العندليب في ذكراه

halimhafezالحبيب الأسود

بحلول هذا اليوم تمر 39 عاما على رحيله، سيكون أمام العرب وقت طويل لكي يجدوا من يمكن أن يقترب من سرّه ولو قليلا، ولكن بالتأكيد ليس هناك من يشبهه، فقد كان مختلفا في حضوره، في أدائه، في ذكائه، في عنائه، في صبره، في تحديه، وفي ثورته ورومنسيته، وفي ما مثّله لعصره من حبّ وعشق وجنون وجاذبية.

قال عنه مصطفى أمين “كان يتألم بصوت مسموع وكأن في صوته الضعيف كل الشجن والألم والحزن الذي يملأ قلبه”، وقال عنه أحمد بهاء الدين “كان ذكيا، جذابا، وكان صوته هادرا من الأعماق المصرية التي يمتزج فيها الحزن وحب الحياة بعاطفة جياشة”.

وقال عنه نزار قباني “لقد غنى للناس بصدق يندر أن يتكرر، وسرّه أنه غنّى القوة والكبرياء والإرادة والتحدي والمستحيل فأحبه الناس بنفس الصدق والعشق”، وقال عنه كامل الشناوي “كان يكذب إذا تكلم ويصدق إذا غنى، في صوته نبرة حزن، شعور إنساني، وكنت أقدس هذا الشعور وأستريح إليه، فهو يسكب لي الدمعة التي لا أستطيع أن أسكبها ويقول الكلمة التي يعجز قلمي عن كتابتها”، أما أحمد فؤاد نجم فقال عنه “كان يغني الحلم والمشروع القومي الذي كان يعبر عن تعطش الناس”، ووصفه أنيس منور بأنه أرق الأصوات وأكثرها حزنا، ينزف حبا وعذابا، يبكي بعين على العين الأخرى، وقال عنه نجيب محفوظ “صوت آثر مؤثر، دافئ، حالم، رقيق، قوي، صادر عن ألحان متطورة”، ورثاه يوسف إدريس بالقول “كان في أذهاننا قبوا من الخمر المعطر ومزيجا مختلطا من العمر والصبا، كان قائد ثورة لتحديث الأغنية الفردية وذوق الاستماع الجديد وجاء معه موسيقيون تضطرم في داخلهم ثورة التعبير”.

عبدالحليم حافظ الذي رحل في الثلاثين من مارس 1977، وهو في السابعة والأربعين من عمره، لا يزال محفوفا بأسرار عبقريته، فأغانيه إلى اليوم تؤجج المشاعر وتخطف القلوب وتخبئ النجوم في ضفائر الصبايا وترزع حقولا من الورد على مرايا العذارى، كما لا تزال أغانيه الوطنية وثائق تاريخية سجّلت مرحلة من تاريخ مصر والعروبة كان هو أحد الفاعلين الأساسيين فيها باعتباره صوتها الشادي وحنجرتها الصادحة أملا وألما، انتصارا وانكسارا، شكّا ويقينا، وإيمانا بالمبادئ التي لا تزال إلى اليوم تضع تلك الأناشيد في واجهة الأحداث السياسية والاجتماعية.

في الذكرى التاسعة والثلاثين لرحيله، لا يزال عبدالحليم حيّا، لا يزال جزءا مهما من صباح العرب، ومن مسائهم، ومن كل ساعات النهار والليل، لا يزال شريكا للمحبين والعشاق وللمناضلين والأحرار، لا يزال رمزا لحب الحياة والأمل في الحياة والدفاع عن قيمة الحياة.

*نقلا عن “العرب”

This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.