) الأم (على الفرات) حيث يأتي الزورق من مناطق الجبال الشرقية (جبال فارس وباشان) عبر نهر الكرخة أو الكارون أو أي من أنهار شرق شنعار حتى القرنة وشط العرب (بحر العربة) ثم أورشليم يبوس الفراتية الأم. بدليل إضافي أن أسماك البحر (بحر العربة) هاجت وتكلمت. ولا توجد أسماك في البحر الميت الذي تقع أورشليم – القدس الخالية عليه. ناهيك عن التحديدات التي تحدث عنها بقصة المنجنيقات. وفي كتابنا (اسفار ميسان) قيد الإعداد، بحث كامل عن أي أورشليم تحدث التاريخ، ناهيك عن إن أورشليم الحالية (القدس، أو مدينة إيلياء) لم تكن موجودة أصلا في القرن الرابع قم، كما يقول الأستاذ فراس السواح. وفي القرن السادس قم دمر نبوخذنصر مدينة أورشليم. فكيف دمر نبوخذنصر مدينة لم تتأسس إلا بعد القرن قم؟!
إن كل الدلائل تشير إلى أن النبي يحيى ميساني ولا علاقة له بالأردن الحالي مطلقا. ناهيك عن إنه لا إشارة مطلقا في الإنجيل تقول أن المسيح عمد في نهر الأردن الحالي. وكل ما هو مذكور إنه عمّد في العبر. والأردن هو إسم عام للنهر، وأول ما أطلق على نهر العظيم الذي يلتقي بدجلة شمال بغداد) حيث إسمه السومري هو ردانو. وكم من مرة يقول الكتاب المقدس أردن أريحا وأردن أور وما إلى ذلك مما يشير إلى أن الأردن هو صفة وليس إسم.
ناهيك عن إن النقطيع الصوتي لإسم أردن هو: غور دو ن، الذي يمكن أن يعني منخفض المياه وأيضا منخفض مياه الآلهة، وهو النهر عموما، مثلما كلمة أردن مندائيا تعني الماء الجاري فقط ولا تعني نهر الأردن الحالي مطلقا. ومعروف أن أردن أريحا هو الفرات، حيث أريحا هي يركو (أوروك) عينها.
وتعزيزا لهذا يقول السيد عزيز صباهي: (( ويتكرر في الأدب المندائي ذكر أينا وسندركا (عين الماء والنخلة)، كما يتكر في دراشا دي يهيا الحديث عن الصيد والصيادين وإصطياد السمك والشباك، وبرموز ومصطلحات ما يدل على إن المؤلف إبن بيئة الصيادين في الهور، فهو يصف دفع يحيى قاربه إلى الهور، وكيف كان يشاهد السمك في الممرات التي تخترق القصب والبردي، كما يشار إلى صيد السمك بالفالة وصيد السمك على الضوء، وهي الزرّة التي تستعمل حتى الآن في الأهوار والصيد بالشص بواسطة طعم التمر، وفي موضع يقول يحيى: (( لقد جئتكم بصيد من الأهوار البعيدة، قيقول له الصيادون، إننا لم نسمع صوتك في الهور وقاربك لا يشبه قواربنا، قاربك غير مطلي بالقار )) وفي الشرق الأوسط القديم، يمكن الجزم بأنه لم تجتمع رموز: الفالة، الهور، النخلة، القار، الصيد بالزرّات، القصب، البردي، إلا في منطقة ميسان)) (عزيز سباهي أصول الصابئة المندائيون) وفوق كل هذا نذكر أسماء أبناء يحيى وهم: هندان، شارت، بهرام، رهمات هي، أنوش، سام، انهرزيوا، شار. وهي أسماء أما فارسية أو عربية، حيث: شارت: سارة، شار: سار، رهمات هي: رحمة الله، أنوش: يونس، أنهر زيوا: نهر الزاب، بهرام: المريخ. كما إن أسماء الملائكة في كتاب كنزاربا (الكنز الكبير) ودراشا دي يهيا هي: سلمى، أثرى، هو سياو، ندا، أدثان، يوثان، سار، سروان، زهير، زهرون، شنشل، بهير، بهرون، تار، تروان ،،الخ. وإسم الملاك الكبير هو هيول زيوا، أي الزاب الكبير. كما إنّ شنشل وسروان هما فرعا نهر ديالى الرئيسيان اللذان ينبعان من إيران. كما ويتردد كثيرا الإسم أكرا كموقع مقدس وهو مدينة عقرا شمال شنعار،،الخ. وروح الميت حسب المنظور المندائي تبقى في القبر ثلاثة أيام ثم تصعد على سبعة مراحل إلى متر اثا. ومترا هذه هي مقر الجنة وهي عينها مثرا الفارسية والكلدانية. المهم إننا أمام أسماء ورموز جنوبشنعارية بالكامل.
فالنبي يحيى بن زكريا (ذكر أيا – ذكرالله) هو شخص هوري (آري – آرامي) مندائي صابئي شنعاري خالص. إختفى في صباه في مصر شنعار (وليس مصر الحالية) معتزلا في أحد مجاهل الهور ممارسا العرفان المندائي في أحد بيوت المعرفة (مندا) المنتشرة على مجاهل الهور الشاسعة. فما الرابط بينه وبين يوحنا المعمدان، إسما أو شخصا؟
إن تعاليم يوحنا المعمدان وبشكلها المسيحي تنم عن نزعة زرادشتية ظاهرة، من حيث ثنائية النور والظلمة، والله والشيطان والخير والشر، ومن حيث تجلي الألوهية من خلال صاحب وحي أو مخلص (موسوعة الفلسفة ج2ص86) والزرادشتية نشأت ونمت في فارس عام 600قم تقريبا. وفي الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا نجد: (( في البدء كان الكلمة والكلمة عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحيوة والحيوة كانت نور الناس والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه )) وهو ما تحدثنا عنه من النمط الذي بنيت عليه تعاليم إمارة بيت يدع، التي بحثت في أصل الأشياء. وهذا أيضا لصالح أن يكون يوحنا المعمدان شنعاريا، أو ذو تعاليم شنعارية مندائية الأصل. وهو ما يقربه مع يحيى بن زكريا شخصا وإسما.
لكن فروقا تنشأ إذا ما قارنا بين دقائق القصتين المندائية الأصل والمسيحية النسخة، لهذا الشخص. فالكتاب الأصل، دراسة قصة حياة يحيى وتعاليمه (دراشا دي يهيا) كما لاحظنا أعلاه لا يقول أن يحيى قتل على يد وال روماني بعد رقصة ما، كالمنسوب إلى يوحنا الذي قتل بطلب من المحضية هيروديا كما تقول الأناجيل. والمسيحية مثلا تسمي التعميد بابتزم

(Babtism)

بينما الإسم المندائي للتعميد هو (مصبوتا). ولم يقل الإنجيل أن يوحنا خلال التعميد كان يتجه إلى قبلة معينة، وهو الأمر المحرم صابئيا. حيث لا يجري التعميد إلا والوجه إلى القبلة – جهة الشمال. كما إن كتاب (( حرّان كويتا )) (والحرّان تعني الكتاب اللفيفة وكويتا مدينة ميسانية شرق دجلة) الذي يتحدث عن حياة يحيى، لا يذكر إسم زكريا الذي تذكره الأناجيل كوالد ليوحنا المعمدان، ولا يذكر رجال الدين الكبار اليهود ولا لخوف اليهود منه.
وكل ما أراه في هذا، أن يوحنا هو يحيا، لكن القصة المسيحية عنه، تهودنت بعض الشيء وتأثرت بالطابع العام الذي شمل التوراة ليحولها جغرافيا إلى مكان آخر.
وليس من النافل التذكير أن يوحنا المعمدان ليس يوحنا صاحب إنجيل يوحنا المدفون في شمال سوريا. لأن يوحنا هذا ولد بعد 150 ميلادية.
لكن كتابا ((حران كويتا)) و (( دراشا دي يهيا )) يذكران المنداء بالإسم الذي نوهنا عنه وهو ميرياي (المنتسبون إلى ميريا – العلة الأولى) ويقولان أن يحيا شفى الأمراض وطهر البرص، وسمي بالملك الصالح، ثم رفع إلى السماء. وهذه الصفات الأربع إضافة إلى الإنتساب إلى ميريا ثم ولادة هذه الميريا عند جذع نخلة التي تكثر تعاليم يحيى من ذكرها، هذه حقيقة أهم سمات حياة المسيح عيسى بن ماريا. ناهيك عن أن الشمس هي التي بشرت بحييى بينما نجم من الشرق بشر بالمسيح، ونجم الشرق يمكن أن يرمز إلى الشرق أيضا.
وفوق كل هذا وذاك يقول التفسير المنسوب لآل البيت أن النهر الذي ولدت عليه مريم العذراء هو الفرات، وأن الربوة المذكورة في الآية الكريمة ((وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين)) (ذاريات 51) أن هذه الربوة هي مرتفع في الكوفة يشرف على قرار بحر النجف ومعينه نهر الفرات (مجلة القرآن وعلم الآثار ص22)
وهناك إختلال ظاهر في القصة الإنجيلية لولادة المسيح. والتي تقول إن المسيح ولد في الناصرة. والناصرة الحالية تأسست سنة 300 ميلادية (فراس السواح وغيره). بينما الناصرا الأم (ناصريا) موجودة من فجر التاريخ، وهي قرب أورشليم الأم (أور) وهي أيضا موجودة إلى اليوم، وبإسمها الأقدم – الناصريا. وهو حتما ما يؤيد وجة نظر آل البيت عن موقع ولادة مريم.
ومريم (ماريا) هي الشخصية الثانية أهمية بعد المسيح، وهي ثالث الثالوث المسيحي،، هذه الأم ماريا، توفت بعد المسيح بعقد أو عقدين كما يفترض. ومن هنا، فقد أصبحت مقدسة بالضرورة بسبب تقدس المسيح. وحين تصبح مقدسة فأخبارها لاشك معلومة، وإن ماتت ستدفن بكل آيات التبجيل وستبنى على قبرها معالم، لاشكها ستتقدس يوما بعد يوم. أليس كذلك؟! لكن الوقائع تشير أنه لا يوجد قبر للسيدة مريم، لا في الناصرة ولا في القدس الحالية، ولا في كل فلسطين الحالية؟!
وهو إشكال لن يحل ما لم نأخذ بحديث آل البيت، عن علاقة مريم العذراء بالفرات، وتحديدا بناصريا الفرات التي تقع أيضا في منطقة إيهودا – آشور الجنوبية
والإسم عيسى (ي سي) يعني ماء سين، وإسم يهيا (ا هي يا ) يعني الإله ماء. ومن تشابه قصتي ولادتهما فأما أن يكون المسيح عيسى بن ماريا هو يحيى بن زكريا عينه، أو إنه ولد، حيث ولد يحيى وتعلم منه وتعمد في الأردن الذي لا يوجد شيء يشير إلى أنه نهر الأردن الحالي كما يقول الأستاذ فراس السواح. (فراس، الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم)
فأيهما الإحتمال الأصح؟
ومن الأناجيل الأربعة نجد أن: ((عيسى بن يوسف بن يعقوب بن متّان بن إليعازر بن أليود بن أخيم بن صادوق بن عازور بن ألياقيم بن إبيهود بن زربابل بن شالتيئيل بن يكنيا بن يوشيا بن آمون بن منسي بن حزقيا بن آحاز بن يوثام بن عزريا بن يورام بن يهوشافاط بن آسا بن أبيا بن رحباعم بن سليمان بن داود بن يسي بن عوبيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون بن عميناداب بن آرام بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم. ومن إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلا ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلا ومن سبي بابل إلى ميلاد المسيح أربعة عشر جيلا))
لكن إنجيل لوقا يخالف فيقول: ((عيسى بن يوسف بن هالي بن متثات بن لاوي بن ملكي بن ينا بن يوسف بن متاثيا بن عاموص بن ناحوم بن حسلي بن نجاي بن مآث بن متاثيا بن شمعي بن يوسف بن يهوذا بن يوحنا بن ريسا بن زربابل بن شاليئيل بن نيري بن ملكي بن أدي بن قصم بن المودام بن عير بن يوسي بن أليعازر بن يوريم بن متثات بن لاوي بن شمعون بن يهوذا بن يوسف بن يونان بن ألياقيم بن مليا بن مينان بن متاثا بن ناثان بن داود بن يسي بن عوبيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون بن عميناداب بن أرام بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم بن تارح بن ناحور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن قينان بن ارفكشاد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشالح بن أخنوخ بن يارد بن مهلئيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ))
وهنا، فلنا الملاحظات التالية:
فإن آمنا بأن المسيح هو إبن الرب فالنسبان مطعون بهما مقدما. فيوسف ليس الأب البيولوجي للمسيح، إنما هو خطب مريم ووجدها حاملا وأراد طلاقها سرا فأتاه حلم أخبره أنها حامل من روح القدس. ولم يعرفها (يضاجعها) إلى أن ولدت الولد فسماه يسوع. والأكثر برهانا على بطلان هذين النسبين هو إختلافهما الكبير، إضافة إلى أنه لم يكن ليوسف أي أثر في حياة المسيح فيما بعد، ولم يوجد له قبر في منطقة الأحداث أو المنطقة التي إنسبت إليها الأحداث. ناهيك عن التلميح الوارد في ثلاثية العدد 14 مما يثير الضنون بأنها موضوعة لتثبت ثلاثية أقنوم المسيح شأنها شأن عمره حين بدأ الكراجة وهو ثلاثون عاما ومدة كراجته التي هي ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام.
وعن ولادة المسيح نجد: ((أنه قد تنبّا مجوس من الشرق بولادة المسيح فجاؤوا يبحثون عنه في بيت لحم اليهودية وأورشليم وشاهدوا نجما فوق بيته. وبعد ستة أشهر جاء جبرائيل إلى مدينة من مدن الجليل إسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة ليوسف من بيت داود وبشرها بأنها ستلد غلاما إسمه يسوع. ويكون عظيما ويدعى إبن العلي ويعطيه الرب كرسي داود ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. وإنقاذا له أخبر الملاك يوسف لئن يذهب به إلى مصر حتى يموت هيرودس، فمات هيرودس وطلب منه الملاك أن يعود بالمسيح إلى أرض إسرائيل فعاد يوسف به وسكن مدينة في الجليل تدعى ناصرا. لكي يدعى ناصريا. وخلال تعداد عام أمر به أوغسطس قيصر، عادت مريم من مدينتها ناصرة إلى يهوذا مدينة داود التي تدعى بيت لحم. وهناك ولدته وقمطته ووضعته في المذود. ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سمي يسوع، ثم عاد إلى ناصرا،،، ثم ترك يهوذا وذهب إلى الجليل وكان لابد له أن يجتاز السامرة، ومر بقرية في السامرة إسمها سوخار قرب الضيعة التي وهبها يعقوب ليوسف إبنه)) وهذا وارد في إنجيل لوقا وغيره. ومثل هذا: ((وللوقت ألزم يسوع تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العبر في بيت صيدا حتى يصرف الجموع، أما السفينة فقد صارت في وسط البحر معذبة بين الأمواج، وعبروا وجاؤا إلى أرض جيساروت)) (متى 14 ومرقس 4) وهنا فالعبر متصل بالبحر وقربه مدينة بإسم سيدا. ولا نهر قرب صيدا الحالية وإنما وإنما قرب سيدان الفارسية الجنوبشرق شنعارية، وهو النهر الذي يتصل بشط العربة ومنه بالبحر والهور.
والمدن سوحر (سوكر) وناصرا وسامرا وإيهودا وبيت لحم لا تجتمع إلا في جنوب شنعار وفي ميسان. وهي مدن كانت بالكامل تحت الحكم الروماني والفارسي خصوصا في زمن الإمبراطور ارتبان (10 – 40 م) أي فترة صبا وبولوغ المسيح كراجته. وكانت الأغلبية الظاهرة على هذه المدن هي الفرسية مع نسبة أغريقة وإيهودية (نفس القوميات المذكورة في قصة المسيح)، لكن اليهود طردوا حيث أتهموا بتسميم بعض الأنهار، ثم ما لبث الأمبراطور تراجان أن دخل بابل عام 115م (العراق في التاريخ ص 256) وقد حكم ميسان ملك أغريقي الإسم ما بين 78 – 48قم وهو ترياوس ملكا. والذي حملت نقوده لأول مرة الحروف الآرامية وسعى لأن يعلي من شأن المزايا الشرقية على حساب المزايا الأغريقية )) (أصول الصابئة ص 21)
وهنا، فالعروة التي كانت تثبت أن المسيح بحرمتوسطي، وهي الحكم الأغريقي، هذه العروة هي الأخرى تهتز تحت حقيقة أن ميسان (ومحيطها أورشليم الأم وبيت (تل) لحم ،،الخ) كانت تحت الحكم الأغريقي أيضا. مما يجعلني أشك بأن بيلاطس وفيليبس المذكورين في الإنجيل، هما من خارج ميسان.
وطرد اليهود، إن لم يكن حقيقة، فهو دليل صادق على الجو العام السائد ضدهم. وهو الجو ذاته الذي ورد على لسان يحيى الذي ما إنفك يذم اليهود وإسرائيل، ذلك الذم المشابه جدا لذم المسيح لهم نصا ومعنى. وسمك قصة حياة المسيح هو ذاته سمك قصة يحيى وسمك قصة حزقيال وهو سمك الهور، لأنه لا أسماك في البحر الميت الذي تحاذيه القدس الحالية.
والأمثال الواردة على لسان المسيح تكاد تقترب نصا وجوهرا من تلك الواردة على لسان يحيى. على سبيل المثال: ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان، لا تجرب إلهك، للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. طوبى للمساكين والودعاء والجياع والعطاش والرحماء لصانعي السلام والمطرودين. أنتم ملح الأرض أنتم نور العالم لا تظنوا أني جئت أنقض الناموس. لا تتزوج زانية، أوف ما عليك لا تقتل لا تحنث ولا تحلف، لا تقاومو الشر، أحب عدوك وبارك لاعنك، لا تشهد زورا، لا تتصنع صدقة قدام الناس ولا تصل كالمرائين لا تعبسوا حين تصوموا لا تكنزوا لا تخدم سيدين إسألوا تعطوا أطلبوا تجدوا إقرعوا يفتح لكم.
وتعاليم المسيح هي الأخرى تحتوي النزعة الزرادشتية ذاتها التي إحتوتها تعاليم يحيى. والمسيح قال أن للشيطان سلطات مثل سلطات الله، وأن العالم مبني على الخير والشر.
هذا ناهيك عن النقطة الأهم في المسيحية وهي القول بأن المسيح هو إبن الرب. وهو صحيح، لأن الرب ميري، هو ذاته أيا – الماء. وهو ما يقوله يحيى بن زكريا، أيضا. والقول إن المسيح بن ميريا، أي إن ميريا شأنها شأن بتولا، ليس إسما بل لقبا. الأمر الذي تكاد تدعمه حقيقة أن لا وجود لقبر لهذه السيدة العظيمة الشأن ميريا – أم المسيح. ومحال أن لا يعرف أحد قبرها لو كانت شخصا بعينه، وهي أم المسيح المعني، الذي عرف قدره الناس، وبالتالي سيعرفون قدر أمه في حياتها وفي مماتها ويدفنونها بأجل المراسيم. وإختفاء القبر أما مبعثه أن القصة نقلت متأخرا إلى جغرفيا منسوخة، أو أننا نبحث عن قبر لميريا (الماء) ولن نجده حتما. مثلما لا وجود لقبر المسيح ولا وجود لقبر يحيى أيضا.
أضف إلى هذا، فيحيى بن زكريا نبي مخلص والمسيح نبي مخلص أيضا. ومحال أن يبعث الرب مخلصين في آن واحد وفي بقعة واحدة، طالما تؤكد الأناجيل على علاقة للمسيح بيحيى (يوحنا).
فهل الإنفصال الصغير جدا بين المسيح ويحيى الذي لا تشير إليه سوى آيات مقتضبة من قبيل تعميد يحيى للمسيح، وأن إليزابث أكدت طهارة مريم عن الرجس وأنها حقا حملت بالمسيح وهي عذراءً، هذا الإنفصال موضوع وأن المسيح هو يحيى بن زكريا عينه؟!
لا أجزم وإنما أشك. ففي كتاب زكرابا ذاته ذكر للمسيحية بلفظ (( مشيها )) أي إن المسيح ليس يحيى، إضافة إلى ذكر الأناجيل الصريح لعلاقة بين المسيح ويحيى. لكن هذه العلاقة ستضفي أخطر تناقض على الدعوى المسيحية الحديثة، والتي تقول: ((أنّ المسيح كان يهوديا قبل كراجته))! فهذه الجملة صادقة إذا تحدثنا عن إيهودا (آشور الجنوبية) ومطعون بها إذا إفترضنا أن المعني بإيهودا هو الديانة اليهودية حصرا. وذلك للأسباب التالية:
1 – إن اليهود يختتنون مبكرا جدا. والختن حسب سفر التكوين هو الإشارة التي سيتعرف الرب بها عيلهم يوم الحساب. والأقلف كافر بالدين وخارج عن القومية أيضا. بينما المنداء يعتبرون الختن بمنزلة الكفر. وفي قصة حياة يحيى أعلاه نجد أن الله أنجاه من بين اليهود وأسكنه الجبل منذ ولادته. وهو إذن، مندائي منذ ولادته، أي هو أقلف ولم يختتن. ويحيى عمد المسيح وهو في الثلاثثين من عمره، وقال له أنت المحلص المنتظر. فلو كان المسيح يهوديا بالمعنى الديني، فمن المحال أن يبقى أقلفا حتى هذا العمر. فإن كان مختونا فحال جدا أن يعمده يحيى الذي يعتبر الختان كفرا بالخلقة والدين. ولابد أن المسيح كان على دين يحيى أي مندائيا، وإلا لما إختاره مخلصا ليكمل الرسالة بعده. وبالمناسبة فالمسيحية والمنداء لا يختنون. والمسيح بإشارة الإنجيل لم يختن، حيث قال أرادوا أن يختنوه.
2 – وتعاليم المسيح أعلى وأجل بكثير من تعاليم راعوث ومريم وأستير وحجي وحبقوق ،،الخ. وحتى داود وسليمان بشكلهما التوراتي لم يكن لهما دين معروف بلهما أشركا تماما. وهنا لا شيء يمنع اليهود من إعتبار المسيح ويحيى نبيين يهوديين، لو كانا يهوديين حقا.
3 – عاد يحيى إلى أورشليم يوم الأحد. والأحد هو اليوم المقدس مندائيا، وهو اليوم الذي قدّسه المسيح وقدّسته المسيحية. فلم لم يقدس المسيح السبت لو كان يهوديا؟
4 – المسيحيون والمنداء على عكس اليهود، لا يبيحون تعدد الزوجات ولا الطلاق.
5 – لا تقول اليهودية بالتعميد، أو على الأقل لا تقول بصورته التي مارسها يوحنا وخضع لها المسيح. والمسيح لو كان يهوديا لما ذهب طوعا وبكامل وعييه وهو في الثلاثين من عمره، ليتعمد على يد يوحنا، ويخالف ديانته وديانة آباءه لو كان يهوديا. ولابده كان يؤمن بالتعميد منذ صغره.
6 – بحسب الأناجيل فقتل يوحنا حدث بعد تعميد المسيح أي بعد عام 30م تقريبا بمؤامرة تدبرتها هيروديا اليهودية التي لقنت إبنتها طلب رأس يوحنا. وبناءً على الوصيتين (لا تقتل!) و (لا تشهد على أهلك زورا!) فلن تقتل أو تتآمر يهودية على قتل إبن ملتها، ما لم يكن المقتول من الأغيار (أبناء الملل الأخرى). إذاً فمن المحال أن يكون يوحنا يهوديا. مثلما من المحال، أن يكون المسيح يهوديا ومجمع الحاخاميين بقيادة قيافا وحنان تآمر ثم شهد عليه وتسبب في قتله.
7 – غالبا ما تهكم المسيح على الهيكل وسدنته، وذهب لخلوته الأولى خارج المدينة بعيدا عنه، مثلما تجنّب يوحنا هذا الهيكل أيضا. والوعي الموروث عند المسيح ويحي، لو كانا يهوديين، لن يسمح لهما بغير إهانة أنصاب الهيكل، وليس الهيكل ذاته. وبالعكس فحين تولدت لدى المسيح قناعة أنه إبن الله، وأن هذا الهيكل هو هيكل الرب، كان أول ما فعله هو طرد اليهود منه. الأمر الذي ما كان ليفعله لو كان يهوديا، بالمعنى الديني.
8 – يتطابق رأي المسيح ويهيا يهانا بأورشليم وإسرائيل تماما. فالمسيح قال أنهم الخرفان التائهة ويحيى قالى: ((لن أذهب إلى أورشليم مدينة الشر والخاطئين التي بناها أودوناي وملأها بالأكاذيب)) . فهل يقول يهودي عن أهله هكذا؟ وهل يتبع المسيح من يقول هكذا بأهل ملته لو كان يهوديا؟

وأخيرا فلغة المسيح هي الآرامية (الهورية). وأسماء الآلهة عنده آرامية خالصة يدخل بها المقطع ئيل. وإسمه الأساس هو عمانوئيل (يا رب إستجب) حتى إن الشيطان الذي نسبه اليهود إليه وهو بعل زبول هو عينه الملاك المندائي هيول زيوا (الزاب الكبير). كما إن الإسم ناصورا المندائي، القريب جدا من ناصريا، يعني حارس الدين، (أو ربما الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر) وربما لأن المسيح إبتدأ ناصوريا، ربما لهذا ألصق به إسم مدينة ناصريا. ولا ننسى أن الفترة الزمنية الحقيقية ما بين مقتل المسيح وبين كتابة أول الأناجيل هي 150 سنة تقريبا. أضف إلى هذا كله أن الصليب هو أساسا رمز شنعاري خالص. ناهيك عن النزعة المندائية في كل تعاليم المسيح، وبلا إستثناء. فأنت تكاد تقرأ تعاليم يحيى في الإنجيل، أو تكاد تتنبأ ما سيقوله الإنجيل مقدما حينما تقرأ تعاليم يحيى بن زكريا.
كما نقتطف أدناه بعضا من تعاليم الإنجيل الأكدية الأصل: (( لا تتزوج بغيا ولا عاهرة. لا تعامل بسوء من يسعى إلى مخاصمتك، بادل بعمل الخير من أساء إليك. إبق عادلا مع من قابلك بالشر. لا تنتهر قليل العقل بل إشفق عليه. لا تزدر الذين هم عرضة لتجربة، لا تقابلهم بغطرسة. إعط خبزا لطالبه وجعة جيدة للشرب، أطعم وأكرم، فالإله يبتهج لهذا. أعن وإخدم كل يوم. إن أغضبك أحد بقول فلا ترد لأن العاقبة لا تحمد. إخش إلهك ومجد ملكك. بحضور المشاجرة سيتقرر دورك لأنك ستشهد في المحكمة وسيؤتى بك لتأكيد شيء في قضية ليست قضيتك. إذا كانت المشاجرة تتعلق بك أطفئ نارها قبل أن تتفاقم، لأن المشاجرة حفرة مغطاة، إنها جدار ثقيل ينهار ويقبر، البيت الذي تحكمه أمه لابد منهار. إذا وضعك الأمير تحت تصرفه وعلقت بعنقك ختمه، إفتح غرفة كنوزه وإدخل إليها، ولكن لا تنظر إليها بغية الإختلاس، لا تختلس لا تنم وتلفظ بالكلام الطيب )) ((ديوان الأساطي ك 3 ص 350 وما بعدها). وصلاة المسيح ذاتها أراها مقتبسة من قول أحيقار البابلي وهو: أيها الإله يا ذا العدالة والطيبة كما في السماء كذلك على الأرض (ديوان ك3 391)

وعليه أضع الإستنتاجات التالية:
أولا:
لقد تواجد يحيى بن زكريّا وعيسى بن ماريا، في ميسان ومصرها خلال صباهم وكرزوا وإنتهت حياتهم هناك. وقبر ماريا ليس في شرقي المتوسط بل في جنوب شنعار.
ثانيا:
لم يكن المسيح يهوديا بل مندائيا صابئيا دينا وولادة. وأبقى الكثير من دينه المندائي، بما فيه تعاليم يحيى التي أوردها على هيئة أمثال وقصص وعبر، وكذلك التعميد وتحريم الختان، والوصايا. وما أضاف إلى تعاليمه المندائية سوى التثليث وحسب.

About هيثم هاشم

ولد في العراق عام 1954 خريج علوم سياسية عمل كمدير لعدة شركات و مشاريع في العالم العربي مهتم بالفكر الانساني والشأن العربي و ازالة الوهم و الفهم الخاطئ و المقصود ضد الثقافة العربية و الاسلامية. يعتمد اسلوب المزج بين المعطيات التراثية و التطرق المرح للتأمل في السياق و اضهار المعاني الكامنة . يرى ان التراث و الفكر الانساني هو نهر متواصل و ان شعوب منطقتنا لها اثار و ا ضحة ولكنها مغيبة و مشوهة و يسعى لمعالجة هذا التمييز بتناول الصور من نواحي متعددة لرسم الصورة النهائية التي هي حالة مستمرة. يهدف الى تنوير الفكر و العقول من خلال دعوتهم الى ساحة النقاش ولاكن في نفس الوقت يحقنهم بجرعات من الارث الجميل الذي نسوه . تحياتي لك وشكرا تحياتي الى كل من يحب العراق العظيم والسلام عليكم
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.