الشرق الاوسط
يغص المشهد العربي والشرق أوسطي بالأحداث والوقائع ذات الدلالة، بيد أن الأبرز في الأيام الأخيرة ثلاثة أحداث أو وقائع: أولها كلام خامنئي وحسن نصر الله عن سوريا، وثانيها خطف المطرانين الأرثوذكسيين بسوريا، وثالثها رحلة الرئيس محمد مرسي إلى روسيا للقاء بوتين.
أما خامنئي ونصر الله فيركزان على أسباب التدخل في سوريا. ويقولان إنهما إنما يتدخلان لمقاومة «المؤامرة» التي تريد «تدمير»، نعم: تدمير، سوريا والعراق ولبنان والأردن، وليس مجرد إنهاء «محور المقاومة والممانعة». والطريف والجديد في هذه المقاربة أن الأدوات الأميركية والصهيونية لهذا التدمير إنما هم «التكفيريون»، ولذلك يصارحنا نصر الله أنه يقاتل في ثلاثة أماكن في سوريا هي: دمشق دفاعا عن نظام الأسد، وريف دمشق الغربي دفاعا عن المقدسات (مزار السيدة زينب)، والقصير دفاعا عن اللبنانيين الشيعة هنـاك. ولست أدري بعد هذا لماذا يختـلف نصر الله مع الأميركيين والصهاينة، فهم أيضا يخشون التكفيريين ويعيروننا بالوحش الأسطوري الذي اخترعوه هم وإسرائيل وروسيا بالذات؟ ونصر الله متوجس من الحرب، نتيجة طائرات أيوب ونوح وهاروت وماروت، ولذا اعترف بطائرة أيوب، ولم يعترف بالطائرة الثانية. إذ يظهر أن نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف الذي جاء إلى طهران ثم إلى بيروت، نقل للطرفين تحذيرا إسرائيليا من التلاعب بالنارين: نار الطائرات من دون طيار، ونار الكيماوي!
لا جديد إذن في كلام خامنئي ونصر الله باستثناء التأويل الجديد الذي يتلاءم والهوى الغربي والإسرائيلي والروسي: لا عدو لكم جميعا غير المتطرفين والإرهابيين السنة، ونحن نقاتلهم عنكم في العراق وسوريا ولبنان، ولا خوف عليكم من الطائرات من دون طيار ولا من الكيماوي؛ لأن الأولوية الآن لمكافحة العدو الواحد والمشترك! وهنا أصل إلى مسألة خطف المطرانين الأرثوذكسيين في شمال سوريا. فقد خطفتهما فرقة من الشيشان، ثم أطلقتهما تحت الضغط (بحسب مقالة لميشال كيلو)، فوقعا بين يدي فرقة أخرى! وقد رأيت من قبل، وبحسب تقارير متطابقة أن «القاعدة» أو ما كان يسمى «القاعدة» هي الآن ثلاثة أقسام: قسم تحت السيطرة الإيرانية؛ لأن أيمن الظواهري لجأ إلى إيران عام 2005 أو 2006. وهذا القسم هو الذي يتحرك بالعراق وسوريا الآن، فيرتكب جرائم هنا وهناك ضد السنة أو الشيعة للإثارة بحسب المخطط. والقسم الثاني تحت سيطرة المخابرات الأميركية والروسية. وأحسب أن كل الشيشان المسلحين بسوريا والولايات المتحدة هم من جماعة قديروف وبوتين. أما قسم «القاعدة» الثالث فهو عصابات من المهربين وقطاع الطرق، رأوا من اللائق والملائم في العقد الأخير وضع يافطة القاعدة الجهادية لتحسين المنظر، وترويج بضاعة المخدرات والرهائن في الصومال ومالي، وسائر أنحاء الصحراء، وبالداخل الليبي. وأنا لا أزعم أن كل المسلحين بسوريا هم أبرار أطهار، فبين من يحملون السلاح من يرفعون يافطات ساذجة أو مزورة، إنما على الثوار أن يتنبهوا إلى هذه التجارة الهائلة التي تمارسها إسرائيل وأميركا وروسيا والنظام السوري من زمان، ودخلت عليها في الأعوام الأخيرة إيران ونصر الله أيضا! إنه تعليل أوهن من خيوط العنكبوت: أن تعمل على تدمير سوريا مع الأسد (كان شبيحته يقولون: الأسد أو نحرق البلد!)، ثم تنسب ذلك إلى التكفيريين، وتريد حماية مقام السيدة زينب منهم. والسوريون السنة هم الذين بنوا المقام والمزار، وقد زاره ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري، وما كان هناك من حوله لحراسته لا ميليشيا حزب الله، ولا ميليشيا أبي الفضل العباس! نعم هناك من يريد تدمير سوريا، مثلما دمرتم مع الأميركيين العراق، والنضال الوطني الفلسطيني الواحد – وأنتم مشاركون اليوم وبوعي في ضرب وحدة وعمران بلدان العرب والمسلمين.
على أن الطرف الآخر غير الإسرائيلي وغير الروسي، والمشارك في عمليات تدمير الهوية والوعي، بعد الإيراني وأحيانا معه، هو الطرف الرئيسي فيما صار يعرف بالإسلام السياسي. والحديث هنا عن رحلة الرئيس مرسي إلى روسيا الاتحادية ولقائه مع بوتين. وقد شاع وقتها أن الرئيس المصري طلب من الروس مساعدته في الدخول إلى مجموعة البريكس الاقتصادية (!)، أما ما يتحدث عنه الروس فأمر مختلف تماما، إذ يقولون إنه عرض التعاون معهم في «مكافحة الإرهاب».. نعم: مكافحة الإرهاب! كما عرض عليهم التعاون معهم ومع إيران في إيجاد حل سلمي وتفاوضي للأزمة في سوريا!
مرسي يقول منذ عام: على الأسد أن يتنحى، ثم يقترح تشكيل «الرباعية» التي أدخل عليها إيران وتركيا والسعودية إلى جانب مصر. وما قبلت السعودية، ونبهته إلى أن الجامعة العربية هي الإطار الوحيد الصالح لذلك وبالتعاون مع المجتمع الدولي! وقد استقبل الإيرانيين عشرات المرات، وأرسل إليهم وفودا عشرات المرات، ليس من أجل سوريا بالطبع؛ بل من أجل التعاون والتحالف. وقد صار معروفا موقف الشعب المصري من هذه المحاولات، لكن مرسي والمرشد ما يزالان يحاولان. ومرة أخرى: الشعب المصري هو الذي يقرر مع من يريد التعاون والتحالف، إنما لي ملام على الجمهور المصري الذي اعترض على الاتفاقية السياحية مع إيران، كيف ما اعترض أحد منه على تجارة «الإخوان» بدماء السوريين؟ ومع من؟ مع الروس والإيرانيين! وإذا كان الذين يقرأون هذه المقالة سينكرون علي أنني ما ذكرت التعليل الاقتصادي الذي يعطيه مرسي ومستشاروه للاتفاقية السياحية مع إيران، والإفادة من خبرتهم في بناء ما يشبه الحرس الثوري بمصر (!) فأنا أريد أن أذكر لكم هنا ما قاله عصام الحداد مستشار الرئيس مرسي الاقتصادي والسياسي والوسيط الأبرز في العلاقة مع إيران (وأميركا أيضا!)، وذلك في مقابلة مع عماد الدين أديب على فضائية الـ«CBC» المصرية، ما تحدث الحداد عن السياحة والاقتصاد وحسب؛ بل قال إنه يريد «هداية» الإيرانيين؛ إذ يأتون إلى مصر ويشاهدون إسلامها السمح! طيب، أنت يا رجل تريد هداية الإيرانيين للإسلام السني، وشيخ الأزهر والسلفيون يقولون للرئيس الإيراني إن الإيرانيين يسعون لتشييع السنة، ويتدخلون في شؤون الدول العربية بالخليج، ويقاتلون الشعب السوري!
نعرف أن الإيرانيين تورطوا في اصطناع مناطق نفوذ بالمشرق العربي، فأحسوا بلذائذ الامتداد. وهم يحاولون الآن الحفاظ على مناطق النفوذ هذه بالقتال والأموال والتعصب المذهبي والقومي، وإلا فقل لي يا سيد نصر الله: كيف يكون لك مستقبل وسط عالم عربي 90 في المائة من مواطنيه من السنة، الذين تقاتلهم اليوم باعتبارهم تكفيريين!
بيد أن مشكلتنا مع «الإخوان المسلمين» تكاد تكون أفظع. فهم في سبيل الحفاظ على السلطة والشعبية يبيعون كلا من كيسه، معتبرين ذلك تذاكيا. ولأنه لا اعتبار عندهم لغير السلطة ومناعمها ومغانمها، فإنهم لا يترددون في وضع الإسلام في وجه العروبة. والحداد نفسه قال في طهران إنه متوافق مع الإيرانيين بشأن سوريا. وسمعت «الإخوان» في عدد من المؤتمرات يقولون للإيرانيين وللأتراك إنهم يتلاقون معهم اليوم في مواجهة العصبيات القومية! وهكذا فهم لا يدركون معنى لأخطار تزعزع الانتماء العربي للعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، فيتفكهون بالاعتدال في مواجهة التطرف (مع الأميركيين والروس)، وبالإسلام في مواجهة العروبة (مع الإيرانيين والأتراك). وهذه أوهام وعي ولا وعي ما وقع فيها الضابط الشاب جمال عبد الناصر، ووقع فيها شيوخ الإخوان: «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».