سامي النصف
في العام 1967 نصب النظام القائم في سورية آنذاك مصيدة لمصر وللأمة العربية عندما اعلن ان عبدالناصر لا يملك خطة لتحرير فلسطين، وان دمشق ستقود الحرب الشعبية المنطلقة راياتها من «هانوي العرب» لتحريرها، وتم الهجوم الاعلامي على القاهرة كونها تسمح بمرور السفن الاسرائيلية من مضائق تيران، فوقع المشير عامر في الفخ وأرسل من باكستان يدعو لإغلاق المضائق والعمل على تحرير فلسطين والوصول السريع لتل أبيب قبل ان تصل لها الميليشيات الشعبية السورية.
وزاد الطين بلة اساءة فهم وزير الحربية المصري شمس بدران لرسالة وزير الدفاع الروسي، حيث ابلغ عبدالناصر بأن الاتحاد السوفييتي سيدخل الحرب معهم بشرط الا تبدأ مصر الحرب وتقبل بتلقي الضربــة الاولى، وكانت المخابرات العسكرية المصرية قد فشلت في معرفــة ان اسرائيل قـــد زودت طائراتهـــا الميراج قصيـــرة المدى بمستودعـــات وقود احتياطية تجعلها تغطي كل المطـــارات المصريــة التي ابعــدت لهــا الطائــرات استعـــدادا لتقبـــل الضربـــة الاولى من اسرائيل بأقل الاضرار، كما فاتها معرفــة حصول اسرائيل على قنابل عنقودية تدمر ممرات الاقلاع ومــن ثم تصبح الطائــرات المصرية كالبــط الجالــس ينتظر الغارات عليه المرة تلو الاخرى حتى ينتهى منه.
انطلقت الطائرات الاسرائيلية صباح يوم 5/6/1967 للغارة على مصر، وارسل الاردنيون العاملون في رادار عجلون رسالة مشفرة متفقا عليها للقاهرة نصها «عنب، عنب، عنب» الا ان طرفا ما في الجانب المصري قام بتغيير الشفرة الليلة الماضية، كما تم ايقاف بطاريات الصواريخ والمدافع بسبب مصاحبة المشير عامر لوفد عراقي لزيارة مطارات سيناء، في الوقت ذاته أعلن الملك حسين دخوله الحرب وارسل للقيادة السورية يدعوها للقيام بعمليات هجوم مشترك على الطائرات الاسرائيلية العائدة من مصر دون وقود أو اسلحة حتى تتعادل الكفتان اي لا طائرات مصرية ولا اسرائيلية، الا ان القيادة العسكرية السورية ابلغت الاردن ـ بشكل جدي ـ بأن طائراتها تقوم بمهمات تدريبية استعدادا للحرب القادمة مع اسرائيل، واستمر ذلك الرد أو الردح حتى المساء عندما انتهت اسرائيل من القضاء على كامل الطيران المصري.
وكان بإمكان مسار التاريخ أن يتغير لو صمد الجيش المصري في سيناء وهو قادر على ذلك لأشهر عدة، الا ان الثعلب هيكل أقنع صديقه المشير عامر بإصدار قرار الانسحاب السريع في اليوم التالي للحرب من سيناء بحجة ان اصدقاءه العسكريين الفرنسيين المحيطين بالجنرال ديغول أخبروه بأن «الصحراء مقبرة لمن يدافع عنها»، وهو ما كتبه لاحقا في مقاله بـ «الاهرام»، كما أضاف ان الرئيس عبدالناصر قام بذلك عام 1956، وبالتالي سيسعده لو كرر المشير هذا الامر باسمه هذه المرة، وهو ما تم، ولو انتظر المشير قليلا لوصلت الطائرات سريعا لمصر من الدول العربيـــة ودول الكتلة الشرقية خاصة ان مصر لم تفقد الا 4% من طياريها، في الوقت ذاتـــه اعلنت وزارة الدفاع السورية في 9/6/1967 سقوط الجولان قبل ان تسقـــط، وقـــام كبار قادتهـــا بإرســال رسائل مشفـــرة لاسرائيل لتسلم الجـــولان دون حرب وحسب الاتفاق المسبق، وقد قامت سفينة التجسس الاميركيـــة «ليبرتــي» بالتقاط تلك الرسائل، فقام الطيران الاسرائيلي بضربها في وضح النهار بقصــد اغراقهـــا ودفــن الســر الرهيب معهــا.
آخر محطة: ما يدل على عدم تعلم الدرس من تلك النكبة الكبرى ما طالب به بعض قادة الاحزاب المصرية قبل ايام قليلة وبانفعال كبير بضرورة شن الحرب على إثيوبيا وضرب سد النهضة الحبشي بالطائرات، نسي هؤلاء وعلى رأسهم د.يحيى الجمل ان عملا كهذا سيعطي اثيوبيا المبرر الاخلاقي لضرب السد العالي ومن ثم غرق مصر بمياه بحيرة ناصر في الفيضان الاكثر تدميرا بتاريخ مصر.
*نقلا عن صحيفة “الأنباء” الكويتية