العامل الحرامي والعامل الأمين

إن وضعنا السياسي الحالي مثل قصة صاحب متجر صغير في حارتنا فهنالك على الطرف الآخر من الرصيف صاحب متجر صغير لديه عامل واحد يدير له أعماله في وجوده وفي غيابه,والمتجر الذي أتحدث عنه ليس بالبعيد عن منزلي وأنا عاصرت مع صاحب المتجر هذه المشكلة قبل عامين تقريبا,فقد كان العامل الذي لديه حرامي سرسري سراق من الدرجة الأولى يسرق في كل يوم ما يقرب من عشرة دنانير أردنية وهذه إحدى أهم عيوب العامل الفاسد ولكن علينا أن نأخذ بعين الحسبان أن ذلك العامل مع أنه ليس أمينا وليس مؤتمنا على شيء إلا أن لديه عدة حسنات أهمها أنه كان محترفا لمهنته ولا يغضب الزبائن ومن الصعوبة أن تجد وراءه خطئا واحدا ولديه خبرة طويلة في التجارة وماهرٌ جدا في اصطياد الفرص وبسببه كان المتجر يربح الكثير من المال, ولكن الحاج(إبراهيم) صاحب المتجر كان يعلم أن هذا العامل فاسد وهامل ويسرق الكثير من المال وليس لديه دليل آخر على سرقاته فبحث عن رجلٍ آخر تتوفر فيه الشروط اللازمة للمهنة والشرط الأساسي أن يكون هذا العامل الجديد محترما جدا وأمينا على المال,وأخيرا وُصِفَ له رجل مستقيم جدا وأمين ومحترم وليس لديه سجلات إجرامية ويقضي معظم وقته في المسجد ويصلي كل وقت بوقته ولا يتأخر عن صلاة المسجد ولا أي دقيقة وأخيرا جاء إلى هذا الرجل المشهود له بالصلاح والمشهود له بالاستقامة ولكن كان به عيبا واحدا وهو أنه قليل الخبرة وهذه مثل مشكلة الاسلاميين الين يريدون أن يحكمونا بدون خبرة مع أنهم أمناء جدا ولا يسرقون.
وهذه المشكلة لم ينتبه إليها الحاج إبراهيم صاحب المتجر أو لنقل عنه بأنه تعامل معها بكل براءة وقال بينه وبين نفسه في سره(غدا مع الزمن سيصبح ذا خبرة كبيرة) ومرت الأيام والأسابيع وجاء صاحب المتجر ليحسب حسبته الشهرية فوجد أن الأرباح قد تراجعت إلى الخلف وهي أقل من معدلاتها الشهرية السابقة فمثلا كان يربح كل شهر ألف دينار فوجد نفسه في أول شهر مع العامل الأمين قد تراجعت أرباحه بنسبة ليست بالقليلة وتكاد أن تصل في الشهور الثلاثة الأولى إلى 400دينار تقريبا في كل شهر وهي نسبة تزيد على ما كان يسرقه العامل الخائن فالعامل الخائن كان في كل شهر مثلاً يسرق 300دينار أما هذا الأمين فقد كان يخسر في كل شهر 400دينار وهذه مشكلة وورطة كبيرة يجب أن يخرج منها الحاج إبراهيم معافى صحيا قبل فوات الأوان, والحاج إبراهيم يعلم علم اليقين بأن العامل الجديد أمينا جدا على المصلحة ولا يمكن أن يسرق أو أن يمد يده إلى قرش واحد ليس من حقه فأخذ يفتش عن السبب فوجد في نهاية الأمر بأن التاجر السابق اللص والحرامي والمرتشي كان يسرق في اليوم عشرة دنانير أردنية ومع ذلك نسبة الأرباح كثيرة ولكن مع وجود العامل الأمين جدا كان يخسر في كل شهر أكثر من400 دينارٍ أردنيٍ وفي بعض الأشهر على مدى عامٍ كامل كان يخسر في كل شهر 500دينار نتيجة تخريبه وطيشه وعدم خبرته,وهذا يعني أن الخائن لم يكن أمينا ولكنه لم يكن مخربا للمتجر أما التاجر الأمين فإنه كان يخرب في كل يوم ضعف ما كان يسرقه العامل السابق الذي جاء للعمل محله, فما كان من الحاج إبراهيم في نهاية الأمر إلا شيئا واحدا وهو الاستغناء عن خدمات العامل النظيف والأمين وإعادة العامل الحرامي السرسري الذي كان يسرق من المتجر كل يوم عشرة دنانير أردنية.
ونحن مشكلتنا مع محاربة الفساد في كل الدول العربية مثل مشكلة التاجر الحاج إبراهيم, فنحن كان يقودنا قادة لصوص وحرامية ولكن لم يكن فيهم واحد يتسبب بدمار البلد وتخريبه بل على العكس فمع أنهم خونه غير أننا كنا مرتاحين معهم جدا,أما هؤلاء المحاربون للفساد فإنهم فعلا أمناء ولا يسرقون ولكنهم بدءوا بتخريب علاقتنا بدول الجوار وليس لديهم خبرة لا في التجارة ولا في السياسة والاقتصاد السياسي لذلك هم الآن يتسببون بتخريب البلد أكثر من الفاسدين أنفسهم.
وهذا ما يحصل الآن في مصر, فصحيح أن النظام السابق كان كله من اللصوص والحرامية غير أنهم أصحاب خبرات كبيرة في السياسة وفي الاقتصاد وليس فيهم شخص واحد مخرب أو مفسد عن غير قصد, لقد جاء الحزب الإسلامي الجديد ليحكم مصر بدون أي خبرة لذلك قد يتسبب هذا الحزب بدمار جمهورية مصر بأكملها وفي مثل تلك الحالة على الشعب المصري أن يعيد نظام حسني مبارك إلى العمل مرة ثانية وأن يتغاضى الشعب عن سرقاته وتلصصه فهو يسرق …أي نعم,ولكنه لا يقوم بالتخريب ويجمع أغلبية العالم على ضرورة محاربة الفساد بكل أطيافه وأشكاله وألوانه وتعدد مسمياته سواء أكان سرقة في الليل تحت جُنح الظلام أو علانية تحت ضوء النهار أو رشوة أو استثمارا وظيفيا,ولكن النظام الأقل خبرة يتسبب بخسارة أكبر من تلك الخسارة التي كان يتسبب فيها اللصوص،وفي الأردن يريد الإخوان تكرار نفس المشهد والصورة فهم يريدون حكمنا بحجة أنهم أمناء ولا يسرقون ولكن الشعب لا يعلم بأنهم مخربون من الدرجة الأولى وسنصبح ذات يومٍ مثل دكانة الحاج إبراهيم وعامله الأمين الغشيم وعامله الحرامي الخبير,إن الشعوب العربية الآن تريد استبدال الحزب الخائن الخبير بالحزب الأمين الغشيم.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.