العلاقة بين التاج الملكي والعقال من كتاب: ظواهر حضارية وجمالية من التاريخ القديم

ايليا الطائي

(العلاقة بين التاج الملكي والعقال) من فرضية الدكتور فوزي رشيد في كتاب (ظواهر حضارية وجمالية من التاريخ القديم) (بتصرف) :
مما هو واضح ومعروف من بعض الآثار السومرية أن بعض الآلهة الرافدية كان الواحد منهم يمتلك شبكة تشبه شبكلة صيد السمك ، يصطاد بها الاعداء ، وخير شاهد على ذلك هي مسلة العقبان (الصورة رقم 1) ، والتي عثر عليها في موقع لكش قرب مدينة الشطرة والتي تعود لعام 2500 قبل الميلاد ، والتي تصور لنا إله المدينة وهو يصطاد الاعداء بشبكته مثلما يصيد الانسان السمك ، ولهذا السبب فإن نقشة شبكة صيد السمك قد زينب عمائم حكام بلاد الرافدين ، ومن الأدلة التاريخية القديمة على ذلك هي النقوش المرسومة على عمامة الحاكم السومري كوديا (2144-2124ق.م) ثاني حكام سلالة لكش الثانية في بلاد الرافدين (الصورة رقم 2) ، وكذلك النقوش المرسومة على كوفيات الوقت الحاضر ، والتي تماثل نقوشها حياكة شباك صيد السمك ، وعلى رسوم تقع في اطار الكوفية تماثل أسراب الطيور وهي في حالة طيران (الصورة رقم 3) .
والآثار الكتابة والشواهد المصورة أكدت لنا ان الملك الاكدي نارام سين (2260-2223ق.م) قام بتأليه نفسه ولبس أول مرة في التاريخ الخوذة المقرنة ، وهو ملك ، ورمى جانباً العمامة المزينة بالنقوش المماثلة لشبكة صيد السمك والطيور التي لبسها الملوك السومريين ، ولكنه مع ذلك كان مؤمناً بإله الخصب تموز ، حيث ان السومريين قد رمزوا للإله المذكور بالثور ، والسبب في هذا الرمزية راجع الى ان بلاد الرافدين لا تحتوي على حيوان آخر اقوى وأكثر لحماً يستفاد منه الثور ، علماً ان الأسد ليس حيواناً رافدياً ، بل جلب الى البلاد بالتجارة الخارجية منذ اوائل الألف الرابع قبل الميلاد ، ولذلك اختار الملك نارام سين قرون الإله تموز المعبرة عن قوته ، لمنح نفسه الهيبة العالية ، كي تبث الرهبة في نفوس الاعداء من أجل حماية حدود الامبراطورية الواسعة ، التي امتدت من جبال زاغروس شرقاً وحتى سواحل البحر المتوسط غرباً ، من جبال طووس شمالاً حتى عُمان جنوباً ، وفيما يتعلق بالملك الاكدي نارام سين فقد تأكدت لنا حقيقة ارتدائه للخوذة المقرن من مسلة باسم مسلة النصر (الصورة رقم 4) ، حيث يبدو فيها وهو مرتدِ الخوذة المذكورة يقود جيشه في المنطقة الشرقية الشمالية من بلاد الرافدين .


الصورة (5) ، تطابق كثيراً التيجن التي استخدمت حديثاً ، ما هي الا تطور مـلوف لأغطية رؤوس الآلهة والملوك في بلاد الرافدين ، لأن الآثار السومرية المتوافرة حالياً أكدت ان سكان بلاد وادي الرافدين عندما كانوا يصورون الإله تموز يرسمونه وهو يرتدي غطاء رأس بقرون ، وزوجته الآلهة إينانا بلا قرون (الصورة رقم 6) ، لأن أنثى الثور لا قرون لها ، اما زوجات الآلهة من غير تموز فقد كن يصورن بقرون أيضاً ، لأن التاج المقرن صار رمزاً للملوك والملكات المؤلهين .
ومع ان المشاهد الاثرية الرافدين الخاصة بالخوذة المقرنة نادرة جداص فإن تأثيرها استمر الى فترة الاسكندر المقدوني ، اي الى اواخر القرن الرابع قبل الميلا ، حيث انه عندما كان في بلاد الرافدين قام بلبس الخوذة المقرنة ولذلك لقب بالاسكندر ذو القرنين ، وكما يبدو قان الخوذة المقرنة قد انتقلت من الاسكندر وقادة جيشه الى اوروبا ، حيث وجدت مثيلاتها مصورة على رؤوس مقاتلي الفايكنغ والشيء نفسه مع مقاتلي المغول ، ولكن الفرق يكمن في ان لبسها في بلاد الرافدين كان من املوك الذين رفعوا أنفسهم الى مرتبة الالوهية ، بينما الفاكينغ والمغول عدوها لباساً بشرياً لا علاقة له بظاهرة التأليه .
ومما يؤكد ان الخوذة المقرنة التي كانت في بلاد الرافدين خاصة بالملوك المؤلهين وبالالهة فقط من قبل ان يبداً بعض الملوك بتاليه انفسهم مثلما حدث مع الملك الاكدي نارام سين هو ان التيجان الملكية الحالية ترجع باصولها القديمة الى أغطية رأس ، كانت مقصورة على الالهة والملوك ، ولهذا السبب فقد احتوي هذا النموذج على الكوفية بالنقش المماثل لحياكة شبكة صيد السمك والطيور ، والتي عملها الملوك على شكل عمائم على رؤوسهم والعقال المأخوذ من غطاء رأس الالهة تموز اولاً وخوذة الملك نارام سين المصور على مسلة النصر ، واسلوب الاستخدام الجديد قد تمثل بوضوح الكوفية ، التي كانت كما أشرنا تلبس على رؤوس الملوك على شكل عمائم مفروشة على الرأس والاكتاف والظهر ، والقرون المركبة على اغطية رؤوس الالهة والملوك المؤلهين قد لويت الى الأسفل ، وعملت عقالاً لتثبيت الكوفية المنشودة على الرأس والظهر والصورة رقم (7) توضح ذلك .
وعقال الرأس له علاقة بقرون الثور ، وانه جاء نتيجة تحرير بسيط لوظيفة قرني الثور ، فنجد ان نهايات العقال تدبب تدريجياً عند نهاياتها ، كي تماثل قرون الثور ، وهذه الناحية واضحة في صناعة العقال في بلاد مدن بلاد الرافدين الجنوبية ، وفي المدينة المعروقة باسم الشامية ، حيث ان نهايات العقال هناك لا تختلف اطلاقاً عن النهايات المدببة لقرني الثور ، وعلاوة على ما تقدم تتدلى كما هو معروف ، من جميع العقالات على ظهر لابسها ذؤابة تشبه ذيل الثور ، وترمز فعلاً له ، والصورة رقم (8) توضح ذلك ، والصور كما نعلم له ذيل واحد لا ذيلين ، لذلك فإن ازدواج الذؤابة في الوقت الحاضر يعود الى ظاهرة التناظر ، لأنها من اقدم القيم الجمالية في حياة الانسان واهمها ، والحقيقة الخاصة بعلاقة الذؤابة بذيل الثور برزت وضحة على رداء الكاهن المصور للإله تموز على الاناء النذري من مدينة الوركاء والذي يؤرخ في حدود عام 3500ق.م ، حيث يتدلى من خلف ردائه ما يماثل تماماً ذيل الثور الذي يرمز ايضاً للاله تموز .

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.