القتل روحانيا أبشع بكثير من القتل جسديا

wafasultannewyorkمنذ اسبوعين تعرضت لوعكة صحية عادية جدا
خضعت خلالها للعلاج بالمضادات الحيوية…
بعد عدّة ايام من العلاج أقنعتني الطبيبة المختصة أن أغيّر نوع المضاد وأتناول مضاد آخر واسع الطيف، بمعنى أنه أقوى فعالية…
وافقت…
من حسن حظي كانت أختي تزورني وتعتني بالبيت خلال تلك الفترة..
تناولت الحبة الأولى، ولم يمض سوى دقائق، حتى شعرت بأنني بدأت أفقد الوعي…
كانت درجة تحسس جسمي من الدواء الجديد عالية إلى حد يدعى باللغة الطبية
anaphylactic shock
وهي حالة إن لم تعالج بسرعة البرق تعتبر قاتلة…
اتصلت اختي بالنجدة وخلال دقائق كنت في سيارة الإسعاف موصولة بعشرات الأنابيب والآلات!
مرّت القضية على خير…
……..
وعكة بسيطة كادت تودي بحياتي…
تلك هي الحياة هشة وقصيرة ورحلة لا أحد يعرف في أية محطة ترميه….
ويبقى السؤال: لماذا تلك الأحقاد؟؟
جميع علاقاتنا يجب أن تكون محكومة بأخلاقيات تنبثق من تلك الحقيقة، أي أن الحياة هشة وقصيرة!
فلماذا ننكّد على غيرنا، وبالتالي ننكّد على أنفسنا؟
….
لا شك أن هناك اناس ترفضهم ملابسهم من شدة غلاظتهم، ولكنك لست مجبرا ان تتعامل معهم…
عندما يُفرض عليك أشخاص لا تريدهم تستطيع أن تتعامل معهم بأقل الخسائر كي تحمي نفسك من غيظها وآلامها….
لكن، تحت أي ظرف إياك أن تُسقط إنسانا تختلف معه دون مستوى انسانيته مهما كان تصرفه قبيحا، ليس فقط من باب احترام انسانيته، وإنما من باب احترام نفسك لإنسانيتها….
….
سأبوح لكم بسرّ قد لا يتفق معي الكثيرون عليه…
(لا يؤلمني يوما مقتل إنسان بقدر ما يؤلمني أن يُهان إنسان أمام ناظري)
نعم، رغم أنني أعتبر الحياة قيمة مقدسة، ولا يعلوها أي شيء آخر في قداسته…
لكنني أعتبر القتل روحانيا أبشع بكثير من القتل جسديا…
عندما تقتل الجسد، يتوقف الإحساس بالإهانة، وقد تنتقل الروح إلى عالم آخر وأفضل، من يدري؟؟؟
أما عندما تهين إنسان ـ وخصوصا ـ من منطلق قوتك وضعفه فأنت ترتكب أبشع أنواع القتل…
قال شكسبير: من الجميل أن تمتلك قوة الأسد، لكن من القبيح أن تستخدم تلك القوة كما يستخدمها الأسد!
……
تذكر: لا يوجد إنسان على سطح الأرض مجرد من الأحاسيس والمشاعر…
مهما هبط به واقعه ومهما ارتفع بك واقعك، فكلاكما يملك نفس المشاعر والاحاسيس..
لقد راقبت أشرطة كثيرة لداعش تمارس فيها أبشع أنواع القتل…
وراقبت شريطا لرجل سعودي يضرب خادمه الهندي ضربا مبرحا….
آلمنى موقف الرجل السعودي من خادمه وحفر جرحا في قلبي أعمق بكثير من جرائم داعش!
……
تجربة المضاد الحيوي التي مررت بها والتي أوشكت أن تودي بحياتي عززت قناعتي من أن حياتنا على سطح الأرض ليست سوى
رحلة قصيرة جدا، نقطعها من العدم إلى الأبدية…
وسعيد جدا جدا ذلك الإنسان الذي يترك وراءه أثرا طيبا!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.