للكون والحياة ارتباط وثيق ، انبثق هذا الارتباط مع بدء مولد الكون في لحظة الانفجار الكبير ، ومع اول شرارة نور وحرارة خرجا في تلك اللحظة من الخلق الاولي . فلولا وجود عناصر الكون الكيميائية لما وُجِدَتْ الحياة .
ما نعرفه لحد الان ان الحياة موجودة على سطح كوكب الارض فقط ، ولم يتوصل العلم لأكتشاف حياة على كوكب آخر او اي مكان في الكون .
كي تظهر الحياة على الارض وتتطور الى كائنات واعية وذكية مِثلنا ، فلابد من توفر المتطلبات الأساسية لظهور وأدامة الحياة . ولابد من وجود العناصر الكيميائية المتنوعة اللازمة لتكوين الكتلة البيولوجية الحية . إن عنصر الكربون هو العنصر الأهم لظهور الحياة ، الا ان الاوكسيجين والهيدروجين والنيتروجين والكبريت والفوسفور لها اهميتها هي الأخرى لوجود الحياة . ويُعد الماء السائل من المكونات الضرورية للحياة ايضا . اضافة لذلك تتطلب الحياة لظهورها واستمراريتها الى مصدر للطاقة من حرارة وضوء وبيئة مستقرة ، وهو ما يتوفر في حالتنا على الارض من طاقة الشمس .
كي تتطور الحياة من خلية وحيدة او بكتريا بسيطة وتتصاعد تعقيداً او تركيباً وتخصصا الى كائنات ذات اعضاء متطورة ينبغي ان تستمر البيئة في اعتدالها لوقت طويل ، وقد يستغرق الامر مليارات السنين كي تصل الحياة على الارض الى مرحلة الذكاء .
هذا ما يقوله العلم ، اما ما يقوله الدين ، فإن الحياة خُلقت بأمر الله الخالق . وابهى صور الحياة على الارض وارقاها خلقا هو الانسان الذي يقف على قمة المخلوقات تكوينا وعقلا وذكاء . والانسان خلق من تراب الارض وعناصرها الكيميائية في لحظة واحدة حيث جبل الخالق الانسان من أديم الارض ومائها ونفخ فيه نسمة الحياة ، واعطاه القدرة على النطق والتفكير والتكاثر والعمل والبناء ، وكان انسانا من ذكر وانثى سويا عاقلا ذكيا .
خلق الله الانسان بعد ان اكمل خلق كل مستلزمات الحياة ووفر له متطلبات استمرارها وبقائها وبيئة ملائمة للحياة من هواء وماء ونباتات وحيوانات وغذاء للجميع .
ان طبيعة خلق الكون والارض والحياة تم بشكل ملائم مما يسمح بوجود مثل هذه الكيمياء المعقدة ، ويتسم بقدر عال من التنظيم والدقة بحيث يستوعب ذلك التكوين غير المحدود من المجرات والنجوم والكواكب وما فيها من عناصر وقوى متوازنة من خصائص الذرات، الى توزيع المجرات وانتهاءً بظهور الحياة. ينبغي لكل ذلك توفر عدد من الشروط الصارمة في قوانين الفيزياء الاساسية التي تنظم حركة الكون وتلائم الحياة واستمرار بقائها ، تبدو تلك العملية من الخلق والتكوين والابداع كأنها مدبرة وانها من تصميم عاقل قوي خارق القدرات وفوق قوى الطبيعة ، وان عمليات الخلق والتكوين ليس منشأها عامل الصدفة العشوائية التي يدعيها علماء التطور .
ان كل ما موجود من ضروف على الارض مصمم بطريقة ذكية ملائمة تماما لظهور الحياة وبقائها .
على الرغم من كل ذلك ، انقسم العلماء ما بعد تشارلس دارون الى فريقين ، فريق يؤمن بنظرية التصميم الذكي للكون والحياة الذي ابدعه الله الخالق العظيم ، وفريق يؤمن بنظرية التطور والايمان بالتكوين للكون وظهور الحياة عن طريق عامل الصدف والعشوائية من دون تدخل كائن عاقل فيها .
كثير من اولئك العلماء المعاصرين في الفريق الثاني لا يتعاملون مع العلم من المنظور الديني .
يعتقد علماء الطبيعة المؤيدين للدين – وانا ايضا- ان كل قوانين الطبيعة التي يسير عليها الكون من تكوين الذرات وحركاتها وشحناتها الكهربائية الى تكوين المجرات والنجوم والكواكب وحركاتها وقواها التجاذبية هي تجسيد لخطة العمل الالهية المثالية
لو تمعنا النظر في قوانين الفيزياء التي تحكم الطبيعة لوجدنا انها ثابتة لا تتغير بفعل الزمن والضروف ، وانها موضوعة بطريقة ذكية ومتناسقة ومحكمة لا تخضع لعوامل الصدف والعشوائية ، انما هي مصممة بحكمة حكيم قدير عليم مقتدر وفوق الطبيعة .
مثلا قانون اسحق نيوتن للجاذبية يقول : [ ان قوة الجذب بين جسمين يتناسب طرديا مع الكتلة وعكسيا مع مربع المسافة بين مركزيهما ] ، وقد اثبتت التجارب والرياضيات صحة هذا القانون .
قانون بويل للغازات ينص : [ اذا تضاعفت حجم كتلة ثابتة من الغاز مع الحفاظ على درجة الحرارة من دون تغيير ، يقل ضغط الغاز الى النصف ]
وكذلك ينص احد قوانين كبلر لحركة الكواكب: [ ان مربع فترة الدوران لكوكب ما يتناسب طرديا مع مكعب نصف قطر المدار ]
مَنْ خلقَ تلك القوانين الفيزيائية وحددها بهذه الدقة الرياضية ؟ هل هي الصدفة العشوائية ام وراءها خالق ومصمم عظيم يحكم كل الطبيعة بتلك القوانين .
ان كانت الصدفة قادرة على التحكم في الخلق والابداع بدقة متناهية وتخلق القوانين الثابتة فسيكون بالامكان الايمان بأن عاصفة ريح شديدة ان هبت على مخازن كبيرة للسكراب والمعدات الميكانيكة والكهربائية والالكترونية والهيدروليكة بأمكانها ان تجمع بطريق الصدفة تلك المعدات معا لتصنيع طائرة بوينك حديثة او سفينة حربية مع معداتها القتالية فهل هذا ممكن ويقبله العقل والمنطق ؟ اكيد لا .
الا تحتاج الطائرة والسفينة الى عدد كبير من المهندسين والمصممين الماهرين ذوي خبرة عالية وعلم كبير في عدة اختصاصات لتصميم وتصنيع الطائرة والسفينة وتركيب اجزائها المعقدة في مصانع متخصصة ؟
فإن كانت طائرة واحدة يستحيل تجميعها وتهيئتها كاملة بطريقة الصدف والعشوائية فكيف نصدق ان الكون بمجراته ونجومه وكواكبه وقوانينه الدقيقة ، والحياة بمخلوقاتها الرائعة كالانسان والنبات والحيوان بخلقتها الابداعية المتكاملة تكونت كلها بطريق الصدف العشوائية ؟
كيف نؤمن ان الصدف في عوامل الطبيعة من حرارة وعناصر كيميائية وشرارة برق تجمعت لتنشئ الحياة في خلية وحيدة تطورت بطريقة غير متحكم فيها تخلق انسانا ذكيا عاقلا يغزو الكون بأقماره الصناعية الجبارة ويسبر اعماق البحار بالسفن والغواصات ويعبر الصحارى والجبال بطائرات اسرع من الصوت وكله من ابداع عوامل الصدف والعشوائية وبفعل كائن تطور من سلالة قرود من دون تدخل خالق قوي عاقل قدير يتحكم بمخلوقاته المعقدة .
صباح ابراهيم
28 نيسان 2014