العرب والعربية والاسلام‎

mohamedbarziالدكتور محمد برازي

تميّزت الأمة العربية على غيرها من الأمم ، بأنها الأمّة الوحيدة في العالم التي تقيم معرضاً سنوياً للكلمة ، ( نعم للكلمة ) لأنهم هم من بين كل الأمم فرسان الفصاحة والبلاغة والبيان .
سوق عكاظ – سوق مجنة – سوق ذي المجاز – شاهداً على ذلك ، وكانت العرب تأتيه لمدة (20) يوماً في كل عام ، ابتداء من الأول من ذي القعدة ، ثم تسير منه الى سوق مجنة فتقضي فيه آخر عشر من ذلك الشهر ، ثم تسير الى سوق ذي المجاز فتقضي فيه الأيام الثمانية الأولى من شهر ذي الحجة ، ثم الى حجها .
وسمي عكاظ ، لأن العرب كانت تجتمع فيه فيتعاكظون ( يتفاخرون ) ويتناشدون .
وكان يأتي الشعراء لسوق عكاظ بقصائدهم ، لعرضها على محكمين من كبار الشعراء ، وكان معظم المحكمين من بني تميم ، وفيه علّقت القصائد السبع الشهيرة افتخاراً بفصاحتها على من يحضر المعرض أو المهرجان إن شئت من شعراء القبائل ، وكان كل شريف يحضر سوق بلده ، أمّا سوق عكاظ فكانوا يتوافدون اليه من كل جهة ، وكانت تحضره : قريش وهذيل وهوازن وسليم والأحاشيش وعقيل والمصطلق وقبائل أخرى .
وفي هذه الأمة التي أختارها الله سبحانه وتعالى لتبليغ رسالته للعالمين ، أُنزل القرآن الكريم على فرد من أفرادها وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، ليكون هو المبلّغ عن الله عز وجل فيما يأمره به ، وكانت حجته عليه السلام هو القرآن الكريم ، والذي تحدّى به الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ؟
ومن المعروف بأن إعجاز القرآن الكريم كان في رصفه ونظمه وبيانه بلسان عربي مبين ، وإن خصائص هذا القرآن مباينة لكل المعهود من كل كلام وخصائص كل نظم وبيان تطيقه قوى البشر في بيانهم ، ولم يكن لتحديهم به معنى إلّا أن تجتمع لهم وللغتهم صفات بعينها ، مثل أن يكون أهلها قادرون على إدراك هذا الحاجز الفاصل بين الكلامين ، وهذا الادراك يدل على أنهم أُوتوا من لطف تذوق البيان ، ومن العلم بأسراره ووجوهه ، قدراً كافياً ليصح معه أن يتحداهم بهذا القرآن ، وأن يطالبهم بالشهادة عند سماعه بأن تاليه عليهم هو نبي مرسل من عند الله ، وكان البيان في أنفسهم أجلّ من أن يخونوا الأمانة فيه ، أو يجوروا عن الإنصاف في الحكم عليه ، رغم أن القرآن الكريم قرّعهم وعيرهم وسفّه أحلامهم ومعتقداتهم ، حتى أنه ذهب الى أقصى مدى في عداوتهم ، ومع ذلك ظلّ يتحداهم ، ورغم كل ذلك نهتهم أمانتهم على البيان عن معارضته ومناقضته ، وكان أبلغ ماقالوه هو المذكور في قوله تعالى ( قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) ولكنهم لم يقولوا شيئاً ، وكفّوا ألسنتهم عن ذلك ، ومع ذلك فالقرآن الكريم لم ينصّب لهم حكماً بل خلّى بينهم وبين الحكم على ما سيأتون به من كلام معارضاً للقرآن الكريم ، وذلك ثقة بإنصافهم في الحكم على البيان ، وهذه التخلية من الإنصاف لاتدانيها مرتبة وهم يعلمون ذلك .
لقد كان بعض من محكّمين سوق عكاظ وبعض من الشعراء الذين يتعاكظون بقصائدهم لايزالون أحياء ، وسمعوا بذلك ، ورغم ذلك التزموا الصمت ؟؟رغم اتهامهم الرسول صلى الله عليه سلم بالسحر والكهانة والشعر وغير ذلك ، وهذا هو الوليد بن المغيرة ، وهو من بني مخزوم وهو عم أبو جهل ، وكان شديد الثراء ، وله عشرة أولاد وكان يتباهى بهم ومن بينهم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، وكان مرموقاً في قريش ومن الذين تستمع لهم قريش في دار الندوة ، ومع كثرة أمواله ومع انه كان واحداً من زعماء مكة ، فقد آثر ألّا يشرب الخمر ، معللاً ذلك بأن الخمر تذهب بالعقل ، وتجعل الانسان في موقف يزدريه فيه العقلاء .
وعندما سمع الوليد كلام الله سبحانه وتعالى من الرسول عليه السلام قال ( والله لقد سمعت منه كلاماً ماهو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر ) فبلغ ذلك قريش ، ثم لعب أبو جهل لعبته بإضلال الوليد .
وهذا أيضاً عتبة بن ربيعة عندما ذهب الى النبي عليه السلام ليثنيه عن رسالته ببعض المغريات ، قرأ عليه الرسول عليه السلام من أول سورة فصلت ، وعندما وصل الى قوله تعال ( فإذا أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) وهنا ارتعدت أوصال عتبة ثم وضع يده على فم الرسول عليه السلام حتى لا يواصل القراءة ؟ لقد شعر وأحس بتضاؤله أمام آيات الله عز وجل ، ثم عاد الى قومه وقال لهم ( والله لقد سمعت منه قولاً ماسمعت مثله قط ، والله ماهو بشاعر ولا كاهن ولا ساحر ) وطلب منهم أن يخلوا بين محمد عليه السلام ودعوته ، فما كان منهم إلا أن قالوا له ( لقد سحرك محمد ياعتبة )
واليوم يخرج علينا فقس جديد من المشايخ والمصلحين والمجددين والدعاة وأمثالهم متسلحين بكل مايلزم من أزياء وألقاب ومسارح ومنابر وأضواء ، للترويج لإعادة وإحياء منهج ابو جهل ومريديه ومحبيه واتباعه من الجاهليين ، ولكن بدل أن يثبتوا بشرية القرآن الكريم رغم مابذلوه من جهود ، فقد أثبتوا صحة الرسالة الإسلامية ، وأثبتوا صدق الرسول صلى اله عليه وسلم ، وصحة كل ماجاء في القرآن الكريم وذلك هو قوله تعالى ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون )
يقول عباس عبد النور في كتاب محنتي مع القرآن ومع الله في القرآن ( والعكوف على النص والانحناء امام النص لا تفرق في كثير من الحالات بين عامة وخاصة ، فكم من عملاق تصاغر أمام النص حتى بدا قزماً يرتجف هلعاً كفأر رأى شبح قطّ هكذا يفعل بعملاقنا المغرور زئير النص ) بالتأكيد لقد كان صادقاً كل الصدق مع نفسه وأميناً كل الأمانة في نقل وترجمة مشاعره وأحاسيسه ، ذلك الذي كتب هذا الكلام ، ومن متابعة القراءة سوف يفضح ( الأسلوب والصياغة والمصطلحات والقرائن والشواهد ) ويشير بإصبع الإتهام بأن الأسم الموضوع على الكتاب لاعلاقة له بمثل هذا الكلام وتاريخه ونشأته في التقديم شاهدعلى ذلك ؟ فعباس عبد النور مثله مثل زميله عبد الله عبد ربه وزميله خيّال المآتة ؟ فهم من بعض الاسماء الجاهزة ومسبقة الصنع ، والمباحة والمتاحة في قوائم لكل من أحب أن يتلطّى بأي اسم يروق له ؟ ولكن ذلك لايمنع أن ترى أسماء حقيقة لكتل بشرية وضعت للترويج على كتب مستنسخة بنفس المضمون …ولكن بغلاف جذّاب .

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

2 Responses to العرب والعربية والاسلام‎

  1. خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟

    ١: كيف تفسر وجود المئات من الالغاط اللغوية والتاريخية والجغرافية واللاهوتية في القران ، وكتبها اليوم غدت بالعشرات إن لم يكن بالمئات ؟

    ٢:كيف تفسر تناقض أيات القرأن وهو المنزل من لدن عزيز حكيم ، والملوك لاتفعلها ولو كان في الامر فناها ، البقرة 256 (لا إكراه في الدين …) ويونس99 ( لو شاء ربك لأمن من في ألأرض كلهم جميعا .أفا أنت تمره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ونقيضها أيات بالمئات ومنها الانفال 65 ( يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال …) والتوبة 29 ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بألله واليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم ألله ورسوله ولا يدينون بدين الحق من الذين أتو الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) والسؤال كيف يجتمع نقيضان في أية واحدة ، هو من جهة يدعوا للإيمان بدينه ومن جهة أخرى يدعوهم لدفع الجزية ) والاهم بالامس كان مع أهل الكتاب دبس وعسل ( إلهنا وإلهكم واحد) ؟

    ٣: كيف تفسر وجود البلاغة في القرأن وأنت في نفس الوقت تدعي وجودها في المعلقات التي كان أصحابها يتعاكضون فيما بينهم عليها ؟

    ٤: كيف تفسر قول جبريل لنبيه إقرأ ، وهو لا يعلم ولا ربه أن نبيهم هذا أمي لايقرأ ولا يكتب ، رغم أن كل الدلائل تشير إلى عكس ذالك ؟

    ٥: كيف تفسر قول عميد ألادب العربي د. طه حسين ( أستطيع أن أكتب لكم قرأنا أرقى من هذا الذي بين أيدكم وخاليا من الأخطاء اللغوية والفسق ) ؟

    ٦: كيف تفسر قول الفيلسوف بن خلدون بحق خير أمة ( إذا تغلب العرب على أوطان أسرع الخراب إليها )

    ٧: كيف تفسر القول ( محمد بدل أن يعلم أتباعه نزع رداء البداوة والتخلف عنهم ، ألبس هذا الرداء لكل العالم ) ؟

    وأخيرا …؟
    هذا غيث من فيض مما قيل بحق القرأن والعرب ومحمد ، وهو واقع وتاريخ وليس رأي مني أو إجتهاد ، سلام ؟

  2. Dr Mohamad Barazi says:

    عزيزي السندي .. لطالما دخلت من الباب في تساؤلك حول مقالتي ، فكان لزاماً علي أرد وأوضح لك مااستعصى عليك فهمه ، وهذا من باب الحوار البناء الذي يهدف للوصول الى الحقيقة ، وليس لمجرد التبخيس والسباب .
    ولذلك سأقول لك

    أولاً : لماذا اختار خيرة وكبار علماء القانون و بكل مسمياته في امريكا آية كريمة من كتاب الله عز وجل وهي الآية (135 ) من سورة النساء ، ونقشت على مدخل كلية القانون في جامعة هارفارد ؟ الذي وجهت انت اليه ماشئت من النقائص ، واعتبروا أن تلك الآية بأنها أعظم عبارات العدالة في العالم والتاريخ أجمع ، متجاوزين بذلك كل أقوال عظماء العالم التي قيلت في حق الاسلام والرسول عليه السلام ؟ وعليك التأكد من ذلك

    ثانياً : التناقضات في كتاب الله عز وجل ؟ ايها العزيز سندي : للغة العربية خصائص ودلالات وأسرار وعمق ومعاني وحقائق ومجاز وغير ذلك لايفققها إلّا أهل الاختصاص ، ولا استطيع ان اشرح ذلك لمن لم يطلع أو لم يختص في دراسة هذه اللغة ، وهذا ليس انتقاصاً من أحد لا ، ولكن لايمكن لانسان ان يكون ملماً بكل العلوم وخصائصها ، وعليه فلا يجوز لغير المتمكن والمؤهل والخبير أن يغوص في مثل هذه الأمور .

    ثالثاً : البلاغة في القرآن ، والبلاغة أيضاً في لغة العرب ، فما معنى ان اتحداك انا في البلاغة وانت طبيب أو أن تتحداني انت في الطب وأنا الأديب ؟ فالتحدي يجب ان يكون من نفس الصنف الذي نبغوا به ، ولذلك كان تحدي عيسى لقومه في الطب الذي نبغوا به ، فقام بشفاء الأبرص والأكمه وأحياء الموتى ، وذلك ماعجز عنه الطب ، وكذلك كان السحر في معجزة موسى ؟

    رابعاً : نعم قال جبريل لمحمد عليه السلام ( إقرأ ) ليثبت للعالم بأن هذه الرسالة سماوية وليست بشرية ، إذ لا يمكن لرجل عامي لا يقرأ ولا يكتب أن يأتي بمثل تلك الرسالة الخالدة ، علماً أن الأمية بحق الرسول عليه السلام معجزة ، أما بحق أي مسلم فهي نقيصة .

    خامساً : عزيزي السندي ، كنت أربأ بك ان تصل الى هذا الحد من الأسئلة التي لاتليق بمبتدء بالقراءة ، علماً بأن تعليقاتك تدل على غير ذلك ، من هو طه حسين ؟ من وضعه عميداً للأدب العربي ؟ كتاب الشعر الجاهلي كما ثبت هو من تأليف مرجليوث ولكنه استعار من طه حسين اسمه لتسويق الكتاب ؟ وطه حسين لا يستطيع ان يشكل كتاب الشعر الجاهلي فكيف بتأليفه ؟ ومهمة هذا الكتاب هي اثبات بأن القرآن الكريم هو من وضع البشر وليس منزل من عند الله سبحانه وتعالى ؟ …. ثم مالذي منع ( عميد الأدب العربي ) من كتابة قرآن كما ادعى ؟ ويكون ارقى من الذي بين ايدينا وخال من الأخطاء اللغوية ؟؟؟؟ أعتقد ان طه حسين عندما تعرض للفظة الفسق في كلامه كان يقصد وبوصفه عميداً للأدب العربي أن يؤلف كتاباً يجاري فيه كتاب رجوع الشيخ الى صباه ؟ حتى بدون تشكيل لأحرفه ؟ ورغم ذلك فشل فشلاً ذريعاً ؟ وقد حاول لاحقاً أن يكتب فصلاً على نمط كتاب ( الف ليلة وليلة ) قبل التعديل ؟ ولكنه فشل أيضاً ؟ وتجرع كأس الفشل مرتين لعدم استطاعته ذلك ؟ ولذلك انطبق عليه قول المثل ( عندما لم يستطع الثعلب ان يصل للعنب قال عنه انه حصرم ؟)

    سادساً : ابن خلون مثله مثل سائر البشر، فهو ليس فيلسوفاً ؟ هو مثل احمد البديري الحلاق في كتابه الشيق ( يوميات دمشق )

    سابعاً : أما قولك وتساؤلك عن تفسيري لقول ….؟ فسأختصره لك بطرفة تروى عن محكوم بالسرقة عندما قال له القاضي : يابني هناك اربعة اشخاص شاهدوك بأعينهم وأنت تسرق ؟؟ فقال له المتهم : سيادة القاضي أنا أستطيع أن آتي لك بمائة شخص لم يروني وانا اسرق ؟؟ فليس كل قول جدير بالقراءة والنقاش ، فكل قول يخضع لقاعدة ( الدليل قبل الحكم ) وهذا القول الذي تسوقه هنا لاقيمة له لافتقاره الى الحد الادنى من الدليل والاثبات ؟

    وأخيراً أقل لك ياعزيزي السندي : انا شخص مثلك والأرض تتسع للملايين أمثالنا ، فإن كان هذا رأيك فأنت حر فيه وفي اعتقادك ، فأنا لست وليك ولست مسؤولاً عنك ، ولكن انا أمد لك يدي لنتقارب ونتناقش بهدوء للوصول الى الحقيقة ، فلم يعد هناك في العمر بقية ولا متسع لنعمل على اهداره ، لنفكر معاً لما ينتظرنا بعد الموت ؟ انا شخصياً أرجو من الله سبحانه وتعالى لك ولي الهداية ، مع حبي وتقديري

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.