العراء …؟!

هل كان علينا انتظار ما سمي ” ربيع “، لكي نكتشف عمق حالة الانفصام والانفصال بين خطابنا السياسي والاجتماعي وبين zyad1الواقع المعاش..؟
هل كان علينا الانتظار طيلة هذه السنين العجاف، لكي نكتشف أن عقلية القبيلة والمجتمع الرعوي والغزو والنهب والسلب، والخطف، والشوفينية هي بنية هذا المجتمع ” العربي ” الذي طالما تشدقنا في خطاباتنا، حول الأخوة والمواطنة والتسامح الديني والعيش المشترك..؟
ثم نكتشف أننا مجتمعات تقتات على النفاق الاجتماعي.
هل كان علينا الانتظار طيلة العمر هذا، لكي نكتشف حجم التغول والتوحش والقتل الذي لازال معششا في عقلية البعض، وأن ما يظهر على السطح أقل بكثير مما يختفي تحته؟.
في فصل الشتاء تتعري الطبيعة استعدادا لاستقبال تعددية ألوان الطبيعة. بيد أن ما يسمى بربيع عرانا جميعاً وكشف عورة مجتمعاتنا، وأصبحنا تكراراً لزمن معاد ممل.
ولا زال موروث البعض يحن الى فترة حيوانيته .
للحقيقة نحن لم نكتشفه فهو مثل النفط كان راقداً في الإعماق ينتظر لحظة خروجه الى السطح .
أحياناً أتساءل هل يمكن لأحدهم إلقاء ” معارضي جماعته ” من الطوابق العليا لبناء وهم أحياء ،ثم يذهب للنوم وكأن شيئاً لم يحصل حتى لم يقدموا الى محكمة ما ..؟!
أو أن “يلتهم ” احدهم قلب جندي دون أن يخامره أي إحساس بوحشيته القذرة…
أو لقائد طائرة حربية وهو يلقي ببراميله المتفجرة وهو يدرك أنها قد تقتل أطفالاً أبرياء ذنبهم أنهم ضحايا تجار الموت من الطرفين…
أو كيف يمكن لأطراف ما استخدام المدنيين كستار واقي في مواجهة آله الحرب من الطرف الأخر.وأن يفتك بهم الجوع قبل أن تفتك بهم ألة الحرب..؟
أو لانتحاري ” مهووس ” بشاحنة متفجرة على مركز ديني ؟
” يورغوس اكسنداري ” شاعر يوناني تقدمي ، قتل في الحرب العالمية الثانية. في رسالة الى صديقه كتب ما يلي :
أسوء شئ في الحرب أن تكون بين خيارين إما قاتل أو مقتول . لكن أفضل الموت مقتولاً، بدل أن أكون قاتلاًً “.
هل هذا موقف خاطئ ، أم أنه تعبير عن حالة إنسانية أخلاقية ، راقية وموقف مبدئي من الحرب وضدها في آن معاً؟.
احتلت إسرائيل جزء من ارض فلسطين ومارست أبشع أشكال أنواع القتل والتهجير ضد شعبنا الفلسطيني. بيد أن الراحل عرفات وقف في الأمم المتحدة قائلاً: لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي “.
وهو يعني رسم نهاية لإراقة الدماء مطالباً بدولة ديمقراطية تضم الجميع.طارحاً بديلاً إنسانيا لإقامة مجتمع متعدد الأعراق والإثنيات . ومن موقع حماية حقوق الإنسان كإنسان .
بيد أنه في حرب ” آل البيت ” في سورية مات الإنسان جوعاً..؟ وجميعهم كما يقال أبناء وطن واحد..؟!
ما أسوء أن يموت الإنسان جوعاً ليس دفاعاً عن مبادئ ، ولا عن قضية عادلة ، بل الموت ضحية وكثمن لصراعات الكبار سواء الإقليميين . أو الفاعلون الصغار من أمراء الحرب والموت.
لا فرق بين الفلسطيني والمواطن السوري، كلاهما ضحية شعارات دولة الطاغية من جهة، ودولة القبيلة العشائرية من جهة أخرى.
ومخيم اليرموك ليس تجمعاً فلسطينياً فحسب ، بل وتجمعاً للمواطنين السوريين الفقراء والمهاجرون من البلدان المجاورة الباحثين عن فرصة عمل ولقمة خبز .
ما حصل في اليرموك وفي مناطق أخرى من سورية ، لم يحصل في بلدان أخرى. هنا اللوحة مختلفة، عمليات اغتصاب وخطف وسرقة ونهب حتى للمساعدات الإنسانية.
الإنسان في جميع حالاته هو ضحية العنف والعنف الرمزي لعقلية اليقين ذي اللون الواحد. ضحية صراع المذاهب والطوائف وغسيل الأدمغة والمصالح الإقليمية والشخصية للبعض.
وبتقديري وبعيداً عن نظرية ” المؤامرة ” التي بدأت تسلل الى جزء من رؤيتي للصراع الراهن ؟، اعتقد بقوة أن خطورة ممارسات من هذا النوع ،كونها تعصف ببقايا التسامح السياسي والاجتماعي والديني. وبالمحصلة الأخيرة تعصف بما تبقى من ضمانات سياسية للحريات العامة . وتطرح تساؤلاً محرجاً للجميع حول هوية المستقبل المشترك لكافة المكونات الإجتماعية سواء في سورية أو في العديد من البلدان التي تعثرت فيها التجربة بسبب صعود ممثلي التطرف السياسي الى واجهة الحدث . وبدعم من القوى الدولية التي تتشدق بحرصها على ” دمقرطة ” العالم العربي .
على الصعيد الفلسطيني أدرك أننا سندفع كالعادة ثمن صراعات الآخرين كما دفعنا سابقاً . وسندفع الأن ثمن قصر نظر بعض الأطراف السياسية الفلسطينية من أصحاب شعارات الخلافة أو الممانعة معاً ،سندفع ثمنا أكبر من الفواتير السابقة . ولكي لا نتهم أحدا ترى هل ما يحصل في مخيم اليرموك يندرج تحت بند وخانة تهجير جديدة تصب في مصلحة ما يروج له في جولة السيد جون كيري ..؟
رغم أن البعض يعتقد أن شبكات تهريب البشر ليست بعيدة عن دوائر أصحاب القرار السياسي لاستمرار الحرب أو توقفها في سورية…
شخصياً كنت أتمنى أن تتمكن ” الحركة المعارضة ” للنظام من صياغة رؤية مستقبلية أفضل من هذا النظام الذي فقد شرعيته منذ اللحظة التي أطلق فيها الرصاص على شعبه. وطرح بديل وطني ديمقراطي يحمي حقوق الإنسان. وبعيداً عن الحلول التسلطية لإشكالية التعدد الأثني . لكن لشديد الأسف لم تتمكن هذه – المعارضة -لا من صياغة برنامجاً سياسياً واضحاً ولا رأب صدعها والحيلولة دون مزيد من التشرذم والإستقطابات السياسية للخارج .
بل زادت حدة الاحتقانات الطائفية . واستشرى الخوف في كافة مفاصل مكونات المجتمع ويتحمل كلا الطرفين أخلاقياً المسئولية الكاملة عما حصل ويحصل من ممارسات مدمرة للبشر.
وفعلا شئ غريب حجم هذا التغول والتوحش في القتل ، والتفاخر بجز الرؤوس ؟!
هناك حروب أهلية عديدة حدثت في هذا العالم ومنها الحرب الأهلية في اليونان التي استغرقت ثلاث سنوات والحرب الأهلية في اسبانيا..الخ ، وفي مجمل هذه الحروب لم تصل الأمور الى درجة الموت جوعاً. ولا تحول القتل الى وسيلة دخول لجنته الوهمية . قادت المعارضة اليونانية والاسبانية شعبها نحو صنع التغيير وانجاز الديمقراطية .
في بلادنا المعارضة تدافع وتقود شعوبها نحو عودة الصراع بين آل البيت. وتحلم بدولة الخلافة …هذه الدولة التي مات فيها خلفاؤها مقتولين بالسيف أو بالسم..؟! ثم انتهت الى حرب أهلية بين أنصار زوجته ،وأنصار ابن عمه .. ولازالت مستمرة حتى الأن …ما هذا التاريخ المجيد ..الذي نفتخر به..؟!
بل إن أحد قادة المعارضة القبلية صفع أحد معارضيه قبل أن يصل الى كرسي الآلهة.
أهذه هي الديمقراطية التي يروجون لها كممارسة وأيديولوجيا ..
استبدال قناع الأسد بأسد أخر..
وحسب رأي الراحل ” محمد عبد الجابري “
هناك ثلاث مفاتيح تتحكم في واقعنا وهي السلوك العشائري ،التطرف الديني ، والاقتصاد الريعي .
وهي نقاط لا تختلف بحال مع تشخيص ابن خلدون لحالة المنطقة منذ مئات السنين،
” العقيدة، والغنيمة، والقبيلة “.
عناصر حكمت العقل السياسي العربي في الماضي، وما زالت تحكمه بصورة أو بأخرى في الحاضر. والنتيجة احباطات ونكسات فتحت الباب لعودة المكبوت ، وهكذا عادت العشائرية والطائفية والتطرف الديني والعقائدي لتسود الساحة العربية ، ليجعل حاضرنا مشابهاً لماضينا، فأصبحت ” القبيلة محركاً للسياسة ، و” الريع ” جوهر الاقتصاد ، والعقيدة دافعاً للقتل وتبريراً للقمع” .
للراحل عبد الله القصيمي القول التالي :
” فالكل ينهض في الصباح ليذهب الى الحظيرة ليتناول العلف بعيداً عن ثقافة السؤال . وحينما يكبر يذهب أيضاً لكي يصبح برغي في آلة السلطة من أجل علف بروتيني وملابس ومأوى وسرير . ولن يسمح له بالتقاط أنفاسه والتفكير في حريته ومعتقداته ويتحول مع الأيام الى آلة تتحرك بشكل روتيني وحتى صلاته يذهب إليها بفعل الارتباط الشرطي الذي عناه بافلوف في نظريته”.
ترى كيف يستوعب العقل البشري أن الآلهة تغضب على الذين يضحكون ويفرحون وترضى عمن يحزنون ويبكون ويلطمون ويقتلون وضد ثقافة الفرح..؟
أخيرا
نحن ندرك، أن الديمقراطية مكسباً ومطلباً معقداً، بيد أنها مناخ وممارسة وليست شعاراً. وندرك أن النظام رفض منذ البداية تقديم تنازلات وإصلاح بيته . بيد أن هذا لا يعني أن تفضي المصالح الضيقة لجماعات ما الى انهيارات عامة ومروعة وتقود الى دمار عام وموت البشر جوعاً .
لا نمارس دور الأستذة على أحد ونحن خارج المعادلة السورية، بيد أنه على الأطراف الحريصة على بلدها تقديم وجه وطني عريض وبديل ديمقراطي، يشكل مظلة للجميع، دولة القانون المدني، التي تحظى بثقة الناس واحترامهم.للخروج من الأزمة التي وصلت إليها حالة ” المعارضة ” والعمل على تحقيق استقلاليتها السياسية.
كفانا نحن في الساحة الفلسطينية ما آل اليه انقلاب الأخوة في حماس ونتائجه على كافة الأصعدة . وها نحن نواصل دفع فاتورة ضيق الأفق السياسي.

About سيمون خوري

سيمون خوري مواليد العام 1947 عكا فلسطين التحصيل العلمي فلسفة وعلم الأديان المقارن. عمل بالصحافة اللبنانية والعربية منذ العام 1971 إضافة الى مقالات منشورة في الصحافة اليونانيةوالألبانية والرومانية للكاتب مجموعة قصص قصيرة منشورة في أثينا عن دار سوبرس بعنوان قمر على شفاه مارياإضافة الى ثلاث كتب أخرى ومسرحيةستعرض في الموسم القادم في أثينا. عضو مؤسس لأول هيئة إدارية لإتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين فرع لبنان ، عضو إتحاد الصحافيين العرب منذ العام 1984. وممثل فدرالية الصحافيين العرب في اليونان، وسكرتير تجمع الصحافيين المهاجرين. عضو الهيئة الإدارية للجالية الفلسطينيةفي اليونان .
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.