المضحك المبكي إلى حد الإفراط أن العرب عموما والسوريين خصوصا، والأخص المدافعين عن النظام البعثي في سوريا زعلانين كتير كتير…. ياقهري! زعلانيين لأن أمريكا قد “أبادت” الهنود الحمر ولأنها أيضا خبطت اليابان بقنبلتين ذرتين،
فالحب والتسامح والإنسانية التي سربلت العربي وخصوصا المسلم منذ بدء التاريخ يؤكد على شرعية هذا الزعل! من جهة أخرى، قابلت اليابان موقف العرب “المشرف” من قنبلتها بموقف مشرف ايضا وداعم لكل قضاياهم (!!!)
ناهيك عن موقف الهنود الحمر الذين “تطوعوا” للدفاع عن سوريا ورغبة في استرداد فلسطين، وانتقاما من أمريكا و”ربيبتها” اسرائيل (هذا تعبير مسروق من القاموس البعثى) يا لها من مسخرة، أليس كذلك؟
……..
شعب طحن بعضه البعض إلى حد حن عنده الحديد ـ على بعضو ـ ولم يحن هو على نفسه، مع هذا لا يمضي يوم إلا ويتعاطف فيه مع كل المظلومين في العالم ابتداء من الهنود الحمر وانتهاءا بمصيدة فئران في هيروشيما وناغاساكي…. فكلما اقتربت في نقدي من الفساد الذي دمر سوريا (نعم الفساد هو الذي دمرّها، إذ لا تستطيع أن تقطع عنقا قبل أن تقطع رزقا!) ينط بعثي جربان ليمطرني بخطاب تعاطفي مع الهنود الحمر واليابانيين. أما الذين دهستهم براميل وصواريخ الطرفين، فينطبق عليهم المثل السوري الشعبي “ضرب الحبيب زبيب” وتخفف من هول الكارثة لآية الموغلة في وحشيتها “لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا…”
كل طرف يقنع نفسه بأن قتلاه شهداء في سبيل الله، الأمر الذي خدّر القاتل والمقتول!
….
شعب يتعاطف مع الهنود الحمر لكنه وكلما عرضت وكالة أنباء طفلا سوريا مدهوسا تحت نير القنابل والصورايخ، من أي طرف كان، ينط الطرف الآخر مكذبا أو مبررا، وكأنه يقول ” الحرب لم تحصد أحدا، ولكنه بوق الدعاية الغربية” أو أن من قُتل يستحق القتل. الشيخ العرعور يخرج على قناة خليجية ويشرح كيف على الثوار أن يمزقوا الأطفال العلويين ويرموهم في الشوارع…
وشرذمة من الموالين تهلل في العاصمة السورية “سنحرق دمشق ولن نترك فيها يزيدا أو زيدا” لكنهم جميعا انسانيون عندما يتعلق الأمر بالهنود الحمر وقنبلة هيروشيما…
….
أحد غلمان النظام، (وهم غلمان لا ينزفون) تحداني، أو هكذا ظن، بسؤال: ماذا تفعل أمريكا في سوريا؟ ـ تماما ما تفعل في اليابان، أوفي أي دولة أخرى، هي تتأكد من أن العالم لا يهدد أمنها وعظمتها واسلوب حياة المواطن فيها. فالمتعارف عليه عالميا ومثبت تاريخيا أن القوي يملك اليد العليا، والحكيم يعرف كيف يتجنب خبطتها…. قد لا يعرف هذا الغلام، لصغر سنه أو عقله أو كلاهما، بأن تاريخ العصابة الحاكمة في دمشق تاريخ ارهابي طويل، والشعب السوري بكل أطيافه يدفع اليوم الثمن باهظا!
عام ١٩٨٦ وضع الغرب برئاسة أمريكا، وضع سوريا على قائمة الدول الإرهابية، وضعها في أعقاب الحادث الذي هزّ الصحافة العالمية يومها. قام الإرهابي الفلسطيني نزار نواف الهنداوي باقناع صاحبته البريطانية والحامل بشهرها الخامس (أي بطفله) بزيارة أهله في اسرائيل لمقابلة والديه قبل أن يتزوجها. دس في حقائبها قنبلة موقوتة، اكتشفها بسرعة رجال الأمن المسؤولين عن طائرة العال الاسرئيلية، والتي كانت على وشك أن تقلع من مطار هيثرو بلندن.
كان في طريقه إلى الخطوط السورية ليفر إلى دمشق عندما سمع نبأ اكتشاف الجريمة، فنزل من الباص وتوجه إلى السفارة السورية
بلندن، قاموا داخل السفارة بصبغ شعره باللون الأشقر وتغيير ملامحه، لكن الحيلة لم تنطلِ على رجال الأمن الذين اقتحموا السفارة
وقادوه كالحيوان! كان الهنداوي يحمل جواز سفر سوري، واعترف عند التحقيق أن عناصر من الحكومة السورية، وتحديدا وزارة الدفاع خططوا للعملية وأقنعوه بتنفيذها!
في حديث صحفي آنذاك، دافع حافظ الاسد عن حمل هذا الإرهابي لجواز سفر سوري بقوله: (نحن ناس قوميون، أي انسان
عربي يتقدم بطلب للحصول على جواز سفر سوري سنمنحه اياه)
اليوم يدفع الشعب السوري ثمن “قومجية” حزب البعث وعصابته. ليس هذا وحسب، بل أرادوا أن يحروروا فلسطين باسقاط طائرات مدنية، فأسقطوا وطنا بكامله ضحية ارهابهم وحماقتهم… تماما كما فعل القذافي عندما اسقط الطائرة الأمريكية فوق لوكربي، السبب الذي دفعهم لأن يدفشوا العصا في مؤخرته، ولكن الشيء المؤلم حتى نخاع العظم، أن تلك العصا قد خوزقت شعوبا بكالمها!!
كم سوري من الجيل الحديث سمع بهذا الحدث؟ وكم سوري من جيلي يتذكره؟ لا أحد….لا أحد… لماذا؟؟ لأنهم جحشوا الشعب وجعلوه يلهث ولا يلحق وراء رغيفه، فأصبحت المعرفة بالنسبة لذلك الشعب نوعا من الترف وضربا من الجنون!
تلك هي السياسية البعثية، أما الأمريكيون فالجرائم تنحفر في سجلاتهم ولا تموت مع القدم، وكما قلت في بوست سابق
يمهلون ولا يهملون…..
…….
لم ينته مسلسل الإرهاب البعثي في سوريا عند تلك الحادثة، فمَنْ من جيلي لا يتذكر دورات الشبيبة التي كانت تغسل أدمغة المراهقين، وتدفعهم لتفجير أنفسهم في جنوب لبنان، ثم تدفع الحكومة السورية لعائلة من يُقتل مبلغ خمسين ألف ليرة سورية ـ وقتها كان بحدود عشرة آلاف دولار ـ أما من اجتاز الدورة بنجاح وبقي حيّا فيُقبل في أي فرع جامعي، وكان ذلك بداية الاستخفاف بالتعليم الجامعي في سوريا، وبداية انحدار مستواه…
……
دلت التحقيقات الفيدرالية في أمريكا أن الـ ١٩ ارهابي الذين نفذوا مجزرة الحادي عشر من أيلول، كانوا قد زاروا العاصمة دمشق قبل المجزرة والتقوا مع عناصر عالية المستوى في الحكومة السورية. في أعقاب المجزرة خرج بوش ليقول: هناك ستين دولة متورطة وسنرسلهم إلى العصر الحجري! وها هي سوريا، حيث اكتشفوا أول أبجدية في التاريخ، تعود إلى العصر الحجري بسبب عنجهية وحماقة العصابة البعثية!
………
معظم السيارات المفخخة التي دخلت العراق بعد الاجتياح الامريكي له دخلت من سوريا، وبتخطيط تم في سوريا. حذرت الادارة الامريكية الحكومة السورية اكثر من مرة، وكان رد الرئيس السوري: نحن لا نستطيع أن نسيطر على الحدود، ثم أردف مستهزئا: وهل تستطيع أمريكا أن تسيطر على حدودها مع المكسيك؟! فكانت رسالتهم له طالما لا تستطيع أن تسيطر على الحدود، سنريك من يستطيع!
……
كذلك، صرح مفتي سوريا الشيخ حسون وعلى الملأ: بإمكاننا أن نغرق أوروبا بالارهابيين! هل هناك أخطر وأسفه من هكذا تصريح؟!!! ناهيك عن أنه صادر عن رجل دين، لا مكان له سوى صومعته، وليس بيده إلا أن يصلي من أجل الخير والسلام!
لقد دفع الثمن ابنه، لكن الطامة الكبرى أن آلاف الآباء السوريين قد دفعوا أيضا فلذات أكبادهم ثمنا لحماقته وغطرسته!
……..
طبعا، من يستفز القط ـ وخصوصا عندما لا يملك ظفرا يحك به جلده ـ عليه أن يتحمل خراميشه هذه العصابة لم ترتق يوما بنفسها إلى مستوى حكومة مسؤولة عن شعب، إذ ليست البطولة في أن تتحدى نمرا شرسا وأنت أضعف من بعوضة، بل تقتضي الحكمة ـ إن كنت فعلا قائدا ـ أن تفعل كل مافي وسعك لحماية حياة مواطنك اولا، وتجنب خراب ودمار البلد الذي أنت معني بحمايته!
……….
ليس دفاعا عن أمريكا، فهكذا دولة لا تحتاج من يدافع عنها، ولكن لا شكّ، أنها وكأية امبراطورية في التاريخ البشري قد بطشت،
وربما كانت ولم تزل الأقل بطشا إذا أخذنا بعين الإعتبار مدى قوتها. أسميها “امبراطورية ” تجاوزا، لأن الامبراطورية تعني وجود امبراطور، وأمريكا دولة منظمات وقوانين ولا يوجد فيها امبراطور واحد فوق القانون.
نعم كل الامبراطوريات بطشت ولا استثني أمريكا، ولكنها في الوقت نفسه تبقى الدولة الحلم بالنسبة للإنسان في أية بقعة من العالم،
قالها رئيس وزراء بريطانيا السابق طوني بليير في جلسة لبرلمانه، وعندما سأله أحد الأعضاء “لماذا تدافع بشكل سافر عن أمريكا؟؟”، فردّ: أدافع عن الدولة التي ينام مظلومو العالم أمام سفاراتها أملا في الرحيل إليها!
……
زار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب اليابان في أكتوبر العام الماضي، والتقى خلال الزيارة بجنوده في قاعدة الطيران الأمريكية ( يوكوتا) والموجودة في قلب العاصمة اليابانية طوكيو، ثم خطب فيهم قائلا:
“We dominate the sky. We dominate the sea. We dominate the land and space,
“No one, no dictator, no regime, and no nation should underestimate ever American resolve,” Every once in a while in the past they underestimated us. It was not pleasant for them. Was it? It was not pleasant. We will never yield. Never waiver, and never falter in defense of our people, our freedom and our great American flag.”
(نحن نسيطر على السماء، نحن نسيطر على البحار، نحن نسيطر على الأرض والفضاء لا أحد….لا ديكتاتور….لا نظام….لا أمة تستطيع أن تقلل من شأن القوة الأمريكية على الإطلاق, في الماضي ومرة كل فترة استخف أحد بشأننا. لكن لم يجعلهم هذا الأمر مسرورين، اليس كذلك؟ نعم لم يجعلهم مسرورين، لن نتوانى أبدا… لن نتنازل مطلقا… لن نتهاون يوما في الدفاع عن مواطنينا، في الدفاع عن حريتنا، في الدفاع عن العلم الأمريكي العظيم!)
ثم قال أثناء لقائه برئيس وزراء اليابان:
“The prime minister of Japan is going to be purchasing massive amounts of military equipment “We make the best military equipment by far. It’s a lot of jobs for us and a lot of safety for Japan
(ستشتري اليابان منا كمية هائلة من المعدات، نحن من يصنع أفضل المعدات العسكرية هذا الأمر سيوفر الكثير من فرص العمل في أمريكا وسيضمن أمن اليابان)
……………….
تابعت أنباء الزيارة بشغف، قرأت عنها آلاف السطور وما بين السطور, لم أسمع يابانيا واحدا يقول: إن ما قاله الرئيس الأمريكي يمس بالسيادة اليابانية، أو على الأقل يجرح الإحساس الوطني لدى المواطن الياباني، فاليابانيون يدركون تماما أن أمريكا قوة لا يستهان بها، وهم أيضا مسلحون بالحكمة التي تساعدهم على أن يتنازلوا عن غطرستهم، ويتعاملوا مع تلك القوة بشكل لا يؤذي شعوبهم. الأمر الذي ساعدهم، وبعد أن خروجوا مهزومين مدمرين من الحرب العالمية الثانية، ساعدهم أن يصبحوا في غضون أقل من نصف قرن ثالث أقوى دولة اقتصادية في العالم.
هذه هي الكرامة الوطنية وهذه هي السيادة الوطنية، وهذه هي الحكمة التي تتحلى بها القيادات الحقيقية والناجحة، فهل يستطيع أحد أن ينكر أن المقياس الحقيقي والصحيح لنجاح أية قيادة هو الواقع المعاش للشعب الذي تتولى أمره تلك القيادة والشعب الياباني الْيَوْمَ واحد من أكثر شعوب الأرض رخاءا ورفاهية وإبداعا….
أما أن يقف الرئيس السوري أمام شرذمة من الغلمان السياسيين، أو في لقائه مع القبيسيات ـ لم أعد أذكر ـ ويقول لهم في خطاب ناري: لا يريدون أن يكون لديكم كرامة!
فهذا مهزلة المهازل!! ماهو مفهوم “سيادة” الرئيس للكرامة الوطنية؟؟؟ أين الكرامة في أن يموت جندي سوري مرمي في بقعة نائية على الحدود مع العراق بدون أكل ولا شرب، أن يموت من ضربة شمس ثم يلقون بجثته أمام أمه وفِي أيديهم تقرير يقول: (لقد مات من ضربة شمس ، ولم يستشهد) كي يتهربوا من دفع استحقاقاته التي لا تغني من فقر ولا تشبع من جوع.
وعلما بأنني لا اشتري تلك الشهادة بقرش أكله الصدأ، فحياة ذلك الجندي بالنسبة لي أقدس من كل مقدسات العرب، وحذائه أشرف من أشرف بقعة في أراضيهم، ولكن هل أحد فيكم يستطيع أن يتخيل حجم الذل والقهر الذي شعرت به تلك الأم الثكلى؟؟؟
هي لم تخسر فلذة كبدها وحسب، بل خسرت وهما كان يخدرها من أن ابنها مات شهيدا وسينال جزائه في جنة الخلد والبشر المحبطون يحتاجون عادة إلى هذا النوع من الأوهام كي يتعلقوا بطرف قشة لكنهم استكثروا عليها تلك القشة!
…….
ليس غياب الصراعات بين الدول هو الذي يساهم في ازدهارها، فالصراع موجود منذ الأزل وسيظل إلى الأبد. لكنّ الذي يساعد على انتعاش المجتمعات هو قدرة حكوماتها على التعامل مع ذلك الصراع، وامتصاص قواه السلبية وتفاديه قدر الإمكان.
لا أظن ان مصالح أمريكا في اليابان أقل من مصالحها في الشرق الأوسط، ولا أظن أن أمريكا، تتعامل مع اليابان بطريقة أكثر دبلوماسية مما تتعامل مع دول هذا الشرق التعيس (أليس خطاب ترمب الفظ لجنوده في قلب طوكيو دليلا؟ ناهيك عن دك اليابان بقنبلتين في الماضي القريب)
لكنني اؤمن أن الفرق يكمن في الحكمة التي تتحلى بها الحكومات، وفي قدرتها على تطبيق الحلول الدبلوماسية بدلا من المواجهة الحقيقية مع نمر شرس ، قد تؤدي مواجهته إلى دمار بلدان وهلاك شعوب… أما الغطرسة البدوية التي تتبنى شعار “لنا الصدر دون العالمين أو القبر”، فلقد وصلت بشعوبها إلى نقطة لم يعد عندها حتى القبر خيارا!
سألت أم سورية عن ابن خسرته، فبكت وقالت: لم يعثروا على جثته لأن صواريخ التوماهوك قد حولت المبنى إلى رماد!
نعم، لم يبقَ حتى القبر خيارا!
……..
في سياق استقبال رئيسة وزراء ألمانيا لمن لفظته البحار من الشعب السوري حيا، وتحت ضغط الرافضين من شعبها للمهاجرين، قالت:
When it comes to human dignity, we cannot make compromises
(عندما يتعلق الأمر بكرامة الإنسان لا نستطيع أن نقدم تنازلات)
….
أنجيلا مريكل هي مثال حي لمن يدافع عن الكرامة الإنسانية حتى ولو كلفها الأمر منصبها, أما أن تسقط حكومة دولة إلى مستوى أن تدس قنبلة موقوتة في حقيبة امرأة حامل، مسافرة على متن طائرة مدنيّة، دون أن تفكر بالعواقب الوخيمة لتلك الجريمة، والتي قد تدمرالبلد لاحقا ـ ولقد تمّ ذلك ـ فهو تصرف أحمق خسيس، بل هو الخيانة بعين!!