وصلتني من باب النكتة رسالة على بريدي الخاص، تقول: سألوا أردني: ليش دائما مكشر وعصبي؟
قال: قهوتنا مرة، وبحرنا ميت وخليجنا عقبة وطبختنا مقلوبة وأشهر أسمائنا زعل ومهاوش وعدوان، ومطربنا اسمه متعب، وأشهر أغانينا “ويلك يلي تعادينا يا ويلك ويل”، وبدكون اياني ابتسم؟!
…..
لم أقرأ سابقا مادة مكتوبة تجسد حقيقة تلك الأمة الميؤوس منها وسرّ فشلها، كما جسدتها تلك الرسالة!
******
لي من الأصدقاء الحقيقين والفيسبوكيين الكثيرون، ولكن أقوى علاقة استطعت أن أقيمها في حياتي كانت مع الكتاب…
من خلالها تعرفت على أشخاص كان من المستحيل أن ألتقي بهم على أرض الواقع، وعلى شعوب وعادات لم أكن اؤمن بوجودها إلا في الخيال، وعلى أفكار لم أشعر بحلاوة بعضها إلا في العسل، ولا بمرارة بعضها الآخر إلا في الحنظل!
…..
تلك العلاقة بلورت لاحقا علاقتي بزوجي وأولادي وأحفادي وأقربائي وأصدقائي و”أعدائي” على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم…
تلك العلاقة حددت طبيعة علاقتي بالأشياء اعتبارا من زجاجة العطر في خزانتي ومرورا بماركت كومبيوتري وانتهاء بدمية حفيدي…
تلك العلاقة ساعدتني على أن أتخيل الله كما أريده، وأصبح كما يريدني….
تلك العلاقة أضاءت المخفي والمكشوف، وسمحت لي أن أختار بوعي وبملىء ارداتي…
لذلك، أملك الحق أن أقول “ تلك العلاقة أنجبتني”!
حياتي كلها كلمات….
لم أعش حياة واحدة، بل عشت المئات…
عشت حياة كل كاتب صبها على ورقه، عشتها بحذافيرها، بخيرها وشرها، بقبحها وجمالها، واستخرجت منها حكمة تفيدني في الحياة…
لذلك، استفدت من تجارب الكثيرين دون أن أدخلها إلاّ على صفحاتهم….
تلك هي قوة الكلمة….
تسمح لك أن تعيش حياة كاملة في غضون أيام، وتسمح لك أن تصبح شيخا حكيما وأنت في مستهل شبابك…
……
أحيانا أشعر أنني أعرف مارك توين ورالف والدو اميرسون ووالت ويتمان، و “النبي” محمد وابن تيمة ونزار قباني وعبدالله القصيمي ونوال السعداوي أكثر مما يعرف كل منهم نفسه!
لقد تعرفت عليهم من خلال أقوالهم، فالكلمة هي ماتنضحه الروح من طيب أو خبث، والإنسان يتعلم الحكمة من الطيب والخبيث على حد سواء!
بعض الأموات مازالوا يتركون بصماتهم في حياتي وبعض الأحياء ماتوا من زمان…
الكلمة هي التي حددت بقاء البعض ورحيل البعض الآخر!
…….
قال لي جدي يوما، وبكل براءة: كتاب “الجفر” للإمام علي يحوي سرّ الحياة والكون كله!
لم أقرأ هذا الكتاب في حياتي، ولست متأكدة إن كان فعلا موجودا…
لكن، ومنذ أن قالها وأن أرى في كل كتاب جفرا وفي كل جفر سرا من أسرار الحياة!
لم أعد اؤمن بالمعنى الذي تحمله عبارة ما وحسب، بل صرت أهتم أكثر بالكلمات التي تصيغ تلك العبارة…
فلو طلبتَ من نزار قباني أن يعبر عن عشقه لحبيبته، وطلبت ذلك من شخص آخر..
قد يعبّر الإثنان بنفس المعنى ولكن قوة الكلمة ومكانها هي التي ستميّز نزارا عن غيره!
للكلمة ـ أية كلمة ـ طاقة تفيض منها عندما تُكتب أو تقال….
قد تستخدم الكلمة السلبية لتعبر عن حاجة ايجابية، وقد تستخدم الكلمة الإيجابية لتعبر عن حالة سلبية، ولكن اللاوعي عندك يمتص سلبية الكلمة أو ايجابيتها غير عابئ بالمعنى التي حملته العبارة!
أنا لست بخير…
أنا لست مريضا…
كلمة “خير” في العبارة الأولى كلمة ايجابية عبّرت عن حالة سلبية…
كلمة “مريض” في العبارة الثانية كلمة سلبية عبّرت عن حالة ايجابية…
اللاوعي عندك سمع كلمة “خير” فظن الأمور خيرا….
وسمع كلمة “مريض” فظن بالأمر سوءا….
ولذلك صاحبنا الأردني على حق، وهو أشطر من أشهر عالم نفس كنت قد تعرفت عليه عندما يتعلق الأمر بوصف حالتنا اللغوية المزرية وكشف أسبابها…
لقد تعبأ اللاوعي عنده بلغة سلبية جافة قاحلة لا تثمر ولا تسمح بالإبداع…
لذلك، ذهبت جهود الذين يطلقون على أنفسهم “القرآنيون” سدى، وهم يحاولون جاهدين أن يخففوا من حدة لغة القرآن البلدوزرية، ويكسبوها معنى ليس ألطف من المعنى الذي تحمله وحسب بل مناقض تماما له، مثلهم كمثل شخص يحاول إقناعك أنه يحمل سكينا، بغية أن يطبع بها قبلة على خدك!
……..
يقولون الحياة غير عادلة، ورغم مافي ذلك القول من حقيقة، أشعر أحيانا أنه وطالما يمتلك كل انسان على سطح الأرض نفس الحق في استخدام القاموس، لا بد أن الحياة قد ساوت بين الجميع!
لغتك هي أنت، هي التي صنعت ماضيك وتصنع حاضرك وستصنع مستقبلك..
************************************
أعزائي القرّاء:
أـقدم إليكم اليوم بمقطع من كتابي القادم “دليلك إلى حياة مقدسة”. وأعدكم بأنني أضع اللمسات الأخيرة عليه وسيكون جاهزا للنشر في الشهر الأول من العام المقبل.
مع أحلى أمنياتي وخالص محبتي
وفاء
الصورة المرفقة رسمة جديدة للفنان المبدع الأمريكي من اصل روسي
Vladimir Kush
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهران
أحدث التعليقات
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر