العبودية في الإسلام 27
سردار أحمد
الحلقة السابعة والعشرون
الموالي ج3:
إذاً فالموالي هم كل من أسلم من غير العرب، وقد كانوا مواطنين من الدرجة الثانية، حيث عانوا الظلم والعنصرية، حين قرر العرب المسلمون أن الموالي أحط من الأحرار وأرفع من العبيد، وتجلى ذلك في عدم معاملة الموالي كالأحرار في الميراث والزواج والقصاص وتوزيع الغنائم…الخ
حكم الموالي
التبعية والانتساب:
المولى أو العبد المعتق ينسب للذي أعتقه ولهذا قيل للمُعتَقين الموالي، أو ينسب لقبيلته أو رهطه كقولهم مثلاً: مولى بني هاشم [أبو جعفر محمد بن حبيب]، مولى آل عمر بن الخطاب [أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ]، مولى بني أمية [يحيى بن مرزوق المكي]، مولى لبني فهر [عطاء بن أسلم]، ومولى بني عمرو بن عوف [عبد الرحمن بن أبي ليلى واسمه يسار الأنصاري]، وقد ينسب المولى لمدينة فيقال مثلاً مولى أهل مكة [مالك بن أبي سهم – عبيد الله بن ابي يزيد]، مولى قريش [يزيد بن أبي سعيد النحوي المروزي]…الخ
جر الولاء:
الولاء يجر الولاء، إذا مات السيد المُعتِق فينتقل إلى ورثته حلف الولاء على عبده، ذكر في التسهيل في الفقه، ج3: ” قال الإمام البعلي… كل من أعتق عبداً او عتق عليه برحمٍ أو كتابةٍ أو تدبير أو استيلاد فله ولاؤه وولاء أولادهِ، وأولادهم ومعتقيهم أبداً ما تناسلوا، ثم لعصبة السيد،…” وفي الحاوي في فقه الشافعي ج18 ص93: “قال الشافعي الأخ أولى بولاء الموالي، وقضى بذلك عثمان بن عفان ثم الاقرب فالأقرب”، وفي موطأ مالك، ج4 ص7: “قال مالك والجد أبو الأب أولى من بني الأخ للأب والأم وأولى من العم أخي الأب للأب والأم بالميراث وابن الأخ للأب والأم أولى من الجد بولاء الموالي”
ذكر في مسند الشافعي، ج2 ص370: “أن العاص بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة، اثنان لأم ورجل لعلة، أي لضرة، فهلك أحد اللذين لأم وترك مالا وموالي، فورثه أخوه الذي لأمه وأبيه ماله وولاء مواليه، ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالي وترك ابنه وأخاه لأبيه، فقال ابنه: قد أحرزت ما كان أبي أحرز من المال وولاء الموالي، وقال أخوه: ليس كذلك، إنما أحرزت المال، فأما ولاء الموالي فلا، أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا، فاختصما إلى عثمان رضي الله عنه فقضى لأخيه بولاء الموالي”
من ناحية أخرى ذكر في الموسوعة الفقهية الكويتية، ج1 ص184 إن الابن “هو الذي يرث الولاء دون البنت، عند جميع الفقهاء” ، وفي حاشية الصاوي على الشرح الصغير، ج10 ص485: “إن ترك المعتق- بكسر التاء ابنا أو ابن ابن وبنتا، فإن الابن وابنه يرث الولاء دون البنت. ولو مات ولم يترك إلا بناتا أو أخوات فلا حق لهم بل للمسلمين”
* * *
التبني:
في الجاهلية كان يمكن عتق العبد وتبنيه واعتباره كالولد الحقيقي، ذكر في (مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول، ص48): “كانوا يقولون: زيد بن حارثة مولى رسول الله أي عتيقه،… وكان يحدث في بعض الأحيان أن يتخذ المعتق مولاه ابنا أي يتبناه، وفي هذه الحالة كانوا يطبقون ما يطبق بالنسب، بمعنى أنه لا يجوز لمعتق أن يتزوج من زوجة متبناه إذا طلقها أو مات عنها. وهذا هو الباب المفتوح لترقي طبقة العتقاء في السلم الاجتماعي. وقد ظلت هذه الحالة في الجاهلية حتى إذا جاء الإسلام ألغى نظام التبني هذا كله” حيث نرى بعد ذلك في الإسلام أن النبي محمد يتزوج زوجة ابنه بالتبني، وقد كان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه حتى نزلت الآيات لتحرم التبني {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب:5]، وقد تزامنت تلك الآية (وآيات غيرها) مع رغبة النبي محمد من الزواج بزوجة ابنه بالتبني.
بينما نرى أن نظام التبني كان معروفاً قبل ذلك ومنذ العهود الأولى كحل لمشكلة عدم وجود الابن الحقيقي، وكان منتشراً لدى البابليين والآشوريين وكان في موزوبوتاميا يتم بموجب عقد ومخالفة مضمونه تستوجب إجراءات صارمة، وقد كان التبني لديهم سببا من أسباب التخلص من العبودية.
الميراث:
وفي الإسلام يكون الإرث بالولاء من جهة واحدة ألا وهي جهة المعتق الذي انعم بالعتق، لما له فضل على العتيق، ولا يرث العتيق سيده، لأنه لا فضل منه عليه، قال جمهور الفقهاء: «لا يرث المولى الأسفل من الأعلى»، وفي الجاهلية كان يمكن عتق العبد (سائبة) وهو عتق العبد دون أن يكون ولاؤه لمعتقه أو لسواه من الناس، و”الجاهليين كانوا لا يرثون العبد العتيق سائبة، ويتحرجون من ذلك.” (الموالي ونظام الولاء من الجاهليّة حتى آخر العصر الأموي- عبد اللطيف أرناؤوط)، وفي الجاهلية أيضا كان كل من تبنى رجلاً جعله كالابن المولود له، فورث من ميراثه، حتى نزلت الآية لتبدل الحال وتنسخ كل ما قبلها وتقول {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (الأنفال:75)، كذا في تفسير الطبري ج8 ص271: “قال: و”المولى” اليوم موليان: مَوْلى يرث ويورث، فهؤلاء ذوو الأرحام- وموَّلى يورَث ولا يرِث، فهؤلاء العَتَاقة.” وهكذا تم منع المسلمين من معاملة الأولاد الطبيعيين والمتبنين على حدٍ سواء في النسب والميراث.. الخ.
الشرعة الإسلامية من شدة العنصرية تمنع تبني العبد المُعتَق وتحرمه من العيش في المجتمع كفرد في أسرة له ما لهم وعليه ما عليهم، بينما نجد في قوانين حمورابي او في قوانين العراق القديمة قبل الإسلام بأكثر من ألفي سنة حقوق (التزامات) المتبني مثل: -الالتزام بتعليم المتبني حرفته ومعاملته كمعامله اولاده -الالتزام بالأنفاق علية لمعيشته والا فأن بإمكان المتبنى العودة الى اسرته الأصلية، اما اذا تخلى عن المتبنى (خاصة اذا انجبت زوجته اطفالاً) فعليه ان يدفع له ثلث ميراثه من جميع امواله عدا الحقل والبستان والبيت.
* * *
زواج الموالي:
من شروط الزواج في الإسلام التكافؤ، وهناك من الفقهاء من يرى أن الاستقامة والصلاح من أسباب التكافؤ، وأن الكفاءة في النسب غير معتبرة، كما هو الحال لدى المالكية ودليلهم على ذلك آية: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، والدليل الآخر الحديث الذي يقول: “لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى”
ولكن هنالك غيرهم من يرى أن الكفاءة في النسب معتبرة ولا يجوز تجاوزها حين عقد النكاح، وهم الأغلبية، حيث يرون أن من مس الرق أحد آبائه ليس كمن لم يمسه رق، والحرة يلحقها العار بكونها تحت من سبق من كان في آبائه مسترق، والقاعدة هي أن الموالي بعضهم أكفاء لبعض، ولا تكون الموالي أكفاء للعرب، لفضل العرب على العجم، كما هي الحال عند الحنفية الكفاءة في النسب معتبرة ودليلهم على ذلك ما روي عن النبي محمد، قال: “قريش بعضهم أكفاء لبعض، والعرب بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، والموالي بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل إلا حائك أو حجام”، ولدى الشافعية حتى غير القرشي من العرب ليس كفء القرشية، لرواية” قدموا قريشا ولا تقدموها”، وفي حديث آخر قال رسول الله (ص) “إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء” أي أنهما متكافئان، وكذا قول (ص): “إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم”، وفي المغني المحتاج “الشريفة فلا يكافئها إلا شريف، والشرف مختص بأولاد الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما وعن أبويهما”، وكذا لدى مذهب أحمد الكفاءة “هي الدين والنسب خاصة. وفي رواية أخرى: هي خمسة الدين والنسب والحرية والصناعة والمال.”
نقرأ في فقه السنة، ج2، ص148 أن: “العبد ليس بكفء للحرة، ولا العتيق كفئا لحرة الاصل، ولا من مس الرق أحد آبائه كفئا لمن لم يمسها رق، ولا أحدا من آبائها، لان الحرة يلحقها العار بكونها تحت عبد، أو تحت من سبق من كان في آبائه مسترق.” وفي كنز العمال، ج16، ص319: “يا معشر الموالي! شراركم من تزوج في العرب، ويا معشر العرب! شراركم من تزوج في الموالي (أبو نعيم – عن عتبة بن طويع المازني).”
وها هو عمر بن عبد العزيز يقول في نثر الدر، ج1، ص136: “لا يتزوج من الموالي في العرب إلا الاشتر البطر، ولا يتزوج من العرب في الموالي إلا الطمع الطبع.”، وفي بداية المجتهد، ج2، ص14: “قال سفيان الثوري وأحمد: لا تزوج العربية من مولى، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تزوج قرشية إلا من قرشي، ولا عربية إلا من عربي.”
يقول عبد اللطيف أرناؤوط في كتابه (الموالي ونظام الولاء من الجاهليّة حتى آخر العصر الأموي): “أن العربي كان يعد الهجين من العرب وهو المولود من أب عربي وأم عجمية أحط مرتبة من العربي الصميم الصريح النسب، من ذلك موقف شداد من عنترة، وكان زواج العربي من العجمية أمراً مستهجناً”
بعض الأمثلة التي تعبر عن كيفية تطبيق، ومدى تأثير، تلك القوانين العنصرية في الحياة والمجتمع:
عن الزواج بالموالي، قصة زواج زينب بنت جحش (ثم لاحقاً أم المؤمنين) والتي بالأصل تزوجت بموجب آية استثنائية إجبارية {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]، وعن ذلك نقرأ ما ورد في الحلقة25 عن -تيسير التفسير للقطان، ج3، ص109: “لم ينجح هذا الزواج. فقد تطاولت زينب على زوجها وجعلت تتكبر عليه، وتعيّره بأنه عبد رقيق، وهي قرشية. وآذتْه بفخرها عليه”… وذكر في الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ج7، ص401 أنه: “كان لنصيب (وهو شاعر أسود) بنات فكان يشح بهن على الموالي وتكره العرب أن تتزوجهن”، مع العلم أن نصيب كان مولى عمر بن عبد العزيز”
وفي كتاب الأغاني “إذا تجرأ المولى وتزوج بعربية وبلغ أمره الوالي طلقها، كما حدث لأعراب بني سليم في الروحاء، فانهم جاءوا الروحاء فخطب إليهم بعض مواليها إحدى بناتهم فزوجوه بها، فوشي بذلك إلى والي المدينة، ففرق الوالي بين الزوجين وضرب المولى مائتي سوط، وحلق رأسه ولحيته وحاجبيه”
قال ابن بشير في ذلك: وفي المائتين للمولى نكال…. …. وفي سلب الحواجب والخدود
كتب د. أحمد خليل عن (محمد عمارة- فجر اليقظة العربية ص96): “تزوّج عبد الله بن كَثِير، مولى بني مَخْزُوم، من امرأة عربية، وهو يحبها وهي تحبه، لكن مُصْعَب بن الزُّبَيْر [= ابن العَوّام] فرّق بينهما، لا لشيء، سوى أنها عربية، وأنه من الموالي”، ولو بحثتم في كوكل ستجدون الكثير من الأخبار والمنشورات عن حالات أقرت فيها المحاكم السعودية السجن للزوجين، أو الطلاق بين الأزواج، والتفريق بينهما، بسبب عدم كفاءة النسب.
وكان هنالك تمييز حتى بين زوجات النبي محمد، فقد “قسم عمر بن الخطاب في خلافته لكل امرأة من أزواج النبي (ص) أثنى عشر ألفا، وأعطى جويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف، بسبب أنهما سبيتا” (السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص586، وكذا قيل في سنن البيهقي، والبداية والنهاية)، وفي -الأموال لقاسم بن سلام ج2، ص14 قيل: “لأنهما كانتا ممن أفاء الله على رسوله” وفي انساب الأشرف ج1، ص195 يقول عمر: “لا أجعل سبية كابنة أبي بكر الصديق” وفي ذلك يقول الجاحظ “فضل القرشيات من نساء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على غيرهن”
وهذا يوضح كذب من قال ان زوجات النبي محمد الكثيرة ومصاهراته كانت مهمة للتحالفات، ونصرة لدين (منزل من عند الله لجميع البشر)، لأنها لو كانت كذلك لكانت الأولوية للزواج من القوميات الأخرى (لا منع ذلك)، ولما كان هنالك داعي لأن يتزوج من الطفلة عائشة نصرة للدين مع ان أبو بكر حسب قولهم كان اول المصدقين به.
بالمقابل في التشريعات القديمة السابقة للإسلام بمئات وآلاف السنين نجد ان الوضع كان أفضل مما (تطور) إليه الشرع الإسلامي، مثلا في قوانين الأحول الشخصية في شريعة حمورابي (1750 ق.م) مثلتها المواد (127- 194) “… حرية الفتاة الغنية في التزوج من عبد”، والعبيد في بابل كان ينظر إليهم على أنهم عائلة واحدة، بل وكان بمقدور العبد أن يصير حراً وأن يصبح عضواً في المجتمع له كل حقوق الأعضاء الأحرار وواجباتهم والتزاماتهم، فالعبودية لم تكن بمثابة حاجز يحول بين الإنسان وبين صعوده، كما لم تكن وصمة تخزي الإنسان طوال حياته.
في اثينا القديمة تزوج ارسطو (المعلم الأول للإسكندر الأكبر) بيسياس (384-322 ق.م) ابنة هيرميس بالتبني. أنجبت له ابنة، سمياه بيسياس. وحتى في الجاهلية كانت كفاءة النسب غير معتبرة، على الأقل بالدرجة التي أصبح عليها الحال في الإسلام، نقرأ في -المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج17، ص384: “قد تعرض الجاحظ لذلك، فقال: “وقد قالت الزنج: من جهلكم أنكم رأيتمونا لكم أكْفَاء في الجاهلية في نسائكم، فلما جاء عدل الإسلام رأيتم ذلك فاسدًا”
ما ورد اعلاه كان عن زواج العرب من العبيد المحررين أو الأشخاص من القوميات غير العربية (الموالي)، اما الزواج من العبيد والجواري فله قوانين خاصة وهو محرم بموجب آيات ما لم تتوافر شروط معينة والحلقات (9-10-11) تتحدث عن ذلك بالتفصيل.
* * *
قيل في (كتاب الصحيح من سيرة الإمام علي، ج13): “أن التدين والعمل الصالح كان ظاهراً وشائعاً في الموالي أكثر منه في العرب… إلى أن قال: وكان الذي دعاه إلى ذلك: أن أكثر القراء، والفقهاء، كانوا من الموالي”، وعن ذلك نقرأ في (طبقات الفقهاء, ص58): “قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة: عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي: فقيه مكة عطاء، وفقيه اليمن طاوس، وفقيه اليمامة يحيى ابن أبي كثير، وفقيه البصرة الحسن، وفقيه الكوفة إبراهيم النخعي، وفقيه الشام مكحول، وفقيه خراسان عطاء الخراساني، إلا المدينة فإن الله تعالى خصها بقرشي”
وبالرغم مما سبق من إخلاص المسلمين الغير عرب وتفانيهم للإسلام، نجد أنه تم التعامل معهم باستعلاء وعنصرية وتم استغلالهم على أبشع وجه، نقرأ مثلاً في مشاكل الآثار للطحاوي، ج8 ص77: “عن كثير بن أبي الأعين قال: حدثني أبو الطفيل قال: ضحك رسول الله (ص) حتى استغرب، فقال: «ألا تسألوني مم ضحكت؟» قالوا: مم ضحكت، يا رسول الله؟ قال: «عجبت من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل، وهم يتقاعسون عنها، فما يكرهها إليهم»، قالوا: وكيف يا رسول الله؟ قال: «قوم من العجم يسبيهم المهاجرون ليدخلوهم في الإسلام وهم كارهون»”، وعلى ذات المنوال نستذكر الحديث النبوي “عن أنس، رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): «حب العرب إيمان وبغضهم نفاق»”، بهكذا كلمات ساذجة وتعاليم عنصرية باسم الله كانوا يتعاملون مع اهل البلاد التي كانوا يحتلونها (فتوحات) والتي لا يكون مصير أهلها إلا الهلاك والتشتت والاستعباد وضياع الهوية، وقد كانوا مجرد حكم استعماري غاشم، يقول د. احمد الخليل: “راج مصطلح (الموالي)- على الغالب- في القرون الهجرية الثلاثة الأولى، حينما كانت القيادة في أيدي العرب شكلاً مضموناً”، وهكذا كان بقاء العبودية واستمرارها في ظاهرة الولاء، حيث لا يتمتع المسلم المولى بمزايا المسلم العربي، يقول د. كامل النجار في ذلك: “معظم أهل السير وأهل الحديث وأهل الطب والعلوم، مثل الزمخشري والطبري وابن سينا والرازي وابن سيرين والخوارزمي والسجستاني والبيروني وابن النفيس، وغيرهم كثيرون، كانوا من قوميات غير عربية، ولولاهم لما كان للعرب شأن يذكر، فقد اعتبرهم العرب أقل منهم حسباً ونسباً وقالوا: إذا كان الاسم عجمياً فالعب به.”
وحديثاً نرى بوضوح أن (الأمة العربية) تعودت على تلك العنصرية في ثقافتها، وما زالت إلى الآن تحن إلى استعباد الاخرين، مثلما تفعل اليوم مع الكورد، الآشوريين، الأمازيغ، الأقباط، وبعض الطوائف الدينية…الخ، فنجد مثلاً وعلى ذات النهج والطريق أن علي الشعيبي (كاتب سوري من محافظة الرقة- عضو بارز في اتحاد الكتاب العرب) يصدر كتابه: “كردستان بين الوهم و الحقيقة” يعبر فيه عن أدب الأمة بموافقة وزارة الاعلام السورية، ومباركة الشعب العربي المسلم (بطل محاربة الرسوم الدنماركية، والبضائع الهولندية)، وهو عبارة عن كتاب يدعو إلى قمع الأكراد ومنعهم من العمل والسكن في مدينة الرقة وتهجيرهم, ويعتبر كل من يبيعهم أرضاً أو يتعامل معهم خائناً، وما تفضل به الشعيبي هو ليس مجرد رأي شخصي تم السكوت عنه، وكلنا نعلم انه لا يمكن إصدار كتاب وتداوله في بلادنا ما لم يكن متوافقاً مع الحالة القومية والدين والثقافة السائدة، ولكم أن تتصوروا رد الفعل والحالة الشعبية العامة فيما لو كان الكاتب كردياً وكانت الحالة معكوسة، ونجد المشهد ذاته بعد ما يسمى الثورة على حسني مبارك حين أعلن التلفزيون (الوطني) المصري وأمر المسلمين بالنزول للشوارع لمساندة الجيش ضد الأقباط، هل يوجد تلفزيون وطني بالعالم يهيب بديانة معينة بأن ينزلوا للشارع لمساندة الجيش ضد ابناء وطنهم (مع رضا عام) إن لم تكن هنالك علة بتلك الديانة واهلها؟! والنتيجة في اليوم الثاني مقتل اكثر من 32 قبطياً، بدون اية خسائر للمسلمين او جيشهم (الوطني).
ما سبق يؤكد لنا بأن العالم العربي الإسلامي لا يتعلم من الماضي، ولا يأخذ العبر من الحضارات المشيدة، ولا يحاول إصلاح نفسه، لا زال خادماً لحالة الجهل والأمية المطبقة عليه، لتعاليم عنصرية قبلية، تفضل طبقة أو قومية على غيرها، تمنعه من التعايش مع الآخرين بخير وسلام، ونتيجة لذلك هو نفسه يعيش حالة عبودية وذل، لأنه لا يمكن لشعب أن يكون حراً وهو يؤمن بأن من حقه استعباد الآخرين.
يـــــتـــــبـــــع
https://www.facebook.com/serdar.eh2