حسناء القنيعير
يعتبر الفرد كبيراً كان أم صغيراً غير آمن عندما تنتهك حقوقه، أو يستغل استغلالًا سيئاً تحت أي ذريعة، وإذا كان بعض الكبار يستطيعون تمييز ما يتعرضون له، ويتفهمون دوافع من يمارس العنف ضدهم، فإن الأطفال لا يستطيعون ذلك.
مازالت الصحف الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي تنشر بين وقت وآخر صوراً موجعة عن العنف ضد الأطفال، في البيوت وفي المدارس، على أيدي بعض الآباء والأشقاء، وكذا على أيدي بعض مدرسي المدارس وإدارييها، سواء في ذلك العنف الجسدي، أم العنف النفسي، الذي يمارس ضد الصغار خاصة.
وللعنف صور تمثل اعتداءً صارخاً على الأطفال، ومن أبرزها؛ إهمال حاجات الطفل الأساسية من تربية وتغذية وإنفاق، والاعتداء الجسدي من الأسرة أو من المعلمين، والاعتداء الجنسي من أي كان، سواء في البيت أم المدرسة أم الحي، والاعتداء النفسي في البيت أو المدرسة، ويدخل في الاعتداء النفسي، إهمال الطفل عاطفياً، أي عدم إشباع حاجاته العاطفية مثل حاجته للحب والتقدير، وتعريضه للمواقف السلبية، كالمقارنة بينه وبين إخوته أو زملائه، وتفضيلهم عليه، وإشعاره أنه أقل منهم، بعدم تقديره أو مكافأته مثلهم، ما يغرس في نفسه إحساساً كبيراً بالظلم، قد يؤدي إلى جنوحه، أو رفضه الذهاب للمدرسة التي تصبح في نظره مكاناً للظلم والإقصاء والتهميش.
وقد صدر نظام حماية الطفل بالمرسوم الملكي رقم (م/ ١٤) وتاريخ 3/2/1436.. ويتضمن النظام كل أشكال الإساءة والإهمال التي قد يتعرض لها الطفل، ومنها الإساءة النفسية التي قد لا يعيرها بعض الأسر والمدرسين أدنى اهتمام.. وعلى الرغم من صدور هذا النطام، إلا أن الواقع يكشف عن استشراء العنف ضد الأطفال بدرجة كبيرة، ويصلنا كثير منه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وربما وجدت حالات كثيرة أخرى لا أحد يعلم بها.
تعرّف المادة الأولى نظام حماية الطفل بأنه “النظام الذي يكفل للطفل الحماية من كل مظاهر الإساءة والإهمال التي قد يتعرض لها، في البيئة المحيطة به، في الأسرة، والمدرسة والحي والأماكن العامة، ودور الرعاية، والمؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الأهلي”. ومع ذلك فما زال بعض المعلمين والمعلمات، وبعض إداريي المدارس يستقوون على الطلاب والطالبات، ولاسيما الصغار منهم، إن بالضرب الذي تمنعه اللوائح، وإن بالتعنيف والسخرية..
وعلى الرغم من الكشف عن كثير من الحالات، ومعاقبة مرتكبيها، إلا أننا ما زلنا نرى نماذج فاقعة من ممارسات بعض من اؤتمنوا على تربية التلاميذ وتعليمهم، الأمر الذي يدعو إلى المطالبة بإجراء كشف نفسي على راغبي العمل في حقل التعليم، بالتزامن مع الكشف الطبي للتأكد من لياقتهم صحياً بخلوهم من الأمراض ومن العاهات، ونفسياً للتأكد من سلامتهم النفسية، وصحتهم العقلية كي يؤدوا عملهم على نحو صحيح.
وقد نشرت بعض الصحف في (16 فبراير 2016) بعد جريمة الداير بجازان التي قتل فيها معلم ثانوية ستة من زملائه، وأصاب آخرين برشاش كان يحمله، خبراً مفاده “أن وزارة التعليم تتجه إلى فرض نظام جديد لحماية منسوبيها، ويشترط النظام إصدار رخصة معلم أو معلمة، لا تعطى إلا بعد إكمال الإجراءات اللازمة، كالفحص الطبي والبدني والنفسي والمهني، وأن الرخصة تجدد بالإجراءات نفسها، أي بعد فحص طبي وبدني ونفسي، ما بين سنة إلى ثلاث سنوات، وستكون كل إدارة ملزمة برفع جميع أسماء شاغلي الوظائف التعليمية والإدارية ممن يعانون مشاكل واضطرابات نفسية، أو مؤشرات غير سوية”. ولا نعلم هل أنجزت الوزارة ما ذكرته الصحف، أم أنه كان بتأثير فداحة الجريمة.
وهناك كثير من الوقائع التي تؤكد تورط بعض المعلمين والمعلمات في تعنيف الطلاب والطالبات، بعضها قديم، وبعضها الآخر حديث، ما يعني أن أولئك المعتدين لم يرتدعوا، ولم يعتبروا بعقاب الذين سبقوهم من زملائهم، ولعلنا ما زلنا نذكر قصة تلميذ الصف الأول الابتدائي (اليتيم) الذي صوره معلمه، وهو يبكي ويتوسل إليه بقوله: (أتعلم وأجيك)، لكن المعلم تمادى في إهانته ونشر المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن تلك الوقائع، شكوى والد طالبة في منطقة المدينة التعليمية، ضد معلمة ضربت ابنته ذات الثماني سنوات بعصا مكنسة، أصابتها بكدمة أسفل العين اليسرى استوجبت علاجاً مدة أربعة أيام. ويبدو أن الضرب بعصا المكنسة رائج في تلك المنطقة التعليمية، إذ قدم أحد أولياء الأمور شكوى لإدارة تعليم المنطقة، وأخرى للشرطة عن تعرض ابنه الطالب في المرحلة المتوسطة للضرب من معلم الرياضيات بعصا مكنسة تسببت بكدمة في الفخذ الأيسر، وحددت مدة شفائها بأربعة أيام. وفي ينبع اتهمت والدة طالب في المرحلة الابتدائية وكيل مدرسة بضرب ابنها البالغ من العمر تسع سنوات، ما سبب انتفاخاً في معصم يده، وذلك لأنه تأخر عن الدخول إلى الفصل مع زملائه بعد الفسحة.
ومما يؤكد عدم انصياع بعض المعلمين للتعليمات، أنه منذ شهر تقريباً حسب (صحيفة المرصد 23 ديسمبر 2016) حققت إدارة تعليم محافظة المخواة، في واقعة اعتداء مدير ووكيل ومرشد، على طالب (يتيم) في الصف الثاني الثانوي، تأخر عن الطابور الصباحي، ورفض عقاب (البطة)، فأفقده المرشد الطلابي وعيه! وأظن أن عقاب البطة نوع من التمرينات الشاقة يؤديها الطالب طوال الحصة الأولى، في ساحة المدرسة عقاباً على تأخره، أما علاقتها بالبطة فسرها عند أولئك الجهابذة.
وحسب الصحيفة نفسها (في 22 ديسمبر 2016) تعرضت طالبة تدرس في الصف السادس الابتدائي بإحدى المدارس لعنف جسدي ولفظي من قبل مرشدة طلابية، ما أدى إلى تمزيق مريولها، وإصابتها حسب التقارير الطبية من مستشفى الأنصار والوحدة الصحية بتورم في إصبع إبهام اليد اليمنى، وتمزق في أربطة الإبهام الأيمن.
ومما يجدر بنا الإشارة إليه، ذلك المقطع المتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذي أظهر تلميذة صغيرة انزوت في زاوية في آخر فصلها الدراسي، ومنعت من مشاركة زميلاتها احتفالهن بالنجاح على صدى الأغنيات والألوان البراقة، ولا ندري سبب ذلك الذي انعكس سلباً على نفسية الطفلة وهي تقص باكية على والدتها ما حدث! وعلى الرغم من أننا لم نسمع رأي المعلمة، لكن الصورة وحدها تكشف عمّا تعرضت له الطفلة من إقصاء وتهميش لا مبرر لهما، فحتى لو كانت الطفلة ضعيفة دراسياً، فإن هذا لا يعطي المعلمة الحق فيما فعلته، فهي بصفتها مربية يفترض أن لديها أساليبَ كثيرة لحث الطفلة على الاجتهاد، كأن تشركها في الاحتفال مع زميلاتها، وأن تعالج لاحقاً ما لديها من قصور بالتواصل مع أمها.
إن من أكثر الأمور أهمية فيما يتعلق بالتعامل مع التلاميذ لاسيما الصغار منهم، هو تحقيق العدل والمساواة بينهم، وإشاعة جو التآلف والمحبة، لما في ذلك من تأثير إيجابي على تحصيلهم الدراسي، أما عزل التلميذ الضعيف عن بقية زملائه، بحجة ضعفه فله وقع سيئ على نفسيته، ومن ثم على مستقبله كله، وإذا كان علماء التربية الحديثة يوصون بإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة مع التلاميذ الأسوياء، حتى لا يشعروا بالنقص، فإن إدماج من يعاني قصوراً دراسياً من الطلاب الأصحاء، أدعى للالتزام به.
يركز كثير من علماء التربية على أهمية أن يكون المعلم مرشداً ومربياً وصديقاً لتلاميذه، يطبقون توجيهاته، ويرجعون إليه عند الحاجة. أما المعلم القلق سريع الانفعال والمضطرب سلوكياً الذي ينقصه ضبط النفس، فلا يأمنه التلاميذ، ويشعرون بالخوف منه، وعدم الاطئمنان إليه، لأنه ينقل إليهم مشاعره السيئة، واضطراباته النفسيه.
سيقول بعض الذين يقرؤون المقال إني لم أذكر شيئاً عن العنف المضاد الذي يمارسه بعض الطلاب الكبار ضد المعلمين، وضد بعضهم، فأقول كوني لم أذكره فإنه لا يعني نفيه، لكن مقالي خاص بتعنيف المستضعفين من الطلاب والطالبات.
ختاماً؛ نلحظ أن الجامع المشترك بين الأطفال المعنفين في المدارس هو صغر السن، واليتم حيث لا والد للطالب يخشون أن يرفع شكوى ضدهم، متجاهلين حث الدين على الرفق باليتامى، وبصغار السن.
نقلاً عن الرياض