القضاء العراقي فطم نفسه عن العدالة والنزاهة

ALI_Kashقال رئيس الجمهورية فؤاد المعصوم ـ عن قول الحق والحقيقية ـ ” نحن فخورون بالسلطة القضائية الاتحادية”.
لا أحد يشك بأن القضاء العراقي هو الفصل الثالث من الكوميديا الهزلية لما يسمى بالعملية السياسية، وعلى الرغم من كل الشوائب التي لازمت القضاء العراقي منذ الغزو الغاشم لحد الآن، الا ان القضاء تمكن من مجابهة وسحق كل المطالب الشعبية المطالبة بتغييره من القمة الى القاع الآسن، سيما ان المحكمة الدستورية العليا وملحقاتها التمييزية والإستئناف وغيرها تسيطر عليها الأحزاب الشيعية الحاكمة، لذا لا عجب ان يكون هذا القضاء المسيس مع (الفاسدين الشيعة) متسامحا وغفورا، لكنه من (الفاسدين السنة) طاغية شديد العقاب. إنه مع المتهمين الإيرانيين متساهل ورحيم، ومع المتهمين العراقيين والعرب جلف وقاسي لا يعرف الشفقة. قضاء مع المسؤولين المفسدين له صبر أيوب، لا يصدر احكامه القضائية الا بعد التأكد من هروب المسؤولين الفاسدين مع ملياراتهم خارج العراق وأنهم أصبحوا بمنأى عن السلطات العراقية، ولكنه متسرع عجول في إصدار احكامه السهلة مع مصادر القوى النافذة على الساحة السياسية، فجلسة النائب مشعان الجبوري ورئيس البرلمان سليم الجبوري لم تستغرق أكثر من ساعة من ضمنها تناول القهوة والحلوى ومناقشة الأحداث الجارية مع قاضي القضاة الأبدي ـ الى أن يأتي أجله ـ مدحت المحمود صاحب فكرة البيعة الأبدية للرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
كل شهرين او ثلاثة أشهر يطل من نافذة القضاء المتهرئة نجم الشاشة الدائم الحضور القاضي البيرقدار مبشرا العراقيين بأنه تم إطلاق سراح ما يقارب العشرة آلاف معتقل (معظمهم من أهل السنة بتهمة/ 4 ارهاب) لعدم ثبوت التهم المنسوبة اليهم، او بسبب الوشايات الكاذبة، بمعنى أنه خلال عقد من الزمان سيكون حوالي نصف العراقيين متهمين بالإرهاب ويطلق سراحهم لعدم ثبوت الأدلة! انهم يعطون فكرة للعالم بأن معظم العراقيين متهميمن بالإرهاب، ونحن نعتب على الغرب عندما يوصفنا بالإرهابيين. القضاء العراقي هو القضاء الوحيد في العالم الذي يأخذ بوشاية المخبر السري، وقد إعترف قاضي القضاة بأنه حوالي (500) مخبر سري كانوا من أتباع الشيطان ويقدمون وشايات كاذبة للقضاء فيحكم بموجبها، ولم يحدد القضاء عدد ضحاياهم، ولا كيفية التعامل مع الضحايا (بعضهم مات بسبب التعذيب أو المرض) بعد أن تبينت الحقيقة المرة بعد فوات الأوان. والعجب ان هذا المخبر السري عميل مجهول يتمتع بحصانة قضائية، ولا تُكشف شخصيته خلال المحاكمة، نكرة يحدد مصير المعرفة.
القضاء العراقي هو القضاء الوحيد في العالم الذي لا يعوض المتهمين ممن تثبت برائتهم من التهم المنسوبة اليهم، بعد ان قضى البعض منهم ردحا من الزمن تجاوز العقد. بل ان أوامر القضاء نفسه غير ملزمة لإدارات السجون، فعندما يقرر القضاء مثلا إطلاق سراح متهم ما لعدم ثبوت الأدلة، فأن إدارات السجون لا تطلق سراحه الا بعد ان تستلم الرشاوي (آلاف الدولارات) من ذويه، والقضاء لا يتابع مدى تنفيذ أحكامه من قبل إدارات السجون على إعتبار ان تلك المهمة ليست من مسؤوليته.
القضاء العراقي هو القضاء الوحيد في العالم الذي يضم قضاة مرتبطين بالكتل السياسية الحاكمة وينفذون اجندتها السياسية بغض النظر عن العدالة والنزاهة. وقد أقسمت حكومات الإحتلال أن يستمر قاضي القضاة (مدحت المحمود) في منصبه من المهد الى اللحد، وربما يتم إستحضار روحه بعد موته للحكم في قضايا قادمة! أنه قاضي القوى السياسية النافذة وبالذات نوري المالكي، حتى انه قلب الدستور رأسا على عقب ليوليه رئاسة الوزراء التي كانت من نصيب الزعيم الهش أياد علاوي، الذي قبل بالأمر الواقع، وإستمر في العملية السياسية دون ان يحفظ كرامته المهدورة.
القضاء العراقي يضم قضاة اشبه بالقرقوز لا يعرفون ان (العدل أساس الملك) هي حكمة مشهورة وليست من نصوص القرآن الكريم، بل أن أحد القضاة (محمود الحسن) يوزع سندات تمليك أراضِ وهمية لمجموعه من السذج والجهلة لشراء أصواتهم الإنتخابية دعما لنوري المالكي، وهذا النائب الأمعي هو صاحب قانون منع الخمور في العراق وهدد علنا من يقاضيه على قانونه التافة. السرقة والرشاوي والتزوير وغسيل الأموال والمخدرات ليست حرام، المشروبات الكحولية فقط حرام! بمعنى أن وصفت القضاء العراقي بالعميل، المسيس، الظالم، الفاسد، الجاحد، العفن، فأنك قصرت في حكمك ورأفت به، لأنه أسوأ من هذا بكثير.
سبق أن استعرضنا في مقالات سابقة أزمة القضاء العراقي المسيس وهذه واحدة من الحالات المثيرة ففي 27/10/2016 أفرجت السلطات العراقية عن المعتقل المغربي (عز الدين بوجنان) بعد قضاء مدة محكوميته البالغة 11 عاماً (خُفضت من 15 عاما) بتهمة دخول الأراضي العراقية بطريقة غير مشروعة، فقد أعتقل في بداية كانون الاول 2004 في بغداد وفق (قانون الجوازات) بتهمة دخول الأراضي العراقية بطريقة غير شرعية. بقي (بوجنان) معتقلا على الرغم من قضائه المدة المحكوم عليه، في انتظار تسلميه إلى السلطات المغربية، قبل أن تحتج عائلته وعدد من النشطاء الحقوقيين؛ وهو التحرك الذي دفع جهات دبلوماسية وأمنية مغربية إلى التدخل بغرض تعجيل تسلمه من الحكومة.
الجريمة واضحة دخول غير شرعي للأراضي العراقية وعوقب على أثرها الجاني ب(11) عام، ولم يطلق سراحه بعد أن انهى مدته إلا بضغظ دبلوماسي مغربي. لنقارن هذه الحالة بحالة مشابهة وهي الدخول الى الأراضي العراقية بشكل غير شرعي. ونحن لا ننتقد بحديثنا هذا القانون بحد ذاته، فالقانون لا شائبة فيه سوى المبالغة غير المنطقية في العقوبة، ولكن لماذا لا ينفذ هذا القانون على جرائم مشابهة وأشد جرما من جريمة الدخول غير المشروع للبلاد؟ وهذا مثال.
في العام الماضي بمناسبة أربعينية مقتل الحسين بن علي دخل ما يزيد عن (500000) الف زائر إيراني العراق من منفذ زرباطية الحدودي في محافظة واسط بلا سمات دخول ولا أوراق ثبوتية، وتسببوا بفوضى عارمة لم يشهدها العراق في تأريخه. وقد تسببت هذه الفوضى بخسائر بشرية ومادية كبيرة أشارت الحكومة العراقية اليها بطريقة طلسمية ولم تكشف النقاب عن حقيقة ما حصل بسبب تبعية الحكومة العراقية لنظام الملالي.
فقد جاء في تصريح وزارة الداخلية العراقية بتأريخ 1/12/2015 ” إن منفذ زرباطية الحدودي في محافظة واسط جنوب بغداد قد تعرّض لحوادث مؤسفة خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، بعدما كان يشهد انسيابية عالية وحسب الضوابط والأصول المعمول بها، حيث تقوم الجهات المسؤولة بالتدقيق في تأشيرات الدخول التي منحتها الممثليات العراقية، ويجري التأكد وتثبيت المعلومات، كما هو مطلوب. وتبيّن أن قسمًا من الزائرين ويعدون بعشرات الآلاف لم يحصلوا على تأشيرات دخول نافذة، مما سبب إرباكًا للمنفذ وزحامًا خانقًا وتدافعًا، أدى إلى تحطيم الأبواب والأسيجة، وحصول خسائر مادية، وجرح بعض أفراد حرس الحدود، وانفلات الوضع في المنفذ. وقد اتضح أن تدفق الحشود بالطريقة غير المنضبطة كان متعمدًا، للضغط على مسؤولي المنفذ لفتح الحدود بشكل غير قانوني، وبحجة عدم سيطرة الجانب الإيراني على الداخلين من الحدود الإيرانية، وكان الاتفاق ينص على أن يقوم الجانب الإيراني بمنع دخول الأفراد غير الحاصلين على تأشيرات الدخول من الاقتراب من المنفذ الحدودي. كما صرح (ثامر الطائي) مدير إعلام محافظة واسط” إن الحكومة المحلية في واسط أجرت سلسلة اتصالات مع الجهات العليا بشأن الزوار الإيرانيين، الذين اقتحموا منفذ زرباطية، ودخلوا المنطقة الحدودية من دون الحصول على تأشيرات أصولية.. مشيرًا، وأن الحكومة الاتحادية وافقت على السماح لأولئك الزوار بدخول العراق لأداء الزيارة بدون التأشيرات، بسبب عددهم الهائل وصعوبة السيطرة عليهم أو إعادتهم إلى بلادهم، بعدما أصبحوا داخل المنطقة الحدودية وقضاء بدرة شرق مدينة الكوت. وكانت إدارة قضاء بدرة قد أكدت اقتحام أكثر من نصف مليون زائر أجنبي لمنفذ زرباطية من دون الحصول على تأشيرة الدخول. (أي ليس كما ورد في بيان وزارة الداخلية الي أشار الى عشرات الآلاف وليس نصف مليون زائر)
بالتأكيد هذا البيان يمثل إعتراف رسمي بدخول (500000) زائر العراق بطريقة غير مشروعة يعني نفس جريمة المواطن المغربي (عز الدين بوجنان)، وفي الوقت الذي تسامحت معهم الحكومة العراقية وسمحت لهم رسميا بإكمال الزيارة ضاربة الدستور والسيادة الوطنية وقانون الجوازات عرض الحائط، فأن المواطن المغربي أعتقل وسجن عن جريمته، مع ان القانون هو نفسه!
لكن لماذا أعتقل المواطن المغربي وسجن عن الجريمة، في حين شرعنت الحكومة دخول الإيرانيين واعتبرتها قانونية؟ مع أن الكثير منهم لم يغادر العراق حيث رفضت الحكومة الإيرانية دخولهم أراضيها بحجة عدم وجود أوراق ثبوتية لديهم، وانخرط بعضهم في الميليشيات العراقية التابعة للولي الفقية، والبعض الآخر ما زال في كربلاء والنجف يمارسون الإتجار بالبشر والسرقة والتسول والإحتيال بإعتراف قادة الشرطة.
المواطن المغربي لم يتسبب بخسائر مادية وبشرية لحرس المنفذ الحكومي كما جرى مع الإيرانيين، ان الذي حصل وتسترت عنه الحكومة ووزارة الداخلية كانة كارثة سيادية. الزوار الإيرانيون هجموا على المركز الحدودي وحطموا البوابات، وإعتقلوا حرس الحدود بعد الإعتداء عليهم باللكمات، وأوثقوا أيديهم وأقدامهم، وحرقوا سجلات المركز، وخربوا الأثاث وسرقوا الأختام وبعض المحتويات ومنها النقود التي كانت في جيوب الحراس.
في الوقت الذي يرزخ فيه عدد من المتهمين منذ بداية الغزو في السجون ولم تحسم قضاياهم بعد بإعتراف وزير العدل العراقي، أعلنت هيئة النزاهة 17/11/2016 عن إحباط محاولة لسرقة أكثر من خمسة مليارات دينار وربع المليار من مصرف حكومي، وأن محكمة الجنايات المتخصصة بقضايا النزاهة أصدرت (حكما غيابيا) بحق المدان بالسجن مدة عشر سنوات، كأنهم يقولون للعراقيين هاك ( أسهل الطرق لتصبح ملياديرا بمنأى عن القضاء).
الأنكى من هذا، ان الحكومة العراقية بلا أدنى خجل تتحدث عن السيادة الوطنية. والقضاء العراقي يدعي النزاهة، وأن القانون يسري على الجميع!
الخلاصة يا سادة ، أن الوطن بلا قانون ولا سيادة.

علي الكاش

About علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي . لدي مؤلفات سابقة وتراجم ونشرت ما يقارب 500 مقال ودراسة. لدي شهادة جامعية في العلوم السياسية واخرى في العلاقات الدولية شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية لدي خبرة واسعة جدا في الكتب القديمة والمخطوطات
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.