علي الكاش
في مقال للسيد إبراهيم الزبيدي بعنوان (ايران تقتل ناسها في العراق) ورد التالي” ثم أين هم السياسيون أصحاب الوجاهة والزعامة والنيابة عن أبناء الطائفة السنية؟،وأين مَضافاتهم وندواتهم ومؤتمراتهم التي يعقدونها خارج الوطن، وهم الذين دوخوا الدنيا ببكائهم على العدالة المفقودة والمساوة والكرامة، وبأحاديثهم عن الحاجة إلى أحزاب وائتلافات وتجمعات وطنية عابرة للطوائف والأديان والقوميات، وبتصريحاتهم التي لم تنقطع عن ضرورة إلغاء المحاصصة، وإقامة حكم وطني رشيد؟ فإن كان سكوتُهم خوفا من السلطة ومن إيران، فوا أسفا على الرجولة والشهامة والأصالة والفداء.وإن كان طائفيا، باعتبار أن المنتقضين شيعة، وفخّار يكسّر بعضه، فذاك أقبح وأكثر عيبا ونقيصة. فكيف يمكن أن يقف عراقيٌ واحد وطني وشريف متفرجا على أشقاء له وهم يتساقطون دفاعا عن حرية وطن واحد للجميع، وفداءً لكرامة شعب واحد لن تستطيع أن تفرقه إيران، ولا الأكبر ولا والأقوى من إيران ومن نظامها الآيل للسقوط؟
في الحقيقة أتابع مقالات السيد إبراهيم الزبيدي ولم يفتني قراءة أي مقال من مقالاته، فهو كاتب مقال من الدرجة الأولى، مع انه غالبا ما يحشر سلبيات الرئيس السابق صدام حسين في مقالاته، ربما كنوع من البهار لتطييب نكهة مقالاته، وهذا اسلوب يتبعه بعض كتاب المقالات ربما لتبرئة أنفسهم من الإنتساب الى البعث، او نوع من المحاباة للعملية السياسية او النزعة الطائفية المخيمة على عقولهم، مع ان هذه الإشارات غير مهمة ولا تزيد المقال رفعة بل العكس هو الصحيح. فمضي خمسة عشر سنة
من سقوط النظام كافية لتوجيه النظر الى الأمام وليس الخلف، صحيح ان النظام السابق له سيئات كبيرة كأي نظام سياسي في العالم، ولكن له أيضا من الحسنات ربما ما يغطي سلبياته او يتجاوزها او يتناقص عنها، كل يرى من الزاوية الشخصية. ولست بصدد الدفاع عن النظام السابق، فهذا الأمر لا يعنيني البتة، المهم في الأمر ان الكثير من العراقيين مازالوا يحنوا الى أيام النظام السابق على الرغم من الحروب والحصار الظالم والفقر وتسلط العشيرة على مقدرات البلد والمحاباة وغيرها. لكن شعور الناس بالأمن وتوفر الخدمات وضمان الحصول على الطعام وفق البطاقة التموينية، والخدمات الطبية المجانية، والدراسة المجانية من الإبتدائية الى الدكتوراة وغيرها ليست مكياجا يمكن إزالته بتلك السهولة من تأريخ العراق الحديث، وهذا ما يقال أيضا عن سلبيات النظام في غزو الكويت والحرب الأخيرة التي جعلت العراق أسيرا لنظام الملالي. لخصت أمرأة عجوز في لقاء تلفازي تأريخ العراق بجملة ذكية واحدة تفوق كل ما كتبناه من مقالات وتحليلات سياسية، على الرغم من انها أمية لا تقرأ ولا تكتب، فقد قالت ( صدام صخم وجه العراق، وأنتم (تقصد حكومة المالكي) بيضتم وجه صدام”. لا أظن هناك تعليق يليق بهذه الحكمة.
مقالات السيد الزبيدي حول نظام الملالي ذات خصوصة وأهمية كبيرة، فهو مطلع إطلاعا عميقا على الشأن الإيراني الداخلي والخارجي، لذا تستقطب مقالاته إهتمام القراء بشكل عام ممن يعني بالشأن الإيراني وأنا أحدهم. فإيران سبب رئيس لنكبات العراق ودول الخليج واليمن وسوريا ولبنان، وتدخلها في شؤون هذه البلاد فيه تجاوز لكل حدود القانون الدولي ووعلاقات حسن الجوار، وإحترام السيدة الوطنية، بل القيم الأخلاقية، ولا يزال مبدأ تصدير الثورة البائسة ماثلا في العقول المتحجرة للنظام، ومن يدافع عن هذا النظام من الأقزام العرب فهو أما أجير لهذا النظام، او ان العنكبوت الطائفي نسج خيوطه بقوة على دماغه. والنزعة الطائفية التي خلفها النظام في الدول التابعة له (العراق، سوريا، دويلة نصر الله ودويلة الحوثي) ستتوارثها الأجيال القادمة لعقود، وستسيل الدماء أنهارا، فالجرائم الطائفية لا تنتهي بالتقادم، والأيام القادمة شواهد على كلامنا.
في المقال المذكور محطات خطيرة لابد من التوقف عندها، فالزبيدي يتنقد العشائر السنية بسبب تخاذلها عن نصرة تظاهرات الجنوب، متناسيا موقف عشائر الجنوب من تظاهرات الفلوجة، إستمعنا الى العشرات من رؤوساء العشائر في الجنوب والفرات الأوسط وهو يكيلون الإتهامات الى عشائر غرب العراق ويعتبرنهم من عناصر القاعدة، بل يتهمونهم بالإرهاب ويطالبون المالكي بالقضاء على الفقاعة وأنصار معاوية ويزيد! صحيح زار عدد لا يتجاوز أصابع اليد من رؤساء عشائر الجنوب الفلوجة، لكن كان سبب الزيارة التوسط بين حكومة المالكي وعشائر الفلوجة، وليس دعم تظاهرات المنصة ومطالبهم المشروعة. كانت عشائر الجنوب والفرات الأوسط مصطفة قلبا وقالبا مع نوري المالكي، والبعض الآخر مع مقتدى الصدر الذي لم يدعم مطالب المتظاهرين عمليا، مجرد إرهاصات كلامية لا معنى لها على الواقع، بل كان الصدر العمود الي إستند عليه المالكي في طغيانه وإستبداده، ولا يغرب عن بالنا فرصة المائة يوم التي منحها الصدر للمالكي وإنتهت المهلة كأن شيئا لم يكن.
فلماذا يدعم أهل السنة تظاهرات الجنوب؟ اليس المقابلة بالمثل أمرا مشروعا,
الأهم من هذا كله ما هي مطالب تظاهرات المنصة؟ وما هي مطالب تظاهرات أهل الجنوب.
اقتصرت مطالب متظاهري الجنوب على ثلاثة أمور هي توفير الماء والكهرباء وفرص العمل، وهي مطالب محلية وليست وطنية لأنها لا تخص كل الشعب العراقي بأكمله، بل محافظات بعينها رغم ان بقية المحافظات تعاني من شحة الكهرباء والبطالة (ماعدا كردستان العراق)، لكن اليس من الجدوى التظاهر ضد أسباب هذه المشاكل، بإعتبارها نتائج للفساد الحكومي، والمحاصصة الطائفية، وهيمنة الميليشيات والمافيات الشيعية على مقدرات هذه المحافظات، علاوة على التدخل الإيراني في شؤونها وموالاة معظم شيعة الجنوب لنظام الملالي، وهذه حقيقة رغم مرارتها.
لم يعترض أهل الجنوب من الشيعة على هذا النظام طوال العقد والنصف الماضي إلا بعد ان قُطع عنهم الماء والكهرباء من جارتهم التي سبق أن رغبوا ان يكرموها ببناء مقام بال فيه وتوضأ مقبورهم الخميني. ولم يُحملوا الميليشيات الشيعية تبعية السيطرة على المنافذ المائية والبرية، ولا إنتشار المخدرات والفساد الاخلاقي عبر ما يسمى بزواج المتعة، لم يثوروا ضد المحافظين والمسؤولين الشيعة الفاسدين، ولا ضد النزعة العشائرية التي دمرت محافظاتهم بنزاعاتهم المسلحة، بل الأنكى منها انهم إنتخبوا نفس القوائم التي يتظاهروا الآن ضدها ويعتبروها أساس بلائهم، ليطلع السيد الزبيدي على القوائم الفائزة في محافظات الجنوب ويجيبنا، الم ينتخبوا قوائم الصدر والمالكي والحكيم والعبادي والعامري؟
في حين كانت مطالب المحفظات السنية موجهة ضد الفساد الحكومي والمحاصصة الطائفية ووشايات المخبر السري، وضد اعتقال الابرياء بلا مذكرات قضائية، واغتصاب الحرائر في السجون، والغاء السجون السرية والمادة/4 ارهاب، وعدم تهميشهم في دوائر الدولة سيما الأجهزة الأمنية والجيش، والغاء اجتثاث البعث الذي جير ضد أهل السنة فقط، في حين هناك الآلاف من البعثيين الشيعة يتولون مناصب عليا في الحكومة ومجلس النواب غض النظر عنهم! فمن كانت مطاله وطنية صرفة وليست خاصة؟
ومن الذي دعاه متظاهروا الجنوب ليحل مشاكلهم؟ اليس هو مقتدى الصدر، اي النزعة الطائفية هي التي تحكم توجهاتهم، فقد دعت عشائر محافظة البصرة في 18/7/2018 زعيم التيار الصدر مقتدى الصدر إلى التدخل لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد حالياً. بل ان العشائر دعت الصدر إلى ايجاد الحلول العاجلة للمشاكل التي تعاني منها البصرة وضواحيها. انظر البصرة ونواحيها فقط؟ أي مطالب اقليمية وليست وطنية.
وعندما توسعت مطالبهم وجهوا رسالة الى المرجع الشيعي علي السيستاني، والتي تضمنت (12) نقطة على أن توجهها المرجعية الى الحكومة العراقية لغرض تنفيذها. وهي مطالب أتصف بعضها هذه المرة بالوطنية مثل إلغاء مجالس المحافظات والمجالس المحلية وإلغاء الرواتب التقاعدية الممنوحة لهم، وان يختزل عدد البرلمان الى الربع، وإلغاء مكاتب المفتشين العامين وهيئة النزاهة، و إلغاء الرواتب التقاعدية لرؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمانيين ووكلاء الوزراء والمدراء العامين ورواتب الامتياز مثل رفحة، وجهاد الخارج، ورواتب الرتب التقاعدية الدمج لأحزاب الخارج، لكن مع هذا يؤخذ على مطالبهم إقحام المرجعية الشيعية في بعضها، كأن المرجعية لم تزكي الفاسدين ولم تحث اتباعها على انتخابهم، وكأنه لم يكن لها دور في صياغة الدستور، فمن هذه المطالب تشكيل لجنة من كل المراجع في العراق مع نخبة من القانونين في جامعات العراق في تعديل فقرات الدستور التي لا تخدم الشعب، وكذلك تشكيل محكمه من قبل الشعب تسمى (محكمة الشعب ) يتم اختيار أعضائها من قبل الشعب والمرجعية تتولى محاكمة كل المفسدين وكل سراق المال العام، وهنا رجعنا الى المربع الطائفي.
ذكر السيد الزبيدي” كيف يمكن أن يقف عراقيٌ واحد وطني وشريف متفرجا على أشقاء له وهم يتساقطون دفاعا عن حرية وطن واحد للجميع”. نذكر الزبيدي! الا ينطبق هذا الرأي الصائب حتما على موقف شيعة الجنوب من إنتفاضة المنصات، وهم يرون المئات من المنتفضين تحت الرمي بالرصاص الحي والسحق بسرفات الدبابات؟
وان كانت المحافظات الجنوبية قدمت شهيدا وعددا قليلا من الجرحى، فهل يعلم الزبيدي كم قدم أهالي الفلوجة من شهداء وجرحى؟
وان كانت القوات الامنية اعتقلت بعض من المتظاهرين في الجنوب، هل يمكن مقارنتهم بعدد المعتقلين من منتفضي المنصات؟
إنتفاضات المنصة لم تتعرض الى ممتلكات الدولة، ولم تنهب، على العكس مما حصل في تظاهرات الجنوب.
وان تعاطفت مناطق في بغداد مع إحتجاجات الجنوب كالشعلة، فلم تتعاطف هذه المناطق مع إنتفاضة المنصات.
وفي الوقت الذي إدعت فيه حكومة المالكي بأن عدد من المندسين دخل انتفاضة المنصات مما استوجب استخدام العنف والقمع ضدها، فأن العبادي أشار ايضا بأن بعض من المندسين دخلوا في تظاهرات الجنوب، لكنه لم يستخدم الدبابات والرصاص الحي ضد المتظاهرين مع ان الذريعة واحدة.
كلمة أخيرة
عندما نوجه الإنتقاد لجهة ما بسبب موقفها تجاه جهة أخرى، فعلينا ان نقلب الصفحات ونرجع قليلا الى الخلف، فخلط الأوراق لا يصب في مصلحة أحد، والعتب يكون في موقعه عندما يكون الخاطيء طرف واحد، والمقابلة بالمثل قاعدة مقبولة، والباديء أظلم، كما ان الحقيقة تفرض نفسها على الجميع، مع اعتزازي بكتابات السيد الزبيدي، وخلاف الرأي لا يفسد المودة.
علي الكاش