العراق و العراقيين والاختراق الديمغرافى

عندما تمت غزوة البلاشفة بالأرض الأرثوذكسية القيصرية اُسقطت الإمبراطورية القيصرية و عندما تمت غزوة بقايا السبى البابليون والعلقميون سقطت آخر قلاع العرب فى بغداد بلد المنصور و عندما غزى الأخوان جزيرة العرب, امسكت المصالح الأجنبية بأرض المقدسات و توابعها دول السبعينات المتصالحة و غزى مرة اخرى الأخوان مصر و السودان و خرج السيد المهذب الإنكليز و يحل محله رعاة البقر و هذا يشمل شمال افريقيا العربية.

منذ زمن الصفويون أُختُرِق المجتمع العراقى اربعة مرات متتالية من الشرق وتم هذا الاختراق بعمليات إحلال شعوب و هجرة مستترة:

الموجة الأولى منها بدأت فى القرن السابع عشر الميلادى بقدوم اقوام من الطرق البرية و البحرية للخليج العربى و عن طريق الكويت.

الموجة الثانية فى زمن المماليك.

الموجة الثالثة اتت مع الجيش البريطانى اثناء احتلاله و جاءوا من الباكستان حالياً (الهند سابقاً) قبل الانفصال و سكنوا العمارة و جنوب الكوت و شمال الناصرية و جنوب كربلاء وتمت عملية تهجينية و تطويق للعشائر العربية فى تلك المدن مثل الناصرية وكربلاء و الكوت.

الهجرة الرابعة كانت موجات متقطعة فى شكل عوائل اتت من بلوشستان و باكستان ولورستان بين الحرب العالمية الثانية و الستينات من القرن الماضى بعد ان ارسلت لهم الدعوات بالقدوم عندما حصلوا المهاجرين الأقدم الموطئ قدم واختلطوا بالعراقيين سكان الأرض الأصليين و كذلك كان نفس التواجد فى دول الخليج العربى (فكومار) حل ضيفاً و أصبح سيداً (كومار البطل الهندى المشهور فى الستينات و ما بعدها) و نقلوا معهم تقاليدهم و لباسهم الذى تغير مع مرور الأجيال و يستطيع المرء معرفتهم من بعضهم البعض, فهم قصار القامة و قريبين للملامح الهندية و هم طبقة فقيرة و قد تكون مضطهدة كذلك, وحتى اسماء ابنائهم لا تمت للأسماء العربية الواضحة, فهم يستخدمون اسماء مثل “مِطَشَر” و سلبوح” , كذلك هم بقايا القرامطة التى امتدت من الأحواز الى البحرين, فهم بقايا تلك الدولة المنهارة وهم ايرانيون و هندوس و آذريين و بنغال من وسط آسيا. وطبعاً هؤلاء لا يمتلكون مستندات رسمية تعريفية لانتمائهم, وفى ذلك الوقت ساعدهم رئيس الوزراء فى الحكم الملكى السيد صالح جبر فى عملية بقائهم فى العراق و تسهيل بقاؤهم ولقد منحهم رئيس الجمهورية عبد الكريم قاسم الجنسية العراقية و اسكنهم فى مجمعات سكنية و تمت عملية إحلال و تطويق بغداد بتلك المجاميع البشرية , و هنا دق طبول القتل و الثأر مما ادى هذا الصراع الداخلى بينهم لهروب البعض من مجتمعاتهم و التسلسل فى عمق المجتمع العراقى خصوصاً بعد اعلان الجمهورية و لقد اثر على بنية المجتمع العراقى فى تلك البقعة الجغرافية من العراق التى تسكنها خليط من العشائر العربية و الشيعية و السنيه المنحدرة من القبائل القحطانية و العدنانية و كانوا الطبقة الفلاحة العاملة لدى الشيوخ والعشائر و الإقطاع آنذاك. علماً بأن من الهجرات القديمة الشرقية عوائل ميسورة وفدت بأعداد محدودة لأسباب دينية و تجارية واستوطنت العراق و هنالك هجرات اخرى من لبنان, سورية, الإحساء و نَجد وهؤلاء كانوا عرب, اما المهاجرين الشرقيين الأوائل كان حضورهمً قوياً فى زمن عبد الكريم قاسم وكأنهم كانوا محميين من قِبَلُه, فلقد منحهم الجنسية العراقية بدون مستندات ثبوتية للمواطنة و اصدر قانون الإصلاح الزراعى صادر به اراضى المالكين و الشيوخ وقام بتوزيعها عليهم, ومنحهم الدور السكنية حول بغداد و باقى المدن العراقية و قام بتوظيفهم فى الوظائف الحكومية.

آثار قدوم واستيطان هذه الهجرات البشرية:

1. اتساع مساحات السرقة و ازديادها.

2. انتشار ظاهرة البغاء عن السابق.

3. ازدياد ظاهرة الثأر و القتل لأسباب تافهة, خلاف حول جاموسة مثلاً.

4. اصبحوا مسمار جحا الإيرانى لكونهم ولائهم خارج الحدود.

5. زيادة الفقر و معدلات الجهل والأمية كونهم من تلك الشريحة الإجتماعية.

6. تسلسلهم فى داخل المجتمع و مؤسساته الرسمية, حتى فى الجيش و الشرطة والأمن لكونهم حملة الجنسية العراقية و لكون خدمة العلم اجبارية فى العراق.

7. استخدام لهجتهم الهجينة و تذويب اللغة العربية.

8. كانت الشرارة الأولى للفتنة المذهبية و الطائفية و”ثقافة كره” مكونات المجتمع العراقى مثل العراقيين النصارى (المسيحيين) و الصابئة و اليزيدون و حتى الأكراد.

9. ثقافة سب المذاهب الأخرى و الاستهزاء بها.

10. ازدياد حجم التخلف فى المجتمع العراقى.

11. لقد كان نصب هدفهم كل ما هو قومى من الشخصيات الوحدوية مثل العَلَّامة ساطح الحصرى, الرئيس جمال عبد الناصر, السيد رشيد عالى الكيلانى, احمد البغدادى و سماحة جود الخالصى و غيرهم لكونهم أيدوا الوحدة و الانتماء العربى.

12. بعد الاحتلال انتموا للميليشيات الطائفية و تفننوا فى صنوف القتل و الخطط و الاغتصاب لبعدهم عن الانتماء و الأصالة لبلدهم المضيف.

إذن هو الانتماء .. لقد تم اختراق المجتمع العراقى فى صفحة مرسومة ومخطط لها مع سابق الإصرار و الترصد.

إن عملية الاختراق نتيجتها التأثير على الفكر السائد القومى و العراقى و الأخلاقى و الأنسانى و فى محصلة اختراق المجتمع و تشتيته بأفكار هدامة و متخلفة وخصوصاً إذا كانت الحكومات مقصرة فى ادائها أول لها ظروف صعبة مثل الحرب العراقية الإيرانية فهم معول هدم لنفسية و انتماء العراقى لبلده و خلق ثقافة التغريب و هذه الثقافة تؤدى لنقل ولاء العراقى تحت مظلة الأحزاب الخارجية و الفتن الطائفية و الهجرة الفعلية لشعور المواطن العراقى مثل النصارى بكونهم مواطنين درجة ثانية مع جذب خارجى تتم عملية الانفصال عن الأم و هجرة البلد و حتى لو بقى المواطن داخل البلد لشعوره بالاضطهاد و الغربة فى وطنه, وهذا يؤدى لانفصام فى الشخصية تستطيع به القوى الخارجية من تمرير الأفكار لتضعف المواطن وبالتالى يضعف الوطن و هذا هو الوتد الذى تم به احتلال العراق فى عام الذهول و الصدمة 2003 عندما سقط القمر من السماء, احتلال العراق غَيَّر مجرى الرياح فى العالم واتى (التُرنيدو) الأمريكى ليلف من حوله الوطن العربى و يرمى بالهواء آلاف السنين من حضارة العرب و المسلمين و الإنسانية فى لعبة تساقط قطع الدومينو و الى هذه اللحظة لم يكتمل سقوط بقية الدومينو و صوته الرهيب.

فمن سوف يوقفها؟ اطلب منكم الإجابة التى اعرفها ..‎هيثم هاشم – مفكر حر؟‎

About هيثم هاشم

ولد في العراق عام 1954 خريج علوم سياسية عمل كمدير لعدة شركات و مشاريع في العالم العربي مهتم بالفكر الانساني والشأن العربي و ازالة الوهم و الفهم الخاطئ و المقصود ضد الثقافة العربية و الاسلامية. يعتمد اسلوب المزج بين المعطيات التراثية و التطرق المرح للتأمل في السياق و اضهار المعاني الكامنة . يرى ان التراث و الفكر الانساني هو نهر متواصل و ان شعوب منطقتنا لها اثار و ا ضحة ولكنها مغيبة و مشوهة و يسعى لمعالجة هذا التمييز بتناول الصور من نواحي متعددة لرسم الصورة النهائية التي هي حالة مستمرة. يهدف الى تنوير الفكر و العقول من خلال دعوتهم الى ساحة النقاش ولاكن في نفس الوقت يحقنهم بجرعات من الارث الجميل الذي نسوه . تحياتي لك وشكرا تحياتي الى كل من يحب العراق العظيم والسلام عليكم
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.