الشرق الاوسط
إذا كان مفاعل «بوشهر» يعتبر المفاعل السلمي الوحيد حتى الآن في إيران، فإن هناك المنشآت التي تتعامل مع دورة الوقود النووي، وهذه اكتشفت في بداية «الألفين»، رغم أن الإيرانيين كانوا يعملون عليها منذ أكثر من عشرين سنة من دون أن يلفتوا أحدا من الخارج، وكانوا اشتروا تقنية تخصيب اليورانيوم من العالم الباكستاني عبد القدير خان.
في البداية، عندما اكتشف برنامجهم لتخصيب اليورانيوم، قال الإيرانيون إنه لأغراض سلمية، وإنهم لم يعلنوا عنه لأسباب تقنية، وإنهم كانوا ينوون فعل ذلك عندما يبدأ التشغيل.
فنيا، تحققت الوكالة الدولية للطاقة النووية ورأت أنه في بعض البنود حصل خرق للاتفاقيات الدولية، وهكذا أحيل الملف إلى مجلس الأمن الدولي الذي فرض على إيران التوقف عن أنشطتها، وعندما لم تتوقف سمح مجلس الأمن بفرض العقوبات الاقتصادية.
من هنا، بدأت قصة العقوبات الاقتصادية المرتبطة بالبرنامج النووي.
بالنسبة للمنشآت القائمة، هناك المنشأة الأساسية الموجودة في «ناتانز» بالقرب من أصفهان. هي تحت الأرض من جناحين؛ الجناح الأول يضم مصنعا ومختبرات للتخصيب على مستوى صناعي، والجناح الثاني للأبحاث والتجارب الأولية والإنتاج النمطي.
بدأت إيران فعلا بالإنتاج النمطي والأبحاث، وصار لديها بالمصنع في «ناتانز» نحو عشرة آلاف جهاز طرد مركزي.
الطاردات المركزية التي تحصل فيها عملية التخصيب يجب أن تكون مركبة على شكل متتال (cascade)؛ إذ لا يمكن تخصيب نسبة 0.07% من اليورانيوم الطبيعي للوصول إلى 5% من اليورانيوم المخصب في أنبوب واحد. كل أنبوب يستعمل للتحسين قليلا، ومن ثم يكون الذهاب إلى الأنبوب الآخر.
كل مركب لديه ما يغذيه للوصول، من نسبة 1%، إلى 5% للاستخدام السلمي، وللوصول إلى استخدام وقود للأبحاث تصبح الحاجة إلى نسبة 20%. وإذا أرادت إيران إنتاج الوقود الذي يستخدم لتصنيع القنابل والأسلحة النووية، تصبح الحاجة إلى 85% أو 90%، وكلما ارتفعت نسبة التخصيب، صار التصميم أسهل.
في «ناتانز» وفي المرحلة الأولى وهي عشرة آلاف جهاز طرد مركزي، أنتجت إيران كمية من اليورانيوم المخصب.
يتم التخصيب على شكل غاز اليورانيوم، وهو نوع من أنواع أكسيد اليورانيوم يكون لونه أصفر، وهو ما يسمى «الكعكة الصفراء». يتم تحويله إلى غاز الفلورين، هذا الغاز يمكن تخصيبه في أجهزة الطرد المركزي، وعند الانتهاء منه يصبح على شكل غاز، لكن من أجل استخدامه في المفاعلات أو الأسلحة النووية يجب أن يعاد تحويله إلى أكسيد، وإذا أرادوا تحويله إلى أسلحة نووية، فيجب تحويل الأكسيد إلى معدن.
جزء من اليورانيوم المخصب بنسبة 5% حوّله الإيرانيون إلى أكسيد لاستخدامه في إنتاج الوقود النووي لمفاعل «بوشهر» أو مفاعل أبحاث طهران.
مع بداية عام 2012 في «ناتانز» بدأوا أخذ نسبة 5%، ورفعوها إلى نسبة 20%. وفي شهر فبراير (شباط) الماضي أنتجت إيران 280 كيلوغراما (كلغم) من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، هذه الكمية تعتبر أكبر من الكمية المطلوبة لإنتاج 90% من اليورانيوم الذي هو 25 كلغم.. إذ لإنتاج قنبلة نووية (يورانيوم) تكون الحاجة إلى 25 كلغم، (قنبلة البلوتونيوم 10 كلغم فقط). ولإنتاج 25 كلغم (90% من اليورانيوم) فالمطلوب إنتاج 240 كلغم (20% من اليورانيوم المخصب).
في إيران هناك مصانع للتحويل، من الأكسيد إلى معدن، المهم أن يكون النقاء عاليا جدا. كما أن لديها مصانع للتحويل من الغاز إلى الأكسيد إلى المعدن.
استخدمت إيران جزءا من العشرين في المائة، نحو 130 كلغم، حولتها إلى أكسيد على أساس تحويلها إلى وقود لمفاعل طهران.
بهذه العملية، ارتاح الأميركيون والإسرائيليون قليلا؛ إذ لم يعد لدى إيران 240 كلغم (20% من اليورانيوم المخصب). الارتياح ناجم عن أنه إذا قررت إيران طرد المفتشين الدوليين، فلن تعود لديها الكمية الكافية لصناعة السلاح النووي؛ إذ تبقى في حاجة إلى أن تعوض ما استعملته لمنشأة طهران، إلا إذا قررت أن تحوله مرة جديدة من معدن إلى أكسيد، ومن ثم تأخذ الغاز الذي هو 20% من اليورانيوم المخصب، وتغذي به المصانع من أجل إنتاج الكمية اللازمة التي هي 90% من اليورانيوم المخصب.
لذلك، تقول التقديرات الحالية إن إيران لم تصل بعد إلى الكمية الكافية من العشرين في المائة، وبالتالي يبقى «الخط الأحمر» لإنتاج قنبلة نووية بعيدا.
وإذا قررت إيران طرد المفتشين، كما فعلت كوريا الشمالية (في كوريا القنبلة من البلوتونيوم) وافتراضا أنها استكملت كل شيء، فإنها تحتاج من 3 إلى 6 أشهر لإنتاج الكمية الكافية من الـ90% من اليورانيوم. ثم عليها أن تحوله إلى أكسيد، ومن أكسيد إلى معدن عالي النقاء.. هذه العملية قد تستغرق نحو تسعة أشهر (3 أشهر لاستكمال الكمية اللازمة للعشرين في المائة، ومن 3 إلى 6 أشهر لإنتاج 90%)، وبعد ذلك التحويل إلى أكسيد. هنا يفهم قول الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل: «لدينا أكثر من سنة».
معظم الخبراء النوويين المتابعين يقولون إن هناك متسعا من الوقت يتجاوز السنة للوصول إلى «الخط الأحمر» الذي صار يعني الحرب. لكن بالنسبة لـ«الخط الأحمر» الإسرائيلي، فقد يكون في وصول إيران إلى نسبة 20% وامتلاك 200 كلغم من اليورانيوم.
الجانب الأميركي يقول إن هناك متسعا من الوقت للتفاوض حتى لو أنتجت إيران 220 كلغم، ما دامت لم تحولها إلى 90% أو جمدتها أو أخذت جزءا منها مرة ثانية. ثم عندما تطرد إيران المفتشين الدوليين فإن المجتمع الدولي كله سيعرف.
لكن هل «الخط الأحمر» الذي حددته إسرائيل بالنسبة لإيران يشمل فقط برنامجها النووي؟
الغارتان على دمشق الأسبوع الماضي أعلنتا تقريبا أن الحرب بين إيران وإسرائيل قد بدأت. يوم الأحد الماضي، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أن إسرائيل بقصفها مستودعات الذخيرة أظهرت أنها جاهزة للالتزام بـ«الخطوط الحمر» التي وضعتها. ويوم السبت الماضي جاء في مجلة «فورين بوليسي» أن «الغارة على دمشق رسالة إلى إيران، حيث تعهدت إسرائيل بتدمير برنامجها النووي إذا ما عبرت (الخط الأحمر) الذي وضعه بنيامين نتنياهو». وعكس أموس يادين رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق هذا التوجه بقوله للإذاعة الإسرائيلية صباح الأحد الماضي: «من المؤكد أن إيران تراقب تصميم إسرائيل والولايات المتحدة في ما يتعلق بـ(الخطوط الحمر)، وما تراه في سوريا يوضح لها أن بعض الأطراف، على الأقل، عندما يحددون (الخطوط الحمر)، وإذا ما تم تجاوزها، فإنهم يتعاملون مع هذا الأمر بجدية».
التطورات الأخيرة كشفت أن محاولات إيران التحضير المسبق لحرب متوقعة، باءت بالفشل، أو انكشفت، فهي أرسلت صواريخ «فاتح 110» إلى سوريا لإيصالها إلى حزب الله في لبنان.. جاءت هذه الصفقة بعدما انكشفت صفقة أخرى وقعها «الحرس الثوري» الإيراني مع حكومة السودان لشحن صواريخ وأسلحة إلى حماس في غزة. وحسب الاتفاق، تنقل الأسلحة من طهران إلى دمشق، ومن دمشق إلى الخرطوم جوا، ثم تنقل برا من السودان إلى غزة عبر مصر وصحراء سيناء. هنا تبرز أهمية دمشق بالنسبة لإيران؛ إنها الحلقة الأساسية في سلسلة كل الخطط الإيرانية، إذا فقدتها، انفرط عقد السلسلة.
تشير هذه التطورات إلى «خطوط حمراء» جديدة سيتم وضعها إلى جانب «الخط الأحمر» المعني بالبرنامج النووي الإيراني.