الغنج واللذة والصراخ

مفكر32الانسان يصرخ أثناء الشعور بالألم ويصرخ أيضاً أثناء الشعور باللذة.

ددقت الساعة تمام الحادي عشر, ونظر في عيون زوجته وكانت مستلقية أمامه تريد الاستعداد للنوم, فرمقها بعيونه قائلا: لو أراد رجل مثلي فيه كل معاني الشهامة والكرم والرجولة والفحولة الجنسية والثقافة والأدب والأخلاق بأن يأكل عشاء خفيفاً ليس دسماً, فماذا سيأكل, فقالت له بعد أن جحظته بعينيها المتورمتين من كثرة السهر : يعني عشاء الأدباء والمثقفين يختلف عن عشاء الناس العاديين؟أطلب عزيزي شو بتريد؟ فقال: أريد عشاء خفيفا ليس ثقيلا على المعدة يليق بمستوى كاتب كبير ومرهف الحس مثلي, أريد طعاما يزيد من إحساسي بالكون وبالناس وبالقضايا الساخنة عشاء يجعلني أتلذذُ عليه وأصرخ من شدة اللذة وأغنج مثل أنثى مستلقية على ظهرها كأول مرة في حياتها , فقالت: مثل شو؟, فأجابها وهو يتجدب ويداه خلف رأسه: أريد..أريد!! ..ما رأيك بحبتين من البندورة؟ البندورة تجعل قصتي القصيرة مثيرة وفيها كثير من الدراما الجادة, وأظن بأن (طاغور) كان يملك نفس مشاعري وأحاسيسي وكان يأكل على العشاء بندورة وكان من المؤكد بأنه تلذذ كثيرا وصرخ كثيرا وغنج بصوت عالي وبعد ذلك كتب قصة(فتاه بالوسط).

-معقول: نوع الطعام له علاقة بالكتابة؟

-طبعا, وهذا سر المهنة الذي لا أكشفه لأحد.

-طيب شو هو الطعام الذي يسد نفس الكاتب عن الكتابة؟

-لا,هذا سر أخطر من السر الأولاني, ولو قلت لك عنه لأطعمتني إياه حتى لا أكتب أنا أعرفك جيدا أنت تكرهين الكتابة, وهنالك مخاوف أخرى وهي ربما اكتشفت إحدى الحكومات العربية هذا السر واستغلوه لصالحهم حين يطعمون الكُتّاب من تلك الأطعمة فينهار النظام الثقافي في كل الوطن العربي , والرياضي إن تمكنوا من ذلك, علما أنه منهار نهائيا.

-يا رجل احكيلي السر الخطير الذي يسد نفس الكاتب عن الكتابة.

-انتهى الموضوع, أنا الآن أريد وجبة عشاء خفيفة على المعدة والقلب واللسان والرأس, بسببها أشعر باللذة والغنج.

– شو هو الرجل بغنج؟ عيب هذا الكلام, أطلب وأتمنى, أنت في منزلك المتواضع وأمامك زوجة مطيعة.

-مطيعة؟ امممممممم, مصطلح جميل يفضحني أمام المثقفين المعجبون بمطالبتي بالمساواة بين الجنسين, على كل حال أريد حبتين من البندورة, واحدة تجعلني أدوخ والثانية تجعلني أغنج وأصرخ.

-حبتين من البندورة؟

-ومع البندورة..أريد جبنه, هل يوجد لدينا جبنة بيضاء؟الجبنة تجعلني أغنج بصوت عالي ذلك أنني أتلذذ وأنا أأكلها.

-طبعاً يوجد.

-أممممممممممممممم…و…و بيضة مقلية, لا بل بيضتين, أريد العشاء أن يكون خفيفاً وليس دسما, أظن حبتين من البندورة مع قطعتين أو أربع قطع من الجبنة البيضاء وبيضتين مقليتين وصحن بطاطة مقلي وبجانبه (كتش أب حار) , سيكون ذلك عشاء لذيذا يجعلني أغنج وأنا أأكل, وأنت أثناء تناولي للعشاء وأثناء صراخي وهمهمتي افتحي النوافذ والأبواب أريد أن يعرف هذا العالم أنني تلذذت بحياتي واستمتعت.

-لذيذا؟؟ يا زلمه ما أنت حكيت قبل قليل تريد عشاء خفيفاً والآن تقول لذيذا, وقد أصبح هنالك فرق بين العشاء الخفيف واللذيذ؟

-أريد العشاء لذيذا لكي أغنج وأصرخ وأنا أأكل وأتلذذ.

-معقول, تريد أن تصرخ؟ يا فضيحتي, والله إنك مجنون ومهستر.

-شو مجنون لأنني أريد أن أتلذذ؟.

– يقطع حظي وبختي معك يا زلمه.

-طبعا كل الحيوانات التي على شاكلتي حين تشعر باللذة وهي تأكل تصرخ و(تغنج)بصوت عالي: القرود والضباع والأسود والذئاب والجراذين, وأنا أصرخ حين أشعر باللذة, كل الذين يتلذذون يصرخون بصوت عالي حين يصلون إلى قمة (الأورجازم) وهي اللذة والنشوة, حتى في الجنس يصرخ بعض الناس أثناء ممارسته نظرا لأنهم شعروا باللذة, أللذة تجعلني أصرخ صراخا عاليا, أريد أن أتلذذ وأريدُ أن أصرخ, لم أصرخ في حياتي أبدا.

-…………………….

– أريده لذيذا وخفيفا, لكي أأكل وأتلذذ وأصرخ بصوت عالي, أريد من كل الناس أن يعرفوا بأنه قد جاءني اليوم الذي أصرخ به من شدة إحساسي باللذة.

-لا, لا يجوز, إما لذيذا وإما خفيفاً, يجب التفريق بين الاثنين.

-لماذا تصرون على أن لا يكون عشائي لذيذا, ولماذا لا تريدون مني أن أصرخ مرة واحدة في حياتي, أنا أريد أن أصرخ من اللذة, طالما أنني طوال النهار أتألم فلماذا لا أتلذذ في عشائي, أنا أتألم على الإفطار وعلى الغداء وأريد تعويض آلامي بعشاء لذيذ, بالمناسبة (أرستبس) الفيلسوف الأثيني أبن ابنة سقراط الوحيدة, كان يصرخ ويغنج ويتلذذ.

-ما اختلفتش معك في شيء, ولكن حدد, هل تريد العشاء لذيذا أم خفيفاً.

-أريد..أريد الاثنين معا.

-…………….

-…………………

-صح..أريده خفيفاً لكي أنحف قليلا, ولذيذا لكي أصرخ كثيرا, أريد أن أصرخ وأنا أأكل وأريد أن أخرج من فمي أصواتا أثناء إحساسي باللذة أريد أن أقول: امممم نم اممنمن دندن+همهمهمهم+ اييي+أحيييه+ييييييههههييهيهيه+ دمنمدمهم, وأريد أن تخرج من كأسي أصوت شفط عالية مثل:فشش +ششش, أريده لذيذا وخفيفا, أتمنى لو أتلذذ مرة واحدة في حياتي وأن يغمى عليّ من شدة أللذة, أريد من عيوني أن تتشقلب ومن أذاني أن تنسد من شدة الضغط, أريد أن أموت وأنا أتلذذ ولا أريد أن أموت وأنا أتألم, وهل تعلمي بأن الطفل الذي يرضع من صدر أمه يرضع وهو يصدر صوت همهمه, ذلك أنه يغنج ويتلذذ بوجبته, والهمهمه هي الصراخ الذي يصرخه أثناء بلوغه قمة أللذة؟.

-يا زلمه مالك, شو هذا؟ في هذه الساعة المتأخرة تريد بيضاً وجبنة وبندورة, وأن تأكل وتصرخ بصوت عالي, شو بدهم الناس يحكوا علينا إذا سمعوك.

– أنا حر, أنا بدي (أغنج) نفسي أغنج في حياتي ولو مرة وحده أثناء شعوري باللذة, أنا لا أغنج لأنني لا أتلذذ .

-هههه شو روجين, أولا أسمه روجيم, وليس روجين, ثانيا الرجل عيب يغنج.

-ليش مين غير اسمه؟ بعدين بدي أغنج واللي يصير يصير وشو ما حكوا الناس يحكوا, بدي أغنج وأنا أأكل.

-ما حدى غير اسمه, هو من زمان اسمه روجيييييم.

(ثم قالت بصوت خافت): تدعي الثقافة وأنت ما معك منها شيء, روجين, شو روجين؟

-خلص أنا سامعك, ول شو هذا فضحتيني بين الأجانب, هذا لو قايل شيء عن الحكومة بتروحي تحكي عني, الحكومة أيضا تصرخ بصوت عالي, ورئيس الحكومة يغنج بصوت عالي.

-ماشي عزيزي, بس عشاءك مش عشاء خفيف.

-كيف مش عشاء خفيف: بندورة, جبنه+لبن+بطاطة مع كتش أب+فول مدمس إذا أمكن, هذا أظن بأنه خفيف ومناسب لرجل مثقف مثلي يريد أن يخرج من آلامه.

-يا زلمه هو كاين الأكل والشرب حسب الثقافة؟

-طبعا حسب الثقافة, هسع الرقاصات شو بتعشن؟

-بعرفش.

-أنا بعرف, بتعشن عشاء يناسب طبيعة المهنة الشريفة التي يعملن بها, وكذلك العاهرات, يأكلن طعاما يجعلهن يغنجن, أتدري لماذا يذهب الرجال إلى العاهرات؟ كل ذلك بسبب الغنج, المرأة التي تريد إسعاد زوجها يجب أن تكون في السرير عاهرة بكل معنى الكلمة, وكذلك الرجل حتى يستمتع يجب أن يكون عاهرا, العهر ثقافة أحترمها في السرير.

-هسع العاهرة صارت مهنتها شريفة وبتوكل من عرق جبينها؟! والله إنك مجنون.

– ما افهمتيني ولا راح تفهميني, المرأة مع عشيقها وحبيبها في السرير يجب أن تتلذذ وأن تجعل عشيقها يتلذذ, ولا يمكن أن نعبر عن أللذة إلا بالصراخ والغنج, لأن الألم المدفون في داخلنا يخرج من الصراخ إلى خارج فضاءات الروح المُعتقة بالآلام.
-…………..

– لا مش مجنون, مش العاهرة تتعب وتعرق؟ ألا تعرق العاهرة من جبينها؟ إذاً هي تأكل وتشرب من كفاحها ومن عرق جبينها, ولا تسرق, ولا تقتل, السارق والقاتل المأجور ذلك هو الذي يعمل عملا غير شريف.

-أي صدقني إنك خالص كازك.

-العشاء يتناسب مع مهنتي.

– شو مهنتك, صارلك ثلاثة أشهر ما اشتغلتش إلا اسبوع واحد.

-أنا مفكر, واستهلك كثيرا من السعرات الحرارية أثناء انطلاقة الفكرة من رأسي, وأريد الآن عشاء خفيفا, وأتألم كثيرا وأنا أكتب, وأريد أن أغنج وأصرخ بصوت عالي لكي يخرج الألم ذلك الشيطان.

-خفيفاً أم لذيذا؟.

-طبعا هذا عشاء عالخفيف.

– يا رجل هذا غداء دسم وليس عشاء, كمان اشويه قول بدي لحمة عجل.

-صح..ذكرتيني بلحمة العجل, هل يوجد لدينا لحم عجل؟ شو رأيك إذا كان متوفرا بأن تضعي لحم العجل مع البندورة المقلية, فبدل أن آكل البندورة حية, سآكلها مقتولة ومذبوحة مع لحمة العجل.

-يا زلمه, ما أنت حكيت عشاء على الخفيف, هسع أنا بدي في آخر الليل أطول من الفريزر لحمة العجل وأقليها؟

– قلي..نعم, قلي أفضل من السلق, العشاء خفيف جدا لا أريد أن أثقل على معدتي, وذلك لكي أنام وأنا مرتاح.

-يا رجل العشاء الخفيف مش هيك بكون؟.

-كيف بكون العشاء الخفيف؟.

-العشاء الخفيف بكون حبة بندورة مع لبن أو صحن من اللبن الطازج, وقطعة خبز يابسه.

-هذا هو العشاء الخفيف؟ هل هذا يجعلني أتلذذ وأصرخ ؟هذه مجاعة وليست عشاء خفيفا.

-آه هيك الناس بتعشوا.

-شو هيك الناس بتعشوا! أي هو كاين أنا في سجن قفقفا ! أم في مستشفى حكومي؟

– شو دخل السجن؟.

-في السجن جابولي –لما دخلته مره- نعم, جابولي ملعقة وحده من الفول المدمس, وقطعة خبز بحجم قبضة اليد, وفي المستشفى كمان جابوا عشاء لأمي يا دوب يطعم طفلة بعمر الخمس سنوات, أي والله هذا انتحار, أنا بنظري العشاء الخفيف يجب أن يتكون من صحن زيتون, وصحن جبنه, وصحن لبن وصحن بندورة وبيضتين مقليتين بزيت الزيتون الأصلي مع بعض المخللات مثل الخيار والفقوس والباذنجان المقدوس والمكبوس+ بطاطة مقلية,وبعد ذلك نأكل ونتلذذ ونصرخ ونعنج.

-بس؟

– بس..بس إذا كان في صحن صلصة, كمان مش غلط..

-هسع خلصني شو بدك تتعشى.

-بدي عشاء خفيف ولذيذ, بندورة مقلية مع بيض مقلي معها.

-بس.

-آه بس..على شان أنا شايف وضع البيت أصبح منهار وعلينا كثير من الديون, لنحسبها سوية, ….الخ, لذلك أنا لا أريد أن أكون عبئا على البيت أنا أريد أن أقتصد بالمصروف.

-بدك عشاء خفيف على شان تقتصد بالمصروف, أم على شان تعمل روجيم؟أم من أجل أن تتلذذ, أنت الآن لديك خلط في المفاهيم, أولا قلت عشاء خفيف وبعدين قلت عشاء لذيذ, وبعد ذلك تدعي أنك عامل (روجين) حسب مصطلحك ولفظك له من أجل تخفيف الثقل على القلب والعقل واللسان, وبعد ذلك تدعي بأن روجيمك من أجل الاقتصاد بسبب الديون.

– الموضوع ليس مختلفا عن بعضه, ولا أجد غرابة ولا فرقاً بين الاثنين, ثقل الجسد ليس مهما, المهم أن يكون قلبي مرتاح ورأسي ولساني مرتاحان معي.

-لا هنالك فرق كبير, اللي بسمعك بقول إنه الجوع قاتلنا, احنا اكويسين والحمدُ لله, ويجب أن تعمل روجيم من أجل تخفيف الكرش الذي أصبح ظاهرا, يجب أن تعود كما كنت قبل ثلاث سنوات حين كان جسمك رشيقا.

– لا احنا مش كويسين, عارفه ليش؟ لأننا لا نغنج, لو أننا متلذذون في الحياة لصرخنا من شدة الإحساس باللذة, لاحظي الأطفال الذين لا يستحون من إظهار مشاعرهم, إنهم يصدرون صوت همهمات أثناء شعورهم باللذة وهم يتناولون بالطعام وأحيانا يهزون أجسادهم طربا ورؤوسهم تتمايل , إنهم يغنجون من أللذة.

-ألله يعوض على أهلك.

– ما افهمتيني ولا راح تفهميني, تلذذي يا امرأة.

– يا زلمه يجب أن تأكل أكل خفيف حتى تعود إلى أيام زمان, أيام ما كانش لك كرش ظاهر.

-ايييه, اليوم الذي يذهب من حياتنا لا يأت مثله ,….طيب ولو بدي أعمل روجين كيف راح يكون شكل الروجين؟.

-أولا اسمه روجيم مش روجين, تدعي الثقافة وكل كلماتك بلدية وتصرفاتك بلدي جدا, تريد بندورة وبيض وجبنة بيضاء ولبن وبطاطة مقلية وفي النهاية تدعي بأن عشاءك عشاء خفيف.

-أوكي, أنا الآن أريد عشاء خفيفاً ولذيذا شو في عندنا عشاء خفيف؟

-بدك عشاء خفيف؟

-آه عشاء خفيف.

-العشاء الخفيف كسرة خبز مع حبة بندورة.

-وهذا كل يوم؟ ويجعلني أشعر باللذة؟.

-طبعا كل يوم, وبخصوص أللذة ليست ضرورية, ألمهم أن تأكل وتشرب وتنام دون أن تصدر صوتا يفضحنا.

-ماشي, هذا هو الروجيم؟

-آه هذا هو.

-طيب , كيف يتناول الناس الروجيم؟ قبل العشاء أم بعد العشاء؟

-ييي يا امصيبتي بعدين معك!! هذا هو الروجيم.

– أوكي قبل العشاء أأكله أم بعد العشاء؟.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.