المسيحيون بين أوهامهم وصراع قادتهم

ayatollahaounسركيس نعوم

المسيحيون في لبنان يعصف بهم القلق على دورهم الوطني في البلاد بل على وجودهم والمصير. فالعالم العربي – الإسلامي وهم جزء منه يعيش حرباً مذهبية بين سنّة الإسلام وشيعته اتخذت اشكالاً عسكرية في عدد من دوله، ولا يُستبعد أن تتخذ أشكالاً مشابهة في عدد آخر منها. والانطباع السائد فيه كما في العالم الأوسع أن النظام الاقليمي الذي نشأ باتفاق بريطانيا وفرنسا (سايكس وبيكو) قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى انهار كلياً، وأن نظاماً آخر سيحلّ مكانه، ولكن بعدما تنتهي الحرب المذكورة. وهي لن تنتهي قبل أن تشمل كل المنطقة أو القسم الأكبر من دولها والشعوب. وفي النظام الجديد لا يضمن أحد بقاء كيانات النظام القديم وعدم حصول تغييرات، سواء في أنظمة الحكم فيها وأدوار مكوّنات شعوبها أو في جغرافيتها. وهذا الأمر بالذات هو مصدر قلق المسيحيين المشار إليهم أعلاه. ولذلك فإنهم منفتحون دائماً على الاقتراحات – الشائعات التي يرميها المتخصِّصون في تضليل الشعوب والتي تعتقد الأقليات، ومنها المسيحيون، أنها تضمن مصيرهم ووجودهم ودورهم. من هنا ترحيبهم بالفيديرالية التي تعلّقت بها غالبيتهم في أثناء الأزمات ثم الحروب التي عصفت بلبنان بين 1969 و1990، والتي ربما صار مَن كان يعارضها منهم معها اليوم بعدما وجد نفسه كمسيحي وحليفه الاقليمي الاقلوي طائفة ومذهباً في موقع الخائف على المستقبل والمصير. ومن هنا ايضاً ترحيبهم بفكرة تعزيز الديموغرافيا المسيحية المتناقصة في لبنان بتجنيس المسيحيين العرب الذين فروا من العراق، ولا يزالون يفرون منه جراء استهدافهم من تيارات إسلامية بالغة التشدد مع أقليات أخرى غير إسلامية، علماً أنهم يعتبرون المسلمين الشيعة اقلية بدورهم، كما الذين فروا من سوريا والذين قد يفرون من مصر مستقبلاً ومن دول أخرى. أما التقسيم الذي يقولون إنهم ضده فقد يكون في رأي بعضهم الحل، كما قد يكون الحل تجميع الأقليات المسيحية والمسلمة وغير المسلمة في كيان جديد يضم “لبنانات” معينة ومناطق من سوريا.

هل تبدد هذه الاقتراحات – الشائعات قلق المسيحيين على دورهم ووجودهم والمصير في صورة فعلية؟

بدايةً، لا بد من الإشارة إلى أن تحوّلها واقعاً مادياً ملموساً ليس في يد اللبنانيين وتحديداً المسيحيين. لكن لا بد، في الوقت نفسه، من لفت المسيحيين، وإن في عجالة، إلى بعض الأمور قبل الاستغراق في الحلم أو في الوهم. أولها أن الفيديرالية في عالمنا المتخلّف تقسيم مقنع رغم أنها صيغة راقية ولكن لشعوب راقية جداً. فهل يستطيع المسيحيون اللبنانيين ان يحموا “دولتهم” أو عفواً كانتونهم، وخصوصاً بعدما رأوا دول الأقليات التي ظنت انها ستحكم إلى الأبد تتهاوى رغم الدعم الخارجي لها الذي جعل المرحلة “نزاعها” أي طلوع روحها طويلة وبالسنوات؟ وهل يعتقدون أن إسرائيل التي نفضت يدها منهم ستعود إلى إنقاذهم؟ وثانيها أن التقسيم لن يعطي المسيحيين على الأرجح دولة. بل سيجعلهم جزءاً من دولة أقليات لا يكونون فيها حكاماً أو حتى مشاركين في السلطة. فالتجارب التي مروا بها في لبنان ومع سوريا خير دليل على ذلك. إذ لم ينالوا بواسطتها إلا التفخيم والتعظيم. أما الحكم الفعلي فبقي لغيرهم. ولا أحد يضمن استقرار هذه الدولة. وثالثها أن لبنان لم يعد في نظر مسيحيّي الدول العربية مكاناً آمناً للجوء والاستيطان بل محطة للجوء إلى دول أخرى في العالم الأول. وأن مسلميه لن يقبلوا توطين أي تجنيس مسيحيين لاجئين إليه. في الوقت الذي يرفض المسيحيون من زمان (ومعهم رسمياً على الأقل مسلمون) تجنيس مسلمين. علماً ان سوريا “جنّست” مسلمين كثيرين أيام الرئيس الراحل الياس الهراوي بعد الحرب. فضلاً عن أن على الذين يفكّرون في تجنيس المسيحيين العرب أن يعرفوا أنه لا يحل المشكلة ولا يخرج المسيحيين من “اقلويتهم”، وأن يعرفوا أيضاً أن اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان لن يعودوا إلى فلسطين، وأن لاجئين سوريين أكثر عدداً منهم بخمس مرات على الأقل لن يعودوا إلى سوريا قريباً، وأنهم جميعاً قد يصبحون جزءاً من شعب لبنان بعد قيام النظام الاقليمي الجديد أي بعد سنوات وسنوات.

ونهايةً، لا بد من دعوة القادة المسيحيين كلهم إلى عدم الالتهاء بالصراع على السلطة على شعبهم وعلى المراكز السلطوية في البلاد، وإلى عدم اعتبار “وصولهم” انقاذاً للمسيحيين. ومَن يدرس تاريخهم يعرف مدى مسؤولية كل منهم عن خسارة المسيحيين “الحرب” عام 1990. وربما عن خسارة وطنهم، لا سمح الله.

* نقلا عن “النهار” اللبنانية


This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.