سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 10 يناير 1946م..
كانت الساعة العاشرة وخمس وأربعين دقيقة صباح يوم الخميس 10 يناير «مثل هذا اليوم» من عام 1946، حينما وصل اليخت الملكى بالعاهل السعودى الملك عبدالعزيز آل سعود إلى ميناء السويس، لبدء زيارة إلى مصر بدعوة من الملك فاروق.
صعد «فاروق» إلى ظهر اليخت لاستقبال ضيفه، وأقل الملكان «القطار الخاص» الذى تم تجهيزه لهذه المناسبة ليقلهما إلى القاهرة، وفى محطة مصر بالقاهرة، كان كبار رجال الدولة فى استقبالهما، وتحرك الموكب الملكى من محطة مصر إلى قصر الزعفران، حيث نزل «الملك عبدالعزيز، وحاشيته». راجع: «جريدة الأهرام فى عددها الصادر يوم 11 يناير 1946».
استمرت الزيارة 12 يوما، وكانت ردا على زيارة «فاروق» إلى السعودية عام 1945، وحسب الدكتور عاصم عبداللطيف محروس فى دراسته «زيارة الملك عبدالعزيز بن سعود لمصر، ندوة خاصة، جامعة الزقازيق، القاهرة»: «نجحت السراى فى الإعداد لهذه السراى إعدادا كبيرا حتى أنها كانت موضع إعجاب وتقدير العاهل السعودى»، ويرصد «محروس» خطوات الإعداد، قائلا: «طلبت وزارة الخارجية المصرية فى أول ديسمبر 1945، فتح اعتماد إضافى فى ميزانيتها بمبلغ 20 ألف جنيه لنفقات هذه الزيارة، ووافقت اللجنة الملكية بمجلس النواب، كما طلب الديوان الملكى نفقات اليخت «المحروسة»، الذى سيكون فى ركاب الملك الضيف، واعتمد مجلس النواب لذلك عشرة آلاف جنيه، وعلى هذا النمط وافق القومسيون البلدى بالإسكندرية على اعتماد مبلغ عشرة آلاف جنيه لمواجهة زيارة الضيف للمدينة، وتقرر إصدار طابع لتخليد ذكرى الزيارة، واعتمدت وزارة المالية لذلك مبلغ عشرة آلاف جنيه، وصدرت التعليمات من رئيس الوزراء لكل وزارة لاتخاذ التدابير اللازمة لتساهم كل وزارة بنصيبها فى استقبال الملك والحفاوة به، وأطلقت وزارة الأشغال اسم الملك على شارع النيل بقسم مصر القديمة بمدينة القاهرة».
تكونت لجان للاحتفال، ويذكر «عاصم» أن لجنة القاهرة قررت إقامة أعلام سعودية ومصرية من المحطة إلى أربعة أقواس نصر كبيرة أحدها فى مدخل شارع إبراهيم، واثنان بميدان إبراهيم باشا، والرابع فى مدخل ميدان عابدين، كما قررت فتح مطاعم الشعب مدة ثلاثة أيام لإطعام عشرة آلاف فقير، وتم إعداد قصر الزعفران، وزينت محطات السكك الحديدية، وجهزت الطرق التى سير بها الموكب الملكى، وأضيئت المبانى الحكومية، واتخذت إجراءات الأمن اللازمة، وتألفت بعثة الشرف برئاسة الأمير محمد عبدالمنعم، ويكتب «الأهرام» فى متابعته، أن القوى الشعبية والحزبية شاركت فى حسن استقبال العاهل السعودى، وشارك الطلبة بمستوياتهم المختلفة والعمال فى هذه الاستقبالات، وذلك فى اليوم الأول للزيارة، فقد اصطفت فى طريق الركب الملكى، جموع الطلبة من جميع المدارس والمعاهد، وكذلك طوائف العمال وغيرهم، حاملين اللافتات والأعلام مرحبين وهاتفين للركب الملكى، وليس أدل على حسن الاستقبال الشعبى للموكب الملكى أن الملكين قد استقلا مركبة ملكية مكشوفة تجرها الجياد، وكذا استقل الأمراء السعوديون والمصريون مركبات ملكية وأخرى مكشوفة»، وتضيف الأهرام فى عددها يوم 14 يناير، أن جماعة الإخوان المسلمين اشتركت جوالتها فى الاحتفالات بالترحيب بالضيف فى القاهرة والأسكندرية والمحافظات، بل وأقامت عرضا عسكريا لخمسة آلاف عضو من جوالتها، بقصر الزعفران مقر الملك الضيف، وفى ميدان رأس التين، ومهرجانا كشفيا كبيرا فى النادى الأولمبى.
أقام الملك فاروق مأدبة لضيفه فى مساء اليوم بقصر عابدين، وحضر اللورد كيلرن، السفير البريطانى فى القاهرة، ويذكر فى الجزء الثانى من مذكراته، عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة»، ترجمة: الدكتور عبدالرؤوف أحمد عمرو، ما جرى فى المأدبة، مشيرا إلى أنه ذهب إلى القصر فى تمام الساعة السابعة والنصف مساء، وذهب حيث يجلس الملك عبدالعزيز فى البهو الملكى، وقد أحاط به أحد عشر رجلا من أبنائه وهم واقفون على يمينه، ووقف خلفه على الشمال وزراء الدولة المرافقون له، وكان المنظر مهيبا إلى حد ما، وكان الجميع يلبسون ملابسهم الرسمية متدثرين بالعباءات العربية، وقد ارتدوا وشاح النيل الأعظم الذى أهداه لهم الملك فاروق، ويقف خلف «ابن سعود» عزام بك «أمين الجامعة العربية، ويقف النقراشى باشا رئيس وزراء مصر، وكان ابن سعود دمث الأخلاق، عذب المعشر، وعندما سلم على سألنى عن عدم تلبية دعوته لزيارة المملكة».
يضيف «كيلرن»: «بعد انتهاء مأدبة العشاء كان يجب علينا أن نذهب وننتظر، حيث سيحضر الملك فاروق ليجلس بعض الوقت بيننا فى مثل هذه المناسبات، وهذه كانت فرصة لرئيس وزراء مصر بأن يلازمنى الذى بذل قصارى جهده لينال ثقتى بحكم منصبى، وبرغم كل هذا لم أعبأ كثيرا»…!!