نريد أن نريح أعصابنا من مسألة المقدسات الإسلامية باعتبارها أماكن سياحية وليست أماكن عبادة, والمسجد الأقصى يجب أن يتحول هو ومكة والمدينة المنورة وجبل عرفات إلى أماكن سياحية يأتيها السواح من شتى مختلف أماكن العالم, ليستمتعوا بجمال منظرها وليقفوا على قصة شعب أهدر دم الشباب في الدفاع عن مقدسات وهمية وهم يعتقدون بأن الملائكة وإبراهيم الخليل قد بنوها بمساعدة بعضهم البعض في حين لا يعدو كونها أماكن أثرية بناها رجال من القرون الوسطى كان همهم الاتجار بالدين.
من الممكن أن نعتبر المسجد الأقصى شيئا آخر يختلفُ عن قدسيته,فالقداسة الهائلة التي يعتبرها المسلمون له لا صحة لها من ناحية علمية تاريخية , يجب أن نتجرأ جميعا إلى هذا المستوى من كشف للحقائق لنقول حقيقة تلك الأبنية الأثرية التي أكل الدهرُ عليها وشرب,ومن المعروف تاريخيا أن الأمة التي تنتصر على أمة أخرى تقوم بطمس معالم الأمة المهزومة وذلك عبر بناء معابدها الجديدة على قواعد وأسس المعابد القديمة للأمة المغلوبة, إن معظم خلافاتنا ومشاكلنا مع إسرائيل ومع أنفسنا هي بسبب الحقيقة المزيفة لطبيعة المسجد الأقصى ولطبيعة بناءه, ويجب أن لا يتعدى في هذه المرحلة,نعم, يجب أن لا يتعدى دوره إلا دورا سياحيا ومعلما أثريا مثل المعالم اليهودية في الأردن, فمثلا هذه إسرائيل الصديقة والمجاورة لنا لا تطالب بجبل (نيبو) وتعتبره الحكومة الأردنية معلما سياحيا دينيا ليس أقل ولا أكثر لأنه واقع في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة الأردنية, والمسجد الأقصى أيضا واقع ضمن الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل ويجب أن تعتبره الحكومة الإسرائيلية معلما سياحيا دينيا أثريا مثله في ذلك مثل الآثار الرومانية في كافة أنحاء الشرق الأوسط, ومثله مثل المعالم الأثرية السياحية اليونانية الأثينية, إن مشكلتنا أننا لا نتعامل مع المسجد الأقصى أو قبة المسجد الأقصى كما تتعامل كل الدول المتحضرة مع الأماكن السياحية في العالم كله, نحن نتعامل مع الأقصى على اعتبار أنه مقدس دينيا في حين أن الذي بناه هو رجل أو ملك من ملوك دولة بني مروان الأموية ولم يبنيه محمد نفسه ولم يبنه أي خليفة من خلفاء المسلمين, فكيف أصبح بين يوم وليلة مسجدا بنته الملائكة كما يتوهم المسلمون؟.
والمشكلة الأخرى أن مناهج التدريس في الدول العربية الإسلامية هي التي تصنع المشاكل في المسجد الأقصى كون تلك المناهج لا تقوم بإظهار حقيق ة من بنا المسجد الأقصى وهنا تقع الطامة الكبرى, وأنا أتحدى كل الدول العربية الإسلامية بأنها لو أجرت استطلاعا واختبارا على طلبة العلم من الصف الأول الابتدائي إلى المرحلة الجامعية وسألت الطلاب في اختبارها عن(رجاء بن حيوه) وعن: طبيعة الخلاف بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان أو الوليد بن عبد الملك فإن النتيجة ستقول: بأن معظم الطلاب متوهمون بأن الملائكة بنت المسجد الأقصى وبأن محمد حينما أسرى به من مكة إلى القدس-حسب ما يعتقدونه-,نعم, بأن محمد حينما أسري به كان المسجد الأقصى مقاما ومبنيا منذ الأزل, وهنا تقع المشكلة التربوية.
يجب أن نعترف بأن المسجد الأقصى معلما سياحيا بنته الدولة الأموية سنة 62-أو65 هجريا, حسب ما تفيد المصادر التاريخية به ولم يكن منشئا قبل ذلك, وهو بهذه الحالة عبارة عن رمز سياسي لقوة الدولة الأموية التي بنته بأموال قبطية مصرية وهو من تعب الفلاحين المصريين المسيحيين ومن عرق جبينهم, ولم تساهم الأموال العربية في بنائه مطلقا فقد جلب الأمويون أمواله من الجزية ومن الضرائب ومن أموال الزكاة التي أجبروا المسيحيين الأقباط على دفعها للدولة الأموية الإسلامية بعد أن أجبروهم على الدخول في الإسلام, والمهم والأهم أنه لم تبنه لا الملائكة ولا إبراهيم ولا العرب ولا المسلمون وإنما بُني بأموال قبطية والملاحظة الأخيرة أن البناء تم على قواعد الهيكل القديم من أيام داوود وسليمان .
وبالتالي فإن هذه الحقيقة يجب عليها أن تدفعنا للقول بأن المسجد الأقصى معلما أثريا وسياحيا وهذه هي حقيقته, وهذا بعد أن أزال عنه البحث العلمي الغلاف الديني الزائف الذي كان يلفه من معظم جوانبه, وبالتالي الدفاع عنه فيه شيء من خداع للتاريخ وللضمير الإنساني, من الممكن مثلا أن نعتبره مركزا سياحيا, مكانا للسياحة وللسفر وللتنزه حوله وداخله, ومن الممكن أن نعتبره مركزا حضاريا لأمة عربية مارست سيادتها عليه لعدة قرون, من الممكن أن نعتبره مركزا سياحيا من العصر الأموي, تم بناءه أثناء فترة الاضطرابات السياسية التي عمت في منتصف القرن الأول الهجري معظم أرجاء الحجاز وبلاد الشام .