المحامي ادوار حشوة سورية والحل الديمقراطي .

-١- بعد سقوط الدولة العثمانية وبموجب معاهدة سفير بين الحلفاء عام ١٩٢٠, تم انشاء دولة سوريا وتم انتداب فرنسا عليها وبإشراف الامم المتحدة. كانت الغاية من الانتداب كما ورد في المعاهدة الدولية وقرار الامم المتحدة هي لتدريب السورين على حكم أنفسهم بعد الغربة الطويلة في ظل الحكم العثماني وهو مرتبط بهذه الغاية وليس استعمارا .

حدود هذه الدولة في الشمال مع تركيا كانت تضم شريطا طويلا تعارفوا على تسميته ب ( كيليكيا ) وكان تعدديا في سكانه من اشورين وكلدان وسريان واكراد ومسيحيين وعلوين وسنه من العرب وكان الأتراك في هذا الشريط اقلية .! هذه المتطقة تضم اضنه ومرسين وطرسوس وعينتاب وكلس ومرعش واورفه وحران وديار بكروماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر ولواء إسكندرون .
واجه الاحتلال الفرنسي ثورة مضادة بقيادة ابراهيم هنانو وأربكت فرنسا التي تكبدت خسارات ولم تستطع قمعها ولا السيادة عليها لان الأتراك امدوا الثورة ودعموها فسعت فرنسا للاتفاق و المصالحة مع الاتراك انتهت في معاهدة لوزان عام ١٩٢٣ الى ضم جميع هذه المدن والشريط الى تركيا خلافا لصك الانتداب ودون تفويض من الامم المتحدة .وظنت فرنسا انها ارتاحت من الثورة التي توقفت جزىيا في الشريط وبقيت في لواء الاسكندرون حيث العرب اكثرية مطلقة فيه أكثرهم من العلوين والمسيحين والأكراد الذين وقفوا مع الثورة.

تحت الضغط التركي ومع تصاعد الثورة وخلافا لقرارات اللجان الدولية التي تحققت من تعداد السكان تم ضم لواء إسكندرون الى تركيا جبرا عام ١٩٣٩ ورافق ذلك هجرة عربية منه ضمت مسيحين وعلوين استقروا في الساحل السوري وفِي حلب وريفها .!
بموجب صفقة لواء إسكندرون تم وقف اَي مساعدات علنية او سرية لثورةًهنانو بل ذهبوا لقمعها وسلموا فرنسا الثوار وقتلوا بعضهم .!

٢- لم تتوقف الثورة ولكن ضعفت كثيرا واتجهت الى الاْردن تبحث عن حليف يساندها ضد الفرنسين عبر ثوار دمشق الذين وافقوا على مشروع سوريا الكبرى بقيادة الامير عبد الله والانكليز طبعا .! مع استمرار الثورة وجد الانتداب ان تقسيم
سوريا الى عدة دول يساعده على السيطرة ويوقف الثورة فاعلنوا عام ١٩٣٦ تقسيم سوريا الى دولة دمشق ودولة حلب ودولة
جبل العلوين ودولة الدروز . (كان اللعب الفرنسي على التعدديات الطاىفية بارزا لاضعاف الجميع ولم يكن للتعددية الكردية في الشمال حضور كبيرليصنع لها الفرنسيون دولة فلم يتم مراعاتها في دولة لانه في احصاء ١٩٢٢ كان تعداد الاكراد في الجزيرة ١٢ الف فقط) وهذا لا يعني انهم ليسو اصلاء في المنطقة ولكن حركة التاريخ اضافت اليهم الكثيرين من الجوار الكردي في العراق وتركيا وواقعهم الحالي لدى مختلف النخب السياسية يحظى باحترام حركة التاريخ وقبولهم جميعا كمواطنين سورين دون تفرقة او تمييز في إطار لامركزية واسعة في جميع المحافظات.).!

٣- رفض السوريون باجماع شعبي كاسح هذا التقسيم وواجهوه بحركة عصيان شعبي وإضرابات انتهت الى توافق بين حلب ودمشق ودير الزُّور على الوحدة واختارت علما لوحدتها تشير نجومه الثلاث الى هذه المدن وصار بعد ذلك علما لكل سوريا وكان ذلك عام ١٩٣٠ الدولة الدرزية انضمت للوحدة عام ١٩٣٦ والساحل انضم للوحدة عام ١٩٣٦ وعادت سوريا. موحدة كما هو شكلها بعد الاستقلال عن فرنسا عام ١٩٤٦.

بعد هذا العرض التاريخي نستنتج أمرين هامين:

الاول ان اللجوء السوري الكبير الى تركيا اليوم
أكثره ذهب الى المدن والى الشريط واللواء اَي الى الارض التي اغتصبها الاتراك بالاتفاق مع فرنسا ودون موافقة الامم المتحدة وهناك وجدوا ترحابا حقيقيا من أهل هذه المناطق واللغة العربية فيها ساعدتهم على التعايش وعمليا هاجر السوريون من ارضهم التي اغتصبها النظام وميليشياته الى ارض سورية اغتصبها الاتراك سابقا ومن مغتصب الى مغتصب لا يذهب الحق ابدا .

الامر الثاني : ان سورية بلد تعددي في عناصره وأديانه وطوائفه ولا احد من هذه المكونات يستطيع ان يدعي منفردا ملكيتها ولا ان يحتكر الحكم فيها . هذا التنوع الفريد هو حصيلة حركة التاريخ في العالم القديم وهذه التعددية لم يأتِ بها الاستعمار ولا هو تركها حين رحل وكل المكونات اصل لا فرع وهي تشبه بستانا فيه كل انواع الأزهار والورد ولا يصلح ان يصبح او يكون ساحة حرب يسفك فيها الدم .!
هذا التنوع لا يصلح لحكمه ديكتاتور او ملك مطلق من اَي مكون او طبقة او طاىفة ولا لاَي عسكري يتعصب لمكونه.! الديمقراطية وحدها في مثل هذا المجتمع التعددي تتجاوز مفهوم اُسلوب حكم الى ضرورة حياة ووجود لانها تستحضر الجميع
الى قيادة البلد والمشاركة ولا تسلب احدا حقه في المشروع الوطني او تلغيه .!

وجود رىيس من مكون ما لا يعني سيطرة للمكون لان الديمقراطية بنظام السلطات الثلاث المستقلة تستطيع ان تحول القيادة من السيطرة الى شكل أبوي في أسرة الوطن وتحت مراقبة فاعلة ودستور وقوانين .! لذلك كانت الثورة الشبابية التي ذهبت اليها
هي الحل وما عداها سباحة في الفراغ !

وهذا هو السوال
١٥-٣-٢٠١٨

About ادوار حشوة

مفكر ومحامي سوري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.