الجيران – وكالات: فريدة النقاش
تواكبت عمليات قتل المتظاهرين التي اتخذت شكلا منظماً وعمدياً استهدف أنشط عناصر الشباب مع تقديم مشروع «منع» التظاهر لمجلس الشورى، وهكذا ينظم الحكم الإخواني عملية خنق المرحلة الجديدة من الثورة المصرية عبر إشاعة روح الخوف بين الشباب وأسرهم من جهة، وتقييد حق التظاهر والاجتماع بقانون منع الاحتجاجات من الجهة الأخرى.
وإشاعة ثقافة الخوف هي عنصر أساسي في مركب معقّد للثقافة الفاشية التي تتبناها نظم الحكم الاستبدادية ذات التوجهات العنصرية الاستعلائية البغيضة، وأحد المرتكزات الرئيسية لهذه الثقافة هي استخدام العنف المنظم من قبل السلطة التي تحرص علي استعراض قوتها وتتعمد قتل معارضيها، وحرق الأرض من تحتهم، وإرهاب من يفلت منهم من القتل، وتشويه سمعته، ومحاصرته في رزقه وعمله.
وفي ظل «هتلر» في ألمانيا و«موسيليني» في إيطاليا راح آلاف المواطنين من البلدين ضحايا منهم من قتل ومنهم من هاجر حين أفلت من القتل، وكان بينهم مئات المثقفين بعد أن جرى إفقار الثقافة، وفرض الرؤية الواحدية العنصرية على الإبداع والمبدعين، وتحويل الثقافة إلى دعاية فجة للنظام السياسي، ومصادرة التنوع والنقد، وتوظيف الدين لأهداف عملية وانتقامية، و إخضاع النساء إعلاء لشأن النزعة الذكورية الفقيرة إنسانيا وعلميا وتمجيد الأم المنجبة مع إقناعها بدونيتها في عالم الذكور.
وكانت النظم الفاشية تأتي عادة نتيجة أزمة عميقة تمر بها البلاد التي ابتليت بها سواء في أوروبا أو في العالم الثالث، فكانت علامة على صعود الثورة المضادة في شيلي بعد الانقلاب العسكري الدموي ضد حكم الرئيس المنتخب «سلفا دور الليندي» وحزب «الوحدة الشعبية»، وحين صعد الديكتاتور الفاشي «بنوشيه» إلى سدة الحكم راكبا بحرا من الدماء تجلت في «شيلي» بسرعة كل مظاهر الحكم الفاشي من عنف وقتل وإعدام ومجازر جماعية كان أبرزها في ستاد «سنتياجو»، وجرى إعدام المغني الثوري «فيكتور جارا» وكتب الشاعر الكبير «بابلو نيرودا» قصائد تقطر ألما ومات كمدا بعد الانقلاب الفاشي بأسابيع قليلة ، وقد بدأت الحرب على الثقافة وإشاعة ثقافة الخوف والقمع والانتقام، والاعتماد على زعيم كاريزمي يتمتع بسحر خاص لدى الجماهير القلقة أحادية الثقافة، وبعد أن استطاع الهروب من ملاحقة النازية كتب «برتولد بريخت» مسرحية «الخوف الأكبر» التي فضح فيها مناخ القلق العام الذي خلفه هتلر.
وقبل أن تصل الفاشية إلى السلطة باسم الدين في مصر كانت قد أعدت ميليشياتها الخاصة، ومارست فعلا كل أنواع العنف ضد الخصوم السياسيين والفكريين، ومنذ أن فقدت جماعة الإخوان قائدها صاحب السحر علي الجماهير «حسن البنا» الذي جرى قتله في عملية ثأر من الجماعة التي كانت قد قتلت عددا من السياسيين.. جاء كل قادتها «بعد ذلك نسخا مشوهة أقرب إلى الكاريكاتير وكأنهم مساخيط الفاشية التي لا تستطيع أن تمارس تأثيرا على الجماهير، اللهم إلا إخافتها بالعنف والقتل أو بالقوانين المعادية للحريات على غرار قانون منع التظاهر، وتهديد قادة المعارضة بالقتل، والقتل الفعلي المنظم لشباب الثورة، وخطف آخرين وتعذيبهم، وإذلال المواطن البسيط «حمادة صابر» وتعريته وتعذيبه على الملأ وأمام أنظار العالم، ولسان حالهم يقول: اضرب الفقير المربوط يخاف السايب ،وذلك للحيلولة دون أي مقاومة مع استمرار النشاط المحموم لأجهزتهم الدعائية بعد أن استولوا على مؤسسات الدولة وأجهزتها الأيديولوجية لتوجيه الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية إلى مصارف أيديولوجية زائفة وإقناع ضحايا هذه الأزمة – وهم بالملايين – أن خلاصا إلهيا هو في انتظارهم بعد إلهاب مشاعرهم الدينية.
ورغم قصر مدة الحكم الفاشي الديني لمصر فإن كل ألاعيبه تكشفت بسرعة، وتعرت البنى الذهنية والسيكولوجية التي أقاموها حتى في أوساط الجماهير الواسعة، وتبينت قطاعات لا يستهان بها من هذه الجماهير أن الدين المتسامح الذي تؤمن به شيء وعنف الفاشية الدينية شيء آخر.. وأخذت قطاعات أخرى من هذه الجماهير تستيقظ من حلم اليقظة المزور الذي دفعتها إليه جماعات الإسلام السياسي فانساقت له كالمنومة مغناطيسيا.
ويزداد دور القوى الديمقراطية والمثقفين الوطنيين أهمية في مثل هذا الواقع الصعب المعقد، فهي جميعا مطالبة بأن تلتحم مع قوى التغيير الاجتماعي – الاقتصادي على أن تعيد الصراع القائم إلى ساحته الأصلية وهي الواقع المعيشي لملايين المصريين ، حيث تتفجر قضايا الحياة اليومية من تعليم وصحة وسكن وغذاء ومواصلات، وسوف يجد هؤلاء المثقفون الديمقراطيون أرضا خصبة وعطشى لتغيير المنطلقات الاقتصادية والاجتماعية لحكم مرسي – مبارك كما هتف المتظاهرون الذين لم تزيّف الفاشية الدينية وعيهم.