لم تواكب البرجوازية الوطنية حركة التحرر كما فعلت البرجوازية الأوربية كونها تابعة ، إلا أن الصناعة السورية ازدهرت بعد الاستقلال في الخمسينيات من القرن الماضي ، وبعد سقوط الوحدة السورية المصرية ، مرت فترة عدم استقرار بسبب الإنقلابات العسكرية المتتالية ، وآخرها عام 1963 الذي أوصل البعث للسلطة ، حيث تراجعت بسبب عمليات التأميم ، وفي عام 1970 وصل حافظ الأسد للسلطة الذي عمد لقيام نظام اقتصادي مخطط مركزياً ، على غرار الإتحاد السوفياتي ، وقد تسارعت العملية الإقتصادية ، مما أدى إلى تقدم ملموس في مجال الصناعة ، والزراعة ، والخدمات مما وفر فرص عمل لعدد من الشبان ، وارتفاع مستوى المعيشة ، ولكن كل ماتم بناؤه لم يكن دولة عمالية حقيقية مؤسسة على الديمقراطية ، بل كان كاريكاتير بيروقراطي ضيع جهود العمال ، وبدأ الإقتصاد بالتباطوء في الثمانينيات ، وأصبحت المشكلة أكثر حدة بالتسعينيات بعد سقوط الإتحاد السوفياتي .
وفي سنة 2000 وصل بشار إلى السلطة ، وبدأ النظام بتحرير الإقتصاد تدريجياً ، وإدخال مايسمى باقتصاد السوق ، مما أدى إلى تزايد اللا مساواة في الحياة الإقتصادية ، والإجتماعية .
وسعت السلطة في الثمانينيات إلى إقامة شراكة استراتيجية ، مع برجوازية القطاع الخاص الطفيلي هدفها نهب الشعب واقتسام ثروته ، والمتجسدة بالتحالف الأمني التجاري ، والتحالف العسكري التجاري تحت عنوان أطلق عليه التصحيح الهيكلي ، أو التحرر الإقتصادي ، وإضفاء مضمونه الإجتماعي المتمثل بإعادة توزيع الدخل الوطني لصالح النخبة الحاكمة ، والبرجوازية المتحالفة معها ، وكانت النتائج المترتبة على المسار الإقتصادي ، والإجتماعي انسحاب السلطة من أدوارها بشكل تدريجي .
أما البرجوازية السورية المرتشية التي تعيش في كنف بيئة سلطوية استبدادية تقتات على الفساد ، وعدم الشفافية ، والتهرب الضريبي ، والحصول على الإجازات الرسمية للاستيراد تعطى للمقربين ، مثل رامي مخلوف ، كان لها أثراً تدميرياً على الصناعة الوطنية ، فقد كانت هذه الأعطيات من قبل النظام مقابل التزام البرجوازية التجارية بـ :
1 _ اقتسام ثمرة النشاط مع النظام .
2 _ توفير العملات الأجنبية .
3 _ عدم التدخل في رسم السياسات الاقتصادية ، والاكتفاء بالمراقبة .
4 _ الامتناع عن القيام بأي دور سياسي .
وبذلك اغتنت البرجوازية الطفيلية ، وتنامت ثروتها على حساب فقر الشعب .
لذلك عمدت لربط مصيرها بمصير النظام ، لتبادل المصالح ، وأكد عبد الرحمن العطار أحد كبار رجال الأعمال بدمشق ، أن أهل دمشق ، وتجارها لايتعاملون مع المجهول ، في إشارة إلى رفضه المتطرفين ، وقال إننا نتعامل مع الحقيقة ، وهي القيادة ، والدولة السورية القوية .
وأن برجوازية الحرب الجديدة تجد مصلحة لها بامتداد الصراع أمداً طويلاً لتدوير الأموال التي نهبتها ، كما وجد بعض ممثليها في عدد من هيئات المعارضة التي لم تمانع التعامل مع النظام ، وبعضها وضع يده على آبار النفط ، وباع إنتاجه للنظام ، أو هربه إلى تركيا ، ولأن البرجوازية ترى في النظام نظامها لم تقدم على أي خطوة سياسية تناهضه ، وادعت أن مبادرات معاذ الخطيب تعبرعن موقف البرجوازية الدمشقية .
وجاءت مبادرتها اليتيمة عقب اجتماع بعض رجال الأعمال السوريين في عمان آذار 2013 الذين أطلقوا ما أسموه مبادرة الضمير السوري ، التي تضمنت بقاء بشار لعام 2014 ، واستمرار الحكومة ، إلا أن هذه المبادرة لم تلق أي اهتمام من الثوار ، لأنها كانت محاولة فاشلة لانقاذ النظام البرجوازي الدكتاتوري ، و نلاحظ أن الطبقة الوسطى قد تلاشت في العشر سنوات الأخيرة ، لتنصهر مع الطبقة الشعبية . و أن البرجوازية المرتبطة بالنظام هربت أموالها ، التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات .، و هربت معاملها بشهادة وزير الصناعة المصري إلى مصر ، و تركيا .
و كان من المفروض أن تدعم البرجوازية الشريفة الثوار ، و تسقط الدعامة المالية التي يقوم عليها النظام الفاسد ، و استهداف تجفيف موارده .
حتى أنها تخلت عن دورها بالإغاثة ، و التعليم ، والصحة لأبناء شعبنا ، ولو أن تجار المدن شاركوا بالحراك السلمي وأوقفوا الدعم لشبيحة النظام ، لكانوا قد وفروا هذا السيل من الدماء ، والدمار الشامل الذي حل بالوطن جراء استدعاء النظام لروسيا ، وإيران ومليشياتهم .